الفصل الأول ..
في منزل أم نرجس ..
صرخة مدوية ملأت أركان المنزل ، صرخة فزع وخوف ، صرخة أطلقتها نرجس بأعلى صوتها بعد رؤيتها لجثة والدتها المنهارة على الأرض ، لم تستطع أن تقترب منها فقد أصاب الوهن قدميها فأسقطها أرضا..
الأفكار السوداوية غزت عقلها ، الرعب قد امتزج بكل خلية في جسدها ، لم تتجاوز بعد صدمة موت والدها فكيف ستتحمل فراق أمها ؟؟
.
.
.
.
طرق صوتها مسمع الشاب الواقف خلف باب البيت ، أمسك بهاتفه وأخذ يحاول الإتصال بنرجس علّه يجد تفسيرا لهذه الصرخات ، لكنها لم ترد ..
ضرب الباب بقوة وبشكل متتالي وهو ينادي : نرجس ، نرجس فكي الباب ، نرجس وش صاير ؟؟
يكاد يفقد عقله وهو يجد نفسه عاجزا عن فعل أي شيء ، قبل دقائق فقط اتصل بها ليطلب منها أن تفتح الباب له ، والآن يسمع صوت صرخات مفجعة لا يعلم سببها ..
.
.
.
في الداخل كانت الأفكار السوداية هي ما تملأ عقلها ولا شيء آخر ، لم تكن ترى أو تسمع ما حولها ، لا صوت الجرس قد أيقظها مما هي فيه ، ولا صوت هاتفها الذي لم يتوقف عن الرنين ..
كانت تنتحب بشكل مؤلم .. موجع .. مأسااوي ..
تجر شعرها .. تلطم خدها .. تضرب الأرض بقبضتها .. لم تكن قادرة على فعل أي شيء ..
لم تُرد أن تقترب من جثمان أمها ، فلازالت تتذكر برودة يد والدها بعد وفاته ، كم كان شعورا مرعبا ، ولم ترغب في تكرار التجربة مع أمها ..
لذا لم تتحرك ، بل حتى لو اردات ذلك لم تكن لتستطع ..
.
.
.
فقد الأمل في أن تفتح نرجس الباب له ، للحظة هم بكسر الباب لولا أنه تذكر أن خالته قد أعطته مفتاحا احتياطيا لمنزلها ..
وكأنها كانت تعلم أنه سيحتاجه قريبا..
سمى بالله وفتح باب المنزل وهو يقول بصوت جهوري : نرجس أنا بدخل ..
بمجرد أن فتح الباب وقع عينه على الشابة المنهارة بالبكاء في نهاية الدرج الحلزوني ، لم يأبه لكونها أمامه بدون حجابها فمنظرها جعله يكسر كل الحدود التي بينهما ..
اقترب منها بخطوات متباعدة سريعة وجلس بمستواها وهو يقول : نرجس وش فيك ؟؟
لم تكن هذه المرة الأولى التي يراها منهارة بهذا الشكل ، فقد سبق وأن اصابتها هذه النوبة الهستيرية من البكاء حين علمت بخبر وفاة أبيها ..
أمسك بكتفيها يهزها بعنف : نرجس تكلمي ، خالتي صاير لها شيء !!
هنا ازداد نحيبها ليعلم أنه أصاب التخمين ..
لكن السؤال ، ماذا حدث لها ؟؟ وأين هي ؟؟
صرخ بغضب : هدي شويه وقولي لي وش صاير ؟؟ فينها خالتي ؟؟
بأصابع مرتعشة أشارت باتجاهها وهي تغمض عينيها بشدة ..
نظر عماد إلى المكان المشار إليه ليراها جثة على الأرض بالقرب من باب غرفة الضيوف ..
ترك نرجس على حالها راكضا نحو خالته ، رفع رأسها عن الأرض وأسند جسدها عليه وهو يهتف باسمها ..
لاحظ أنفاسها ليدرك أنها حيه وليست كما تحسبها نرجس ..
تكلم بنبرة عالية وسريعة : نرجس جيبي عباية خالتي بسرعة ..
لكنها لم تحرك ساكنا مما جعله يستشيط غضبا : أكلمك أنا ، روحي جيبي عباية لأمك عشان نوديها المستشفى ..
لم تجبه .. ليس لأنها تعانده بل هي حتى لم تسمع ما يقوله ، كانت غارقة بأفكارها السوداوية بعيدا عن عماد ، حتى نحيبها العالي يكاد لا يصلها ..
