كاتب الموضوع :
ربيع عقب الباب
المنتدى :
الارشيف
إنه بعض وجع .. شكرا لكم
شكرا لك صديقى العزيز كفافس .. وأبا مريم المصرى
فمنذ مساء الأربعاء و أنا أبحث عن هذا الخبر .. حتى أننى ربما سألت المدينة كلها عنه
وحين وجدته يوم الأثنين سارعت بنشره .. تغيظا وألما من المحنة التى نعيشها ، ونكتوى
بنارها - نحن الأدباء - لا يهم ..
ونزولا على رغبة أخى أبى مريم أقدم لكم العمل
مسرحية
النمر
أو
(خسوف)
تأليف
ربيع عقب الباب
الشخصيات
السلطان : الظاهر بيبرس البندق دارى .. طويل القامة .. حسن الطلعة .. أزرق العينين .. فى
الخامسة و الخمسين .
الملك : حفيد طوران شاه ابن صلاح الدين الأيوبي وهو داوود ناصر الدين
الوزير : تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز
الخاتون : زوج السلطان بنت بركة خان زعيم القبيلة الذهبية المغولية المسلم
شيخ 1 : من محبي التطلع في الفلك و النجوم .. فى الخمسينات من عمره
شيخ2 : .... ..... .... ... .... .. .... .... ... ....
سيف الدين : سيف الدين أنص .. نديم وحاجب السلطان .. وهو صاحب الطعنة الأولى عند
اغتيال الملك المظفر قطز قرب الصالحية .
المكان مدينة حمص من بلاد الشام
الزمان ليلة 28 من محرم 676 الموافق 2 من مايو 1277
المشهد الأول
السلطان الظاهر بيبرس يتابع حركة الفلك من خلال منظار مثبت على علية فى أقصى المسرح أو فى
أحد جوانبه مثبتة على سلم .. تظهر على السلطان آثار السفر ، فهو عائد من آخر غزواته .. وإلى
جانبه شيخان يتابعان معه ، فجأة يحدث خسوف للقمر ، فيدور بالمنظار هنا و هناك فى غير استقرار
السلطان : يا الله .. أين ذهب .. لا أثر له !
شيخ1 : ربما كان خسوفا يا مولاي السلطان .
السلطان : لقد اختفى نهائيا !
شيخ2 : يسمونه خسوف كلى .
السلطان : لكنني أعرف الخسوف الكلى .. و أعرف علاماته .. لا لا .. إنه أكثر من ذلك !
شيخ1 : مولاي .. كنا معا حين حدث الخسوف السابق .. و إن اختلف المكان .
السلطان : لا .. لا .. إنه مختلف تماما .. مختلف .
شيخ 2 : ربما يا مولاي .. يختلف قليلا .. هو أشد قتامة .. ربما .
السلطان : ياللقمر .. ماله يذكرني بتلك الليلة الغريبة .. يأتي بها .. كأنها كانت البارحة .. نعم .. ها
نحن .. وهو .. فى القلب ..كنا نأخذ طريق العودة .. نعم .. ياالله .. كم كان سعيدا مبتهجا ..
يلوح للرجال بحب أبوي .. ويطوى صدره على حزن دفين .. ورغم ذلك ( ينزل من
العلية .. يدور ساهما ) .
شيخ1 : مولاي السلطان .. مولاي .
السلطان : كان الحلم قد تحقق .. تحقق .. ودحرناهم .. وشتتنا شملهم .. و آن أن يعطني حلب .. آن أن
يتكلم .. يفوه بها .. فإذا به يعطيها لغيري .. نعم .. خذلني ..ومنحها لـعلاء الدين على بن بدر
الدين لؤلؤ ..كل منا كانت له أحلامه .. وكل منا كان ينتظر خروجه عن صمته .. تكلم يا
قطز .. لم لا تتكلم .. كيف تعطيها لغيري و قد وعدتني .. أريدك معي .. معي .. إلى جانبي ..
لكنني كنت أريدها .. لم يا صاحبي ؟ أريدك معي .. لكنى أريدها يا قطز .. عندي ما هو أعظم
منها يا بيبرس .. انتظر و لا تتعجل الأمور ....
شيخ1 : مولا ى السلطان .. هذا نذير شؤم .. نعم نذير شؤم .
