كاتب الموضوع :
anodh
المنتدى :
من عيون الشعر العربي والعالمي
كلمة منسية ... لعينيك
الليلة
بحثت عن كلمة صغيرة
كلمة عذبة أخلفها على صدرك
بعد أن أرحل عنه
كلمة بلا شوك
وبلا حراشف
وبلا هياكل عظمية ..
الليلة
بحثت عن كلمة منسية في مجزرة اللغة
فيها طمأنينة همسات طفلة نائمة
وصفاء لهبة القنديل الزيتي الخافت قرب وجهها
وبراءة حرارة أنفاسها الخافتة المتلاحقة
الليلة
بحثت عن كلمة صغيرة
وخيل إلي أنني أرى ظل حروفها
فوق شفتيك
وخشيت أ أقرأها بصوت عال
فتروح في محرقة الكلمات
رافعة علم نزواتي بلا حدود
تحت الثلج الأسود
لهذا النهار المسعور ..
أعاهد الشيطان
بأن لا أحب بصدق أبدا ...
تحت المطر المسموم
لهذا النهار المسعور
أقف حاملة خطيئة الصدق
كقتيل يحمل جثة قاتلة ..
واصرخ تحت مسامير الرعد
التي تصلبني :
غفران أيها الشيطان !
أعدني إلى حظيرتك
إلى النسيان والخدر واللامبالاة
والضحك والفرح الأرعن ...
واغفر لي أن عصيتك
وأحببت بصدق
وخرجت عن سراطك غير المستقيم
وضعت في متاهة الحب الحقيقي !..
في الشوارع النازفة مطرا
لهذا النهار المسعور أدور
وأندف وأتساقط وأنتحب
ندما على خطيئتي الكبرى
خطيئة الحب الصادق ..
فلتجرف المياه الموحلة
الراكضة إلى المجارير
ذاكرتي معها !..
ليغفر لي سيدي الشيطان
الذي أطعمته دائما
ومنحني سنوات من الجنون والشبق والفوضى ...
وها أنا لأول مرة
أخرج عن طاعته
وأمنح بصدق واخلاص كجدول ...
وها هي عجلات القسوة تدوسني
أنا التي جئت حقل الحب
عارية من أسلحتي
ومن أظافري ومخالبي وأسناني المدببة
وفي فمي صلاة ولمسة حنان ..
عمدوني بماء النار
وركضوا خلفي بالحصى
كركض الأطفال خلف مجانين القرى ..
من تحت خرائب الفرح
لهذا النهار المسعور
يطلع جسدي من جديد ويتكون ..
ومن رماد الخيبة
اتشكل ثانية وأنمو ...
كل الذين ظنوا أنهم دفنوني واستراحوا
يجهلون أنني أنهض دوما من رمادي
وأركض كاهنة للشر الملون
مضمخة بعطر دمي وجرحي
شاهرة أظافري السود وجمر عيوني
في وجه الليل والغربة والوحشة
راجعة إلى حظيرة الشيطان الرحيم
مؤدية لطاعته
رقصة الشهوة المسعورة
رافعة علم نزواتي بلا حدود
مغتصبة أجمل الملاحين إلى جزري
حيث مغاور اللوتس الأسود
واللاعودة !...
أرمي برأسي على فخذ الشيطان
وأصرخ : خذني
وامسح جرحي النازف بلسانك الثعباني
وعمده باللعنة سبع مرات
واغمد اصابعك السكاكين في صدري
واستخرج قلبي المجرم بالحب الصادق
واغمسه في مستنقعات اللامسؤولية
سبع ليال
وجففه تحت النجوم السود
ولتمر به الساحرات
منشدات حوله صرخات الشؤم
ولتخرج الضفادع والحراذين
والأفاعي والسحالي من أوكارها
لتعمده بالسم والنقيق
ليصير قلبا صالحا
للعيش في هذا العالم غير الصالح !
وبعدها سأخرج من هيكلك
حاملة على جسدي بكل فخر
لعنات الرجال الذين خنتهم
والذين سأخونهم !...
والذين غدرت بهم
والذين سأغدر بهم
دونما ندم
دونما ندم
ودون أي حس بالإثم
ساتابع رقصة الحياة الغجرية
أنا الطاعنة المطعونة
المشرعة عمرها لما يأتي
رافعة علم نزواتي بلا حدود
وبلا ندم
بلا ندم
في أيام مقبلة لا ريب
بينما احيل قلوب الرجال
حقولا للانتظار والنزوات المجنونة ..
والدمع الأسود
يتفجر من وقع خطاي
كينابيع اللعنة
واللذة الحادة كطعنات سكاكين
تفرقع كالسياط على جدران معبدي
أنا كاهنة الشر الملون
في أيام كهذه مقبلة بلا ريب
حين يمر اسمك في خاطري
لن تدمع عيني ولا قلبي
ولكنني سأشهق كسمكة أخرجوها من الماء
وكوردة برية زرعوها فوق اسفلت شارع مزدحم !..
ها أنا أنساك ...
أدمر هيكل الذكرى علي وعليك ..
وأترك جثة الذاكرة مشلوحة
لصقور الزمن تنهشها وتأتي عليها ..
وأصنع من سواد عينيك
حبرا لسطوري المتوحشة
مرة
كان حبك
وكان حبك شراع مركب الفرح العتيق
ورحيلا من نهر الظلمات والدم
إلى جزر الدهشة وصحو مطر النجوم
مرة
حبك كان عبارة " ممنوع المرور " في وجه قاطرة الحزن
حبك
رغيفي في قحط التكرار والسأم ...
كان حبنا وعلا جميلا كالحرية
راكضا كسهم افريقي ملون
لكنه حين دخل غابة اشكوك والنزق
علق قرناه في أغصان الحزن الكثيفة
ورغم كل المرارة التي ما يزال طعمها في فمي
كالدم إثر لكمة متفجرة
كانت هنالك لحظات في حبنا
لحظات مضيئة عانقنا فيها الطفولة
والفرح الفرح الفرح
ومرت أيام ...
صار بيتنا الزلزال
واستحال حبنا إلى " هاراكيري " يومية ورسائلنا إلى
مجزرة
وصار حوارنا جلدا متبادلا بصواعق اللؤم
وصار صوتك يخرج إلي من الهاتف
مثل لسان أفعى تسكن سماعته !..
