كاتب الموضوع :
مخمل الرجاء
المنتدى :
الارشيف
رد: رواية دفء وجمـــود / بقلمي
أشكر كل المتابعين على الإبحار مع سطور بداية روايتي
وأرجوا أن ينال هذا الفصل إعجابكم
مـلاحــظــة:موعد الفصول غير محدود,زفي اللّحظة الّتي أكمل فيها كتابة فصل فسأنزله بإذن الله تعالى
{الفــصــل الثّــانــي}...خــطــوة...
الاثنين 02 جوان
في وقت الظّهيرة تحديدا بحي الشّروق المتواجد بغرب ولاية النّيزك
منطقة شعبيّة كبيرة
أغلب سكّانها من الفقراء
تجلس بحديقة حارتهم على الكرسيّ الخشبيّ وكلّ الّذي حدّث قبل يومين يعود لذهنها
(خرجت من من غرفتها ناحية المطبخ و عصافير بطنها تزقزق من شدّة الجوع
لكنّها توقّفت بدهشة سبّبتها أصوات الصّراخ الصّادرة منه
صوت تحطيم الزّجاج...ضرب على الطّاولة والحائط..محاولات الجدّة و"العنود"لتهدئة "ياسر"
لم تفهم شيء ممّا يقول.... ولم تجد ما تفعله سوا أن تراجعت للوراء عائدة لغرفتها متجاهلة فضولها من أجل معرفة سبب هذا الجنون
لكن صوت صراخ أوقفها "العنود"
سارعت في الاستدارة من أجل التّحقّق من الموضوع لتتفاجئ به يقف مقابلا لها
صوت أنفاسه السّريعة الغاضبة..عينيه ذات اللّمعة الحاقدة..فمه الّذي يتفوّه بشتائم لم يسبق لها وسمعتها
لم تدرك ما يحدث إلى أن سمعت طلب الجدّة في أن تبتعد عن طريقه
ابتلعت ريقها بقلق وهي تلتصق بالحائط تاركة الطّريق له لعلّه يخرج من المنزل ويبتعد
لكنّه لم يفعل بل ظلّ يراقبها بنظراته الحادّة
وفجأة أمسك يدها بقسوة
لم يهتم لطلبات والدته وشقيقته في تركها بل سحبها لخارج المنزل وانهال عليها بسيل الشّتائم مجدّدا
يلومها بسبب ذنب لم تقترفه
هي حتّى لم تعلم به إلّا منه الآن
لم تتفوّه بأّيّة كلمة بل ظلّت تراقب تصرّفاته
يذكّرها بإخوانها الأغبياء
الّذين طالما كانوا يقومون بكلّ هذه الجلبة السّخيقة بسببها
أغلق بوّابة المنزل بعدما تفّوه بآخر جملة غاضبة
" لو رأيتك مرّة ثانية أمامي فسأقوم بقتلك أيّتها الـ*** "
ظلّت تتأمّل تلك النّقطة لعّل أحد يفتح الباب مرّة أخرى ويطلب منها الدّخول
لكن لم يفعل ذلك احد
عقدت حاجبيها وانتفخت وجنتيها بغضب لتبدأ في السّير ناحية الحديق المحيطة بالمنزل
اتّجهت إلى شبّاك غرفتها المفتوحة وأخذت جلبابها المعلّق عليها لتسارع في ارتدائه
تستطيع التّسلّق لداخل غرفتها فلا يفصلها عن الأرض سوا متر واحد
لكنّها لن تفعل ذاك بعدما طردها
حقّا هي مجرّد فتاة لم تتعدّى الرّابعة عشر عاما لكنّها تمتلك كرامة لن تسمح بكسرها
أخذت تسير خارج الحديقة تحت الشّمس الحارقة
لم يكن هناك أحد في الخارج
سواها كالمجنونة تسير في وقت الظّهيرة بأرجاء القرية الفارغة
مرّت الدّقائق لتبدأ في التّعب
أمسكت عنقها بعطش
حلقها جاف يريد بعض قطرات ماء
حامت بنظرها في المكان
لا أحد هنا....لا متاجر...هي لم تحمل معها مالا أصلا لكي تشتري قارورة ماء
ضربت رأسها براحة يدها لتطالبه في إيجاد حل
وسرعان ما ابتسمت بسعادة وهي تتذكّر كلام ياسر الّذي أمرها بتنفيذه منذ أوّل يوم أتت للعيش معهم
أمرها بعدم الذّهاب للغابة
ابتسمت بخبث وهي تغيّر مسار سيرها متوجّهة لها
فالوديان والبحيرات تملئ الغابات كما هو معروف
كانت بعيدة بعض الشّيء لكنّها وصلت لها في ربع ساعة وحسب
وقفت وهي تقرأ العنوان المدوّن على اللّوحة المتهالكة
{غابة الحريق}
ابتسمت بسخرية منه لتتقدّم لداخلها
تريد فقط أن تجد البحيرة الّتي سمعت عنها