لا فائدة منها ، هذا ما قاله عماد في نفسه وهو يترك جثة خالته على أقرب أريكة موجودة وينطلق مسرعا نحو السلالم متجها إلى غرفة نوم خالته ..
لم يكن منزلها غريبا عليه ، بل هو بمثابة منزله الثاني لذا يحفظ كل زاوية من زواياها ..
***
في المستشفى ..
- هي الحين بخير ، حطينالها مغذي وبمجرد ما يخلص تقدر تخرج ..
تنفس الصعداء بعد جملة الطبيب ، شكره على عجالة ودخل إلى الغرفة ..
كانت مستلقية على السرير الأبيض ويبدو عليها الشرود ، اقترب منها بهدوء : سلامتك خالتي ما تشوفين شر ..
صوته أعادها إلى الواقع لترد : الله يسلمك ..
ثم نظرت باتجاه الباب : وينها بنتي ؟؟
أجابها وهو يخرج هاتفه من جيب ثوبه : هي كانت منهارة مرة فاضطريت أحطها عند أمي ، الحين بتصل عليها أطمنها عليك ..
لم تعلق على ما قال وهو كان ينتظر ردا من الطرف الآخر من هاتفه ..
- هاا طمني على أختي ..
كان هذا صوت والدته الخائفة والمترقبة ..
فقال مطمئنا : لا تخافين يمه هي الحين بخير ، مجرد سوء تغذية ، طمني نرجس كمان لا تنسي ..
- نرجس الحين نايمة ، مسكينة تعبت من الصياح ، حتى وهي نايمة ما زال دموعها ينزل ، لا فاقت خبرتها ، الحين يا يمه أقدر أكلم خالتك شويه ..
رفع عماد بصره نحو خالته جمان التي عادت للشرود ولم تبدو بحالة جيدة ..
- خالتي الحين نايمه كمان ، رح أتصل عليك لمن تقوم ، ومرة وحدة نخلي نرجس تكلمها ..
- اوكي حبيبي ، اهتم في خالتك زين خلاص ..
انهى المكالمة ليجلس بعدها على السرير بجوار خالته ليجدها على وضعها ..
قال بصوت هادئ : خالتي فيك شيء ؟؟
لم تكن طبيعية البتة ، هناك ما يشغل بالها بالتأكيد ،حتى مع نفيها لسؤاله إلا أنه واثق من أنها تخفي شيئا ..
ألح عليها مجددا بالسؤال لتقول بصوت منزعج : عماد لو سمحت ممكن تسيبني في حالي ، روح جهز أوراق خروجي او اشغل نفسك بأي شيء ..
حرك كتفيه بيأس ، لا جدوى من سؤالها هي لن تفصح عن ما يخالج صدرها حتى لو وُضع الخنجر على رقبتها ..
استأذنها ليغادر المكان قليلا وهو يبصم بالعشرة أنها ترغب في الإختلاء بنفسها ..
***
في شقة أم ريان ..
صوت بكائين امتزجا ببعضهما ، بكاء طفل رضيع وامرأة بالغة ، صياح عالي ملأ الشقة الصغيرة ووصل إلى نهاية الرواق ، صوت يخترق الجدران ليطرق مسامع الجيران ..
كانت المرأة الثلاثينية تحمل طفلتها وتهزها بعنف محاولة إسكاتها ، لكن دون جدوى .. لتشاركها النحيب بيأس ..
وحين وصلت إلى أقصى حدودها تركتها على الأرض بعجز هاربة إلى غرفة النوم لتوصد الباب جيدا وتدفن رأسها بين الوسائد محاولة الهرب من كل شيء ..
يأس وحزن وألم .. تغرق في دوامة من الظلام السرمدي ولا تجد أحدا ينتشلها منه ، وكل يوم تزداد توغلا فيه ..
أفكار تعصف برأسها كل لحظة وثانية تكاد تفقدها عقلها ..
تضرب السرير بكل أطرافها محاولة التنفيس عن نفسها لكن دون جدوى. .
دموع أغرقت وجهها الهزيل ، أي حياة هذه التي تعيشها ، ألم وحزن لا نهاية لهما ..
أحُرمت السعادة عليها دائما وأبدا ؟؟
كلما ظنت أن الحياة تبتسم لها أخيرا تجد الحياة تخسفها خسفا ، لتعود في مستنقع اليأس وحيدة .. محرومة من الحب .. والحنان .. والسعادة ... والأمان ..
.
.
.
عودة إلى الطفلة التي تركتها والدتها ، كانت لاتزال مستمرة في البكاء ولم يكن حولها أحد سوى أخيها الذي يبلغ السادسة من العمر ..