يلدغني
واغفر ... على أمل أن تشاركني ثقل الليل على صدري ...
وثقل الكرة الأرضية فوق رأسي ...
واذكر أيامنا :
مقهى وديعا أكل البحر أطراف أعمدته ...
يهزه صفير قطارات الوداع المتلاحقة حين جاء صفير
قطارنا
كان لامفر
ودعنا المقهى بصمت ودعنا الدرج العتيق بصمت
ورحلنا عن ذلك الربيع البحري
وفرغت الصدفة من لؤلؤتها وشرارتها
وملأها الرمل والضجر والثرثرة الدامعة
أتمدد على سريري
وأتوهم أنني نمت
وحين يغرق في النوم قناعي
يستيقظ قلبي العاري
يهرب مني راكضا في الشوارع
كزعيق سيارة الاسعاف
يركض قلبي العاري معولا
مطلقا ساقي البكاء للريح
ويغلق سكان الحي نوافذهم
ويشتمون صوت العاصفة ...
إنهم لا يعرفون أن العاصفة هي غبار القلوب
المنطفئة ...
إن العاصفة هي صوت قلب لم يثأر له !..
إن العاصفة هي صوت بكاء قلب
بدأ ينسى ينسى ينسى
وهو لا يريد أن ينسى
لا تقل لي " ماضينا " معا و " مستقبلنا " ...
ها أنا أنساك ...
وحبيبي اسمه " الآن "
" البارحة " و " الغد " كلمتان
أطلقت عليهما الرصاص
ولن أهاجر إلى الماضي لأعيش بك
فالمهجر إلى الماضي كمحاولة الآقامة في قارة الاتلنطيد
التي ابتلعها البحر منذ دهور ...
والهجرة إلى المستقبل موعد غرامي فوق سهول
القمر في " بحر الهدوء " عام 2020 !
الآن
أو أبدا ...
وها أنا أنساك ...
وأنا شريدة في وهج الربيع
نيسان يطلق في الجو صرخته :
ها هو ربيع جديد يأتي
نيسان يستعيد مملكته
صدر الأرض يخفق يتفتح
يزدهر يتنهد التراب رائحة زهر الليمون حارة كثيفة
موحية كالذكرى ...
فأتنهدك أتنهدك أيها الغريب ...
نيسان يبسط عباءته الملونة
يكسر قارورة الوجود العطرية على شواطئ لبنان
وأنا شريدة في وهج الربيع
شريدة في الليل العتيق المذهل
ليل نيسان الذي يفتح المسامات النفسية
للحب والحياة لازدهار الجسد
( ليل الطفلة محروقة الخدين
لا ليل المقاهي والأقنعة والكرنفالات الاجتماعية )
فأتنهدك وأذكرك
دوما تأتي إلي عبر إيقاع الأرض ومع غليان التراب
بالعطاء ... مع رائحة زهر الليمون رائحة الاحتضان
دوما تأتي إلي من نزيف ذاكرتي ..
وعبثا نفتح في جدار الفراق كوة ...
وعبثا ننسى أننا صنعنا الربيع ذات مرة !
أصرخ : من له قلب فليتبعني ...
ولكن حين أعانق سواك أيها الشقي
أكتشف أنني أعانق أجساد رجال مقطوعي الرؤوس
وحتى رأسي
أحسه ينفصل عني
ليعوم مقطوعا فوق بحر الليل والحزن ...
نيسان يطلق في الجو صرخته
فأتنهدك وأذكرك
وأشم رائحة أيامي معك ...
وانتثر في فضاء الليل
وأتراكم كالغبار على مرايا أيامنا القديمة
وعبثا ألتصق بصورنا الهاربة إلى داخلها ...
كيف ضيعتك أيها الشقي يا ربيع القلب ؟..
سعداء كنا
ولم نستطع أن يغفر لنا الناس ارتكابنا
جرم السعادة ... كان لنا ربيع في قحط شتائهم ...
وكان لابد من عقابنا ..
وتم اعدام قلبي _ السنونو
لأنه طار بعيدا عن قبيلة الغربان والشتاء والروتين
واحترف البحث عن الربيع والدهشة ...
لكني أتوق اليك
حين تصير الأيام مكررة وبلهاء
مثل أشرطة تعلم اللغات بالمراسلة ...
أتوق اليك
حين تصير الوجوه حولي أصناما يغطيها الجليد والرياء
وحين يصير الشوق متسولا في دروب مجهولة
وحتى الكتابة
تصير صدأ في الشرايين
أتوق اليك
لأن الشمس لفظت أنفاسها
وداست جثتها أقدام السكارى
( بالحياة الاجتماعية ) الناجحة
أتوق اليك
لأنني كلما ازددت ايغالا في أرض الشهرة
كلما اكتشفت كم أنا وحيدة وحزينة
مثل مرصد مهجور في قمة جبل ...
أتوق اليك
لأن ذئاب شتاء الحزن
انتشرت في دروب أعضائي
أتوق اليك
لأن القلب الذي عرف معنى مرورك بقريته الكئيبة مرة
مازال يتوق لبيارقك الملونة وأناشيدك
أتوق اليك
لأننا معا ربيع !..
أيها الشقي
لو تزهر جذورنا في الأرض الحرقة
لو تشق براري الركام
لو تعود الريح لتكون صوتنا
لو !..
لو أنني لم أتركك تمضي
لو أنني لم أصر على أن أمضي
لو
لو كنت أدري
أنني حين أسدل الستار نهائيا على مجزرتنا
أكون قد أغلقت أيضا كوة الربيع في عمري ..
لو !...
لو !...
لو عرفنا أننا ساعة افترقنا
تدلى ربيعنا إلى الأبد طفلا مشنوقا على شجرة
يهتز أمام أعيننا مثل ناقوس هائل في كاتدرائية
يقرع لهول عظيم ...
لو ...
هل يمكن أن ننسى
أنه كان لنا ربيع ؟
وأننا ركضنا معا فوق درب المجرة المرسوم
باللآلىء ...
وراقبنا الكون كيف يزهر الضوء والموسيقى
والضحك حين يغسله قلبان بالحب ؟
هل نستطيع أن ننسى ربيع الوجود
حين أسرجنا النجوم الملونة
وصنعنا منها مركبة للفرح المجنون
ونصبنا أرجوحة اللعب إلى الكواكب المشعة
وأرحنا خدنا إلى أبراج الأساطير
لو !...
