المنتدى :
من عيون الشعر العربي والعالمي
الشاعر الشهيد
سوف أتحدث اليوم عن شاعر ليس له مثيل ، شاعر كانت مشاعره أصدق من كلماته، بل ترجمة أفكاره الموجودة على الورق، فى عالمه الحي، شاعر لم تكون حبر قلمه هي البندقية التي يدافع بها عن معتقادته، بل كانت روحه كلها عبارة عن قنبلة متحركة ، هذا الشاعر لذي صدقت بندقيته على كلماته الحية.
شاعرنا هو
عبد الرحيم محمود
نبذه عن حياته
ولد عبد الرحيم محمود عبد الرحيم عام 1913م في قرية "عنبتا" التابعة لقضاء "طولكرم" بفلسطين، ودرس المرحلة الابتدائية في عنبتا وطولكرم، ثم انتقل إلى مدينة نابلس للدراسة الثانوية بمدرسة النجاح الوطنية من عام 1928م حتى 1933م، وتتلمذ في هذه المدرسة على الشاعر إبراهيم طوقان والأساتذة د. محمد فروخ، وأنيس الخولي، وقدري طوقان.. فتشرب منهم حب المعرفة والاعتزاز بالنفس والوطن والثورة على الظلم.. وعُيِّن بعد تخرجه مدرسًا للغة العربية وآدابها..
في عام 1935م حضر من سوريا الشيخ عز الدين القَسَّام؛ ليشارك في الكفاح ضد الاحتلال الإنجليزي لفلسطين وعمره أربعة وستون عامًا، واعتصم بالجبل مع رفاقه من مِصْر وفلسطين، وظلوا يناوشون جنود الإنجليز حتى اسْتُشْهِد الشيخ السوري يوم 20 نوفمبر 1935م.. فأصبح الشيخ عز الدين القَسَّام مثلاً أعلى للمقاومة وإرهاصًا للثورة التي بدأت بإضراب يوم 20 أبريل 1936م، فانخرط فيها الشاعر الشاب عبد الرحيم محمود ونذر نفسه للوطن، فاستقال من مدرسة النجاح وعَبَّر عن موقعه في إحدى قصائده قائلاً:
إن الألى سلبوا الحقوق لئامُ
واغْصِبْ حُقوقَك قَطُّ لا تَسْتَجْدِها
قَدْ سـَارَها مِنْ قَبْلِكَ القَسَّامُ
هذي طَرِيْقُكَ فِي الحَياة فلا تَحِـدْ
ولما خمدت الثورة عام 1939م لم يحتمل البقاء في فلسطين تحت نير الاحتلال الإنجليزي والعصابات الصهيونية؛ فهاجر إلى العراق وظل بها ثلاث سنوات عمل خلالها مدرسًا للغة العربية، والتحق بالكلية الحربية ببغداد، وتخرج ضابطًا برتبة الملازم أيام الملك غازي بن فيصل بن الحسين، وشارك مع المجاهدين العرب في ثورة رشيد غالي الكيلاني في العراق.
ولما هدأت الأوضاع في فلسطين لانشغال إنجلترا بالحرب العالمية الثانية عاد عبد الرحيم إلى بلده واستأنف العمل معلمًا بمدرسة النجاح الوطنية بنابلس.
وبصدور قرار تقسيم فلسطين اشتعل الموقف؛ فقرَّر شاعِرُنا أن يصل إلى آخر مدى من أجل تحرير وطنه، فتوجه إلى بيروت في يناير 1948م، ثم إلى الشام ليتلَقَّى تدريبات عسكرية على القتال وانضم إلى جيش الإنقاذ، ودخل إلى منطقة بلعا بفلسطين واشترك في معركة بيار عدس مع سَرِيَّة من فوج حِطِّين، وشارك في معركة رأس العين، وفي إبريل 1948م عُيِّن آمرًا للانضباط في طولكرم، ثم مساعدًا لآمر الفوج في الناصرة.. وأخيرًا قاتل ببسالة في معركة الشجرة حتى اسْتُشْهِدَ فيها يوم 13 يوليو 1948م وعمره خمسة وثلاثون عامًا.
