المنتدى :
الدراسات والدواوين الشعرية
الصّورة السّمعيّة في الشعر العربي قبل الإسلام
ثمة أسئلة كثيرة تطرح: لماذا الصورة السمعية؟ وهل يشكل السمع صورة؟ وقد عرفنا أن الصورة تدرك بالبصر.
وربما يتبادر سؤال إلى الذهن هل هناك من سبقنا إلى مثل هذه الدراسة؟ وهل هي دراسة رائدة؟ ما هي التسويغات العلمية للصورة السمعية ومسوغات ريادة هذه الدراسة؟ وأسئلة كثيرة يمكن طرحها عن وظيفة السمع، ومسوغات حضورها في النص الشعري، وروافدها..
لا نتوخى الإجابة عن هذه الأسئلة بشكل مباشر، وإنما سيتكفل التمهيد والبحث بالإجابة الوافية من خلال ما سنقدمه من معلومات وإيضاحات تخص الصورة موضوعة البحث أساساً، مقترنة بمعطياتها المختلفة، وحضور حاسة السمع بشكل مؤّثر في النسيج الشعري من خلال علاقته بالألفاظ، والأصوات، والنطق، والسمع، ضمن العصر الجاهلي، لتتكشف أمامنا –عبر ما يتيحه التمهيد- حقائق كثيرة، ومسوغات حضور الصورة السمعية بعد معرفتها، وما يتيحه تفاعلها في الشعر من تمازج يهدف إلى تحقيق الأهداف التي يتوخاها الشاعر، لأنه يتعامل مع ألفاظ مستمدة من البيئة والحياة الاجتماعية المشبعة بالتأثيرات النفسية، مع ما تتيحه تلك الأصوات من خلق انفعالات ذات مدلول في تجاربهم التي استدعت أن يوظفها الشاعر إرضاءً لنفسه أولاً بإشباع رغبته، وسد حاجته الذاتية، وإسكات صوت الأعماق، وتأثيراً في المتلقين من خلال استخدامه للألفاظ ذات الدلالة السمعية، أو الإيقاعية وزجّها في نسيج الشعر بوعي وعمق بما يتيح المجال لاستثمارها في تحقيق الغاية.
وقد استأثرت الصورة الشعرية بشكل عام باهتمام القدامى والمحدثين، لما لها من أهمية في عالم الشعر، وانطلقوا معرّفين الصورة من وجهات نظر مختلفة، ومن زوايا متعددة، وآراء تتفق أحياناً وتفترق في بعض الأحايين، منطلقين من تأثيرات شتى، منها ما هو عربي تراثي، ومنها ما هو أجنبي، وبعضها توفيقي بين هذا وذاك، وهناك من يجترح نظرة صادقة من اجتهاد، فضلاً عن صدور كتب كثيرة تبحث في الصورة الشعرية وأهميتها من وجهات نظر مختلفة – كما قلنا- من وجهة نظر علمائنا القدامى، والفلاسفة المسلمين، والنقاد، والبلاغيين، واللغويين، والصورة عند أصحاب المذاهب الأدبية والنقدية المختلفة، ومن وجهة نظر باحثين عرب وأجانب([i]).
وقد ذهب بعض الباحثين إلى إطلاق اسم الصورة الفنية لتمييزها عن الصورة بشكلها العام لسحرها وجمالها وتأثيرها لأنها تأخذ بمجامع القلوب، والصورة ليست حديثة، وإنما هي قديمة قدم الإنسان، على أن الصورة الفنية بمصطلحاتها هذا ليست مدار بحثنا الأساس، وإنما أردنا من خلال هذا السياق التوصل إلى استئثارها باهتمام الباحثين والمؤلفين والشعراء والنقاد لأنها ركن أساس في شعره، وقد تناولت تلك الكتب الصورة البصرية على وجه الخصوص، ولم تخل بعض المباحث عن الصورة من الإشارة إلى المدركات الحسية الأُخَر التي تشارك في تكوينها- بالرغم من ندرتها-.
وما دامت الصورة تحظى بهذا الاهتمام الكبير، فضلاً عن الاهتمام بمكوناتها لا سيما البصرية منها، فقد وجدنا أن نتناول بالدراسة والتحليل نوعاً جديداً من الصورة لم يتلبث عندها الباحثون بما يغنيها ويعمقها، أو يحلّل نماذجها، وإذا ما أشير إليها، فهي إشارة عابرة من دون إقامة أسس لها، ولا اقتران بالتطبيق، تلك هي الصورة السمعية التي آثرنا تناولها، والقيام بتحليل النماذج توشيجاً بينها وبين التوصيف النظري، سواء أكان مترشحاً من لمحات القدامى والمحدثين، أو خلاصة آراء استنتجناها من استقرائنا لشعرنا العربي قبل الإسلام، لينفرد هذا البحث بتأسيس جديد في ميدانه هذا.
إن الإنسان قد اهتم بسمعه منذ عصر مبكر، مذ كان يعيش في الكهوف، فكان يسمع أصوات الحيوانات المختلفة، ويسمع ما يدور في الطبيعة من أصوات، منها ما تثير مخاوفه لغموضها، ومنها ما تشعره بالخوف ليكون متحفزاً حذراً، وفي أحايين كثيرة كان يحاول تقليدها، مما يتيح لنا القول إن اللغة في أصل نشأتها سمعية، وقد ذهب بعض العلماء إلى أنها من الأصوات
المسموعات([ii]).
للتحميل من هنا
|