المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
ليلاس فعال جدا |
|
البيانات |
التسجيل: |
May 2006 |
العضوية: |
5844 |
المشاركات: |
413 |
الجنس |
أنثى |
معدل التقييم: |
|
نقاط التقييم: |
140 |
مدونتي |
|
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
المنتدى :
أغاثا كريستي , روايات أغاثا كريستي
اجاثا كريستي , مزحة غريبة , على شكل كتابة
مزحة غريبة
قالت جين هيلر وهي تكمل تعريف ضيوفها ببعضهم البعض: وهذه هي الآنسة ماربل!
وكونها ممثلة فقد كانت تستطيع أن تعطي كلامها المعنى الذي تريد وكان واضحا أن عبارتها تلك كانت قمة التشويق أو الخاتمة الرائعة! كانت نبرة صوتها مزيجا من الرهبة والاحترام والزهو في آن واحد.
كان الغريب في الأمر أن من تم تقديمها للضيوف بكل هذا الفخر لم تكن الا عجوزا رقيقة يبدو عليها الميل للقيل والقال ولذلك ظهر عدم التصديق وشئ من خيبة الأمل في عيون الشاب والفتاة اللذين سعت جين لتعريفهما بها. كانا شابين جميلين: الفتاة (وتدعى تشارميان ستراود) نحيلة سمراء, والرجل (ويدعى ادوارد روسيتر) أشقر الشعر لطيف وعملاق.
قالت تشارميان وهي تلهث قليلا: آه! اننا مسروران جدا بلقائك.
ولكن الشك كان باديا في عينيها. نظرت الى جين هيلر نظرة تساؤل سريعة فقالت جين ردا على نظرتها: "انها رائعة تماما يا عزيزتي... اتركي كل شئ لها. لقد أخبرتك أنني سأحضرها الى هنا وقد فعلت". ثم أضافت تخاطب الآنسة ماربل: ستحلين المشكلة لهما أعرف ذلك. سيكون ذلك سهلا عليك.
نقلت الآنسة ماربل عينيها الهادئتين عميقتي الزرقة صوب السيد روسيتر وقالت: ألن تخبرني عن طبيعة الأمر كله؟
تدخلت تشارميان بنفاد صبر قائلة: ان جين صديقة لنا. أنا وادوارد وقعنا في ورطة. وقد طلبت جين منا أن نحضر حفلتها حتى تقدمنا لشخص يمكن... من شأنه...
أسرع ادوارد لنجدتها: أخبرتنا جين بأنك صاحبة القول الفصل في أمور التحري يا آنسة ماربل!
طرفت عينا السيدة العجوز ولكنها عارضت بتواضع: آه, لا, لا! لست كذلك. كل ما في الأمر أن من يعيش في قرية مثلي يعرف الكثير عن الطبيعة البشرية. ولكنكما زدتما فضولي حقا. أرجو أن تحدثاني عن مشكلتكما.
قال ادوارد: أخشى أن يكون تعبيري مكرورا مبتذلا... انها مجرد كنز مدفون.
- أحقا؟ ولكن هذا يبدو مثيرا جدا!
- أعرف, مثل حكاية "جزيرة الكنز". ولكن مشكلتنا تفتقر الى اللماسات الرومنسية المعتادة؛ فلا توجد علامة على خريطة ولا رموز الجمجمة والعظمتين المتقاطعتين ولا تعليمات كتلك التي تقول: "أربع خطوات الى اليسار ثم الشمال الغربي..." انها قضية عادية لا اثارة فيها وملخصها هو أين يجب أن نحفر
- هل حاولتم الحفر؟
- لقد حفرنا مساحة تقدر بنحو فدانين مربعين كاملين حتى لقد أصبحت الأرض جاهزة لتكون حديقة انتاجية... غير أننا نناقش فقط هل نزرعها بالكوسا أم بالبطاطا!
قالت تشارميان فجأة: أيمكننا أن نخبرك كل شئ عن هذا الأمر؟
- بالطبع يا عزيزتي.
- اذن, هيا نبحث عن مكان هادئ. هيا يا ادوارد.
تقدمت خارجة من الغرفة الصغيرة المكتظة العابقة بروائح الدخان وصعدوا جميعا الدرج الى الطابق العلوي ثم دخلوا غرفة جلوس صغيرة هناك.