شيخ2 : مولانا السلطان لا أعرف ماالذى ألم به .. مولاي .. مولاي . ( وقد ترك مكانه وراح يدنو منه )
السلطان : هيه .. هيه .. هل جد جديد ؟
شيخ1 : لا .. و لكن
شيخ2 : مولاي .. مازال فى خسوفه .. أغلب ظنى ..إنه نذير بموت شخصية كبيرة ( وهو يتعجب و
يتمعن فى وجه السلطان ) .
السلطان : موت .. موت من ؟ ( وهو شارد ما يزال ) .
شيخ1 : هذا الخسوف نذير بنهاية أحد الشخوص الكبار .. هكذا كان حالنا معه ( و هو يترك مكانه و
يصبح إلى جانب شيخ 2 ) .
السلطان : ماذا تقصد ؟
شيخ1 : لقد طال خسوفه أكثر مما يجب يا مولاي !
السلطان : أنا أقول لكما .. هذا النوع من الخسوف لا يحدث إلا كل ثمانية عشر عاما .. نعم ثمانية عشر
عاما وأحد عشر يوما ( يغوص فى بحره ) أنت تحنث بوعدك ياقطز .. بيبرس انتظر .. عندي لك
ما هو أجمل ..وأكبر .. لكنك وعدت .. هيه .. أقول لك عندي ما هو أثمن يا رجل .. يا رفيق
النضال و الكفاح .. أنت لا عهد لك .. بيبرس لا تتماد .. انتهى الأمر .. نعم اهدأ .. وسوف
ترى ما لم تكن تتوقع .. والرجال الذين وعدتني فى حضورهم ..سيف الدين أنص ..وعلم الدين
صنغلى .. وسيف الدين بلبان الهارونى و غيرهم .. ووعودك لهم .. أنت لا ترى إلا نفسك
أنت .. نعم .. لا ترى ألا نفسك .. قطز .. مالك .. أتبكى .. قطز إني .. إني لا أقصد .. لا
أقصد .. و لكن .. توقف .. الرجال يحيطون بنا .. كما تريد .. لا أريدها .. لا أريدها ..
شيخ2 : ( يصعد إلى العلية ) مولاي .. هاهو يعود .. يعود .
شيخ1 : يا الله .. هيا نسجد لله على رحمته بنا .. هيا يا رجل .
شيخ2 : ( ينزل من فوره ) ومولانا .. أنتركه وحده .. مولاي السلطان .
شيخ1 : يبدو أنه يفكر .. نتركه لنفسه .. هيا .. لا تحدث قلقا .. هيا ( ينصرفان بحذر ) .
السلطان : أعرف كم كنت تحبها .. لكن هذا أمر الله .. كلنا كنا فى مواجهة الموت .. كلنا .. كانت
بالفعل فارسة .. لها قلب أم .. وروح شديدة الرهافة و الحساسية .. قطز .. لا تجعل الأحزان
تفسد عليك لحظات الانتصار ..نعم .. تعبنا كثيرا ..كثيرا .. اقتربنا من حلب ..بعد قليل نعبر
الحدود إلى الديار .. هيه ( يخرج من حالته .. يبحث عن رفيقيه ) أين ذهبا .. هيه .. يبدو أنى
لم أشعر بهما ( يصعد إلى العلية .. ينظر ) انتهى الخسوف .. وعاد القمر لبهائه ( ينزل ) وآن
لى أن أستريح .. أستريح .. هل يعنى ما حدث موت أحد كما تفوها .. ياربى .. ترى من
يكون .. من تكون هذه الشخصية الجليلة .. أنا .. ولم لا تكون امرأة .. وهل هنا فى حمص
شخصية أجل منك يا ملك الانتصار ؟ لا .. لا .. يا غلام ( ينادى على الساقي ) .
الغلام : مولاي السلطان .
السلطان : هل رأيت من خرج من هنا ؟
الغلام : نعم يا مولاي .
السلطان : أريدهما فورا .
الغلام : أمر مولاي
السلطان : صب لى كأسا قبل أن تنصرف .
الغلام : أمر مولاي .
السلطان : وادع لى وزيري تاج الدين .. هيا .
الغلام : أمر مولاي ( ينصرف ) .
السلطان : ماذا دهاك .. لم أنت خائف .. محض كلام .. وترهات لا معنى لها .. لكنه راح فى ليلة كهذه ..
