المنتدى :
كتب التاريخ والحضارة و القانون و السياسة
كافن يونغ , العودة إلى الأهوار , دار المدى , 1998
يتصدر هذا الكتاب اهداء تقدم به المؤلف إلى أصدقائه من الفلاحين والصيادين والشيوخ والسادة الذين التقاهم وعاش معهم تجربة زياراته إلى الاهوار، عجرم بن حسين وحسن بن مناتي وجثير الفريجي وسيد صروط وفالح بن مجيد الخليفة وسواهم ممن ترد اسماؤهم في قائمة الاهداء الطويلة. الكثير من تلك الأسماء لا تمثل شيئاً في ذاكرة القراء الذين وضع الكتاب لهم. لكنهم الخزين الأساس الذي انطلقت منه فكرة الكتاب، وقبلها تجربة المؤلف في عالم الأهوار المدهش.
يقول كافن يونغ في معرض وصفه لكتابه (العودة إلى الأهوار) انه كتاب شخصي بالدرجة الأولى واعتبره نوعاً من التخليد لأصدقائي عرب الأهوار. ونستطيع ان نتفهم مغزى الاشارة إلى محاولة التخليد هذه، حين نعرف ان يونغ لم يشرع في تأليف الكتاب إلا بعد زيارته الأخيرة للأهوار أواخر الثمانينيات، مستعيداً عبره زياراته الأولى في الخمسينيات، ومن ثم زيارته الأهوار عام 1973. فالزيارة الأخيرة جاءت بعد الحرب العراقية الإيرانية، وبعد وقوفه على فاجعة تجفيف الأهوار، وخشيته من تعرض السكان الذين عاش معهم من قبل للإبادة. ويستطيع القارئ ان ينتبه إلى الحذر الشديد الذي يسرب من خلاله مخاوفه وقلقه على الطبيعة والسكان، حين يكتب فصول الكتاب الأخيرة. لم تكن دوافع ذلك الحذر بالشخصية ولكن الحذر والخوف كانا على أصدقائه من عرب الأهوار القابعين تحت قبضة السلطة وقت تأليف الكتاب. لقد اضطر يونغ، كما هو واضح، إلى اختيار اشارات مغلقة تعبر عن قلقه وحزنه، يقول يونغ: ستشهد حياة عرب الأهوار تغييراً خلال وقت قصير، لكني أتمنى ان يجري احترام طريقتهم في الحياة وحمايتها من الاستئصال المفاجئ، لأن ذلك سيقتل أجمل ما فيهم، وبما ان ذلك ممكن الحدوث فلربما يكون من الأنسب ان اختتم هذا بالدعاء بان يحتفظ احفاد السومريين العظام ومحاربي الصحراء جنود خالد بن الوليد بنقائهم الروحي العريق في القدم رغم عاديات الزمن.
كانت هذه المشاعر القلقة التي انتابت، المؤلف أواخر الثمانينيات مناسبة لتحرير الكتاب، وبالتالي حفظ انطباعاته وذكرياته عن الزيارات، الأولى في مطلع الخمسينيات.. بعد وضع الكتاب بعامين حدث طبعاً ما كان يخشاه يونغ، حين جففت الأهوار، وأبيد من أبيد من سكانها، وتم قسر الأحياء منهم على الهجرة ومغادرة المكان.
جاء كافن يونغ إلى العراق ليعمل كاتب حسابات لدى شركة شحن بريطانية في ميناء البصرة غير ان استغراقه في قراءة كتب المغامرات الصحراوية، حركت لديه الرغبة في اقتفاء أثر مواطنيه بروتروم ثوماس وجيرتود بيل وجون فيلبي تشارلس دوتي وويلفرد شيفر وكافن ماكسويل وسواهم، ولكن، وبدلاً من الانطلاق نحو الصحراء، اتجه إلى الأهوار في مصادفة نادرة لقد استغنى عن الجمل بالزورق.
عاش يونغ في بيوت الأهوار، معبراً عن اعجاب شديد بالعمارة القصبية، واندمج في الحياة الاجتماعية هناك، مندهشاً بالروح الحقيقية الطيبة للشعب هناك، وتآلف مع الطبيعة المائية، مصلياً لسحرها وغموضها وانفتاحها الحر على الأفق. ان ذكريات الكاتب عن الجبايش والمضايف والاعراس ورحلات الصيد ومجالس الأنس الليلية ومواجهة الخنازير ومراقبة قطعان الجاموس (أميرات الكسل كما يصفها يونغ) والسباحة، تشكل المادة الثرية التي لا توفرها إلا محبة الكاتب لموضوع كتابته.
لم يكن يونغ مؤرخاً أو انثربولوجيا أو مختصاً بعلم الطيور، لكن دقة ملاحظات الرجل وانسحاره بعالم الأهوار وشعب الأهوار، جعلت من كتاب (العودة إلى الأهوار) وثيقة علمية تنبض بحس انساني ووجداني...
4shared.com - free file sharing and storage
روابط متعدده
التعديل الأخير تم بواسطة نونو ; 03-08-09 الساعة 02:12 AM
سبب آخر: تعديل رابط
|