وعندما جلسوا بدأت تشارميان حديثها على الفور: حسنا, هاك الحكاية! الحكاية تبدأ بالعم ماثيو... أو بالأحرى العم البعيد, البعيد... لنا نحن الاثنين. كان عجوزا بلغ من العمر أرذله وكنت أنا وادوارد قريبيه الوحيدين. وكان يحبنا كثيرا وقد أخبرنا دائما أنه سيترك عند موته كل ثروته لنا نحن الاثنين مناصفة. وقد مات في شهر آذار الماضي وترك كل شئ كان يملكه لنقتسمه أنا وادوارد مناصفة. ان ما قلته توا قد يبدو كلاما قاسيا ولكنني لا أقصد هنا أن موته كان أمرا مفيدا؛ فقد كنا نحبه كثيرا في الواقع. ولكنه كان مريضا منذ فترة طويلة. المهم أن "كل شئ" الذي تركه لنا ظهر أنه لا شئ أبدا وكانت هذه -بصراحة- صدمة موجعة لنا نحن الاثنين, أليس كذلك يا ادوارد؟
وافقها ادوارد الودود قائلا: لقد اعتمدنا قليلا على هذا الأمر. أقصد أن المرء عندما يعلم أن ثروة كبيرة في طريقها اليه فانه لا يبذل مجهودا كبيرا لجمع ثروة بنفسه. أنا في الجيش ولا أملك شيئا يذكر سوى راتبي كما أن تشارميان نفسها لا تملك شيئا انها تعمل كمديرة مسرح وهو عمل ممتع تماما وهي مستمتعة به ولكنه لا يحقق عوائد تذكر. كنا نعقد آمالا على موضوع زواجنا لكننا لم نقلق بخصوص المال لأننا كنا نعرف أننا سنصبح أغنياء تماما يوما ما.
قالت تشارميان: وكما ترين فنحن لسنا كذلك! والأنكى من هذا أن "أنستيز" (وهو بيت العالة الذي أحببناه أنا وادوارد) ربما تعين عرضه للبيع ونحن نشعر أننا لا يمكن أن نطيق هذا الأمر ولكن اذا لم نجد أموال العم ماثيو فسوف نضطر الى بيعه.
قال ادوارد: ما زلنا بعيدين عن النقطة الحيوية يا تشارميان.
- حسنا, تكلم أنت اذن.
التفت ادوارد الى الآنسة ماربل وقال: الأمر هكذا. فمع تقدم العم ماثيو بالعمر أخذ يزداد ارتيابا ولم يعد يثق بأحد.
قالت الآنسة ماربل: انه سلوك حكيم جدا من جانبه؛ فالطبيعة البشرية فاسدة الى حد لا يمكن تصديقه.
- ربما تكونين على حق. على أية حال كان العم ماثيو يعتقد بذلك. كان له صديق فقد أمواله في أحد البنوك وصديق آخر دمر حياته محام فار من وجه العدالة كما أنه هو نفسه قد خسر أموالا في شركة وهمية. وقد بلغ به هذا الأمر حدا جعله يقول دائما ان التصرف الوحيد الآمن والمعقول هو أن يحول المرء أمواله الى سبائك ذهبية ويدفنها.
قالت الآنسة ماربل: آه, بدأت أفهم.
- نعم. لقد ناقشه أصدقاء له في هذا مشيرين الى أنه لن يحصل على فوائد بهذه الطريقة ولكنه كان يرى أن هذا الأمر غير مهم. وقد قال ان ثروة المرء "يجب أن تحفظ في صندوق تحت السرير أو تدفن في الحديقة". كانت هذه كلماته.
أكملت تشارميان الحديث قائلة: وعندما توفي لم يترك أي سندات مالية أبدا رغم أنه كان غنيا جدا. ولذلك نعتقد أن ذلك هو ما فعله دون شك.
أوضح ادوارد: لقد كشفنا أنه باع سندات مالية وسحب مبالغ ضخمة من وقت لآخر دون أن يدري أحد ماذا فعل بها. ولكن يبدو ممكنا أنه طبق خطته فاشترى ذهبا ودفنه.
- ألم يقل شيئا قبل أن يموت؟ ألم يترك ورقة أو رسالة؟
- هذا هو الأمر الذي يثير الجنون... لم يترك شيئا! لقد فقد وعيه بضعة أيام لكنه أفاق قبل أن يموت وقد نظر الينا نحن الاثنين وضحك... ضحكة ضعيفة باهتة, ثم قال: "ستكونان على ما يرام أيها الغزالان الجميلان". ثم أغمض عينيه (بل عينه اليمنى, وغمزنا) ثم مات. مسكين العم ماثيو.