كان معتادا على رؤية هذا المشهد مرات عديدة ، وكان يعرف دوره جيدا ، أخذ جهازه اللوحي وفتح اليوتيوب على أغاني الأطفال ..
بمجرد أن بدأت الموسيقى حتى هدأت روان تدريجيا وأخذت تحدق بشاشة الهاتف باندماج تام ..
حينها ضربها ريان على ظهرها بغضب : وجع في شكلك ، بكايه ..
آلمتها الضربة فعادت للبكاء ليحرك الجهاز أمامها بسرعة : شوفي شوفي طيور الجنة ..
هدأت ثانية وبدات تصفق بيديها الصغيرتين بكل حماسة وهو ينظر إليها بنظرات مشبعة بالقهر ..
تمتم بصوت خافت : الله ياخذك ..
نعم .. هذا هو ريان ، أكثر من يعرف كيف يسكت وئام الطفلة البكاءة .. وأكثر من يكرهها ..
نعم هو يكرهها فمنذ مجيئها سلبت منه الكثير ..
اهتمام والدته .. حبها وعطفها .. دلالها .. وقتها .. وكل شيء ..
لكنه يجد نفسه مجبرا على الاهتمام بهذه المدللة الصغيرة ، فلا أحد يتحملها سواه ، ولو أصابها أي مكروه فاللوم سيقع عليه بالكامل ، والعقاب سيكون قاسيا ..
***
في بيت أم عماد ..
كانت عنان تحدق في نرجس النائمة على سريرها بحزن ، كانت تنتحب بشكل يبكي القلب قبل العين ..
سمعت صوت طرقات رقيقة على بابها قبل أن تطل أمها من خلفه قائلة : ما فاقت للحين ؟؟
حركت رأسها نافية : حتى وهي نايمة تبكي الله يصبرها ..
تنهدت أم عماد بضيق : خالتك جمانة عنيدة الله يهديها ، لو جلست عند أمي كان أحسن لها بدال قعدتها لوحدها مع بنتها ..
سألت عنان : وش صار لها يمه ؟؟
- عماد خبرني إن اللي صار لها سببه سوء تغذية ..
أرادت عنان الحديث لكن قاطعهما صوت نرجس الفزع : أمي .. أمي وينها ، تكفووون لا تقولون إنها راحت ..
تهجد صوتها وعادت للبكاء وهي تلطم نفسها ، أسرعت أم عماد باحتضانها وهي تقول : بسم الله عليك يا بنتي ، يمه لا تخافي أمك مافيها إلا العافية ..
تكلمت نرجس وسط دموعها : وينها أجل ؟؟ ودوني عندها .. يمههه وينك ؟؟
- عماد عندها لا تشيلي هم ، الحين وش رايك تنزلي معايه عشان نتعشى سواا ..
- ما أبغى ، أبغى أمي أمي وبس ..
شدت أم عماد من احتضانها : نرجس حبيبتي والله أمك رح ترجع بعد شويه ، وش رايك أتصل بعماد عشان تكلمي أمك ؟؟
- ايه ، تكفييين خالتي اتصلي ، أبغى أسمع صوت أمي ..
أبعدتها أم عماد عن حضنها قليلا وقالت وهي تنظر إلى وجهها المورم : أول شيء روحي الحمام غسلي وجهك واهدي ، أمك رح تخترع لا كلمتك وانت كذا ..
وأكملت ممازحة : الحين أخاف تحسبنا نعذبك أو حاجة لا سمح الله ..
قفزت نرجس من مكانها باتجاه دورة المياه ، بينما وجهت أم عماد خطابها إلى ابنتها التي كانت واقفة بصمت : عنان حبيبتي ممكن تجيبي جوالي في الصالة تحت ..
رفعت عنان هاتفها : استعملي جوالي يمه ..
بدأت أم عماد بالاتصال حينها خرجت نرجس من دورة المياه وهي تنظر إلى أم عماد بترقب ..
بعد ثوااني أتاها صوت عماد : هلاا ..
قالت أمه وهي تنظر إلى نرجس : يمه عماد ممكن تعطي الجوال لخالتك ، نرجس تبغى تكلم أمها ..
أجابها : أنا مو عندها ، قاعد أسوي أوراق خروجها ، قولي لنرجس كلها نص ساعة ورح تكون أمها عندها ..
- طيب خلاص مع السلامة يمه ..