لو لم نفترق
وتنطفئ النجوم كالفقاعات
ويعود الكون ليقذفنا من رحمه
وتبدو الكواكب من جديد محايدة ولا مبالية
وخاضعة لقوانين الفيزياء وحدها !...
آه كم افتقد حبك !
ونيسان يطلق صرخته والأرض تمارس الفرح
طويل هو شتاء الانتظار
بين الحب والموت ...
طويلة هي تلك الأيام
الممددة في غرفة الجراحة
على طاولة طبيب مجنون اسمه " القدر " ...
طويلة هي أظافر الليل السود
حين يحاصرك بالصحو
ويسيجك بالذكرى
ويستبيح حجرات النسيان
فينبش صناديقها
وبالجمر يرسم على صفحة القلب
صورة لوجه كان ربيع القلب ...
تتأمله وتشهق
ويلتحم الضحك بالبكاء
وتهرب من فراشك
وعبثا تغسل وجهك بالماء البارد ...
كيف تطفئ حريق القلب بغسل جلد الحواس ؟ ...
تعال يا من وجهك الرحيل
ونظرتك الشفرة الرجمية وصوتك الهاوية
تعال وأزهر داخل لحمي
تدفق في روحي كالنزيف
وفجر في ودياني ينابيعك
تعال واعبرني كصاعقة
وانتشر في كعروق الذهب في الصخر
واحتوني كنار تأكل بيدرا
تعال كي يزهر البرق في رماد القلب ...
أنت يا ربيع القلب ...
أعلنت عليك الحب
كانت القسوة خطيئتك ..
وكان الكبرياء خطيئتي ..
وحين التحمت الخطيئتان ..
كان الفراق مولودهما الجهنمي ..
طالما قررت : حين نفترق
سأطلق الرصاص على صوتك ..
وأربط جسد ذكراك
إلى عمود رخامي
وأضرم فيه النار
كما كانوا يحرقون السحرة وشرورهم ...
واليوم وقد افترقنا
أفكر فيك بحنان
وحزن ملئ بالصفاء
كهمس الصحراء للسراب ..
فراق أو لا فراق
إني أعلنت عليك الحب ..
إني أعلنت عليك السلام ..
إني أعلنت عليك الشوق ..
إني أعلنت عليك الغفران ..
ولست بنادمة
لأنني أنفقت عليك جسدي وروحي ..
برد برد
وسجادة النجاح من الجليد
وجوه الأصدقاء
حقل مزروع بالألغام ...
وأصابعهم خناجر ..
وحدك كنت
ملاذ القلب _ القنفذ
ولأجلك وحدك
استحالت اشواكه سنابل
ربما لذلك
كانت طعنتك الأشد حذقا ونفاذا ...
قليل من الشجار
ينعش ذاكرة الحب ...
قليل من الشجار
ينعش قلب الحب ..
لكننا شربنا من خمرة الشجار
حتى ثملنا
وقتل كل منا صاحبه
وعربد على جثته
حتى دون أن يلحظ ذلك !..
وأيضا أغفر لك
أنك حولتني من عصفور الرحيل
إلى مسمار في تابوت الغم
كنت ممتلئة بك راضية مكتفية بك
ولكن زمننا كان مثقوبا ..
يهرب منه رمل الفرح بسرعة
أتعذب ...
بسبب ما فعلته بك ...
بعد أن ارغمتني على أن أفعله بك
أعلنت عليك الحب
أإعلنت عليك السلام
أعلنت عليك الغفران
بقي أن تعلن على نفسك
السلام والغفران
أما الحب
فأنت جسده ...
تم كل شيء بسرعة الصاعقة
وامتزجت في حكاياتنا
شهقة الولادة
بشهقة الاحتضار
طويلا تعثرت
في شبكة عنكبوت الحيرة ...
وكانت كلمة وداعا
جسر الفرار الوحيد الباقي ..
وكانت كلمة وداعا
قاسية كضربة إزميل في رخام ..
وها هي ثلوج النسيان
تهطل تهطل تهطل
وعبثا تغطي معالم حديقة حبنا ...
قبل أن انام
اطرد صورتك من رأسي
بكل تعاويذ العقل
وكل القوانين الاجتماعية ..
ولكن حبك يقطن
تلك الدهاليز في اعماقي
التي لا تطالها سلطة الملك _ العقل
حبك يتكاثر
ويتناثر
ويتناثر في داخلي
ويصدعني
ويتناسل دونما مبالاة بشهادات الميلاد الرسمية ...
وهكذا
حين أظنني رحلت إلى النوم
يظل جزء مني يتابع حياته السرية
مسكونا بك ..
ممعنا في حبك ..
ويوقظني عند الفجر
بضربة من فأس الشوق
في منتصف رأسي ...
أهو صداع ؟
أم تصدع في روحي ؟..
أيها الغريب على مرمى صرخة
البعيد على مرمى عمر
إني أعلنت عليك الحب
إني أعلنت عليك السلام
إني أعلنت عليك الغفران
رغم كل ما كان
وما قد يكون !..
وحده حبيبي الحقيقي ...
لقد نضج الموت في حقولي
فمتى القطاف ؟
تنسحب الحلزونة إلى صدفتها
ينطوي الذئب الجريح على نفسه
تنحسر الخلايا داخل متاهاتها
وحتى المحيط يحشر نفسه في مغارة
والحائر يلتف في قشرة صمته
فمتى
متى يلملم قلبي الضال مواسم جنونه
ومتى تحنو القسوة على ذاتها
وترق الشراسة على جروحها ؟
كلهم يتساقطون عني
في براري الهرب والغربة يتدثرون بخدرهم
كلهم يتناثرون عن مسيرتي الأكيدة
نحو قارة الصحو اللامتناهي ...
بياض جدران المستشفى بياض أبرة المصل
بياض الصمت
تنتظم أنفاسها
متواترة مع أنفاس الليل الوديع ...
وحدها آلامي
تتلاحق نبضاتها
وتشمخ نائية
وتنتصب كعمود النار الراقص ...
وسط الغابة الساكنة ...
حين يتعب جسدي
من الرجال جميعا ...
يتسلل " السيد الحزن "
ليعانق روحي ...
يعرف جيدا رقم هاتفي ...
ويعرف طريقه إلى مخدعي ...
ويدوس بقدميه الثابتتين
جثث عشاقي المتلاشين حولي ...