دبرنا و خططنا ..وبيتنا أمرنا .. حتى حانت الفرصة أخيرا ..فى طريق العودة ..عند المنزلة ..
نعم .. أرنب جبلي .. هل كان أرنبا حقا أم لعبة اصطنعناها لتنفيذ جريمتنا .. انحرف خلف
الأرنب .. كان محبا للصيد .. تركنا الرجال وخضنا خلفه .. ثلة من رجال .. وأرنب لا حول له
و لا قوة .. وسمعت صوتك .. وسماحتك ..كدت أتراجع .. أتراجع .. أتراجع خطفت يدك
لأقبلها ..أقبلها .. تقبلها يا بيبرس .. أم تقطعها ..لم أفلت يديه ..قبضت عليهما بقوة .. بقوة ..
وأتى الرجال .. كل مر عليه .. بسيفه .. برمحه .. بسهمه ..بخنجره .. ياه ( يجهش ) ياله من
مشهد مروع .. كل هذه الكراهية .. كل هذه الكراهية .. أين كانت .. فجأة هكذا ..الطعنة
الأولى .. هزت جسده .. نخعته من صلبه .. الطعنة الثانية .. تمايل لها كيانه .. الثالثة .. أحنته ..
الرابعة .. أركعته آه .. و عيناه لا ترى غيري .. ماتت فى سؤالها الذي لم تجد له إجابة منى ..
إلا بخنجري المسموم .. فامتلأت بدموع .. ثم تهاوى .. تهاوى .. تهاوى كأسد يرقد ..كأسد
كأسد ينام ..يتهالك .. لم لم تصرخ ؟ قطز .. لم لم لم لم ؟
الغلام : ( يدخل حاملا قنينة و كأسا ) مولاي السلطان .. كأس مولاي .
السلطان : هيه .. هاته .. أين وزيري ؟
الغلام : بالباب يا مولاي ينتظر .
السلطان : صب آخر .. ودعه يدخل .
الغلام : أمر مولاي ( يفعل ثم ينصرف ليدخل الوزير )
الوزير : مولاي السلطان .
السلطان : تعال يا تاج الدين .. هل رأيت ما حدث .. هل رأيته ؟
الوزير : رأيت ماذا يا مولاي ؟
السلطان : الخسوف .
الوزير : خسوف ماذا ؟
السلطان : ألا تشم رائحة ما .. تذكرك بشيء حدث منذ سنين ؟
الوزير : مولاي .. لا أشم إلا رائحة العنبر و المسك .
السلطان : كنت نائما يا وزيري ؟
الوزير : لا .. بل كنت أودى بعض المهام .
السلطان : و لم يسترع انتباهك شيء .. أي شيء ؟
الوزير : لا .. سمعت باختفاء القمر الليلة .. ثم عودته .
السلطان : أنت في نعمة أحسدك عليها يا وزيري .
الوزير : لو أن مولاي .........
السلطان : لو كنت معنا ليلتها( يرحل بعيدا ) كنت صاحب الطعنة الأولى .. أتذكر يا سيف الدين ؟
الوزير : مولاي .. فيما تفكر .. أي طعنة .. و أية ليلة تقصد .. أنا تاج الدين وزيرك ولست ..... ؟
السلطان : لم تكن ليلة للنسيان يا وزير ! ( بحدة كأنه بالفعل يحاسبه ) .
الوزير : مولاي .. لا أفهم .
السلطان : لا يهم أن تفهم .. يقولون إن الخسوف يحمل نذير موت .
الوزير : نذير موت !
السلطان : نعم .. موت شخصية كبيرة ..قد تكون حاكمة ..أو حاكم ..سلطان .. أو سلطانة .. وزير ..
أو فقيه .. لا لا .. بل قل شخصية فى منزلة السلطان تماما .
الوزير : مولاي .. ماذا تقول ؟
السلطان : القمر .. القمر يحمل قدرا ما .
الوزير : مولاي .. هل أصب لك كأسا أخرى ؟
السلطان : صبها .. لم لا تشرب معي ؟
الوزير : أمر مولاي ( يصب كأسا للسلطان و كأسا له )
السلطان : سيف الدين.. يارفيق الماضي و الحاضر .. أحس بالموت يحاصرني .. بملامحه فى كل اتجاه .. هاهو
بوجهه يلاعبني .. أترى .. انظر .. دموعه تتساقط على قبضتي .. ألا تر قبضتي .. ألم تتساءل
لم .. لم تفعلون ؟
الوزير : ( باستغراب ) مولاي .. استرح .. لا تجهد نفسك .. لا تجهدها .
