المنتدى :
من عيون الشعر العربي والعالمي
رثاء ابن الرومي لأبنه...
رثاء ابن الرومي لأبنه ابن الرومي هو علي بن العباس بن جريج ، رومي الأصل .
شاعر كبير، من طبقة بشار والمتنبي،كان جده من موالي بني العباس.
ولد ونشأ ببغداد، ومات فيها مسموماً قيل: دس له السمَّ القاسم بن عبيد الله -وزير المعتضد- وكان ابن الرومي قد هجاه.
تعرض خلال حياته إلى نكبات في اهله و اسرته اثرت فيه كثيرا ..
فقد توفي والده وهو صغير ، ثم فقد أخاه الأكبر ، و تمت مأساته العائليه بفقده لأبنائه الثلاثه و زوجته و قد جعلت منه هذه الأحداث إنسان ناقم على المجتمع متشائما من الحياه ..
يتمتع بموهبه شعريه ، ورهافه حس ، و رقه شعور ، و يعد من امراء الشعر في العصر العباسي ..
و هذه الأبيات في رثاء ابنه الأوسط " محمد " الذي اصيب بنزيف حاد قضى عليه ، و القصيده ترسم مأساته بفقده ..
==================
القـصـيـدهـ
بكاؤكما يُشفي وإن كان لا يُجدي .... فجودا فقد أودى نظيركما عندي
بُنيّ الذي أهدتهُ كفّاي للثـرى.... فياعِزّة المُهدَى ويا حسرة المُهدِي
ألا قاتل الله المنايا ورميـها .... من القوم حبات القلوب على عمدِ
توخّى حمامُ الموت أوسط صبيتي .... فلله كيف اختار واسطة العقـدِ
على حين شِمتُ الخيرَ من لمَحاته .... وآنستُ من أفعــاله آية الرّشدِ
طواهُ الردى عني فأضحى مزارهُ .... بعيداً على قربٍ ، قريباً على بُعدِ
لقد انجزَتْ فيه المنايا وعيدها .... وأخلفت الآمالُ ما كان من وعـدِ
لقد قلّ بين المهدِ واللحدِ لُبثه ....فلم ينسَ عهدَالمهدِ إذضُمّ فى اللحدِ
ألَـحّ عليه النزفُ حتى أحاله .... إلى صُفرةِ الجاديّ عن حُمــرة الوردِ
وظلّ على الأيدي تَساقط نفسُهُ .... ويذوي كما يذوي القضيبُ من الرندِ
فيا لك من نفـس تَساقَط أنفساً .... تَسَاقُـط درٍّ من نظــامٍ بلا عِقدِ
عجبتُ لقلبي كيف لم ينفطر له .... ولو انّه أقسى مـن الحجــر الصلدِ
بــودّيَ أنّـي كنتُ قـد مـتُّ قبله.... وأنّ المنايا دونه صمـدت صمـدي
ولكنّ ربي شـاء غير مشيئتي .... وللــرب إمضــاءُ المشيئـةِ لا العبدِ
وما سرّني أنْ بعتـهُ بثوابـهِ .... ولو أنهُ التخليـدُ في جنة الخُلـدِ
ولا بعتهُ طوعاً ، ولكنْ غُصِبْتهُ ....وليس على ظلم الحوادث من مُعدِ
وإني وإنْ مُـتـّعتُ بابنيّ بعدهُ ....لَذَاكرهُ ما حنّتِ النّيبُ في نجدِ
وأولادنا مثلُ الجـوارح ، أيها.... فقـدناهُ كان الفاجعَ البيِّـن الفقدِ
لكلٍّ مكانٌ لا يسدُّ اختلالَه.... مكـانَ أخيـهِ في جَـزُوعٍ ولا جَلْـدِ
هل العينُ بعدالسمعِ تكفى مكانه.... أم السمعُ بعد العين يهدي كما تَهدي
لَعَمري لقد حالت بي الحالُ بعدهُ.... فيا ليت شعري كيف حالت بـه بعدي
ثكلتُ سروري كلّهُ إذ ثكلتُهُ ....وأصبحتُ في لذات عيشي أخا زُهدِ
أريحانةَ العينين والأنف والحشا .... ألا ليت شعري هل تغيّرتَ عن عهدي
سأسقيكَ ماء العين ما أسعَدَتْ بهِ....وإن كانت السّقيا من العين لاتُجدي
أعينيّ جودا لي ، فقد جُدتُ للثرى....بأنفسَ ممـا تسألانِ من الرّفدِ
أقُـرةَ عيني ، قــد أطلتَ بكاءها.... وغادرتَها أقذى من الأعين الرُّمْـدِ
أقرةَ عيني ، لو فدى الحيُّ ميتاً.... فديتك بالحـوباءِ أوّل من يفدي
كأنّيَ مــا استمتعتُ منكَ بضمةٍ .... ولا شمّةٍ في ملعبٍ لكَ أو مهدِ
أُلامُ لما أُبـدي عليك من الأسى .... وإنّيْ لأُخفي منهُ أضعافَ ما أُبدي
محمدُ ، ما شيءٌ تُوُهّمَ سلوةً .... لقلبيَ إلا زادَ قلبيْ مــن الوجدِ
أرى أَخوَيْكَ الباقيين كليهما .... يكونان للأحزان أورى من الزنـدِ
إذا لعبــا فــي ملعبٍ لك لذّعـا .... فؤاديْ بمثلِ النار عن غيرما قصدِ
فما فيهمــا لي سلوةٌ بل حزازةٌ .... يهيجانها دوني ،وأشقى بها وحدي
وأنتَ وإنْ أُفردتَ في دار وحشةٍ.... فإني بدار الأنسِ في وحشة الفردِ
أودُّ إذا ما المــوتُ أوفَدَ معشراً .... إلى عسكر الأموات ، أنّيْ من الوفدِ
ومن كان يستهدي حبيباً هديةً .... فطيفَ خيالٍ منكَ فى النوم أستهدي
عليــك سلامُ الله منـي تحيةً.... ومن كل غيثٍ صادقَ البرقِ والرعدِ
كونان دويل
|