و أستقبله دونما دهشة أو بكاء ..
مرصودة له ..
وتسجد الضوضاء
حين يسعى إلي حبيبي ...
ويحبس كوني أنفاسه
حين يحتويني حبيبي " السيد الحزن " ...
وتتلصص الصقور والغربان
لترى عرسي الوحيد الحقيقي ...
وحين أتأمل وجه حبيبي
" السيد الحزن "
حين أتأمل وجهه جيدا
أرى وجهي
كما لو كنت أحدق في مرآة
أتأمل عمري على شاشة الجدار الأبيض :
آه كل ذلك الضجيج لا يجدي ...
كل ذلك الصخب والعتب
ومسرحيات الوصال والشجار
وكل ذلك الركض المسعور في الليل
والأحاديث الهاتفية الصباحية المحمومة
واللمسات المختلسة
والنظرات الخجلة المشحونة بالصراخ
كل ذلك لا يجدي ...
ف " السيد الحزن "
يعرف دوما طريقه إلي ...
وحين يمد أصابعه الشفافة
تنهار كل حصون الزحام والصخب
مثل بيوت من ورق اللعب ..
هدمتها في غمضة عين رفة عصفور ...
لقد جربت كل الوصفات
ضد حبيبي الحزن ..
وحملت كل الأحاجي العتيقة ..
ولففت على جسدي كل التعاويذ ..
ومارست كل ما تعرفه المرأة
منذ أقدم العصور
وكل ما اكتشفته في آخر الزمان ..
واتخذت من أوسم الرجال دروعا
واختبأت داخل أجسادهم منه ...
لكنه يا إلهي كضبع الاساطير
وحين يهمس تحت نافذتي
لا أملك إلا أن أتبعه مسحورة منومة ..
إلى وديان الأنين الباكي ..
اسكن قصرا ؟
في الشوارع ينطلق قلبي
في الشوارع ينطلق قلبي
وحيدا تحت المطر
بلا معطف وبلا مظلة
بلا مظلة
يا حبيبي يا طفلي يا حبيبي
يا حصني ضد زحف الكوابيس
افتح عينيك
ومد اهدابك سقفا
فقلبي وحيد وحيد
كإصبع مقطوع عن جسده
وروحي شهقة
بدأت بالتلاشي
بالتلاشي ...
مغفورة خطايا كل الرجال الذين عرفت
مغفورة خطايا الذين احببت
فأنا لم أخلص لأحد منهم
وكنت باستمرار أخونهم
مع حبيبي " السيد الحزن "
حتى وأنا معهم
بل بالذات وأنا معهم ...
الليل طويل طويل
لكنه لا يتسع لتنهيدة من صدري ...
والشوارع مظلمة مظلمة
لكنها تضن بالمفاجأة أو الدهشة ...
والأبجدية شاسعة
لكن الحوار قد اهترأ ...
وحده الحزن
يطل لا متناهيا واثقا من نفسه
وحده يعرف كيف يمتلكني
وفي ملكوته وحده
أعرف شهقة التلاشي ..
معك عرفت أن الأرض مسطحة !...
يا غريب ...
لاتصدقني حين أقول لك
انني نسيتك ...
وان صدرك لم يعد وكري
وان عينيك لم تعدا أفقي
وان غضبك لم يعد مقصلتي ...
فقلبي مايزال كرة ذهبية
تتدحرج على سلالم مزاجك
وساحات الصحو والمطر في أيامك ...
ولا تصدقني
حين أقول لك : انتهينا ..
وأرمي في وجهك
كنوزي التي خزنتها كبخيل :
رسائلك وموسيقاك
وعقدا من الياسمين الجاف
وقارورة عطر فارغة
وشمعة نصف منتهية ..
لأنني بعد أن تمضي
ألملمها عن الأرض بشفتي
وأغسلها بنبيذ أساي ..
وأستحيل قصبة مثقوبة ..
تصفر فيها رياح الندم ..
مع كل فجر
أعد نفسي للفراق
كعروس تزف إلى حبيبها المرصود لها ...
وبأحزاني أطعن وجه النهار
وأعد نفسي للفراق
وأقول لك انتهينا ...
لكن حقل الجمر في وادي حبنا
مايزال يغلي تحت الرماد ...
وشوقي اليك
ما يزال مثل طيور البحيرات
يهب نحو ضفافك
قبلك ! كثيرون .. ولا أحد
بعدك ؟ انت !..
قبلك كنت امرأة تتثاءب
بينما يقبلها رجل ...
وتتابع برامج التلفزيون
بينما يحتضنها ...
قبلك كنت أحتضر ضجرا
مثل نقطة داخل دائرة !..
معك استحال جسدي
من صحراء قاحلة إلى عنقود من ضوء ...
وصار قلبي غزالا
وصارت أصابعي خمس فراشات ..
معك وحدك انصهرت رقصت تناثرت
استحلت جنية أسطورية عارية
تركب حصانا عربيا أصيلا
يعدو بها إلى فجر الفرح ..
مخلفا مقبرة الماضي خلفه ..
معك عرفت سكاكين الانتظار
والهاتف الذي يجيء ولا يجيء
( الهاتف الذي ينشر الحب في المدينة كالزكام ) ..
معك عرفت أغاني
جنيات الشك والخوف من الزمن
وكنت قبلك لامبالية كطاحونة هواء
وشاردة كسمكة ..
معك عرفت أن الأرض مسطحة
لأنها ممدودة على طول جسدك وسريرك
وتنتهي عند أصابع قدميك
معك عرفت أن الأرض لا تدور ..
وإنما تتكوم أمامي كقط وديع لاهث ...
وحينما تبتسم تستحيل الأرض حلما شفافا وتعوم
كالزورق فوق بحيرات قوس قزح ...
معك عرفت كيف تستطيع الموسيقى
أن تكون حفارة
تفجر كل لوعة القلب المرهق ..
معك صار جلدي القلق ووسادتي الوساوس ...
من سقف الصمت
يتدلى صوتك العاتب كالمصباح الشرس ..
آه لا تعتب يا غريب ..
ليس صحيحا أنني تسيتك ..
لكنني كرهت أن أغسل فراقنا المختوم
بالدمع وبقايا الكحل
وألفه بكفن كلمات الوداع التقليدية
لذا أشعلت فيه نيران الكبرياء
ورميت برماده في البحر
حفنة من الصمت واللامبالاة ...
