المنتدى :
الخواطر والكلام العذب
المقهى البارد
مرتديا نظارتي الشمسية..
ليس لان الشمس تأذي عيناي..
بل لان الحياة تتلون بها بلون البنفسج..
أتجول بين طيات و دهاليز دمشق..
حيث لا احد هناك يعرفني..
أمر على مقهى طالما مررت عليه..
وطالما ازدريت مرتاديه..
أعجبني هذه المرة..
هل لأن لافتته الصفراء المتصدعة .. كالصداع المرافق لرأسي..
التي تحتاج قراءتها إلى روح رياضية عالية..
إلى تخمين ذكي..
تحتاج إلى قدرة على قراءة ما أخفت الشمس من حروف..
هذه اللافتة كانت يوما ما..
وفي حقبة زمنية محددة..
كانت جديدة، ملفتة، إبداعية....
غير أنها اليوم أصبحت شاهد على العصر..
تحفة فنية..
لوحة تنتمي إلى الفن التشكيلي ككل لوحات بيكاتشو..
تحكي ما لا تحكي..
حالها كحال التجاعيد والنتوءات التي ترتسم في وجه جدتي..
جدتي بلا شك كانت يوما ما صبية يتساقط لجمالها لعاب الشباب...
وهي وإلى اليوم ينحني لتقبيل يدها الكثير من أحفادها..
ويشعرون بالزهو إذ منحوا فرصة التقبيل ..
هذه حال الحياة..
هذه اللوحة استطاعت هذه المرة، جذبي بقوة إلى داخل المقهى..
هل يعود الفضل أو الذنب في ذلك إلى النظارة التي لونتها بالبنفسج..
فأعطاها جاذبية أم هو لأني لا أقيم وزننا لأحد في هذا المكان..
أم هو لأن الصداع الذي يلازمني يغريني نحو للقهوة الساخنة..
أم هي ضغوط الحياة ..
تمثلت لي كشيطان يعمل كمدير مبيعات وتسويق...
يدعوني لكوب من القهوة..
لا أدري المهم دخلت المقهى ..
وليتني لم أفعل...
استقبلني النادل ليس بالقائمة، فكل الذي يبيعه المقهى معهود ومعروف لرواده..
يستقبلني بالمجموعة من فناجين القهوة و الأكواب...
وعليّ، وقبل أن آخذ مكاني للجلوس...
أن اختار الكوب الذي سأرتشف القهوة من شفتيه...
أغراني أو أغواني كوب طويل ونحيف..
ربما أعاد بذاكرتي الى كلية الآداب..
كانت تقدم فيها فناجين من القهوة على هذا الشكل..
دون المضمون..
فمررت إصبعي من تحت عروته و أخذته برفق إلى إحدى الطاولات..
شدّ انتباهي أن كل الزبائن هاهنا يستمتعون بقراءة الجرائد..
وهم يرتشفون القهوة..
أي أنهم قادرين على أن يكون لهم قلبين في جوف واحد..
لم يشدّ انتباهي ذلك..
اعتقدت للحظة أن القهوة ساخنة ..
ولكن وقبل أن أقاربها شككت في ذلك..
فاختبرتها بتحسس الكوب بيدي اليمنى ثم باليسرى ...
ثمّ وضعت أصبعي في وسطها..
وسط القهوة..
ورفعت إصبعي على عجل..
ليس لأنها حارة
بل لألعقه..
لعقته وتأكدت أنها باردة...
ومع هذا أعدت إصبعي - بعد اللعق- الى وسطها لعلي أجد فيها شيء من الدفء..
قد يفسر لي هذا ما كنت قد استغربته من كل الزبائن ..
يقرؤون الجرائد في نفس الوقت.. هم يستمتعون باحتساء كوب القهوة هذه..
حتى القهوة بدت وكأنها تريد أن تقرأ...
ريثما أنا منشغل بارتشافها، حدثتني نفسي أن اتركها..
هكذا على الطاولة وأخرج ..
غير أني لم أفعل - وليتني فعلت..
كلما أخذت رشفة شعرت كأن أحشائي ستخرج معها..
يؤنبني ضميري ألف مرة ..
في كل مرة ..
قررت أن انهي هذه الخبرة المؤلمة على خير..
فأنهت هي علي...
على شر...
أخرجت شيء من فمي رميت به بعيدا عن الكوب كي أبقيه نظيفا..
ثم و ضعت الليرات ثمن القهوة في داخل الكوب..
وهممت بالخروج بسرعة أوقفني النادل..
وقال : بقي عليك أن تدفع أجر الخدمة..
قلت في خاطري أجر الخدمة؟! قل قمة القمة..
أعطيته ما بقي في يدي من النقود التي تنتظر أن أعيدها الى المحفظة...
ثم خرجت مسرعا وأنا اسمعه يقول بقي عليك أن تدفع ...
|