السلطان : و أولادي .. و الخاتون .. لمن أتركهم .. أنا من أصبح أحدوثة فى أفواه البسطاء .. وحكايات
لا تنتهي فوق المنامات و الأسرة .. خلف الأبواب و الأسطح .. فى المرافىء .. وعرض البحر ..
وفى الحقول حول نيران الحطب .. أنا من أغلق الطريق أمام فلول الروم و التتار .. أنا .. هل
بالفعل أذهب .. أروح كأي شيء .. كأي كائن .. لا .. لا .. لا .
الوزير : مولاي .. كلنا ذاهبون .. وكل له ميقات يوم معلوم عند الله .. مولاي .
السلطان : لا .. أما أنا فلا .. أمامي الكثير لأنجزه ..الكثير يا وزير .. الكثير يا سيف الدين يا كلمة البداية
الرهيبة !
الوزير : ( باستغراب أشد ) مولاي .. أنا تاج الدين .. تاج ........
السلطان : من هذا .. من أنت ؟ ( يلوح تجاه الساقي ) .
الغلام : مولاي
السلطان : آه .. تذكرت .. أنت .. ادخلهما
الغلام : أمر مولاي
الشيخان : مولانا السلطان ( بخوف و رهبة ) .
السلطان : تعالا .. أقبلا .. لا تخشيا منى .
شيخ1 : خشينا أن نفسد على مولانا لحظات تجليه .. فانصرفنا .
السلطان : قولا لي .. أي نذير كان يحمل خسوف الليلة ؟
شيخ2 : مولاي .. صدق أو كذب .. هو تنجيم و رجم بالغيب !
السلطان : لا .. ليس تنجيما و لا رجما بالغيب .. إنه يحوطني .. يكاد يطبق على .. نعم .. يحاصرني .
شيخ1 : مولاي .. خفف على نفسك .
السلطان : نذير موت ؟
شيخ2 : ليكن يا مولانا .. لكن الشام و المحروسة و الدنيا ملئي بالشخصيات الجليلة .
السلطان : مثل من ؟
شيخ1 : الملك داود ناصر الدين حفيد طوران شاه ..أليس معادلا للسلطان ؟ و الخليفة .....و
السلطان : الله .. يا لك من رجل .. يا وزيري .. هذا رجل يستحق مكافأة سخية .
شيخ1 : ( برعب و تهتك ) مولاي .. مولاي إني ......
السلطان : اعطه ألف دينار .. بل ألفين .. فورا .
الوزير : أمر مولاي
السلطان : هيا .. وأعط الآخر خمسمائة .. لا .. لا .. لا تعطه شيئا .. هيا اتركوني وحدي .. هيا .
الجميع : ( يخرجون تباعا و الشيخان غير مصدقين أنهما نجيا )
السلطان : ( يلقى بنفسه على كرسي ) الآن أستريح .. نعم .. حلها فى غمضة عين .. رجل بنى أيوب ..
ملك على رف .. قطعة انتيكا .. لكنه ملك .. يا الله .. و الخليفة .. الخليفة .. لكن رجل
بنى أيوب يعدلني .. أما الخليفة فخارج الحسبة .. خارجها .. إنه مثل نقش على دينار .. ياه ..
تعبت .. نعم تعبت .. ياه .. كأن جبلا انزاح عن صدري .. غدا أدعوه لأرى بنفسي من منا
المرصود .. من منا يعيش ومن يروح .. نعم .. هيا يا بيبرس .. قم .. إلى أين .. لتنام .. أنام ..
والنذير .. و الموت .. ماذا لو جاء و أنا أغط ..... لا .. ليكن الليلة .. الليلة .. يا غلام
الغلام : أمر مولاي .
السلطان : تخرج من فورك ، ألا تعرف أين يكون الملك ناصر الدين ابن أيوب .. ألا تعرفه ؟
الغلام : أعرف يا مولاي .
السلطان : أبلغه رغبتي فى رؤيته الآن .