وها هو حبي ينهض من رماده
ليحبك من جديد ...
كيف تصدقني يا غريب
حين أقول لك انني نسيت ؟..
وانني صرت استعرض أيامنا الماضية
بحياد عالم آثار أمام رف في المتحف ؟..
كل تلك اللحظات المضيئة كالشموع
هل يمكن أن تنطفئ إذا حاصرتها رياح الحزن ؟
كل تلك الأيام الجميلة
مثل سرب من الأحصنة البرية
انطلقت إلى الأبد في حقول ذكرياتنا ..
وستظل تركض
تركض داخل عيوننا
وتمنع ذاكرتنا من النوم عما كان ...
كيف تجرؤ على أن تصدقني
حين أقول لك
أن شرنقة النسيان
نبتت حول تلك اللؤلؤة الوحشية السوداء
التي كان اسمها حبنا ؟..
هل نسيت ارتجافي بين يديك
مثل عصفور لم يتعلم الطيران بعد ؟..
وساعات الهمس ؟..
ومسحوق الجنون
وسحابات انين المتعة ؟..
كيف تنسى ؟
وكيف تجرؤ على أن تصدقني
حين أقول لك أنني نسيت ؟
وكيف كيف أغفر لك
أنك صدقتني
حين قلت لك أنني نسيت ؟...
أيام بين الجمر والرماد
طويلا تمددت على الشفرة
بين قارة الحب وقارة الوداع ..
وتعذبت بصمت
وها قد هبط طائر النسيان أخيرا
واستقر فوقي كرخ اسطوري
وهيمن على جسدي وروحي
وها هو يلفني بجناحيه :
جناح النوم
وجناح السكينة
بعدما عصفت بي رياح الأرق والعذاب
وطوحتني في الفراغ ريشة دامية ..
اني لاأصدق
كيف انتقلت فجأة من مرحلة الجمر
على مرحلة الرماد
وصار اسمك نبعا للذكريات العذبة
الذكريات الذكريات
الذكريات : لاأكثر!...
وانتهت رحلة الخروج
عن منطق الزمان والمكان ...
وعاد قلبي ليدق ببطء وانتظام
وفقا لقوانين الفيزياء ...
بعد أن كانت ضرباته لك
قرعات طبل وثني في معبد للعراة والشمس ..
وانتهت مرحلة الجمر
وها أنا أعود إلى نافذتي العتيقة
أتكوم داخل جسدي العتيق
أرقب الخريف يزحف إلى الحديقة
وفي دمي صهيل أحصنة لا تتعب
تحمل إلى باستمرار
أفراح الربيع المقبل وفارسه ..
عمر الكبرياء عندي
أطول من عمر الحب
ودوما يشيع كبريائي حبي إلى قبره
ولم أدر أبدا
جلادا كنت أم ضحية !..
قاتلة أم مقتولة ؟..
في الحب يختلط الدوران
من خلف براري الحزن
يعود وجهي إلي
وقد خلف هناك جسد أيامنا الماضية
هامدا ومنسيا ومصلوبا كفزاع طيور ...
طالما استيقظت مشنوقة بحبل ياسمين
اشتريته لي في الليلة الفئتة ..
أتأرجح وأتدلى في الفجر الزجاجي الساخر
وأصرخ اسمك
بحنجرة مقطوعة !
كان من المستحيل
أن ينبت قمحي فوق صخرتك
وكنت أعرف ذلك منذ البداية ..
ولكنني نشرت فوقك سحبي
واحتضنتك كما يحتضن البحر الأفق
فالمستحيل حرفتي
ظللت زمنا طويلا
والكدمات تملأ قلبي
والمستحيل حرفتي
وأحبك !..
الآن تتناثر أيامنا الجميلة كالغبار المضيء
كل ذلك الماضي الذب
تحت عجلات قطار الزمن
لقد أحببتك زمنا
لكنني لم أفقد القدرة أبدا
على التمييز بين أعضاء جسدي
وأغلالي !..
من اليأس البارد
تشرق دوما شمسي السوداء
وأعود صلبة وكثيفة وحارة
أصير امرأة مسكونة بالآهات
التي لم تقتلها !..
تشرق شمسي السوداء
وأصير منصهرة وصلبة
لأنني أعاود طيراني
محرقة ومحترقة
دونما نهاية ...
لقد احترقت عشرات المرات
حتى غادرني غباري وبكائي
وغادرني نسيج العنكبوت
الذي تحيك منه النساء عادة
عواطفهن الميلودرامية ...
فشمسي السوداء
تشرق دوما من جرحي
تحرق رخاوة الخوف والتمهل ...
وحين تظنني قد مت
أكون قد بدأت استيقظ
مثل غابة مسكونة بالأسرار
وبأكثر مما نتوقع أو ندري ...
وحين تظن أنني قد بدأت أبكي
أكون قد اكتشفت كيف أضحك
بملء شفاه جرحي !..
أوغلنا معا في غابة الجنون
وتجاوزنا كل الأسلاك الشائكة
وضحكنا من كل لافتات " ممنوع المرور "
وها نحن اليوم نأكل جثة ذكرياتنا
على مائدة النسيان ...
مباركة كانت أيام الحب
ومباركة أيام الاحتضار
ومبارك انتحار الذاكرة ..
أودعك
وأعود إلى حروفي
ألفها جبيرة حول أعضاء أيامي
التي كسرتها الخيبة ..
وحدها عكازي
في مسيرة النسيان
كم أحب أن أحبك
ذلك الصباح حين أيقظتك
وجاءني صوتك على الهاتف
مسكونا بالنعاس والبراءة
شعرت بأنني ولثانية
لمحت وجهك الحقيقي العتيق
وكما تضيء ومضة البرق كل شيء لبرهة
شاهدت عبر صوتك الصباحي
حقولك وجبالك ووهادك
وكانت فسيحة ومترامية
وباهرة الفرادة
مثل كوكب الأمير الصغير
ذلك الصباح حين أيقظتك
كانت مخالبك ماتزال نائمة
وأنيابك ماتزال مسترخية
ومخاوفك وشكوكك وبالتالي شراستك
ماتزال تغط في النوم ...
وجاءني صوتك شهيا مسكونا بلهفة المراهقين
ينبض حرارة وأنت تقول : " صباح الخير حبيبتي " ..