قالت الآنسة ماربل متأملة: أغمض عينه.
قال ادوارد متلهفا: هل يدلك هذا على شئ؟ لقد جعلني هذا أفكر في قصة أرسين لوبين حيث كان شئ مخبأ في عين زجاجية لأحد الرجال. لكن العم ماثيو لم تكن له عين زجاجية.
هزت الآنسة ماربل رأسها حيرة وقالت: لا, لا أستطيع التفكير بأي شئ في هذه اللحظة.
قالت تشارميان بشئ من خيبة الأمل: أخبرتنا جين أنك ستخبريننا فورا عن المكان الذي ينبغي علينا أن نحفر فيه!
ابتسمت الآنسة ماربل وقالت: أنا لست بالساحرة, ولم أعرف عمك أو أي نوع من الرجال كان كما أنني لا أعرف البيت أو الأراضي المحيطة به.
قالت تشارميان: واذا عرفتهما؟
- حسنا, لا بد أن الأمر سيكون بسيطا للغاية, أليس كذلك؟
- بسيطا! تعالي الى البيت وانظري ان كان بسيطا!
ربما لم تكن تشارميان تقصد بعبارتها تلك دعوة الآنسة ماربل جديا, الا أن الأخيرة سارعت على القول: حسنا, هذا كرم كبير حقا من طرفك يا عزيزتي. لقد أحببت دائما أن تتاح لي فرصة للبحث عن كنز مدفون.
ثم أضافت وهي تنظر اليهما مبتسمة: وباهتمام دافعه الحب أيضا!
* * *
قالت تشارميان وهي تشير بيدها بطريقة درامية: أترين!
كانوا قد اختتموا جولة كبيرة في البيت وما حوله فقد تمشوا في حديقة المطبخ التي حفرت في كل جزء منها كما ساروا خلال الغابات الصغيرة حيث حفر حول كل شجرة ونظروا بحزن الى السطح الملئ بالحفر للمرجة العشبية التي كانت يوما مستوية رائعة. ثم صعدوا الى العلية حيث بعثرت محتويات الصناديق والخزائن الموجودة فيها وأفرغت من محتوياتها ونزلوا الى السراديب حيث تم اقتلاع الأحجار من مكانها وقاموا بقياس الجدران والضرب عليها وشاهدت الآنسة ماربل كل قطعة أثاث أثرية احتوت أو يشك في أنها تحتوي على درج سري.
كان على طاولة في غرفة الطعام كومة من الأوراق... جميع الأوراق التي تركها الراحل ماثيو ستراود. لم يتم اتلاف أي ورقة منها, وقد اعتادت تشارميان وادوارد الرجوع اليها مرة تلو الأخرى يمعنان النظر في الفواتير والدعوات ومراسلات العمل على أمل أن يعثروا على دليل لم يلحظاه حتى اليوم.
سألتها تشارميان بشئ من الأمل: هل يمكنك التفكير في أي مكان لم نبحث نحن فيه؟
هزت الآنسة ماربل رأسها بالنفي وقالت: يبدو أنكما تعمقتما تماما في البحث... بل ربما كان تعمقكما هذا أكثر قليلا من المطلوب. أنا أرى دوما أن على المرء أن يضع خطة وهذا يشبه ما حدث مع صديقتي السيدة ايلدريتش فقد كانت لديها خادمة صغيرة لطيفة تلمع أرضية البيت بكل حرص ولكنها كانت من الحرص بحيث بالغت في تلميع أرضية الحمام وبينما كانت السيدة ايلدريتش تخرج من الحمام انزلقت الممسحة من تحت قدميها فوقعت على الأرض وقعة شديدة وكسرت ساقها! وكانت تلك مشكلة فظيعة للغاية لأن باب الحمام كان مقفلا وقد توجب على البستاني أن يحضر سلما ويدخل من خلال النافذة لانقاذها.
تململ ادوارد فسارعت الآنسة ماربل للقول: أرجو أن تسامحني. أعرف أنني أنحرف دوما عن موضوع الحديث ولكن الشئ بالشئ يذكر وهذا ما يكون مفيدا أحيانا. كل ما أحاول قوله أننا لو حاولنا أن نشحذ عقولنا ونفكر في مكان محتمل...
