بسم الله الرحمن الرحيم
هل تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فما الدليل على ذلك ؟ فكل شي له دليل يؤكد صدقه , فالامام مالك رضى الله عنه , كان يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا شديدا , وكان ذلك واضحا في افعاله واقواله , منها : انه اذا جلس يروي للناس احاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , فانه كان يستعد استعدادا يليق بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانته .
فكان يتوضا ويغتسل ويتطيب ويتبخر , ويقوم بتسريح لحيته , ويجلس على صدر فراشه جلسة فيها هيبة ووقار , تليق بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلما سالوه عن سبب ذلك قال : احب ان اعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولا احدث به الى على طهارة , واجلس متمكنا .
وبلغ تعظيم لاحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , انه كان لا يحدث في الطريق , بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكانه شي عابر ولا هو قائم , وقد بين السبب في ذلك : احب ان يفهم الناس , ما احدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الاكثر من ذلك انه اذا جلس يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , لا يسمح لاحد ان يرفع من صوته , وذلك توقيرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا رفع احد الناس صوته , قال له : اغضض من صوتك , فان الله عز وجل يقول :" يا ايها الذين امنوا لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي " ثم يوضح لهم الامر قائلا : فمن رفع صوته عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , فكانما رفع صوته فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
هكذا كان حب الامام مالك رضى الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم , يضفي وقارا ومهابة على مجلس الحديث وكانت هيئته تزيد الامر هيبة , فقد كان طويل القامة عظيم الهامة , اصلع الراس , ابيض الشعر , وشعر لحيته ابيض , اما وجهه فكان شديد البياض يميل الى الشقرة وكان يكره حلق الشارب , اما عن لباسه فكان يلبس اجود الثياب العدنية .
كان غزير العلم وصفه البعض بانه سيد من سادات اهل العلم , وانه امام في العلم والفقه , ورغم ذلك , فانه كان لا يجيب على كل سؤال يساله الناس , بل كان يتدبر ويتفكر , وقد يقول للسائل احيانا : لا اعلم , فهو يعلم ان الكلمة امانة , وان الله سائله عنها يوم القيامة .
جاءه رجل من سفر بعيد , وساله عن مسالة في الدين , فقال الامام مالك رضى الله عنه : لا اعلم , فتعجب الرجل من قوله , وقال له : اني اتيت من مكان بعيد , قطعت مسافات طويلة , املا في ان اجد جواب مسالتي , فقال لهم الامام مالك رضى الله عنه : اذا رجعت الى قومك قل لهم , اني لا اعلم هذه المسالة .
دخل عليه ذات يوم رجل من اصحابه , الذين اعتادوا حضور مجلس علمه , فقال له الامام مالك : انظر تحت الحصير الذي اجلس عليه , فنظر الرجل فوجد كتابا , فقال له اقرها , فلما قراها , وجد فيها رؤيا راها له بعض اخوانه المحبين له .
فقد راى انه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم . راى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد . وقد اجمتع الناس عليه , فقال لهم : اني خبات لكم تحت منبري طبيا او علما , وامرت مالكا ان يفرقه في الناس , فقال الناس : اذن ينفذ مالك ما امره به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
بكى مالك بن انس رضى الله عنه بعد ان قرا صاحبه هذه الرؤيا فتركه ودموعه تنحدر على خديه .
عاش مالك بن انس رضى الله عنه حتى بلغ خمسا وثمانين سنة , رحل عن الدنيا سنة مائة وتسع وسبعين هجريا , في عهد هارون الرشيد , ودفن بالبقيع .