02-01-07, 01:18 AM
|
المشاركة رقم: 1
|
المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
الطائر الحزين |
|
مدونتي |
|
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
المنتدى :
الدراسات والدواوين الشعرية
علي دمر , شاعر الحب والغربة والحنين , دراسة
لماذا هذه الدراسة؟!
تجيءُ هذه الدراسة وفاءً بعهدٍ مشترك كان كل منا -علي دُمَّر وأنا- قد قطعه على نفسه. ففي ليلة مقمرة من ليالي القاهرة الساحرة في صيف عام 1953 حيثُ كنا نَتَرَيَّضُ على "كرنيش النيل". بالقرب من فندق سميرا ميس- توقَّف علي فجأة ثم التفت إليَّ بعد أن توقفت لتوقفه ليفاجئني بسؤالٍ لم أكن أتوقعه.
قال -رحمه الله-: "يارجا، هل ترى من عيبٍ في هذا الجمال الساحر الذي يأخذ بالألباب، ويحيط بنا من كل جانب إحاطة السوار بالمعصم؟!".
قلت -وقد أخذتني الدهشة من سؤاله- :"أجل ياصديقي، لاشك أنَّ هنالك عيباً ما في هذا الجمال الذي نراه، فما من مخلوق يخلو من العيوب لأن الكمال للخالق وحده.
قال: "أصبت ورب الكعبة، ولكن هل يمكنك أن تذكر لي ولو عيباً واحداً في هذه اللوحة الرائعة التي تشاركني متعة تأملها واستلهامها في هذه اللحظات؟".
قلت -وبدون تردد-: "لعل أبرز عيوبها يا عليّ هو أنها غير خالدة، وأنها مهما عُمِّرت فلابد أنها إلى زوالٍ تصير".
قال: "صدقت والذي برأ هذه الروعة المذهلة. إن هذه الفكرة هي التي راودتني وأنا أتأمل معك هذا الجمال الأخّاذ الذي تفنّن الخالق في صنعه".
قلت: "هل كان لزاماً عليك أن تُعكّر صفونا بذكر عيوب الدنيا ونقائصها؟! إنك تحفظ مثلي -ولاشك- قول أبي البقاء الرندي:
لكل شيءٍ إذا ماتمَّ نقصانُ
فلا يُغَرَّ بطيب العيش إنسانُ
قال: "هوِّن عليك ياصديقي فإن لي هدفاً من وراء هذا الحوار لن ألبث أن أفضي به إليك".
قلت: "هكذا أنت دائماً تأبى إلا أن تتفلسف، وما أرى إلا أن دراسة الفلسفة قد أثّرت في تفكيرك أيّما تأثير".
قال: "دعك من هذا، فلست بأقلّ مني تفلسفاً ومحاكمةً للأمور، ولتعلم أن بين الشعر والفلسفة نسباً وصهراً لا ينفصمان".
قلت: "أنا لاأختلف معك في ذلك، ولكن أليس لهذا الحوار السقراطيّ من نهاية؟!".
قال: "لن أطيل عليك أكثر من ذلك، فأنا أعرفك متسرعاً، قليل الصبر، ضيّق العَطَن، تُؤْثِرُ الوصول إلى النتائج بأسرع وقت، وأقصر سبيل".
قلت: "وعلى الرغم من علمك بصفاتي هذه، فإنك لازلت ممعناً في اللف والدوران، وفي حوارك هذا الذي لايجلب غير الهم والغمّ".
قال -وقد رسم على شفتيه ظل ابتسامة ساخرة- "قُلْ لي بربك، أيُّ أجزاء هذه اللوحة الربانية أسرع إلى الزوال؟!".
قلت: "لاشك أنها أنا وأنت وهذه الأشباح التي تشاركنا متعة التريُّض على شاطئ النيل الخالد في هذه الأمسية الرائعة.".
قال: "هذا ماأردت الوصول إليه".
قلت: "وهل يستحق الوصول إلى هذه البدهيّة البسيطة كل هذا العناء؟!".
قال: "أعرف أن ذلك من البدهيات، ولكني أردت أن ألفت انتباهك إليها ليقطع كلُّ منا على نفسه عهداً يسأل عن الوفاء به يوم القيامة!".
قلت: "لطفك اللهم، ماأرى إلا أنه عهد عظيم، وقد آن لك أنت تطلعني عليه، ولتعلم قبل كل شيء أنني ما كنت بالذي يخفر لك ذمّة، أو ينقض لك عهداً، أو يخلف وعداً يا أبا أنس".
