المنتدى :
الادباء والكتاب العرب
جلاد دنشواي , مذكرات إبراهيم الهلباوي
إبراهيم الهلباوي .. جلاد دنشواي
هو شيخ المحامين في ذلك الوقت وأكثرهم شهره وعقب أحداث دنشواي وتقرير الانجليز بان تقوم محكمة مخصوصة بمحاكمة المتهمين فقد قام المستشار ميتشل سكرتير الداخلية الانجليزي بسؤال الهلباوي عما اذا كان قد وُكل من قِبل احد من المتهمين فى دنشواى فلما نفى ذلك اخبره بأن الحكومة قد اختارته ليمثلها فى "اثبات" التهمة ضد المتهمين ذلك لان نظام المحكمة المخصوصة يقضى بان يمثل الاتهام شيخ من شيوخ المحاماة.
وتواضع الهلباوى فى تحديد اتعابه فمع انه – كما قال فيما بعد – كان يتقاضى 500 جنيه فى القضايا الكبرى الا انه خفض اتعابه فى هذة القضية فقبل ان يترافع فيها بـ 300 جنيها فقط!!
وفى خلال المحكمة الهزليه وقف الهلباوى يترافع عن الاحتلال ضد وطنه وعن الصيادين ضد ضحاياهم ولم يخطئ مرة واحدة فيلتمس العذر للبؤساء من اهل دنشواي فيما فعلوه فالقضية كما صورها هى صراع بين ضباط إنجليز خيرين طيبين شجعان وبين فريق من الهمج المتوحشين، ضباط ينتمون لجيش الاحتلال الانجليزي الذى "حرر" المصري وبين هؤلاء السفله من فلاحى دنشواى .. هكذا ترافع الهلباوي.
ووفق جلاد دنشواي فى لعبته وخان بنى جلدته وصدر الحكم فى اليوم التالي كالأتي ..
- إعدام أربعة
- جلد اثنى عشر
- اشغال شاقة للباقين
لقد قتل الهلباوي شعبه كله.
وما أن وصلت انباء هذة المحاكمة الهزلية الى الصحف حتى انطلقت كالنار فى الهشيم داخل مصر وخارجها حتى ان الكاتب الايرلندي الشهير "برنارد شو" لم يجد سوى السخرية من عدل سلطات الاحتلال التى اجهدت نفسها بحثا عن "بروجرام" تشغل به المتفرجين على حفل الاعدام وتحول بينهم وبين الملل خلال النصف ساعة التى كان من مفروضا ان ان يظل فيها جسد المشنوق معلقا للتأكد من وفاته ولإتاحة وقت كاف لاسرته كى تشاهده وهو يدور حول نفسه، وقد حلت المحكمة هذه المشكله فقضت على ثمانية من المتهمين بالجلد لتتيح لفرقة التنفيذ ملء فراغ البروجرام بجلد اثنين بين كل مشنوقين حتى يكتمل الطابع الاحتفالي والاستعراضي لعدل المحتلين ..!!!
أما ابراهيم الهلباوي فلقد عمر طويلا بعد الحادث لأكثر من ثلاثين عاما ذاق خلالها الذل والهوان من المصريين الذين قابلوه بالكراهية فى كل مكان.
يقول الأديب يحى حقي: "حضرته –أي الهلباوي- يخطب في سرادق ضخم أزدحم فيه أنصار حزب الأحرار الدستوريين من أجل تخليص البلاد من يد المحتلين وقوبل خطابه بالهتاف والتصفيق وامتلأ الرجل ثقة وزهوا وظن ان الدنيا قد صالحته ولكنه لم يكد يفرغ من خطابه حتى أرتفع صوت في آخر السرادق يهتف:
- يسقط جلاد دنشواي.
.. كنا واثقين انها دسيسة بعث بها حزب الوفد لافساد الحفل بدليل ان المبعوث اتخذ مكانه بجانب الباب ليسهل عليه الهرب ومع ذلك فكأني بالحاضرين وقد مستهم الكهرباء فجأة واذا بهم كلهم – وهم أنصار الهلباوي – يقفون وقفة رجل واحد ويهتفون بصوت واحد يجلجل كالرعد:
- ليسقط جلاد دنشواي.
انه كان صوت مصر ينطلق من حلوقهم على الرغم إرادتهم"
وفي عام 1940 مات الهلباوي وهو فى الثالثة والثمانين وخلف جنازته كان الرجال يتذكرون ابياتا من قصيدة حافظ ابراهيم التى يقول فيها:
لا جرى النيل فى نواحيك يا مصر ولا جادك الحيا حيث جادا
انت انبت ذلك النبت يا مصر فأضحى عليك شوقا قتادا
أيه يا مدرة القضاء .. ويا من ساد في غفله من الزمان وشادا
أنت جلادنا فلا تنس انا قد لبسنا على يديك الحدادا
ويهيل النسيان التراب على كل شئ.
ان الذكرى الوحيدة الباقية للهلباوي – كما يرصد الأديب يحي حقي – تسمعها من كمساري الأتوبيس في خط المنيل بالقاهرة وهو يعدد المحطات فيقول .
- محطة الجراج .. محطة الهلباوي!!
ومن الطريف أنه قد انتدب نفسه فيما بعد عن إبراهيم الورداني الذي قام باغتيال بطرس غالي رئيس محكمة دنشواي!! ربما محاولة يائسة للتكفير عن جنايته الأثيمة في حق شعبه ووطنه. كما أنجز العديد من الحسنات، وهو ما جعل الوطنيين المصريين لا يستبعدونه من الصف الوطني، فطلبوا منه الدفاع عنهم في قضية التظاهر ضد قانون المطبوعات وفي قضايا أخرى عديدة لبراعته المهنية في المحاماة، ولكن حكم الشعوب يصعب أن يتغير.
****************
هذا هو باختصار إبراهيم الهلباوي بك (1858-1940) الذي أقدم لكم مذكراته التي تحمل وجهة نظره الخاصة، ويغلب عليها الطابع الدفاعي التبريري أكثر مما يغلب عليها الطابع التسجيلي التقريري، وقد قام بتحقيقها د. عصام ضياء الدين وقدمها د. عبد العظيم رمضان.
التحميل
تم تجديد الرابط بوصلة دائمة وسريعة على مركز تحميل المنتدى
من قبل المشرف معرفتي
التعديل الأخير تم بواسطة dali2000 ; 06-06-09 الساعة 08:23 AM
|