وتخيلت أن جسك لابد وأن يكون في تلك اللحظة
حارا ونابضا كصوتك ...
حين تكون هكذا
لاأملك إلا أن أحبك
حين تكون نصف نائم نصف يقظان
تصير رجل الحب المثالي ...
تصير حنانا بلا شكوك
ولهفة بلا ذاكرة
وعطاء بلا مخاوف ...
ولكنك حين تستيقظ
تصير رجلين
رجل يحب وآخر يحاسب
رجل يقبل وآخر يضحك من الذي يقبل
رجل يقول أنه سيمنح إلى الأبد
وآخر يهمس ساخرا : أي أبد أيها المراهق
أنت فن والحب فان
وكل ما تقوله أو تفعله ليس جديدا
سبق لك أن قلته
وسبق للرجال أن فعلوه وكرروه نصف مليون عام !.
لا يهمني أن تقول لي كلمات مكررة
لا جديد ي اللغة
لكنني أستطيع أن أميز نبض الكلمة وشرارتها
وأستطيع أن أميز بين لغة ممدودة على أرض الصباح
مثل الأسلاك الكهربائية التي لم توصل بعد
وبين شبكة من الشرايين والأعصاب
لها شكل كلمات ...
فقل لي كلماتك القديمة كلها
قل لي كل كلمة قلتها لامرأة سواي
ولكن قلها وأنت نصف نائم نصف يقظان
وقلها بحرارة
كحرارة جسدك لحظة اليقظة الاولى ...
كم أحب أن أحبك
لايمكن لامرأة مثلي
إلا أن تحب وغدا مثلك
لحظة يكون نصف نائم ونصف يقظ
ومخالبه غارقة في ريشها كمخالب القطط
نصف الغافية نصف المتأهبة للصيد
وأنيابه ومخاوفه وشكوكه آثامه وأحقاده
لما يستحضرها عقله الواعي من مغاور الخدر ...
هل أنت قريب
على مرمى دمعة مني
وبعيد
على مرمى عمر !...
أيها الشقي كيف ضيعتك
في زحامي
أيها الشقي كيف صدقت زحامي
كيف صدقت زحامك ؟...
أيها الشقي اكرر :
الصداقة مشروع حب
والحب مشروع جرح
فهل في صدرك موضع لطعنة ؟...
بل الصداقة مشروع ضجر
والضجر يقظة ...
فهل لديك لحظات
بين النوم واليقظة بين الخدر التام والوعي التام
نعيشها معا
قبل أن نغرق من جديد في رتابة النوم أو بلادة اليقظة ؟..
أنا نهر من النزيف
عبثا يوقفون تدفقه بسدادة زجاجة نبيذ
أشتهي صخورك سدا
يوقف انهيارات الدقائق والثواني ...
ولا يهمني بعدها
إن سقطت مضرجة بالذكريات
أو سبحت في بركة من أحزاني ...
المهم أن نلتقي ثانية
في لحظتك المجيدة تلك
حين تكون نصف نائم نصف مستيقظ !...
أسافر ... وفي حقائبي ذكرياتنا
وافترقنا ..
وها أنا حفنة من الزجاج المسحوق
عبثا تستعيد صورتها كامرأة ...
واقترقنا
السفن تطلق صرخات الوداع
في مساء المرافىء ...
والطيور المهاجرة
لاتملك إلا الطيران
في مدارات رحيلها المحتوم
وزمن المد انتهى
وها هو الجزر ينحسر
عن الصخور التي طالما ملأ ثقوبها الموحشة
ماضيا عنها إلى غير رجعة ...
لا قطرة في الموج
قادرة على العودة إلى ذرة رمل سبق واحتضنتها
كل ما في الطبيعة
يستعصي على التكرار
وكذلك حبنا
وافترقنا
يا للجنون ... وأنا أحبك هكذا
وانت تحبني هكذا
أي شيطان يسكنني
ويجعلني أغمد سكيني
في جسد الحب الغض
مستبقة بذلك
سكين القدر المحتومة؟
أي شيطان يسكنني
حتى أصرخ كساحرة مجنونة :
بيدي لا بيد الزمن ...
علي وعلى احبائي يارب !..
وافترقنا
وسف تنقضي أيام طويلة
قبل أن نم في الشوارع
التي طالما احتضنتنا معا
دون أن تقفز صورة كل منا
داخل عين الآخر
واسمه ..
والحوار الذي تبادلناه هناك
وضحكاتنا المختبئة في الزوايا ...
وسوف تنقضي أيام طويلة
قبل أن ألفظ أسماء أصدقائي
الذين يحملون اسمك نفسه
دون أن أغص ويرتجف صوتي ...
وسوف تنقضي أيام طويلة
قبل أن اسمعهم يتحدثون عنك
ويلفظون اسمك
دون أن تغمد في صدري
سكين الشوق ..
وسوف تنقضي أيام طويلة
قبل أن أخط اسمك
دون أن تدمع عين قلمي !..
وافترقنا
لكن الزمن لابد وأن يمر بدواليبه
فوق جسد ذكرياتنا
ويطحنها جيئة وذهابا ...
وفي النهاية لايبقى إلا التراب ...
من الضوء وإلى التراب تلك حكايتنا ...
وافترقنا
وها أنا أرحل
وفي حقائبي الذكريات ...
آه الذكريات
اودعك
وأقف على طرف الكرة الأرضية
ثم أقفز إلى الظلام ... والمجهول
فراقك
شوكة في حلق زمني الآتي
لاجسد لهذا الحب
في فضاء الأيام
لامكان له في عمرنا المطعون
ولم يعد بوسعي أن أخطو اليك
ولم يعد بوسعي أن أخطو عنك
هذا زمن الانهيارات
والفوضى استولت على مدارات حبنا
هذا زمن الانهيارات
وارقب أنياب الخلل
تلتهم أعصابي
لم يعد بوسعي أن أصرخ
لم يعد بوسعي أن أناديك
لم يعد بوسعي أن أذكرك
ولم يعد بوسعي أن أنساك
من الضوء وإلى التراب .. تلك حكايتنا !..
عزف " غير منفرد " على عود الشوق
ذلك الالم الدقيق
الذي لا اسم له ولا تبرير
يخترقني حتى العظم
بلحظاته العابرة الكاوية ...
حين أودعك
بعد اللقاء العذب
يظل جزء مني لا يصدق
أنك بعيد ...