قال: "ماشككتُ لحظةً واحدة في خصالك هذه، ومن أجل ذلك أريدك أن تعاهدني على أن تكتب دراسة وافية عن شعري إذا لقيت وجه ربي قبلك، وأنا أعاهدك بدوري على أن أفعل مثل ذلك إذا قضيت قبلي -لاسمح اللّه-"
قلت وقد أحسست بقلبي يغوص بين ركبتي: "ويحك يارجل، إن هذا الأمر لايحتاج إلى عهود ووعود، إذ ليس يخامرني شك في أنك ستتصدى لدراسة شعري إن أنا فارقت هذه الدنيا قبلك، وأنني سأنهض بمثل ذلك إن لحقت بمن سبقك من الشعراء قبلي."
قال: "قد يكسر الحزن قلب من يبقى منا بعد صاحبه، وقد يلجم الأسى لسانه، ويشلّ تفكيره فلا يفعل. ومن أجل ذلك أريدك أن تعاهدني حتى أطمئن إلى وفائك لأنني لا أجد بين أصدقائي من الشعراء والنقاد من يفهمني ويفهم شعري مثلك".
قلت: "أعاهدك على ذلك على الرغم من أنك قد عكّرت صفو ليلتنا هذه بذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات".
قال: "وأنا أعاهدك على مثل ماعاهدتني... الحمد لله.. الآن قد اطمأنت نفسي".
ووقف الحوار حول هذا الموضوع عند هذا الحد. ثم رحنا نخوض في أحاديث شتّى لم تستطع على تنوعها وطرافة معظمها أن تبدد سحابة الكآبة التي ظلّلتنا نتيجةً لذلك الحوار المضمّخ برائحة الموت.
وينتقل علي دمر إلى جوار ربه، وأبدأ بالتخطيط لتنفيذ ماعاهدته عليه.
وكان أول مافعلت هو أنني بادرت بإرسال رسائل تعزية إلى نجليه الكبيرين أنس وهاني. وقد طلبت إليهما في تلك الرسائل أن يوافياني بكل مالديهما من آثار فقيدنا العزيز، وأن يرسلا بنسخ مصورة لما يمكن أن يكون في حوزتهما من آثاره المخطوطة، أو آثاره التي نفذت بعد نشرها لتخرج الدراسة عن تراثه الشعري شاملة متكاملة.
وقد بعثت برسالة إلى صديق الشاعر الأستاذ مهدي الجندي أناشده فيها أن يتعاون مع نجلي الفقيد، وكان عليٌّ -رحمه الله -قد حدثني كثيراً عن صلته الحميمة بالأستاذ مهدي. وقد تلقيت ردوداً على رسائلي من ثلاثتهم مشفوعة بصورة لديوان رعشات وبنسخة من ديوان "شعب الله المختار" الذي يحتوي على أربعٍ وثمانين رباعية صاغها الشاعر كلها في اليهود وأساليبهم في السيطرة على العالم وفيما يتصفون به من خبث ودهاء وعنصرية ونذالة، وبديوان "رسائل محرجة إلى نزار قباني". وكنت أحتفظ من قبل ذلك بأربعة من دواوين الشاعر القديمة هي: ديوان "حنين الليالي"، وديوان "المجهولة"، وديوان "غيبوبة الحب"، وديوان "إشراق الغروب". وهكذا تجمع لدي من آثاره الشعرية سبعة دواوين تحتوي على مائة وخمس وخمسين قصيدة وأربع وثمانين رباعية وخمس وثلاثين مقطوعة شعرية أسماها صاحبها أهازيج.
وقد أشار عليَّ كل من أنس وهاني ومهدي أن أكتب إلى كريمة الشاعر السيدة قمر المتزوجة من الأستاذ سالم المُريّ في المملكة العربية السعودية لأنها -كما ذكروا لي- تحتفظ بكثير من آثار والدها الشعرية التي أبدعها في أعوامه الأخيرة؛ ففعلت. ولكني لم أتلق منها أو من زوجها أيّ رد.
ويبدو أن أنجال الشاعر لم يتمكنوا من العثور على نسخة من ديوان "عواصف على هضاب فلسطين" ولذلك فإنهم لم يرسلوا إليّ بنسخةٍ مصورة منه. وهو على أي حال مجموعة شعرية صغيرة تشتمل على بضع عشرة قصيدة استوحاها الشاعر من مأساة فلسطين، وكنت قد قرأتها منذ بداية علاقتي بالشاعر في مدينة القاهرة.