ظهر الإحباط على وجه نرجس ، في حين قالت أم عماد بسرعة : وش رايك نستنى أمك تحت ؟؟
حركت نرجس رأسها دون أن تقول شيئا ، فأمسكت أم عماد بيدها وأشارت برأسها لعنان بأن تلحقهما ونزلوا معا إلى الصالة ..
جلست نرجس على الأريكة ولازالت صامتة هادئة ، قالت أم عماد بحنان : حبيبتي بروح أجيب لك شيء تاكليه استني شويه ..
ثم نظرت إلى ابنتها الواقفة بقربهم وحركت شفتيها دون صوت : حاولي تلهيها ..
غادرت أم عماد إلى المطبخ تاركة عنان مع نرجس ..
جلست عنان إلى جوار نرجس واحتضنتها بحنية : لا تخافين حبيبتي أمك مافيها إلا العاافية ..
وبمحاولة منها لإلهائها أكملت قائلة : إلا ما قلتي لي ، كيف حال الدراسة معاك ؟؟ أظن إن الإختبارات على الأبواب صح ؟؟
***
في بيت أبو صقر
كان المكان أشبه بخلية نحل ، العمال يتحركون هنا وهناك ، وكانت الورود الطبيعية في كل مكان ، ورائحة البخور تسبح في الأرجاء ..
في الدور العلوي كانت أجواء أخرى ، المكان فوضوي بالكامل ..
كانت الفتيات يضعن مساحيق التجميل ولذا تجد الأرض مفروشة بها ، كانت أسماء الخبيرة بالمكياج تضع المساحيق لبنات أعمامها بمساعدة اثنتين من صديقاتها الخبيرات في نفس مجالها ..
صلاة العشاء قارب على الأذان والبعض لم ينتهي بعد من التجهيزات ..
صرخت وفاء بعصبية : الناس بيحضروا وأنا للحين ما تمكيجت يلاا بسرعة تراني أخت العرييس ..
أجبتها أسماء ببرود وهي تضع الكحل لرهف : قلتيها بنفسك أخت العريييييس مو العروسة ..
علقت روعة : أفهموها هي تبغى تنخطب لو ما تكشخت ماحد بيطالع فيها ..
لترد عليها وفاء بغرور : أنا جمالي طبيعي ما أحتاج مكياج ..
أسماء : خلاص أجل لمن أخلص من أسيل رح أبدأ ببلسم ، انت ما تحتاجي مكياج ..
صاحت وفااء : أسمااااء والله مو وقتك ، أخلصي بسرعة ..
ضحكت أسماء وتابعت عملها بوضع اللمسات الأخيرة لأسيل ، ثم قالت : يلاا يا أم جمال طبيعي تعاالي ..
- أوووف وأخيييراا ..
تكلمت الجازي وهي تنظر إلى ساعتها الفضية : مو كأن العنود تأخرت ؟؟
أجابتها هيفاء : دقي عليها نشوف وينها ..
خرجت آية من غرفتها وبصوت شبه باكي : أسماااء وين شوزي الأسود ما لقيته ؟؟
لم تلتفت أسماء إليها فقد كانت منشغلة مع وفاء واكتفت بقول : وش دراني دوري عليه بنفسك ..
كانت الدمعة متعلقة بأهدابها ، فقد كانت سريعة البكاء ، لكن بلسم سارعت بالقول : تعالي ندور عليه سواا ..
دخلتا الغرفة لتبحثا عن حذاء آية بينما اسرعت الجازي بالإتصال بالعروس ، لكن الأخرى لم ترد ..
- أووف ما ترد ..
قالت روعة : أتصلي عليها بعد شويه ، الحين مو المفروض تجهزي بنتك ..
ضربت الجازي جبينها : أووه نسيت ، خلاص روعة انت الحين دقي عليها أنا رايحة ألبس بنتي ..
روعة : أوك مو مشكلة ..
في غرفة آية ..
إلتفت آية حول نفسها باستعراض : هاا وش رايك بصراحة ..
ابتسمت بلسم : تجنني والله ..
عبست آية: بسس هذا إلي طلع معاك ..
ضحكت بلسم: تجنني وتهبلي وقمر وش تبين أكثر ..
آية بتحلطم : ماتعرفي تمدحي كعادتك ..
ثم التفتت إلى المرآة تنظر إلى صورتها ، كانت ترتدي فستانا أصفر ليموني قصير يصل إلى ركبتيها ، بنفشة بسيطة ، وحذاء أسود بعنق طويل نوعا ما ، ابتسمت برضى ثم عادت تنظر إلى بلسم : تتوقعي نرجس بتجي ولا لا ؟؟
زفرت بلسم بضيق وهي تجلس على السرير : والله ما أعرف ، اتصلت عليها قبل شويه ما ترد ، واتصلت على أمها نفس الشيء ما ترد ..