وحينما تصفعني
إطباقة الباب خلفك
مع رحيلك المسائي
أشعر بأنني أرحل داخل بئر ...
وحينما أسمع لحنا
أحببناه معا
يجتاحني حزن لا حدود له ...
أصير شريانا ينزف
في غابة الشوق المظلمة ..
ورغم أن اللقاء آت
لكنني عبثا أرشو الفراق
بأمل اللقاء ..
ما أسهل الحديث عن الفراق
حين تكون ثعالب الزمن الماكر نائمة
وحين يكون رأسي فوق صدرك ...
وما أصعب السكوت عن الفراق
حين تنتصب بيني وبينك
قارة من العتب ...
حين نكون معا أغلق النوافذ وأسدل الستائر
وأقفل الباب بالمفتاح مرتين ...
لأمنع الفراق
الواقف خلف الباب
من الدخول
ولأمنع الموت من التسلل
والأرواح الشريرة والحسد
ولكن ماذا تجدي اقفال العالم
وأسواره وتعاويذه وحجاباته
أمام سكين الوداع
التي يشهرها كل منا
مهددا بها جسد طفلنا : الحب ؟
حين أراك
يتنفس الحب الصعداء ...
وحين تغيب
يولي الفرح الادبار !..
حين افترقنا
صرت متسولة
على رصيف النسيان ...
وحين التقينا
عدت متسولة
على رصيف الانتظار...
... وفراقك يعذبني !
فحبك وعائي
وبدونك أنا قطرات زئبق
شاردة على سطح الليل المحايد ...
... ولقاؤك يعذبني !..
وتحت سطوة حبك الصاعق
أتقزم وأتفتت وأتلاشي ...
أ ت ل ا ش ى
وحضورك المغناطيسي الجبار
يدمر بوصلتي
ويستلب من دماغي الاتجاهات
أيها النقي
كالثلج الذي لما يهطل بعد
يا نقاء ثلج العام المقبل
أحبك
بكل اللهفة الممكنة
وكل الغصات ...
وأشهد ضدك أمام محكمة الليل !
أجلس وأتأملك
وأشهد ضدك أمام محكمة الليل
وأحاكمك
وأصدر الحكم عليك
وأنفذ بك في ساحة القلب
وأنت ماتزال تقلب صفحات مجلتك
وتتقلب فوق قرص الشمس
وترفع إلي نظراتك الاليفة
من وقت إلى آخر ...
وتحدثني عن هيلاسيلاسي !...
وأظل غارقة في صمتي
وحنجرتي مغارة ملح :
أنفذ الحكم بك !
حكمت عليك _ وشهودي النجوم _
بالحرمان مدى الحياة من حبي ...
وبالسجن إلى الأبد
في قفص حريتك ...
وها أنا أتأملك للمرة الأولى بعين محايدة ...
بعد أن كانت حواسي كلها
حليفة لك ضدي
وكانت كلها
تتفنن في أداء الشهادات الكاذبة
لمصلحتك ...
أتأملك بحياد
ولأول مرة أراك حقا !...
أنت مسكون بلا مبالاة رتيبة ..
وحتى حبنا الذي كان زلزالا
حولته أنت إلى ... هدنة !!..
أنا جمرة الحب
المتقدة في ليل الغرباء ...
وأنت تحب على طريقة الطيور ..
وها هي الرتابة
تدخل من موقدنا الصدىء
وعما قليل
ينبت فطر اللامبالاة فوق رمادنا ...
هذا الحب يحتضر
كبجعة جميلة نزفت أيامها
على شطآن الضجر ..
هذا ما تقوله أظافرنا المنكسة
وراياتنا المحترقة
وحطام مراكبنا والهشيم
وجلستنا الهادئة الفاترة
كجلسة غريبين في فندق
أجبرا على الاشتراك
في غرفة واحدة !...
كيف لا أذبحك سبع مرات
ثم أطلق الرصاص عليك
في ساحة القلب
_ بينما أتأملك بصمت _
وأنفذ حكم محكمة الليل بك ؟...
... وكيف أستطيع أن أغفر لك
أنك نقلتني من درجة الغليان إلى ما تحت الصفر ؟..
وكنت الضوء في جلدي
والشهقة الفرحة في عيوني
وكنت كل ما هو جميل ونبيل
وكل ما احترف التحدي ...
وكنت هاجسي وعقابي
وكنت أحمل لك في صدري حبا
يستطيع أن يركض به قلمي
على السطور مضيئا كمنارة ...
وها أنا أجلس صامتة
كيف استطعت اغتيال صوتي ؟..
وكل ذلك الحب الملتهب
كيف استطعت
أن تحوله في فمي
إلى قطعة ثلج متجلدة ؟...
ترفع عينيك عن مجلتك
وتنظر إلي دون أن تراني
ودون أن تدري
أن العقارب تغلي
تحت رمال ابتسامتي
وأنني أحقد عليك
حقدا شاسعا ومجيدا
لانك وحدك
وحدك استطعت
أن تقتل حبي لك !!؟
أفتقد عذابي بك ؟
لأني من أجلك وحدك
كسرت صدفتي العازلة
وجئتك جديلة من الأعصاب العارية
عن الخوف والأخرين والبارحة والغد
لأني من أجلك وحدك
ظللت صامتة ما يقارب العام
وأنا أرقبك تتحسس جدران صدفتك
التي عجزت عن كسرها بنفسك
وتشتم صدفتي أنا !..
لذا احس برغبة وحشية
في أن أقهقه معتوهة بفرح كسيح
وبشماته سرية
لأنك خسرت الحب
ولم تربح حتى الحزن !..
كان الأمر هزليا
فأنت لم تفهم قط أنني أحببتك
ولن تفهم أبدا
أنني سأظل زمنا طويلا
أسمع صوتك
فأنتفض كاصبع عازف بزق ثمل ...
ألمحك
فتستيقظ أشواقي القديمة للركض معك
في حقول شاسعة النقاء يغسلها المطر ويغسلنا
أراك
فتهب على وجهي مثل نسمة مثيرة قادمة من كوكب
غامض
وأحلم بك
وأفتقد عذابي بك ...
لما غدرت بي حزنت لأجلك
فقدرك أن تكون شفرة مقصلة
تتغذى بالدم والدمع واللعنات
فأنت لا تدير رؤوس النساء فحسب
بل وتقطعها ...