قال ادوارد غاضبا: أنت فكري لنا في مكان يا آنسة ماربل؛ فعقلي وعقل تشارميان أصبحا الآن فارغين!
- أيها المسكينان. انه أمر متعب جدا لكما بالطبع. اذا لم تمانعا فانني أود القاء نظرة على هذه...
وأشارت الى الأوراق على الطاولة وقالت: هذا ان لم يكن فيها أوراق خاصة؛ فلا أريد الظهور بمظهر المتطفلة.
- آه, لا بأس. لكن أخشى ألا تجدي شيئا.
جلست قرب الطاولة وبدأت تعمل في كومة الأوراق وعندما كانت تنتهي من كل واحدة كانت تفرزها -آليا- في مجموعات صغيرة مرتبة. وعندما انتهت من عملها جلست تحدق أمامها بضع دقائق.
سألها ادوارد بنبرة لا تخلو من خبث: حسنا يا آنسة ماربل؟
فوجئت الآنسة ماربل (وكأنها كانت شاردة بعيدا) وقالت: أرجو المعذرة, لم أسمع ما قلته.
- هل وجدت شيئا ذا صلة بالأمر؟
- آه لا, لا شئ من هذا. ولكنني أعتقد -حقا- أنني أعرف أي نوع من الرجال كان عمك. انه مثل عمي هنري؛ كان مولعا بالمزاح. واضح أنه كان أعزب... لا أدري سبب ذلك ربما كان بسبب خيبة أمل مبكرة؟ وهو منهجي الى حد معين ولكنه لا يحب الارتباط. ان كثيرا من العزاب على هذا الشكل!
قامت تشارميان باشارة لادوارد من وراء ظهر الآنسة ماربل مفادها أن هذه المرأة معتوهة.
كانت الآنسة ماربل مستمرة في الحديث عن عمها الراحل هنري بسعادة: كان مولعا جدا بالغمزفي كلامه وهذا الغمز مزعج جدا لبعض الناس... ان من شأن التلاعب بالألفاظ أن يثير الغضب الشديد. كما كان رجلا شكاكا أيضا وكان مقتنعا دائما بأن الخدم كانوا يسرقونه. صحيح أنهم كانوا يسرقونه أحيانا ولكن ليس دائما. وقد تفاقم ذلك عند الرجل المسكين حتى بات -في النهاية- يرتاب في عبثهم بطعامه فأخذ يرفض أكل شئ سوى البيض المسلوقة (بحجة أن أحدا لا يمكنه العبث بداخل البيضة المسلوقة)! لقد كان العم العزيز هنري ذا روح مرحة في وقت من الأوقات وكان يحب تناول القهوة بعد العشاء ويطلب المزيد منها دائما.
أحس ادوارد بأنه سيصاب بالجنون لو سمع المزيد عن العم هنري, ولكن الآنسة ماربل تابعت قائلة: كما أنه كان مولعا بالشباب والصغار ولكنه كان يميل الى اغاظتهم قليلا فكان يضع علب الحلوى في مكان لا يمكن للطفل أن يصله.
ألقت تشارميان بالأدب جانبا وقالت: أظنه يبدو فظيعا!
- آه, لا ياعزيزتي؛ كان مجرد أعزب عجوز ولم يكن معتادا على الأطفال. ولم يكن بالغبي أبدا في الواقع. كان يحتفظ بمبلغ كبير من المال وقد ركب خزانة حديدية في البيت وظل يردد -طوال الوقت- مزاياها وما توفره من أمان. ونتيجة لحديثه الكثير عنها اقتحم اللصوص بيته ذات ليلة وفتحوا ثغرة في الخزنة باستخدام أداة كيميائية.
قال ادوارد: ووقع في جزاء عمله.
قالت الآنسة ماربل: آه, ولكن لم يكن في الخزنة شئ. كان يحتفظ بنقوده في مكان آخر... وراء بعض مجلدات المواعظ في المكتبة وكان يقول ان الناس لا يأخذون كتابا من هذا النوع من مكانه!
قاطعها ادوارد بانفعال: هذه فكرة جديدة. ماذا عن المكتبة؟
لكن تشارميان هزت رأسها بازدراء وقالت: أتظنني لم أفكر بهذا؟ لقد فتشت جميع الكتب يوم الثلاثاء الماضي عندما ذهبت أنت الى بورتسماوث. أخرجت جميع الكتب ونفضتها ولم أعثر على شئ.