الغلام : أمر مولاي .
السلطان : اسمع .. إذا سألك عن مولاك فقل .. يطمع أن تشاركه نخب الانتصار .. هيا .. أين نديمي ..
أين سيف الدين .. ألم يكن أمامك الآن .. بل تاج الدين .. تاج الدين وزيرك .. سيف الدين ..
مالى .. مالك يابيبرس .. فلأرحل عن هذا النزل .. ابتعد ربما رحل عنى .. رحل عنى .. لكن أين
سيف الدين .. أين ابن أنص ( يهرول خارجا وهو يترنح ) يا ابن أنص .. يا ابن أنص !!
إظلام
المشهد الثاني
فى خدر السلطان .. الزوجة على فراشها .. جالسة يبدو عليها التعب .
الخاتون : بيبرس .. مالك لا تهدأ .. أي شي ء أصابك ؟
السلطان : ليتني أعرف .. ليتني .. لكنني لا أدرى ما كل هذا القلق المفاجىء .
الخاتون : تعال .. تعال .. أنت متعب .. استرح قليلا إلى جانبي .. تعال .
السلطان : أكاد أختنق .. أختنق .. هاهو على النافذة .. فى السقف .. على الباب .. و الجدران .. فى كل
مكان أتجه إليه .. يصرخ فى وجهي .. يصرخ .. لو لم يكن شبحا لتخلصت منه .. نعم ..
تخلصت منه .. وبلا تردد .. بلا تردد .
الخاتون : من .. من هو .. من ؟
السلطان : قطز .. ارحمني ..أنت من دفعني .. أنت .. كنت عنيدا لا تبغي ندا .. كنت حجر عثرة .. و أنا
مسكون بطموحات جئت بها من هناك .. من بعيد .. قل للعز أن يفارقني .. يفارقني .. إنه
يحبك .. ويستمع لك .. قل له لم لا ينصرف و يتركني .. هاهو يا قطز .. كأنه ينتقم لك ..
ينتقم لك .. قل له لم يكن بيبرس يخشى أحدا قدر خشيته منك .. وذهبت ولم يقدم لك إساءة ..
كان يرتعد حين يراك .. حين يرتفع صوتك .. حين ......
الخاتون : ( تسرع إليه ) بيبرس .. حبيبي .. لم كل هذا العناء .. أنت فى أوج مجدك وعظمتك .. أطحت
بكل خصومك .. الصغار و الكبار .. وتغنى باسمك العامة و الدهماء .. الفلاحون فى الحقول ..
ما الذي يؤرقك .. قل لي ؟
السلطان : رأسي .. رأسي لا تهدأ .. لا تهدأ يا أم الأولاد .
الخاتون : ربما كنت قلقا على الأولاد .. هيه .. أنت قلق عليهم ؟
السلطان : الأولاد .. ليتهم كانوا معنا .. لكن ليسوا هم شاغلي ووجعي .
الخاتون : فقل لى .. ما بك .. كنت فوق جوادك تتقدم قادة الجيش المنتصر .. وهانحن فى الطريق إلى
الديار .. إلى القاهرة .
السلطان : أكاد أجن .. أجن .. الليلة كان خسوف للقمر .. خسوفا كليا .. وهو مؤشر برحيل عظيم ..
جليل القدر .
الخاتون : و الشام مليء بالعظماء من أولاد أيوب .. وغيرهم .
السلطان : إنها تشبه نفس الليلة اللعينة .. كأنها هى ..نفس الرائحة تزكم أنفى .. و نفس الخسوف
.. ليلة دخلت القاهرة لأكون سلطانا عليها .. نعم .. لها نفس الطعم و الرائحة و الملمح .
الخاتون : يالزوجى الطيب ..يا حبيبي ..دعك من هذه الأوهام .. فالآجال لا يعلمها سوى رب الآجال .
السلطان : ربما كانت أوهام .. لكنها تتملكني .. تسيطر على .. لا أكاد أفهم لم حدث هذا .. كان رقيقا
ورفيقا طيبا .. ورجلا شجاعا .. كان رفيقي و قائدي .. فلم تم ما تم .. لم ؟
الخاتون : كان .. وكان .. مضى وقت طويل .. انس يا زوجي .. انس .. أعمالك العظيمة التى قدمتها
للأمة كلها .. تجب كل شيء .. كل شيء .