ثم أكملت بتهجس : تهقين صار شيء ؟؟
- لا تفاولي عليهم إن شاء الله مافيهم إلا العافية ، بس انت تدري إن موت أبو نرجس أثر عليها كثير ، في المدرسة طول الوقت سرحانة ، واذا حاولنا نلطف الجو عليها بدأت تبكي ، الله يلوم إلي يلومها ، ما أظن إنها جايه ..
- اي والله ما أعتقد تجي ..
ابتسمت آية لتغير جو الكآبة : يلاا وش رايكنخرج عند البنات ، بوريهم كشختي ..
- يلاا
***
في منزل أبو عماد ..
لازالت متمسكة بوالدتها وهي تسمع النقاش الحاد الذي يدور بين والدتها وخالتها ..
تلك تصر على أن تخبر والدتها وأخيها بما حصل ، والثانية تحلفها ألا تفعل ذلك ، فالأمر بسيط كما تدعي ..
أم عماد بنفاد صبر : جماانة أتركي عنادك إلي ماله داعي ، أمي والله بتزعل لو ما خبرتيها ..
جمانة بإصرار : مارح تزعل إذا ما درت ،
عبير لا تكبري السالفة ، بعدين انت طلبت مني أقعد عندك للعشا وأنا جلست بس عشان لا تخبري سيف وأمي ..
تدخلت عنان وهي تحاول أن تهدئ الوضع بينهما : يمه خلاص مو لازم نخبر أمي فاطمة ، بس خالتي تكفييين إذا محتاجة حاجة أو شيء كلمينا لا تخلينا نخاف عليك زي اليوم ..
ثم نظرت إلى نرجس بابتسامة : نرجس حبيبتي اهتمي بنفسك وبأمك ..
أومأت نرجس برأسها بينما قالت جمانة : إن شاء الله ، يلا نستأذنكم الحين ، معليش أثقلنا عليكم اليوم ..
عبير : حنا خواات مبيننا هذا الكلام ،تعالي عندي متى ما بغيتي ، أنا وعيالي كلنا تحت أمرك ..
ابسمت جمانة بامتنان حقيقي : والله ما تقصرين يا أم عماد ..
ودعوا بعضهم وركبوا سيارة عماد الذي كان ينتظرهم في الخارج ..
قال عماد وهو ينظر إلى إنعكاس نرجس من المرآة الأمامية : نرجس ماشفتي وجهك في المراية ، والله يخرع ، إلي يشوفك يقول زومبي ..
نظرت إليه نرجس متمتمة : سخييف سوق وانت سااكت ..
ابتسم عماد فقد استطاع أن يخرجها من صمتها ، ثم قال لخالته في المقعد المجاور : خالتي بكرة الصباح لا تسوي فطور ، رح أشتري لكم فطور من برى تاكلوا يدكم من ورااه ..
أم جمانة : لا يا ولدي ما يحتاج ، لا تكلف على عمرك ..
- لا والله مافيها كلافة ولا شيء .
- الله يجزاك خير والله ما قصررت معانا ، لا إنت ولا أمك ..
***
صوت الأغاني يصدح في المكان ، فتتمايل بعض الأجساد على أنغامها ، بينما البعض الآخر يكتفي بالتصفيق والتشجيع ..
وفئة أخرى أشغلتهم الغيبة والنميمة ، فلم يتركوا أحدا إلا وقد أكلوا من لحمها ..
أما أهل العرس فهن مشغولات باستقبال المعازيم ورد التهاني والتبريكات ..
لمحت بلسم صديقتها وهي تدخل إلى المكان وعيناها تبحثان عن أحد ، فأسرعت مهرولة وهي تحتضنا بحب : هلاا والله منوورة والله ، تصدقي توقعتك ما بتجين ..
عدلت عنان فستانها الأسود : صارت مشكلة بسيطة اليوم لكن ماقدرت ما أحضر ، والله العنود بتذبحني لو ما جيت ..
بلسم بقلق : خير وش صار ؟؟ أمك بخير ؟؟ أشوفها ما جات ..
- لا أمي مافيها إلا العافية ، المشكلة تخص خالتي ، بعدين أخبرك .
قاطعتها بلسم بخوف : عنان خالتي أم نرجس فيها شيء ؟؟
عنان : حبيبتي لا تخافي ، هي انهارت شويه ووديناها المستشفى ، طلع عندها سوء تغذية ..