وقد تفضل هاني -جزاه الله عني وعن والده أفضل الجزاء- بإرسال شريطين مسجلين يشتملان على الكلمات والقصائد التي ألقيت في حفل التأبين الذي أقيم للشاعر في 14/5/1985 في المركز الثقافي العربي في حماة بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاته.
وقد كان لهذه الكلمات وتلك القصائد فضلٌ كبير في إلقاء الضوء على حياة الشاعر وشعره.
وقد ذكر لي هاني في رسالته أن النادي الأدبي في جدة كان قد تبنّى طباعة ديوانٍ لوالده عنوانه "في وادي الأحزان والغربة" وأنه قد عهد إلى الأستاذ ياسر الفتوي بالإشراف على طباعته ومتابعة خطوات إصداره.
وقد بادرت بإرسال رسالة إلى الأستاذ ياسر، ولكن حظّي معه لم يكن بأفضل منه مع الذين كتبت إليهم قبله؛ حيث أنني لم أتلق منه أي رد حتى عام 1990 وهو عام خروجنا من الكويت.
لا أريد أن أنحو باللائمة على الذين لم يجيبوا على رسائلي لسببين:
الأول: إيماني بأن حب هؤلاء للشاعر لايقل عن حبي له.
والثاني: احتمال أن يكون لديهم من الأعذار مادفعهم إلى إغفال الرد على رسائلي، أو لعل رسائلي لم تصل إليهم فيكون في توجيه اللوم إليهم لون من التجني الذي لايليق، وقديماً قال الشاعر:
لعلَّ له عذراً وأنتَ تلوم.
لقد بذلت مااستطعت من جهد في سبيل الحصول علي جميع آثار علي الشعرية، وليس لي ذنب أو جريرة في أنّ جهودي تلك لم تصل إلى ما أملته لها من نجاح.
وعلى الرغم من كل ذلك فإن في استطاعتي أن أزعم أن ماتجمّع لدي من تراث صديق العمر المرحوم علي دمَّر في مجال الشعر كافٍ للحكم على شاعريته ولتقديمه إلى أبناء هذا الجيل شاعراً مبدعاً له بين شعراء جيله مكانة مرموقة لاينكرها عليه إلا متجنٍّ أو مكابر.
يبقى سؤال لابدّ أنه يتبادر إلى الأذهان وهو: لماذا تأخر إنجاز هذه الدراسة إلى هذا الحد؟!
والحقيقة أن لذلك أسباباً تتمثل في الانشغال بأعباء العمل الروتينيّ، وفي إحساسنا بعدم الاستقرار منذ خروجنا القسريّ من الكويت وحتى عام 1995، ففي خلال هذه السنوات العشر التي أعقبت وفاة صديقي رحمه الله سافرت إلى الولايات المتحدة مرتين، وإلى مصر أكثر من عشرين مرة. وانشغلت بالإعداد لزواج ولدي زياد واثنتين من بناتي، ثم حدث زلزال الخليج الذي أعادنا إلى الأردن محاولين التأقلم من جديد مع بيئة فارقناها أكثر من ربع قرن.
وقد امتحنني الله بوفاة اثنتين من شقيقاتي في يوم واحد عام 1993 وبوفاة شقيقي الأصغر بعدهما فيما لايزيد عن عامين.
وقد أمضيت عاماً كاملاً في الإشراف على تشييد منزل لنا في عمان، وارتبطت بعد عودتي من الكويت وحتى نهاية عام 1994 بالعمل في التدريس في الكلية الوطنية في عمان. وقد أعادني العمل في التدريس إلى الدوران في دوامة العمل الروتيني مُعطّل المواهب، ومغلّ العقل واليدين عن الإبداع.
وقد عكفت في خلال هذه الفترة على كتابة سيرتي الذاتية التي استغرقت كتابتها ثمانية أعوام.
وإذا أضفنا إلى ذلك كله عدم الإحساس بالاستقرار النفسيّ نتيجةً للتفكير المستمر في أحوال الأسرة وأبنائها الموزعين بين الأردن والكويت ومصر والولايات المتحدة وكندا وجدنا أن التّأخرَّ في إنجاز هذه الدراسة له مايبرره من الأعذار.
للتحميل من هنا
|
|
|