تنهد ادوارد, ثم نهض وحاول -بلباقة- تخليص نفسه من ضيفتهما المخيبة للآمال قائلا: جميل منك أن تأتي الى هنا وتحاولي مساعدتنا. نحن نأسف لاخفاقنا. أشعر أننا بددنا الكثير من وقتك... سأخرج السيارة لايصالك بحيث تلحقين بقطار الثالثة والنصف.
- آه, ولكن يجب أن نعثر على النقود أليس كذلك؟ يجب ألا تستسلم لليأس يا سيد روسيتر. اذ لم تنجح من أول مرة فحاول, ثم حاول, ثم حاول.
- هل تقصدين أنك ستواصلين... ستواصلين المحاولة؟
- بالضبط. أنا لم أبدأ بعد, وكما تقول السيدة بيتون في كتابها عن الطهي: "أمسك أولا أرنبك...", وهو كتاب رائع ولكنه باهظ الثمن وتبدأ معظم وصفات الطعام بعبارة: "خذي ربع غالون من القشدة وعشر بيضات". ماذا كنت أقول؟ آه, نعم؛ علينا أن نمسك بأرنبنا. وقد أمسكنا أرنبنا اذا صح التعبير والأرنب هنا عمك ماثيو بالطبع وما علينا الا أن نقرر الآن أين كان من شأنه أن يخبئ الأموال. يجب أن يكون هذا بسيطا جدا.
سألتها تشارميان: بسيطا؟
- نعم يا عزيزتي. أنا واثقة أن من شأنه أن يفعل الشئ الواضح... أظنه وضع المال في درج سري.
قال ادوارد بجفاء: لا يمكنك أن تضعي سبائك ذهبية في درج سري.
- نعم, بالطبع. ولكن لا يوجد سبب للاعتقاد بأن المال يأخذ شكل سبائك ذهبية.
- لقد كان دائما يقول...
- وهذا ما كان يقوله عمي هنري عن خزنته! ولذلك أشك كثيرا في أن كلامه لم يكن سوى ستار للتضليل. ان أحجار الألماس يمكن وضعها في درج سري بسهولة تامة.
- ولكننا فتشنا كل الأدراج السرية. لقد أحضرنا نجارا لفحص الأثاث.
- أحقا يا عزيزتي؟ هذا ذكاء منك. أرى أن طاولة المكتب الخاصة التي كان عمك يستخدمها هي المكان الأرجح. أكان مكتبه ذلك المكتب المقابل للحائط هناك؟
- نعم, وسوف أريك.
ذهبت تشارميان الى المكتب وفتحت مصراع المنضدة. كان في الداخل رفوف صغيرة مربعة وأدراج صغيرة وفتحت بابا صغيرا في الوسط ولمست لولبا داخل الدرج الأيسر. أصدر الدرج الأوسط صوتا وانزلق الى الأمام فأخرجته تشارميان كاشفة عن حجيرة صغيرة تحته وكانت فارغة.
صاحت الآنسة ماربل: أليست هذه مصادفة غريبة؟ كان للعم هنري مكتب مثله الا أنه كان من خشب الجوز أما هذا فمن خشب الماهوغاني الأحمر.
قالت تشارميان: على أية حال ليس فيه شئ كما ترين.
- أظن أن النجار الذي أحضرتماه كان شابا ولم يكن يعرف كل شئ. كان الناس بارعين جدا عندما يصنعون مخابئ سرية في تلك الأيام وكان ما يسمى السر داخل السر.
أخرجت دبوسا من كومة شعرها الرمادي المرتب فأدخلته في مكان بدا ثقبا صغيرا لحشرة في أحد جوانب الدرج السري وببعض الصعوبة أخرجت منه درجا صغيرا. وكان بداخله حزمة من الرسائل باهتة اللون وورقة مطوية.
انقض ادوارد وتشارميان على هذا الاكتشاف معا. ففتح ادوارد الورقة بأصابع مرتجفة ثم رماها وهو يصيح مغتاظا: تبا! انها وصفة لتحضير وجبة طعام... لحم مشوي!
حلت تشارميان الخيط الذي كان يربط الرسائل وأخرجت واحدة منها فنظرت اليها قائلة: انها رسائل غرامية!
هتفت الآنسة ماربل بحماسة فكتورية: هذا مثير جدا! ربما كان هذا هو سبب عدم زواج عمك أبدا.