ابتلعت ريقها وهي تتخيّل ماءها العذب
لكنّها سرعان ما توقّفت وهي تلاحظ ورقة سوداء مطويّة ملقات على الأرض التّرابيّة
حملتها باستغراب وقرأتها لتتراجع بصدمة للوراء من شدّة صدمتها
أغلقتها ومزيج من المشاعر المزعجة تهاجمها
لكنّ الأمر الّذي تجزمه هو أنّ الرّعب هو أكثر شعور حلّ بها
خاصّة بعدما سمعت صوت قاسيا يناديها من الخلف
استدارت بهدوء ليسارع الهواء في التّوقّف بوسط صدرها بقسوة
رجل ذو جثّة ضخمة يرتدي ملابس رسميّة سوداء
نظرات حادّة مخيفة... ملامح عابسة ... ومسدّس يوجّهه ناحيتها
فتح فمه ليطالبها في إعطائه الورقة,لكنّها لم تفعل ذلك
ليس رغبة منها في الاحتفاظ بها بل خوفا منه ومن مسدّسه
أخذت تركض بداخل الغابة وهي تصرخ بأعلى صوت
تتجمّع الدّموع في عينيها لتبدأ في السّقوط
تزيد من سرعة ركضها فور رؤيته يركض خلفها هو الآخر
يركض بأقصى سرعة ويطالبها في التّوقّف
شعرت وكأنّ هناك بعض القلق في صوته لكنّها لم تهتم بل أكمل ركضها وصراخها
إلى أن لامست قدمها فجأة قدم شخص آخر جعلها تسقط على وجهها
عدّلت وضعيّة جلوسها بتوتّر وهي ترى شخصا آخر كان ينظر إليها ببرود
لابدّ من أنّه هو صاحب القدم الّتي أوقعتها
لم تمر ثوان حتّى وصل الرّجل الّذي كان يلاحقها
أمّا هي فقد وقفت برعب ظنّا منها أنّه سيمسكها لكنّه فاجأها بانحنائه لهذا الشّاب
وقال بصوت مرتعش خائف {إنّ الورقة معها سيّدي}
نظر إليها هذا الأخير وطلب منها إعادتها بكلّ برود
لكنّها بلا شعور هزّت رأسها نافية
لتتفاجئ بضخم الجثّة يستقيم بعصبيّة ويشير بمسدّسه ناحيتها
تراجعت للوراء لتسقط مجدّدا أرضا وهو يتقدّم مع مسدّسه ناحيتها
مرّرت يدها على الأرض لعلّها تجد شيئا تدافع به عن نفسها
لتشعر بصخرة كبيرة تستقرّ بها
لم تتردّد في فعل ما يحوم بذهنها بل قذفتها على رأسه ليسقط مغشيّا عليه
نظرت بعدها للشّاب السّاكن مكانه
لم تتغيّر ملامح..بل لم يهتم حتّى لصديقه المغشيّ عليه
وجهّ نظره لها أمّا هي فقد قامت مجدّدا
أصبح يتقدّم ناحيتها مطالبا إيّاها في تسليم الورقة,وهي أخذت تتراجع للوراء
إلى أن شعرت بشيء غريب
استدارت لتتفاجئ بالهاوية الّتي لا تفصلها عنها سوا بعض الخطوات
تسمّرت مكانها وهي تتذكّر الكلام المذكور بالورقة
لقد سقط من هنا...هذا الجرف الّذي هي فيه هو موقع الجريمة
نظرت مجدّدا للشّاب الّذي ما زال يتقدّم ناحيتها
إنّه نفس ذاك الشّاب المتواجد في الصّورة
إنّه نفس من صرّح بتلك الحقائق الّتي قرأتها
لا تذكر ما الّذي حدث بالضّبط في تلك اللّحظة
لكنّ الشّيء الوحيد الّذي تذكره هو أنّها أصبحت معلّقتا في الهواء,لا تثبّتها سوا يده الّتي كانت تتشبّث فيها بكلّ قوّته
أخذت تصرخ طالبة منه أن يقوم برفعها لكنّه لم يتجاوب مع صراخها,بل كان ينظر للهاوية بعينيه الباردتين
الّتي كانتا اكثر عمقا وفراغا عن ذي قبل
بطريقة ما علمت أنّه تذكّر الحادث
ليست مستغربة منه فهي قد قرأت بعضا من تفاصيله وسرعان ما ارتعبت,فكيف لمن عاش الحدث لحظة لحظة
لكنّها لم تهتم بمشاعره
بل أخذت تصرخ مذكّرة له في تفاصيله البشعة
عليها أن تجعله يفقد أعصابه ويرفعها رغما عنه
وبفضل الله وأسلوبها الاستفزازيّ نجحت في ذلك
ونجت من تلك الكارثة الّتي كادت تؤدّي إلى فقدان حياتها)
تنهّدت بهدوء وهي ترا شاحنة الأثاث تخرج من الحي
(لقد أرجعت له الورقة و عادت إلى المنزل بعد ذلك مسرعة لتتفاجئ ببركان "ياسر"الّذي لم ينطفئ