ثم قالت مغيرة دفة الحديث وهي ترشق بلسم بنظرات الإعجاب : والله محلوه ما شاء الله ..
ابتسمت بلسم بخجل : صدق حلوو !!
- اي والله يهبببل ..
كانت بلسم قد ارتدت فستانا أحمر مخملي يصل إلى وسط الساق وساتر اليدين لكن كان لها إطلالة مختلفة ، خصوصا وأنها لا تضع المساحيق إلا نادرا ..
أخذت بلسم عنان إلى غرفة العروس حيث تجلس العنود فيها وقد بلغ بها التوتر أقصااه ..
لكن بمجرد ما رأت العنود صديقتها حتى تهلل وجهها وانفرجت أساريرها : عناااااني أخيرا جيتي ، كنت متوعدتك أحسبك ما بتجين ..
- أفااا وأنا أقدر ما أحضر ملكة عنووودي !!
أمسكت العنود بكتفيها وقد عاودها التوتر والخوف : عنان والله خايفة ما أدري وش أسوي ..
ابتسمت عنان : وليش خايفة بالعكس انبسطي اليوم يومك ..
استمر الثلاثة بالحديث قبل أن تدخل وفاء إلى الغرفة وتقاطعهم : عنووود جهزي نفسك الزفة بعد شويه ..
شهقت العنود : صدق !! قولي والله بدري تو الناس ..
نظرت ريم إلى ساعتها : وين تو الناس ؟؟ انت شايفة الساعة كم ، شويه ويدخل 12..
العنود بتوتر : وينها أسماء أبغاها تصلح مكياجي أحسه خرب ..
ريم : ايه هي قالت الحين جايه ..
.
.
في قسم الرجال ..
كان العريس يجلس وسط والده وجده والإبتسامة تكاد تمزق وجهه من اتساعها ..
وصل خبر أن الزفة ستبدأ بعد دقائق وأنه سيدخل بعد العروس بنصف ساعة تقريبا ..
كان يسمع تعليقات الشباب حوله لكنه گان يتجاهلهم تماما ، مما يجعلهم يزيدون الجرعة كل دقيقة ..
عند المجموعة المعروفة باسم شلة المشاغبين كانوا يتآمرون على وليد دون علمه وضحكاتهم المريبة لفتت أنتباه ياسر فأتى إليهم مسرعا وهو يقول بصوته الجهوري : على ايش ناوين قولوا ..
أجابه أخوه الأصغر ببراءة مصطنعة : ولا شيء بس نسولف ، حراام ..
ياسر بشك : والله إني مو متطمن لكم ، والله لو فكرتوا تعملوا حاجة ياويلكم مني ..
راكان بكذب : أفاا عليك ملكة أختي بولد عمي تبغاني أخربه ، والله لو يفكروا ذول بشيء يخرب الفرحة لأكسر راسهم ..
رغم أنه لم يصدقهم إلا أنه تجاهلهم وذهب متجها إلى صديق عمره عماد : عماد ممكن خدمة ..
عماد : آمر ..
- مايامر عليك عدو ، أبغاك تحط عينك على شلة الملاعين ذولاك ، والله إني مو متطمن لهم ، كل شويه يناظروا في وليد ويضحكوا ضحكة ابليس ..
ضحك عماد : لا تبالغ عاد ، وش ممكن يعملوا في ملكة الرجال ..
- والله ما أبالغ ،أنت راقبهم بس عشاني ..
- أوك تطمن ، إن شاء الله ما يصير حاجة ..
- ما تقصر يا خووي. ..
.
.
عودة إلى العروس المتوترة ..
بدأت موسيقى الزفة وحان وقت ظهور العروس ، كانت العنود تنظر إلى أختها الجازي الواقفة إلى جوارها والتي تبتسم لها بحب وتشير برأسها ..
تقدمت بخطوات مترددة ونزلت من على السلالم وسط زغاريد النساء ، لا تعلم كيف سارت حتى وصلت إلى الكوشة ..
أتت جدتها ووالدتها لتبريكها ثم أتى دور بنات أعمامها وصديقاتها ..
كن يراقصنها بسعادة وهي للحظة نست توترها وانسجمت معهن ، إلى أن تحدثت وفاء بمكبر الصوت : العريس بيدخل بعد شوي ، ممكن تنزلوا من الكوشة وتتغطوا ..
أمسكت العنود بأختها بتوسل : الجازي لا تسيبيني تكفين ، خليك جنبي ..