قرأت تشارميان بصوت مرتفع:
عزيزي الغالي ماثيو,
لابد أن أعترف بأن الوقت قد طال على استلام آخر رسالة منك. انني أحاول أن أشغل نفسي بالمهام العديدة الموكلة الي وغالبا ما أقول لنفسي انني محظوظة جدا لمشاهدتي كثيرا من بلاد العالم رغم أنني لم أحسب عندما ذهبت الى أمريكا أنني سأسافر الى هذه الجزيرة البعيدة!
سكتت تشارميان ثم قالت: من أين هذه الرسالة؟ آه! من هاواي! ثم أكملت:
للأسف, فان السكان المحليين أبعد ما يكونون عن المدنية. انهم بدائيون ويقضون معظمهم وقتهم في السباحة والرقص ويزينون أنفسهم بأكاليل الزهور. وقد نجح السيد غراي في تنصير بعض السكان ولكنه عمل شاق وقد ثبطت عزيمته وعزيمة زوجته. انني أحاول بذل جهدي لتشجيعه وادخال السرور الى نفسه لكنني -أنا الأخرى- حزينة لسبب تعرفه يا عزيزي ماثيو. للأسف فان الغياب محنة قاسية على القلب المحب. ان قسمك الذي تجدده كل مرة وتأكيداتك على حبك لي تفرحني كثيرا. أنت تملك الآن والى الأبد قلبي المحب والمخلص يا عزيزي ماثيو. وسأبقى دائما... حبك الحقيقي, بيتي مارتن.
ملاحظة: أرسل رسائلي لك على عنوان صديقتنا المشتركة ماتيلدا غريفس كالعادة. أرجو أن يسامحني الله على حيلتي الصغيرة هذه.
صفر ادوارد قائلا: امرأة تعمل في البعثات التبشيرية! كانت تلك -اذن- هي قصة حب العم ماثيو. ترى لماذا لم يتزوجا؟
قالت تشارميان وهي تتفحص الرسائل: يبدو أنها سافرت الى جميع أنحاء العالم... جزر موريشيوس... جمع الأماكن. ربما ماتت من الحمى الصفراء أو مرض مثله.
جفل الاثنان بسبب ضحكة خفيفة أطلقتها الآنسة ماربل وقد بدا عليها الفرح. قالت:حسنا, حسنا,هذاغريب!
كانت تقرأ وصفة تحضير اللحم المشوي, وعندما رأت نظراتهما المتسائلة قرأت بصوت مرتفع:
لحم مشوي مع السبانخ. تؤخذ قطعة من لحم الفخذ تفرك بالثوم وتغطى بالسكر الأحمر ثم توضع على نار خفيفة في الفرن. ثم تقدم محاطة بالسبانخ المهروس.
ماذا تريان في هذه؟
قال ادوارد: أراها أكلة مقززة.
-لا, من شأنها أن تكون أكلة رائعة. ولكن ما رأيكما بالأمر كله؟
أضاء وجه ادوارد فجأة وقال: أتظنينها شفيرة ما... أو رسالة سرية؟
أمسك بها وقال: انظري يا تشارميان قد تكون كذلك بالفعل! والا لما كان من داع لوضع وصفة طعام في درج سري.
قالت الآنسة ماربل: بالضبط؛ هذه نقطة مهمة جدا.
قالت تشارميان: أعرف ما يمكن أن تكون... حبرا سريا! دعنا نسخنها, أشعل المدفأة الكهربائية.
فعل ادوارد ما قالته, ولكن لم تظهر أية اشارات على وجود كتابة سرية.
تنحنحت الآنسة ماربل وقالت: أظن أنكما تصعبان الأمر قليلا. ان وصفة الطعام مجرد مؤشر فقط. أعتقد أن الرسائل هي الأمر المهم.
- الرسائل؟
- وخصوصا التوقيع.
لكن ادوارد لم يكد يسمعها, اذ صاح دهشا: تشارميان, تعالي هنا! انها على حق. انظري... المغلفات قديمة بالفعل ولكن الرسائل نفسها كتبت حديثا.
قالت الآنسة ماربل: بالضبط.
- لقد زيفت بحيث تبدو قديمة. أراهن أن العم ماثيو هو الذي زورها بنفسه...
قالت الآنسة ماربل: بالضبط.
- الأمر كله خدعة. لم تكن هناك امرأة تعمل في التبشير. لا بد أنها شفيرة.
