المنتدى :
الدراسات والدواوين الشعرية
الصُّورَة الفَنِّيَّة في شِعر الطَّائِيَّيْن بين الانفعال والحسّ
كثرت الدراسات عن أبي تمام والبحتري (الشخصية والشعر) مفردَيْن. وقد نجد بعض الدراسات عن كتاب الموازنة بين الطائيين للآمدي. لكننا قلما نجد دراسة تتناول شعر الطائيين معاً في معالجة نقدية فنية موازِنة.
لهذا اخترنا الصورة، وهي الشكل الذي تتجلّى فيه عبقرية الشاعر وتجربته، قضيةً نعقد حولها الموازنة بين الطائيّين. ولا تخفى علينا في هذا المجال أهمية الدراسات التطبيقية في النقد، وقد كثرت الكتب التي تنظّر للأدب والنقد من غير أن تقدم تطبيقاً لما تطرحه من مقاييس ونظريات.
إنّ قضية الصورة من أعقد القضايا التي تواجه الباحث والشاعر على السواء، إذ إنها عنوان عبقرية الشاعر، وطريقة تصوره لتجربته، ووسيلته إلى إيصال هذه التجربة إلى المتلقين. وقد أردنا من دراستنا للصورة في شعر الطائيين الكشف عن هذه الأمور: طريقة تصور الشاعر لتجربته وإيصالها إلينا. هذا، فضلاً عما تتضمنه الموازنة من كشف عن أهم خصائص الجديد والقديم في الشعر العباسي، ومقدار إفادة كلّ من الشاعرين من عناصر التراث والحضارة، ومدى تقليدية الشاعرين وحداثتهما.
وقد اعتمدنا في دراستنا هذه على أهم معطيات النقد الحديث فيما يخص قضية الصورة، من غير أن نغفل مصادر النقد العربي القديم بما تحمله من مادة غنية ثرية تقدمت في بعضها على ما جاء به كبار النقاد المعاصرين. وإذا كنّا قد تناولنا الصورة من زاوية نقدية جمالية حديثة، فإننا لم نرفض البلاغة بأشكالها التقليدية، فلهذه أيضاً دورها في رسم ملامح الصورة الفنية. وقد أضفنا إلى هذه الأشكال التقليدية أنماطاً جديدة كالرمز والحقيقة، كما حاولنا الربط بين الصورة والسياق العام للقصيدة، الأمر الذي يغني الصورة ويوسّع من آفاقها الجمالية والتأثيرية. وبهذا تصبح الصورة خلاصة رؤية كونية للعالم المحيط بالشاعر، وما الكشف عنها إلاّ كشف عن ذات الفنان وطريقة تعامله مع هذا العالم.
ولما كانت الصورة الفنية خلاصة تجربة الفنان، فإنها مرتبطة، بحسب مكوّناتها، بفكره وشعوره وحسّه. واقتصرنا في هذا البحث على بيان طبيعة كلٍّ من الصورة الانفعالية والحسيّة في شعر الطائيين، على أن نعالج الصورة الفكرية في شعرهما في بحث مستقل.
بدأنا البحث بمقدمة تمهيدية تلخّص أهمية الصورة الفنية في الشعر ووظيفتها فيه، وتتناول أهم قضايا الخصومة النقدية بين الطائيين، وأبرز ملامح الصورة الفنية في النقد العربي القديم. ثم طرحنا في نهاية هذا التمهيد مفهومنا عن الصورة الفنية الذي سنقيم على أساسه بحثنا.
في الفصل الأول تحدثنا عن الصورة الانفعالية، وصلتها بالحقيقة الشعورية والكذب، مشيرين إلى بعض الأساليب التي تشي بكذب العاطفة.
أمّا الفصل الثاني فتحدثنا فيه عن صلة الصورة بالحواس، وعن أنماط الصور الحسية الغالبة ودلالتها على نفسية الشاعر. وقد أخرجَنا هذا الاهتمامُ إلى القول برمزية بعض الصور التي كَثُرَ استخدامها عند الشاعرين. ولمّا كان الحس أوضح من الفكر، فقد عالجنا في هذا الفصل صلة الصور الحسية بقضية الوضوح في الشعر، وبينَّا أهم مظاهر الوضوح في شعر الطائيين.
وقد تحدّثنا في الخاتمة عن صلة الطائيَّين بالبداوة والحضارة، وعن أشكال الصور البدوية والحضرية التي ظهرت في شعرهما، وعن دلالة ذلك على مقدار نسبة كلّ منهما إلى التقليد أو التجديد.
هذا، ولا أدّعي أنني أصبت في كلّ ما وصلت إليه من نتائج، فنقد الشعر يبقى تذوّقاً، والأذواق مختلفة بحسب البيئة والثقافة. فإن أصبت فلله الحمد، وإن أخطأت فعذري أنني اجتهدت.
للتحميل من هنا
|