ضحكت الجازي : طيب بس خليني ألبس عبايتي أول
- لا مافي أدري إنك رح تسحبي علي ، خلييك هنا مارح أسيبك ..
تدخلت والدتها : عنوودووه بلا بلاهة خلي أختك تروح تجيب عبايتها ..
.
.
يقف العريس على استعداد للدخول وحوله أعمامه وجده ، لاحظ غياب أخوي العروس فسأل ياسر الموجود بالقرب : وين راكان وتركي مو قالوا بيدخلوا معاي يباركوا لأختهم ..
ياسر بكذب : ما أدري عنهم غيروا رايهم فجأة وقالوا موب داخلين ، ممكن مستحيين ..
رفع والد راكان حاجبه باستنكار : مستحيين ؟؟ مين راكانوه وتركي !!
ضحك ياسر : ما أدري عنهم وش نزل عليهم فجأة ، خلاص أدخلوا مايحتاج تتأخروا عشانهم ..
ثم غمز بعينه وهو ينظر إلى وليد : العرييس مو قادر يصبر ..
ما إن دخلوا حتى أسرع إلى مواقف السيارات ، كان المكان خاليا إلا من عماد وراكان وتركي وعلي ومحمود وفؤاد ..
ما إن وصل إليهم حتى صاح بهم غاضبا : وقسما بالله انتوا موب صاحين ..
فعلق علي ممازحا : أيوه احنا نايمين والنايم مرفوع عنه القلم ..
ضحك الشباب إلا عماد وياسر الذي يكاد ينفجر غضبا ..
رمقهم عماد بنظرة نارية وهو يقول : إنتوا من جدكم يا المهابيل ؟؟ كنتوا بتكبوا على وليد سطل السلايم !!
رمش تركي ببراءة مصطنعة : بس ما صار إلي خططنا له..
ضربه ياسر على رأسه : لو ما كشفنا خطتكم كان عملتوها ، والله يبغالكم ذبح ..
ثم نظر إلى عماد مسترسلا : مو قت لك إن هذولا الملاعين ناوين على شيء ، زين إنك راقبتهم ..
تكلم محمود بتأفف : خلاص آسفين ، خطتنا وكشفتوها أظن إن الموضوع انتهى كذا ..
أتته ضربة من ياسر : لا ما انتهى الموضوع ، اسمعوا بمجرد ما يرجعوا المعازيم وتخلص الحفلة تدخلوا وترتبوا كل شيء ، أبغى المكان نظيف ويلق ..
كشر راكان : خيييير !! وش فايدة العمال إن شاء الله !!
هو الآخر أكل ضربة من ياسر بعد عبارته : بأطلب منهم يرتاحوا ومهمة التنظيف عليكم ، والله لو تفكروا تنحاشوا لتكون نهايتكم ..
بعدها نظر إلى عماد فهم الآخر مغزاها فأمسك بالسطل المملوء بالسلايم وسكبها باتجاههم ، ولم يستطع الشباب تفاديه في الوقت المناسب ..
- الله ياخذك عدمت ثوبي ..
قالها فؤاد بتقزز ، لتأتيه لكمة على بطنه من عماد : إحترم نفسك ، إنتوا إلي بديتوا ، ولا في أحد عاقل يفكر تفكيركم ..
قال ياسر : أمشي يا عماد نرجع داخل وانتوا رح أشوفكم نهاية العزيمة ..
غادر الصديقان والعيون الحاقدة تلاحقهم ، وكلٌ يلقي باللوم على الآخر ..
***
صباح يوم جديد .. في بيت أبو أنس ..
كانت ترتدي شرفشف الصلاة متوجهة إلى المطبخ ، حين دخلت سعلت قليلا حين دخل دخان السجائر المنتشر في المكان إلى رئتيها ..
قالت بحاجب معقود : ضياء كم مرة أقول لك دخن براا ..
لم يجبها ذالك الشاب الجالس على الكرسي وسط المطبخ ، أما هي فقد أطلقت شهقة عالية وهي ترى صينيتاا الحلى اأمامه ..
اقتربت منه بغضب : ضياااء وش سوويييت !! أكلت الحلى إلي جهزته أمي لضيوفها اليوم ..
نظر إليها بلا مبالاة وهو ينفث الدخان : خلاص خذي الباقي ما أكلت إلا شويه ، وترااه مو لذييذ حالي مررة ..