- يا ولدي العزيزين... لاحاجة لجعل الأمر صعبا للغاية. كان عمكما رجلا بسيطا تماما وكان يريد أن يمزح كعادته وهذا كل ما في الأمر.
لأول مرة اصغيا اليها اصغاء كاملا. سألتها تشارميان: ماذا تقصدين بالضبط يا آنسة ماربل؟
- أقصد أنك تمسكين بالمال بيدك في هذه اللحظة بالفعل.
حدقت تشارميان الى الرسالة.
- التوقيع يا عزيزتي... انه يكشف كل شئ. وصفة الطعام مجرد مؤشر. اذا جردنا كلماتها من الثوم والسكر الأحمر وبقية هذه الأشياء فماذا تكون عمليا؟ سيبقى فخذ اللحم والسبانخ بالتأكيد. فخذ اللحم والسبانخ. والمعنى: هراء! ولذلك فالواضح أن الرسائل هي المهمة. ثم فكرا بما فعله عمكما قبل موته بوقت قصير. لقد غمز بعينه كما قلتما. حسنا, هذا يعطيكما المفتاح.
قالت تشارميان: هل أنت مجنونة أم نحن المجانين؟
- لابد أنك سمعت -يا عزيزتي- العبارة التي تقول: "ليس كل ما يلمع ذهبا". لقد كان القدماء يقولون اذا ما رأوا فتاة جميلة: "عيني على بيتي مارتن".
شهق ادوارد وعيناه تنظران الى الرسالة التي يمسك بها بيده وقال: بيتي مارتن...
- بالطبع يا سيد روسيتر. كما قلت لتوك: لم توجد أبدا واحدة بهذا الاسم. عمك هو الذي كتب الرسائل كما أظن أنه استمتع كثيرا بكتابتها! وكما قلت فان الكتابة على المغلفات تبدو مكتوبة قبل الرسائل نفسها بوقت طويل... وفي الواقع هذه المغلفات لا تخص الرسائل التي فيها لأن خاتم البريد على المغلف الذي بيدك يحمل تاريخ ألف وثمانمئة وواحد وخمسين.
سكتت, ثم شددت على كلماتها: عام ألف وثمانمئة وواحد وخمسين. وهذا يوضح كل شئ, أليس كذلك؟
قال ادوارد: ليس بالنسبة لي.
- بالطبع, أظن أنه ما كان سيتضح لي أيضا لولا ليونيل, ابن بنت اختي. كان ولدا صغيرا يهوى جمع الطوابع ويعرف كل شئ عن طوابع البريد. وهو الذي أخبرني عن الطوابع النادرة والثمينة وأن طابعا اكتشف حديثا سيعرض في المزاد. وأذكر أنه ذكر لي طابعا معينا... صدر عام ألف وثمانمئة وواحد وخمسين... طابع أزرق من فئة سنتين. وقد بيع بمبلغ يصل الى نحو خمسة وعشرين ألف دولار حسب ظني. تخيل! وأظن أن الطوابع الأخرى نادرة وثمينة. لا شك أن عمكما قد اشترى هذه الطوابع من أناس يتعاملون بها وكان حريصا على "تغطية خدعه" كما يقال.
زأر ادوارد وجلس واضعا وجهه بين يديه, فسألته تشارميان: ماذا في الأمر؟
- لا شئ. لقد راودتني فقط الفكرة بأننا -لولا الآنسة ماربل- كنا سنحرق هذه الرسائل بكل أدب وفاء لذكرى العجوز!
قالت الآنسة ماربل: هذا ما لا يدركه هؤلاء المسنون الذين يحبون المزاح. أذكر أن العم هنري أرسل ورقة نقدية بمبلغ خمسة جنيهات لابنة أخ له يحبها هدية في عيد الميلاد. وقد وضعها بين ورقتي بطاقة المعايدة وألصق الورقتين وكتب عليها: "مع حبي وأطيب أمنياتي. أخشى أن يكون هذا كل ما يمكنني عمله لك هذا العام". وقد تضايقت الفتاة المسكينة مما ظنته بخلا منه فألقت البطاقة مباشرة في النار. ثم كان عليه أن يعطيها غيرها بالطبع.
تغيرت مشاعر ادوارد نحو العم هنري تغيرا تماما وقال: آنسة ماربل, سأقيم لك مأدبة عامرة على شرف عمك الراحل هنري.
تمــــــــــــــــت
|