تتكوم داخل صدفتك
مثل عنكبوت محنكة ترصد ضحيتها
وقد انسحبت إلى أظلم ركن في شبكتها
حين جئتك عارية من صدفتي ودروعي وأسلحتي
ومن خبثي النسائي
ظللت مرتديا قناعك
وحين انكشف لي وجهك الحقيقي
لم أبك حزنا علينا معا ...
وحين توهمت انك انتصرت
كنت مهزوما
لأنك عاجز عن الحب !..
جرحي هو نصري
أني _ على الأقل _ ملكت الحب لثانية
والحزن ربما إلى الأبد
شيء محزن حقا
أن لا تكون ملكا لنفسك
وكل ما تفعله
مسرحية تقدمها للآخرين
لرفاق المقهى
مسرحية يحاول كل منا أن يثبت خلالها
أنه انتصر في إذلال الآخر ...
في كل الحكايا حولنا وفي الروايات العربية
وفي صفحات الجرائم اليومية
تموت باستمرار ليلى العامرية
وتجن عزة وتنتحر الخنساء
وتذبح عبلة من الوريد إلى الوريد ...
أنا من فصيلة أخرى من النساء
من جيل آخر
جيل يكره العصا والسوط والقهر والاذلال ...
فلتذهب أنت وقيس الملوح وعنترة إلى النسيان
لقد حزنت لأجلك أكثر مما يليق بانسانيتي ... وأنانيتي !
أريد أن أقول لك
أيها " القبضاي " المتخم بذكريات أجداده
أصحاب الشوارب والقبضات الضخمة
كالهراوات في وجوه نسائهن
اني كسرت خلخالي وقيدي وسجاني
والحي ليس عملية ترويض في سيرك
فدع سوطك جانيا واسمعني :
أحببتك لأني اخترت أن أحبك
وسأكف عن حبك حين يحلو لي ...
وقد كففت !.. وقد أتذكرك أحيانا ...
ها أنا أركض ... أطير كفراشة
ترسم بجناحيها خط الأفق
اشم رائحة الزعتر البري
أطير من كهوف الماضي العفن
إلى براري الحرية ...
آه كم أنا قادرة على أن أكون حرة
حرة حرة حرة
( حرة حتى العبودية للحرية ؟ )
ها أنا أطير بعيدا
افتقد عذابي بك !
لماذا ؟ وأنت هل افتقدت قط
سعادتك بي ؟..
كأني مت ... يا غريب !
كأني مت ...
فقد سكن الوجع
وتعانق الشقاء والفرح متواطئين
وخرجا من مسرحي
ولفظ الحب أنفاسه
بعد ليل احتضار طويل
ولكن كأني مت
وهذا الفجر يحيق بي
من دون أن يهمس لي بشيء
وعما قريب تتسلق الشمس جرحي
في طريقها إلى اختراع يوم جديد
كأني مت ... لا جديد
كأني مت ...
لا أترقب لقاءك
لا أترقب فراقك
لا أشتهي عناقك
لا أشتهي خصامك
لا تفسير لدي
لا تفسير لديك أشتهي سماعه
لقد ولد كبرق
ورحل كبرق
ولكن كأني مت
والعشب في الحديقة عاد عشبا
ولم يعد كونا من غابات السحر
والأشجار عادت أشجارا
ولم تعد دروبا إلى مدن العجائب
وحتى الطائر
الذي احتضر قليلا
ثم مات للتو على نافذتي
ليس أكثر من جثة طائر
ستفوح منها رائحة نتنة
حين يلتهب النهار ...
كأني مت
اقرأ صفحت الصباح بلا مبالاة
وأطالع الاعلانات عن المنشطات الجنسية
والدواليب المحروقة وصور القتلى
من دون أن يصيبني ذلك التوهج اليومي
بالسخط أو الرضى
وجسدي لم يعد أسلاكا مشدودة
تومض كل ثانية ضوءا ونارا
وتلتهب حتى الانصهار
ووجع التمزق
كأني مت
وأستطيع أن أستعيد ذكرى جسدك
عضلة عضلة
من دون أن يختلج جسدي
شهوة أو غيرة أو غضبا
وأستطيع أن أستعيد
ذكرى ضحكاتنا في الغابات
من دون أن أحن أو أغص
وكل أصواتنا وهمهماتنا القادمة من الماضي
أسمعها
كما يسمع ميت تحت التراب
ضحكات المارة المجهولين في الشارع المجاور
كأني مت
كأنك كنت حقا من بعضي
وحين قتلتك في نفسي
لم أكن أدري أنني انتحرت
حب الرجال كالماء في الغربال ؟
ها أنا أقلب الصفحة العتيقة ..
وفي صفحة جديدة
أكتب من أول السطر :
أحبك أحبك أحبك
لا تاريخ لي قبل عينيك
لا درب لي غير برقك
لا وطن لي غير جسدك
لا توقيت لي غير نبضك
لا خبز لي غير قمح راحتك
ولن أهرب من حبك المفترس ...
ولتشهد أنفاس الربيع الأولى علي :
فوق رصيف الرضى
أمد لك جسدي
وباستسلام سنبلة لحد المنجل
أمنحك !..
ولن أهرب من حبك المفترس
ولتشهد شرايينك
يتدفق دمي اليها ...
ولن أهرب من حبك المفترس
فالمسافة بين جرحي ووجهك
ليلة انتظار ...
... فارتد حبي ..
وأخلع ذاكرتك
ولن أهرب من حبك المفترس ...
تستطيع العجائز أن تثرثر :
" حب الرجال كالماء في الغربال " ...
تستطيع الأمواج أن تثرثر :
كل كلمات الهوى
تمحى _ لا محالة _ عن الرمال ..
فليكن ما يكون :
أحبك وأهلا بالزلزال
... ولن أهرب من حبك المفترس ...
وتحت شلال روحك النقية
أغسل وحل شكوكي
أنا امرأة الرفض والجنون
أخرج اليك من غابة العراء والغربة
فدثرني باليقين ..
وخذني إلى قلبك المعبد ..
وامسح عني غباري وزنزانة مخاوفي ..
فالفرح يولد على أصابعك
وغدي يشرق من ضلعك ..
... ولن أهرب من حبك المفترس
فليعتقلني حلمك
ولتطاردني رغباتك
سأشهر عليك استسلامي ..
وأطلق عليك حبي ... حبي ... حبي.
|