نظىت إلى الصينيتين المأكولة من منتصفها بطريقة همجية وتمتمت بقهر : حسبي الله عليك ، يالهمجي ، كان غرفت لنفسك قطعة في الصحن مو تاكل من الصينية نفسها ، لاا ومن النص بعد ..
أكملت وهي تبتعد عنه متجهة إلى الثلاجة : كلهم واشبع فيهم الله ياخذك، بالله في أحد يفطر حلى !! ايش هذا التخلف ..
ركل الطاولة بقدمه بغضب : خلااص عااد ترى كلها حلى ..
تجاهلته وانشغلت بإعداد الفطور لها ..
قال وهو يلقي بالسيجارة أرضا ويدهسها بقدمه : وش بتسوي ؟؟
أجابته وهي تفتح علبة الحليب : شوفان بالحليب ..
ثم تابعت بحماس وهي تلتفت إليه : والله لذيذ وصحي ومشببع مرة ، أسوي لك معي ؟؟
ابتسم في داخله لكنه أظهر الإشمئزاز : الله يقرفك يا شيخة وشو شوفان بالحليب ، الناس يفطروا بيض جبن ..
كشرت في وجهه : ماجربته أصلا عشان تقول عليه مقزز ..
- ما يحتاج أجربه ، أعرف ذوقك الخايس في الأكل ، بالله في أحد يشرب حليب لووز !!
فتهجمه بقولها : ايه واشفيه حليب اللوز ؟؟ أحسن منكم ٱنتوا إلي تشربوا حليب البقر ، أنتوا أبقار عشان تشربوا حليبها ؟؟ انت تعرف إن صغار الأبقار ما يقدروا يرضعوا حليب أمهاتها عشان .......
قاطعها وهو يغلق أذنيه : أووهوووه إيش يسكتها الحين ، أنا الغلطان إلي فتحت معاك هذا الموضوع ، نكدت علي صباحي الله ينكد عليك ..
أعطاها ظهره وغادر المطبخ وهو يرسم ابتسامة على وجهه ..
***
في بيت أم بلسم ..
سمعت صوت الجرس يعلن عن قدوم أحد ، هي واثقة أنهما ليسا ابنتيها ، فهما تملكان مفتاح المنزل ، ولم تحسب حسابا لزيارة في مثل هذا الوقت المبكر ..
لم يكن أمامها خيار لتعرف من خلف البا إلا عن طريق العين السحرية ، قطبت حاجبيها حين رأت امرأة مغطية الوجه تحمل بين يديها طفلة صغيرة ..
فتحت الباب بوجه متسائل ، فبادرت السيدة بالكلام بشكل متردد : معليش أنا قريبة جارتكم جيت من المطار والظاهر إن قريبتي برى البيت ، ورح ترجع بعد شويه ، ولين ما تجي ممكن أنتظرها عندكم ، لأن الشمس حرق عيالي ..
كانت الساعة الآن العاشرة والنصف تقريبا وحرارة الشمس بدأت بالإرتفاع ..
لم يكن أمام أم بلسم سوا الترحيب بها وإدخالها ، لقد صدقتها حين رأت حقيبة السفر الكبيرة التي تحملها ، ورحمتها هي وطفليها ، رغم أن بعض الريبة راودتها فهي لم تسمع يوما عن قريبة جارتها المسافرة ..
أدخلتهم المجلس واستأذنتها لجلب الماء والعصير لها ولابنيها ..
استغرق الأمر قرابة الخمس دقائق في المطبخ لتعود إلى ضيفتها وبيدها صينية الماء والعصير ..
لكنها لم تجد سوى الطفلين المنشغلين بجهاز الآيباد وحقيبة السفر الموضوعة إلى جوارهما ..
قطبت حاجباها بتعجب ، فسأت الطفل البالغ من العمر ست سنوات : حبيبي وين ماما ؟؟
فأجابها دون أن يبعد ناظريه عن جهاز الآي باد : راحت ورح ترجع بعد شويه ..
ازدادت دهشتها ، أين يمكن أن تذهب ؟؟ تفقدت الحمام المجاور للمجلس والمخصص للضيوف لكنها لك تجد أحدا ..
عادت إلى المجلس والكثير من التساؤلات تراودها ، لاحظت ظرفا بنيا كبيرا موجودا أعلى الطاولة التي توسطت المجلس ، إضافة إلى ظرف أبيض فوقها ..
وحين فتشتهما وقرأت محتواهما بدأت معلام الصدمة ترتسم على وجهها ، ولسانها يتمتم : لاا ... مستحيل .. مو معقووول .. وشلووووووووون !!!!
نهااااااية البااااارت .