المنتدى :
الدراسات والدواوين الشعرية
الإيجابية والسلبية في الشعر العربي بين الجاهلية والإسلام
تحدثت كتب النقد عن الخصومة والسّرقة بين الشعراء، كما تحدثت عن الصراع بين القديم والجديد في المعاني والمباني. وغدا ما نعرفه عن الشعر القديم مقسّماً إلى عصور تاريخية ضمّت نظريات مدرسية؛ وما نعرفه عن الشعراء موزعاً إلى زمر متعددة؛ فمنهم شعراء للمديح وآخرون للغزل، وغيرهم للوصف، وتسميات أخرى كثيرة ومعروفة، مرتبطة بأغراض الشعر المختلفة.
ويظل الحديث دائماً يدور في ساحة محصورة بين جدارين من القول الأول: يمثل السّلف من الشعراء، كما يمثل نوعية الشعر الذي قالوه والثاني: يمثل الخلف من الشعراء، كما يمثل نوعية الشعر الذي قالوه أيضاً. والناقد المبصر لهذا وذلك، يمثل حكم لعبة الكرة، يحدثنا عن انتقالها من فريق إلى آخر.
والسعي في الخروج إلى نوع آخر من الدراسة الأدبية ضروري في عالمنا المعاصر، فقد مللنا نظرية النقد على أساس هذا أمدح بيت قالته العرب، أو أهجى بيت سمعناه؛ كما مللنا نظرية هذا جديد وهذا قديم. نريد وضع شعر الخلف والسلف في طرف، ووضع مقياسٍ جديدٍ للشعر العربي نُبصر بموجبه الإيجابي والسلبي في طرف مقابل.
ومهمّة هذا المقياس أن نعرف في الشعر ما كان، وما يجب أن يكون بما قد كان.
وانطلاقاً من إيماننا بدور الأدب الفعال في حياة المجتمعات البشرية، نعلن ثقتنا بقدرة الشعر العربي على التغيير والتأثير إذا أحسن من يمارسه دوره الموكل إليه.
إن الفائدة المرجوة من ذلك تبصير الإنسان العربي المعاصر بالصفحات الأخرى من التاريخ حين يكون بعيداً عن ضغط عامل من العوامل مهما قل، وقد يبدو هذا مستحيلاً، ولكن المقياس الذي نضعه هو الضابط الذي نأمل فيه منعاً من التهور أو الشطط في القول.
إن كثيراً من الكتب الأدبية التي تغص بها المكتبة العربية، ولاسيما الكتب التي تتناول العصور القديمة غير كافية، ولا تعطي الصورة الكاملة لشعر تلك العصور، وهي كما نراها ونلاحظها تسير على خطوط كثرة. أهمها خطّان اثنان.
الأول: خط يحتوي على كتب تاريخ الأدب بما فيها مصادر حياة الشعراء، وهي كثيرة.
الثاني: خط يحتوي على كتب الحياة الأدبية عامة بما فيها مصادر المادة الفنية، ومصادر النقد الأدبي، ودواوين الشعراء.
ربما كان من المفيد أن ندرس خطاً جديداً في الأدب يرفد الخطوط السابقة بناءً على نظرة أخرى جديدة. وهذا هو هدف البحث الذي يسعى إلى ترسيخ خط جديد في دراسة الشعر العربي من خلال كشف واسع بالمواقف الإيجابية والسلبية التي اتخذها الشعراء من المفاهيم المتعددة في العصور التي ندرسها.
وفي مثل هذا البحث خطورة تظهر في مراجعة بعض فصول التاريخ ومراجعة بعض المفاهيم الأدبية، وربما قلب البحث كثيراً من المفاهيم الفكرية الموروثة، وهذا يساعد الشعراء المعاصرين والقادمين من العرب في التعرف على الخطوات الإيجابية التي يجب أن تكون، كما يساعدهم في تجنب الخطوات السلبية التي كانت.
إن التاريخ يكتب باليد الحاكمة، وليس الذي يكتب نفسه شقيا بعاقل ما دام القلم بيده. وإن اللوحة الفكرية التي رسمتها قصائد المشهورين من الشعراء والتي تتصدر الأدب العربي القديم ليست وحيدة، وليست تامة. هناك لوحة أخرى غيرها ترسمها المقطعات الشعرية.
إن عدد الشعراء الذين ذكروا في المدارس الأدبية يكاد يكون محصوراً وإننا نتساءل: هل يعقل أن يكون عدد الشعراء محصوراً، في أمة لها تراثها الضخم العظيم!؟.. والجواب عندنا: لا.. طبعاً. فهل من ضير إذا راحت كلمات شعراء آخرين ترسم لنا صورة أخرى، وهل من ضير إذا وقفنا عند صور أخرى للشعراء المشهورين المعروفين أنفسهم؟. إن الشاعر ذو دور عظيم في المجتمع العربي. والشعر سجل بالإيجابي والسلبي من مواقف الشعراء والحاكمين، والمحكومين، سجل بالمفاهيم المختلفة التي تسود في كل عصر من العصور، ومن هنا فإنه يمكن الاعتماد على الشعر في إعادة تسجيل جزء من التاريخ. لكن الحديث عن نفوذ الشعر والشاعر في حياة العرب قد يجد معارضين، فلابد من التثبت واليقين في هذه المسألة لأهميتها من جهة، ولأننا نعتمدها في بحثنا كلّه من جهة ثانية.
للتحميل من هنا
|