المنتدى :
الادباء والكتاب العرب
جمال الغيطاني , التجليات: الأسفار الثلاثة , الهيئة المصرية للكتاب , 1997
يعد جمال الغيطاني من أبرز الروائيين العرب الذين اهتموا بالتراث الصوفي، وشخصياته إلى درجة التماهي معها، حيث جسد ذلك في بعض أعماله الروائية وخاصة كتاب التجليات الذي يعد فتحا جديدا في عالم الرواية العربية المعاصرة ، وطموحا إلى خطاب روائي ذي خصوصية عربية تراثية.
فقد استفاد كثيرا من قراءاته للمدونات الصوفية وخاصة ما كتبه الشيخ ابن عربي مما مكنه من إبداع نصوص تتقاطع مع تلك النصوص الصوفية وأكبر دليل على ذلك [كتاب التجليات] فهو عبارة عن رواية يتداخل فيها الواقع مع التاريخ مع الشطح الصوفي مع الأسطورة، لبناء عالم عجيب غريب. يقول (روبرت شولز R. Shouls) : (ترفض بعض الأعمال أن تنفـتح لنا حتى ننضـج بما فيه الكفاية)، ينطبق هذا القول على تجليات الغيطاني، فهو خطاب لا ينفتح بسهولة على المتلقي نظرا لما يحمله من إشارات ورموز يصعب فك كنهها ومعرفة مقاصد معناها، فهو عمل يرفض الانفتاح أمام المتلقي الذي لا يمتلك ثقافة واسعة ومعرفة كافية بآليات النسق المعرفي الصوفي، فالمتلقي الفارغ الذهن من المعرفة الصوفية لا يمكنه الوقوف على مقاصد ذلك الخطاب. فالغموض فيه يرتبط بما يحمله من معرفة باطنية ترتبط بالمطلق. وتتوسل بالمعرفة الصوفية لبلوغ نهاية القصد والوقوف على أبواب أسرار الكون، ومن هنا فكتاب التجليات يحتاج إلى فهم خاص لخلفياته ومعرفة عميقة بآليات بنائه. نظرا لقوانينه واستراتيجياته المعقدة التي تميزه عن غيره من الخطابات الروائية الأخرى، وصدق أبو حيان التوحيدي في قوله (إن الكلام على الكلام صعب)، فقد استطاع الغيطاني باستلهامه للمعرفة الصوفية أن يكون نسقا معرفيا انبجس من عالمه الباطني، يؤسس لوحدة المتناقضات، الظاهر- الباطن. حيث نجد أن إشكالية [الباطن - الظاهر] تعد من أهم خصائص الخطاب الصوفي.
وقد استشعر الكاتب من البداية تلك الصعوبة التي سيواجهها المتلقي أثناء مواجهته لكتاب التجليات نظرا لتقنيته الجديدة، ونوعية شخصياته، أضف إلى ذلك تلك اللغة الخاصة المستمدة من التراث الصوفي، مما دفعه إلى تنبيه المتلقي إلى تلك الصعوبات التي يمكن أن تواجهه في فهم التجليات (هذا كتاب لا يفهمه إلا ذوو الألباب، وأرباب المجاهدات.)ص12 بهذه الحقيقة يواجه الكاتب المتلقي، زاعما أن ما جاء في تجلياته يتطلب معرفة خاصة، تتجاوز معرفة العقل إلى معرفة الباطن، وهو ما أراد تجسيده من خلال عمله، فالعمل هو أصلا مستوح من التراث الصوفي، وخاصة رسائل الشيخ ابن عربي، فالرحلة الخيالية التي يدور حولها مضمون الرواية قد تمت في لحظة غياب النفس عن ما يحدث في الواقع المعيش، وحدث لها أثناء ذلك ما يشبه المعراج الروحي، فتجلياته هي معراج روحي نابع من ذاته وعائد إليها.
وقد حصلت الترجمة الفرنسية للرواية في باريس على جائزة لور بتايو الفرنسية للأدب المترجم في فبراير من العام الماضي. وتعد هذه الجائزة كبرى الجوائز الفرنسية المخصصة لكتاب غير فرنسيين وتمنح مناصفة لمؤلف ومترجم أفضل عمل أدبي ترجم إلى الفرنسية خلال العام. وهي المرة الأولى التي يفوز فيها كاتب عربي بهذه الجائزة الرفيعة التي تسلمها الغيطاني في حفل كبير، وأعلن بيير لوجنيو عضو الأكاديمية الفرنسية أن اللجنة اختارت تجليات الغيطاني بالإجماع في التصفيات النهائية لأنها عمل غني متعدد المستويات والأبعاد. مقارنا الرواية بعملين من الأعمال الخالدة في تاريخ الأدب هما "الكوميديا الإلهية لدانتي" و"عوليس" لجيمس جويس.
وفي استثناء نادر جاء الإعلان عن جائزة لور بتايو بعد خمسة عشر يوما فقط من فوز الرواية بجائزة أخرى من مركز الترجمة الفرنسي. وهي جائزة خاصة بالمترجم فقط.
ويبدو أن الفرنسيين اكتشفوا في تجليات الغيطاني روحاً مختلفة تماماً عن كل النصوص الروائية التي ترجمت سابقاً إلى لغتهم والمستندة أساساً على التراث الغربي في الكتابة الروائية، بينما يعتمد الغيطاني في روايتة بنية خاصة تعتمد الحكاية إلى جانب التأمل الفلسفي والشطح الصوفي. وتعد هذه الترجمة في هذا الوقت مكسبا للثقافة العربية حيث تقدم للقارئ الفرنسي جانبا من التسامح الإسلامي في وقت تتعرض فيه صورة المسلمين لأشرس عملية تشويه.
4shared.com - document sharing - download ظƒطھط§ط¨ ط§ظ„طھط¬ظ„ظٹط§طھ.pdf
التعديل الأخير تم بواسطة mallouli ; 26-01-08 الساعة 12:24 PM
|