و(الشجرة) قرية عربية تابعة لطبرية، وقد انشأ الإسرائيليون بجوارها مستعمرة اسمها (السجرة) بالسين، وكانت منطقة ساخنة تدور فيها معارك كثيرة بين سكان الشجرة المسلمين والمسيحيين وبين اليهود بالسجرة.
ودُفِنَ عبد الرحيم محمود في (الناصرة) مُخَلِّفًا زوجته وابنيه (الطيب) و(طلالًا) وابنته رقيَّة، وأعمارهم بين الأربعة أعوام والعام الواحد..
كما خَلَّف عددًا من القصائد كتبها بين عامي 1935م، 1948م.. جمعتها لجنة من الأدباء بعد وفاته بعشر سنوات، وكان قد نشر بعضها في المجلات الفلسطينية واللبنانية والسورية والمصرية.. وصدر ديوانه في عَمَّان عام 1958م وهو يضم سبعًا وعشرين قصيدة.. هي أهم ما كتبه في عمره القصير المليء بالكفاح..
وأحببت أن أقدم لكم بعص قصائد هذا الشاعر الصادق
سأحمل روحي على راحتي وألقى بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا
ونفس الشريف لها غايتان ورود المنايا ونيل المنى
وما العيشُ؟ لاعشتُ إن لم أكن مخوف الجناب حرام الحمى
إذا قلتُ أصغى لي العالمون ودوّى مقالي بين الورى
لعمرك إنّي أرى مصرعي ولكن أغذّ إليه الخطى
أرى مصرعي دون حقّي السليب ودون بلادي هو المبتغى
يلذّ لأذني سماع الصليل ويبهجُ نفسي مسيل الدما
وجسمٌ تجدل في الصحصحان تناوشُهُ جارحاتُ الفلا
فمنه نصيبٌ لأسد السماء ومنه نصيبٌ لأسد الشّرى
كسا دمه الأرض بالأرجوان وأثقل بالعطر ريح الصّبا
وعفّر منه بهيّ الجبين ولكن عُفاراً يزيد البها
وبان على شفتيه ابتسامٌ معانيه هزءٌ بهذي الدّنا
ونام ليحلم َ حلم الخلود ويهنأُ فيه بأحلى الرؤى
لعمرك هذا مماتُ الرجال ومن رام موتاً شريفاً فذا
فكيف اصطباري لكيد الحقود وكيف احتمالي لسوم الأذى
أخوفاً وعندي تهونُ الحياة وذُلاّ وإنّي لربّ الإبا
بقلبي سأرمي وجوه العداة فقلبي حديدٌ وناري لظى
وأحمي حياضي بحدّ الحسام فيعلم قومي أنّي الفتى
قصيدة الشعب الباسل
شعب تَمرَّس في الصِّعاب ولم تَنَلْ منه الصعاب
لو هَمُّه انتاب الهضاب لدُكْدِكَتْ منه الهضاب
مُتَمَرِّدٌ لم يَرْضَ يومًا أن يُقِرَّ على عذاب
وعُداته رغم الأنوف تذلُّلاً حانو الرقاب
مثلٌ حدا حادي الزمان به وناقَلَت الركاب
إِنْ تجهلَ العَجَبَ العُجاب فإننا العَجَب العُجاب
نحن الألى هاب الوجود وليس فينا من يَهاب
وَسَلِ الذي خَضَع الهواءُ له وذَلَّ له العُبَاب
هل لانَ عُوْدُ قناتِنا؟ أم هل نَبَتْ عند الضِّراب؟
أو شام عيبًا غير أنا ليس نرضى أن نُعاب
حُيِّيتَ من شعب تَخَلَّد ليس يعروه ذهاب
لَفَتَ الورى منك الزَّئير مُزَمْجِرًا من حول غاب
وأرى العِدا ما أذهل الدنيا وشاب له الغُراب
عرف الطريق لِحَقِّه ومشى له الجَدَد الصواب
الحقُّ ليس براجع لذويه إلا بالحِرابْ
والصرخة النكراء تجدي لا التلطف والعتاب
والنار تضمن والحديد لمن تساءَل أن يُجاب
حَكِّمْهُما فيما تريد ففيهما فَصْلُ الخطابْ
الموقع التالي فيه قصائد أخرى لهذا الشاعر العظيم
http://www.adab.com/modules.php?name...id=134&start=0
|