كاتب الموضوع :
منى توفيق
المنتدى :
البحوث الإسلامية
من كرم البخاري وسماحته
قال محمد بن أبي حاتم : كانت له قطعة أرض يـؤجرها كـل سنة بسبع مائة درهم فكان ذلك المؤجر ربما حمل منها إلى أبي عبد الله قثاة أو قثاتين لأن أبا عبـد الله كـان معجبًا بالقثاء النضيج وكان يؤثره على البطيخ أحيانًا فكان يهب للرجل مائة درهم كل سنة لحمله القثاء إليه أحيانًا .
قال وسمعته يقول كنت أستغل كل شهر خمس مائة درهم فأنفقت كل ذلك في طلب العلم فقلت كم بين من ينفق على هذا الوجه وبين من كان خلوا من المال فجمع وكسب بالعلم حتى اجتمع له فقال أبو عبد الله : " ما عند الله خير وأبقى " ( الشورى : 36 ) .
وكان يتصدق بالكثير يأخذ بيده صاحب الحاجة من أهل الحديث فيناوله ما بين العشرين إلـى الثلاثين وأقل وأكثر من غير أن يشعر بذلك أحد وكان لا يفارقه كيسه .
ويقول عبد الله بن محمد الصارفي : كنت عند أبي عبد الله البخاري في منزله فجاءته جارية وأرادت دخول المنزل فعثرت على محبرة بين يديه فقال لها : كيف تمشين ؟ قالت إذا لم يكن طريق كيف أمشي ، فبسط يديه وقال لها اذهبي فقد أعتقتك . قال فقيل له فيما بعد يا أبا عبد الله أغضبتك الجارية قال إن كانت أغضبتني فإني أرضيت نفسي بما فعلت .
محنة البخاري
تعرض البخاري للامتحان والابتلاء ، وكثيرًا ما تعرض العلماء الصادقون للمحن فصبروا على ما أوذوا في سبيل الله ، ولقد حسد البعض البخاري لما له من مكانة عند العلماء وطلاب العلم وجماهير المسلمين في كل البلاد الإسلامية ، فأثاروا حوله الشائعات بأنه يقول بخلق القرآن ، ولذلك قصة يرويها أبو أحمد بن عدي فيقول : ذكر لي جماعة من المشايخ أن محمد بن إسماعيل
البخاري لما ورد نيسابور اجتمع الناس عليه فحسده بعض من كان في ذلك الوقت من مشايخ نيسابور لما رأوا إقبال الناس إليه واجتماعهم عليه . فقال لأصحاب الحديث : إن محمـد بن إسماعيل يقول اللفظ بالقران مخلوق فامتحنوه في المجلس فلما حضر الناس مجلس البخاري قام إليه رجل فقال : يا أبا عبد الله مـا تقول فـي اللفظ بالقران مخلوق هـو أم غير مخلوق فأعرض عنه البخاري ولم يجبه ، فقال الرجل يا أبا عبد الله فأعاد عليه القول فأعرض عنه ، ثم قال في الثالثة فالتفت إليه البخاري وقال القرآن كلام الله غير مخلوق وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بـدعة فشغـب الرجل وشغب الناس وتفرقـوا عنه وقعـد البخاري فـي منزله .
وقالوا له بعد ذلك ترجع عن هذا القول حتى نعود إليك قال لا أفعل إلا أن تجيئوا بحجـة فيما تقولون أقوى من حجتي وأعجبني من محمد بن إسماعيل ثباته ، وكان يقول أما أفعـال العباد فمخلوقة فقد حدثنا علي بن عبد الله حدثنا مروان بن معاوية حدثنا أبو مالك عن ربعـي عن حـذيفـة قـال : قـال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله يصنـع كـل صانع وصنعتـه .
وبه قال وسمعت عبيد الله بن سعيد يقول سمعت يحيى بن سعيد يقول ما زلت أسمع أصحابنا يقولون إن أفعال العباد مخلوقة قال البخاري حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف المسطور المكتوب الموعى في القلوب فهـو كلام الله ليس بمخلوق قال الله تعالى : { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم }
( العنكبوت : 49 )
وقال البخاري : القرآن كلام الله غير مخلوق ومن قال مخلوق فهو كافر .
وقال أيضًا : من زعم من أهل نيسابور وقومس والـري وهمذان وحلـوان وبغداد والكـوفة والبصرة ومكة والمدينة أني قلت لفظي بالقرآن مخلـوق فهو كذاب فإني لم أقله إلا أني قلت أفعال العباد مخلوقة .
وقال أحمد بن سلمة : دخلت علـى البخاري فقلت : يا أبا عبد الله هذا رجل مقبول بخراسان خصوصًا في هذه المدينة وقد لج في هذا الحديث حتى لا يقدر أحد منا أن يكلمه فيه فما ترى فقبض على لحيته ثم قال " وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد " ( غافر 44 ) اللهم إنك تعلم أني لم أرد المقام بنيسابور أشرًا ولا بطرًا ولا طلبًا للرئاسة إنما أبت عليَّ نفسي في
الرجوع إلى وطني لغلبة المخالفين وقد قصدني هذا الرجل حسدًا لما آتاني الله لا غير ثم قال لي : يا أحمد إني خارج غدًا لتتخلصوا من حديثه لأجلي ، فأخبرت جماعة أصحابنا فوالله ما شيعه غيري كنت معه حين خرج من البلد وأقام على باب البلد ثلاثة أيام لإصـلاح أمـره .
وقال محمد بن أبي حاتم أتى رجل عبد الله البخاري فقال : يا أبا عبد الله إن فلانًا يكفـرك : فقال : " قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما " وكان كثير مـن أصحابه يقولون له إن بعض الناس يقع فيك فيقول : " إن كيد الشيطان كان ضعيفًا " ( النسـاء 76 ) ، ويتلـو أيضًا " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله " ( فاطـر 43 )
فقال : له عبد المجيد بن إبراهيم : كيف لا تدعو الله على هؤلاء الذين يظلمونك ويتناولـونك ويبهتونك ، فقال : قال النبي صلى الله عليه وسلم " اصبروا حتى تلقوني على الحوض " وقال صلى الله عليه وسلم : " من دعا على ظالمه فقد انتصر " .
|