السلطان : إلا الغدر و الخيانة .. لكنهم ضحكوا على .. قالوا رأيناه و هو يقتل معلمك .. أقطاى .. ومن
بعد أيبك .. وابن نجم الدين .. وصدقتهم حين أبعد المنصور .. و تربع على العرش .. نعم .
الخاتون : من هم .. من ؟
السلطان : رفاق الخيانة .. سيف الدين أنص .. و علم الدين صنغلى .. وسيف الدين بلبان الهارونى ..
وغيرهم .. وغيرهم .. لكنى انتقمت له منهم .. نعم .. قتلتهم .. قتلتهم أجمعين .. أجمعين .
الخاتون : و أبقيت على سيف الدين أنص .. هيه .. لم ؟
السلطان : كانوا يريدون كل شيء .. كل شيء .. كانوا مثلي تماما .. أما هو فتعفف .. و آثر البقاء إلى
جانبي .. اشترى عمره بذكائه المرهق .. لتظل ماثلة أمامي .. ماثلة أمامي .. ما كان يجب على
تركه .. ما كان .. أتتصورين .. إنني أخشاه .. وإذا مت الليلة .. أخشى أن ...لا .. لا .. لن
أموت !
السلطان : ألم يكن هو صاحب الطعنة الأولى كما قلت لي ذات مساء بعيد ؟
السلطان : نعم .. كان هو الذي افتتح الوليمة .. ألا تبا له من قاتل .. كان لا بد من قتله .. نعم .. بينما
يدي تقبض عليه .. تسجنه كأنها الفولاذ يا خاتون .. كان هو بحربته يقتل رهبتنا وترددنا.
الخاتون : كان يحبك .. أتى بك .. وملكك .. ووزرك .. أليس كذلك ؟
السلطان : نعم .. نعم .
الخاتون : فلم نقمت عليه قبل أن تستوثق من صدق ما نقلوه إليك ؟
السلطان : لا أعرف .. لا أعرف . هل هي طبيعة في .. أم أنهم نجحوا فى غسل عقلي ورأسي بحديثهم .. و
الأشد إليما .. يا بنت بركة خان النبيل حين عدت سلطانا .. عثرت على وصية .. وصية من
قطز .. سلطاني و مليكى .. رأسي .. رأسي .. إذا استشهدت فقد نلت ما أرجو .. وليكن ركن
الدين بيبرس البندقدارى سلطانا فهو القادر على قيادة الأمة .. والحفاظ عليها ..........
الخاتون : تعال .. ربما أسرفت فى الشراب الليلة .. تعال ( تجذبه إليها ) .
السلطان : لا ..ما أسرفت ..ما أسرفت .. لكن رائحة الموت تزلزلني .. وتصيبني بدوار .. إني أرفضها ..
أرفضها و أمقتها .
الخاتون : الموت كأس و كل الناس شاربه يا مولاي .. مالنا حيلة فيه و لا جمل .. تعال ( تجذبه ) .
السلطان : أعرف أعرف .. لكنني .. عندي الكثير لأقدمه ..عندي الكثير .. قضيت على كل المصاعب و
العقبات التي وقفت فى وجهي ووجه من سبقوني .. قضيت على التتار .. و الصليبيين .. و ها أنا
عائد لأفعل ما عجزت عن فعله .. نعم .. الرخاء و البناء و العدل الذي أطمع ..تخون نفسك ..
حتى مع نفسك .. أنت تخشى على الملك .. و الأولاد .. على السعيد .. مازال حدثا .. فهل
يقوى على الملك .. سيكونون لقمة طرية فى أفواه المماليك السفلة .. نعم .. أخاف عليهم ..
أخاف .. ولا بد من توطيد ملكهم .. وضمان سيادتهم .. نعم .. نعم .. و إلا انهار كل شيء ..
ضاع هباء .. هباء !
الخاتون : لو تهدأ قليلا .. اهدأ .
السلطان : وكيف يأتي .. و الموت يحاصرني .. لا بد أن أراوغه .. مازلت قويا .. قادرا .. نعم .. لن أكون
فريسته الليلة .. لن أكون .
الخاتون : مولاي
السلطان : ( يخلص يده ) لا أريد هدوءا .. بل جنونا .. جنونا أريد .
