المنتدى :
الادباء والكتاب العرب
الطاهر بن جلون , تلك العتمة الباهرة , دار الساقي , 2002
"ولكن ما جدوى العقل، هنا حيث دُفِنّا، أقصد حيث وورينا تحت الأرض وترك لنا ثقبٌ لكفاف تنفسنا، لكي نحيا من الوقت، من الليالي، ما يكفي للتكفير عن ذنبنا، وجُعِل الموت في بطئه الرشيق موتاً متمادياً في تأنيه، مستنفداً كل وقت البشر، البشر الذين ما عدنا منهم، وأولئك الذين ما زالوا يحرسوننا، وأولاء الذين حللنا في نسيانهم التام. آه من البطءّ! أوّل أعدائنا؛ ذاك الذي يغلف جلودنا المقرحة فلا يلتئم الجرح الفاغر إلا بعد وقت طويل؛ ذلك البطء الذي كان يجعل قلوبنا خافقة على الإيقاع العذب للموت القليل، كأنّ علينا أن ننطفئ كشمعة مضادة بعيداً منا وتذوب بعذوبة الرَغَد".
تلك العتمة الباهرة للطاهر بن جلون المغربي الجنسية من الروايات الأكثر رواجا في فرنسا. تدور أحداث هذه الرواية التي تستند إلى الواقع في سجن تازمامارت وهو سجن لم يكن معترفا به حتى سبتمبر 1991 لولا عدة أمور كانت خارجة عن سيطرة الحكومة أدت إلى افتضاح الأمر برمته.
لاقى عدد غير قليل من سجناء تازمامارت حتفهم، واستطاع القليل منهم أن يكتب مذكراته حيث يروي أحد السجناء: وزعت علينا بطانيتان رماديتان كتب عليها 1936 والتي لم يكن معروفا إن كان هذا الرقم هو تاريخ نسجها أم أنه رقم خاص بالمحكومين بالموت البطيء فالبطانيات كانت مسمومة..
يصف أحدهم السجن قائلا: هو قبر .. (زنزانه) طوله ثلاثة أمتار وعرضه متر ونصف المتر، أما السقف، فوطيء جدا يتراوح بين (150-160 سم) ...
أحدهم، وهو محمد الرايس أول من كتب مذكراته عن هذا السجن ونشرها على صفحات جريدة "الاتحاد الاشتراكي، بعد وفاة الملك الحسن الثاني، يعتبر ليلة العاشر من تموز 1971 ليلة توقف عمره عندها.. فلم يتقدم بالسن ولم يجدد صباه..
في سجن تازمامارت حيث اللا وجود للزمن... زمنا متروكا للريح، كان السجناء هناك أجساد تشعر بالبرد في قيظ الصيف.. أيديهم مكبلة وراء ظهورهم، مكدسين في شاحنات بجانب الموتى، صراخهم ذاهب مع الريح... لم يتبق لهم أسماء ولا حتى ماضٍ..
جردوهم من كل شيء سوى الجلد والرأس... جُنّ معظمهم.. وانهارت قواه الذهنية، مات أحدهم بعد ضرب رأسه بالحائط عدة مرات.. فاز بعضهم بانتحار رغم ضيق المكان.. والبعض احتفلت العقارب على جسده ملتهمة منه الروح...
تقع تازمامرت في صحراء درعة جنوب شرق المغرب، قرب قلعة مكونة الشهيرة بقلعة الورود، حيث الطبيعة الخلابة، والسكان الوادعون الذين كانوا يجهلون أي شيء عن مقبرة الأحياء القريبة منهم!!
سجناء في حفرة.. يمضون فيها مدة عام... الحياة وراءهم والموت ينتظرهم... والعالم برمته نسيهم أو يجهلهم.. حتى الرصاصة منحة لا يستحقونها... فالموت لا بد أن يكون بطيئا. والسنوات العشر امتدت كموتهم البطيء إلى عشرين...
قصة وجود بقايا أحياء في حفر الموت البطيء حيث العتمة الباهرة أبكت الروائي بن جلون وأصابته بالأرق والكوابيس. فقد كتبها بأعماقه بعد أن ألزمته الصمت خلال فتره معاناة السجناء في مكان يكفي أن يذكر اسمه ليبقى الإنسان معرضا للملاحقة والاضطهاد.
العتمة الباهرة والأحداث الكثيرة سواء تلك التي غابت في الضجيج على أرض الواقع ... أو الأحداث التي بقيت هناك بين سطور الرواية.. ترجمت إلى اللغات الإنجليزية والألمانية والأسبانية وأخيرا العربية لتحكي قصة الجنوب الشرقي من المغرب في منطقة نائية جرداء محاصرة بالرعب، ورهبة الحراس الذين جفت من قلوبهم الرحمة.. العتمة الباهرة ستبقى النموذج الحي للعقل المتبقي لكل منا.. حتى لا ننسى.. وحتى لا يتكرر التاريخ القبيح..
******************************
التحميل برابط مباشر
تم تحديث الرابط وإعادة التنسيق من قبل المشرف " معرفتي " (تم نقله وتجميعه وتحويله إلى pdf عن أرشيف مكتبة الإسكندرية)
رابط بديل
4shared.com - document sharing - download طھظ„ظƒ ط§ظ„ط¹طھظ…ط© ط§ظ„ط¨ط§ظ‡ط±ط© - ط§ظ„ط·ط§ظ‡ط± ط¨ظ† ط¬ظ„ظˆظ†.pdf
التعديل الأخير تم بواسطة dali2000 ; 06-06-09 الساعة 05:43 PM
|