الخاتون : كل هذه تخمينات و تكهنات لا أكثر .. و مداخل للشيطان .
السلطان : إنها يقين فى رأسي .. يقين .
الخاتون : ستدمرك .
السلطان : بل أنا من سيدمرها .. نعم .. أنا .. بيبرس .. النمر .. أبو الفتوح ......( بعظمة وكبرياء ) .
الخاتون : مولاي ( تبكى ) .
السلطان : نعم .. من يستطع مواجهة النمر .. أبى الفتوح .. من .. و لا حتى الموت .
الخاتون : مولاي .. ارحم نفسك .. إنك تصير إلى الجنون .. تصير إليه .
السلطان : أرسلت فى طلب داوود ناصر الدين .
الخاتون : ابن أيوب ؟
السلطان : نعم
الخاتون : لم
السلطان : لا أعرف .. أريده إلى جانبي .. أريده لأضحك على ...... ( يقهقه .. يبكى ) .
الخاتون : لا تستريح إليه فلم .....؟
السلطان : ربما نحدث ارتباكا فى أوصال ملك الموت ( يقهقه .. ثم يبكى برغمه ) .
الخاتون : أتظن ذلك ؟
السلطان : ونس .. مجرد ونس .. وربما بالفعل نجحت فى مخاتلة الموت ( وهو يمسح دمعاته ) .
الخاتون : ( لنفسها ) اللهم لا أسألك رد القضاء و لكنى أسألك اللطف فيه ( له ) هل أستدعى الساقي
ليصب لك كأسا من الشراب .. لا .. بل أصبها أنا ؟
السلطان : لا .. سوف أخرج له .. حتى لا يعوم فى بحار شكوكه المعهودة .
الخاتون : ألا تبدل ملبسك .. إنك مازلت بزى الميدان ؟
السلطان : لا .. أتعلمين .. ليلتها التي تشبه ليلتي هذه .. هتف .. بيبرس يا صديقي الجسور .. هم أولى
ببلادهم و أرضهم .. يعرفونها خير معرفة .. أما أنت فوطنك هناك .. القاهرة .. فى المحروسة ..
لا تتعجل الأمور .. أدخرك لما هو أعظم .. أدخرك .. و لم أفهم .. وما كنت أريد أن أفهم .
الخاتون : لم تكن وحدك .. فلم تعذب نفسك .. لم ؟
السلطان : زمرة الشر و الخيانة .. ما كلفوا أنفسهم كلمة حق ..حتى وهم يرون ما فعل فى الميدان .. حين
فر الجند .. وانهار كل شيء .. كل شيء ..رفع خوذته .. ألقاها على الأرض ..وقتل فرسه ..
وهتف ..كأنه باع عمره للموت .. للموت .. واإسلاماه ..واإسلاماه ..كأن الصوت يأتي من
فوق سبع سموات .. وزوجه الحسناء من خلفه ..واإسلاماه ..وهى ترفع رايته فى عزم ..أذابتني
الصرخة .. زلزلتني .. هزت جذوري يا خاتون .. بل قتلتني خوفا منه .. كأنه رجل لم نعرفه من
قبل .. وفى سرعة البرق التأم الجرح فورا .. و لبى الجند .. وكان النصر .. النصر العظيم ..
النصر المخضب بالدم .
الخاتون : مولاي .. لن أقف مكتوفة اليدين .. و أنا أراك على هذه الحال .. لابد من استدعاء طبيب ..
نعم .. لا بد .
السلطان : أي طبيب .. أي طبيب .. ادع الله أن تمر الليلة على خير .. فقط الليلة .
الخادم : ( من الخارج ) مولاي السلطان .
السلطان : ماذا وراءك ؟
الخادم : الملك داوود ناصر الدين فى انتظار تشريفكم .
الخاتون : ( تدنو منه وبيدها قارورة عطر ، تنثرها على ملابسه ووجهه ورأسه .. تهندم ملبسه )لا تتأخر
على .. إني فى انتظارك ..هيه .. إني أريدك الليلة لتبهج فراشي .. هيه .. لا تتأخر يا أبا سعيد ..
ولسوف أخمد هذه النار و هذه العذابات بيبرس .. هيا .
السلطان : ( بعين دامعة وشرود واضح ) لن أتأخر .. إني قادم .. قادم .
إظلام
يتبع
|