لكنّه في هذه المرّة كان قلقا عليها فالشّمس قد كادت تغرب وهي لم تعد إلى المنزل
استغربت أيضا وجود شاحنة كبيرة
سألته عنها متجاهلة صراخه ليجيبها بأنّهم سينتقلون إلى مكان آخر بعيدا عن الرّيف)
وها هم الآن في هذا الحي
{حيّ الشّروق}
ظلّت تتأمّل يدها بشرود وصورة فوهة المسدّس الموجّهة ناحيتها تتردّد على ذهنها
من المفروض أن تقوم بالبكاء أو أن تصاب بحمّى من شدّة الصدمة كالعادة, لكنّ ذلك لم يحدث
أغمضت عينيها لترى ذكرى طالما أرّقتها
متأكّدة من أنّها لن تحظى بليلة مريحة هذه المرّة
{"رجاء"شابّة ذات شعر كستنائي وعينين بنيّتين,تبلغ من العمر 14 سنة}
**************
بالقرب من أضخم بنايات باريس
كان يقف بين صفوف الشّرطة المصطفّة على جانبي البساط الأحمر
رغم كونه يرتدي زيّا كأزياء اللّذين يقفون بجانبه إلّا أنّه في حقيقة الأمر عميل هام من المخابرات الخاصّة
أوكلت إليه مهمّة حماية المغنّي المشهور " أكيرا "
الّذي سيحضر خلال لحظات إلى هذا المكان من أجل افتتاح أكبر سينما في العاصمة
ظلّ يراقب المكان بحذر لعلّه يلمح أيّ شيء غريب بينما كلام رئيس فيلقه يعود إلى ذهنه
{ لقد أرسل لنا المجرم "دميتري لوكاس" رسالته الجديدة والّتي كان مضمونها أنّنا سنشهد اغتيال المغنّي"أكيرا" مباشرة من أمام السّينما الجديدة
لذلك قرّرت بعد إجماع باقي الرّؤساء توكيلك مهمّة حمايته والإمساك بـ "دميتري لوكاس"}
عقد حاجبيه بحدّة ليركّز نظره على السيّارة الرّياضيّة الفاخرة الّتي توقّفت ليرتجل منها المغنّي الشّهير
أصبح يسير على البساط وابتسامة ساحرة تغلّف وجهه بينما هو يلوّح باستمرار للمعجبين والآلات التّصويريّة
ظلّ يراقبه بثبات إلى أن أتاه صوت عميل آخر من خلفه:لقد استطعنا معرفة مكان وجود "دميتري لوكاس" وذهبت الفرقة الأولى والثّانية لمحاصرة المكان,أمن أوامر أخرى سيّدي؟
أشار إليه نافيا دون إنزال نظراته من "أكاي"
فأيّ عمل صغير قد يجعل المهمّة تفشل وهذا عكس ما يريده طبعا
حرّك أصابع يديه ليعيد تثبيتها مجدّدا على سلاحه المثبّت على مقدّمة النّافذة
بندقيّة روسيّة الصّنع ذات جودة ممتازة
والشّيء المميّز فيها هو أّنها كاتمة للصّوت
اشتدّت حدّت نظراته وهو يركّز عن طريق العدسة المكبّرة على أكيرا الّذي يصعد على المنصّة مستعدّا لقصّ الشّريط الأحمر
ابتسم بمتعة و هو يصوّب ناحية قلبه ويطلق الرّصاصة بسرعة كبيرة
مرّت ثوان قليلة لتتحوّل ملامح وجهه المستمتعة لأخرى عابسة ومنظر الشّرطيّ الّذي سحب المغنّي للجهة الأخرى متفاديا الرّصاصة جعل حماسه يتلاشى
تبّا,لقد كان ينتظر إشباع شوقه لرؤية الدّماء
لكنّ هذا للأسف لم يتحقّق
وضع يده وراء رأسه باستغراب من الصّوت القادم من جهة باب المدخل
أيعقل أنّ الأقزام قد وجدوه
لم ينتظر أكثر من ثانية حتّى سارع إلى الباب الخلفيّ من أجل الهرب
صدق السفّاح حينما أخبرهم بأنّ معرفة مكان العمل واكتشافه قبل العمليّة مهمّ جدّا
بعد مرور ما يقارب النّصف ساعة
كان يجلس على المقعد الجانبي لمقعد السّائق وهو يمسح بندقيّته بعناية تامّة مصغيا لكلام الشّابة الّتي تجلس بجانبه وتحكم الامساك بالمقود
ــ ساندي بابتسامة واسعة:أتعلم أنّني غير مصدّقة لأمر كونك قد فشلت في مهمّة أوكلت إليك لأوّل مرّة في حياتك؟
ــ رفع رأسه ليرمقها بانزعاج:وهل الأمر يستدعي كلّ هذه السّعادة؟
ــ علت ضحكت خفيفة المكان وهي تلاحظ انزعاجه:ههههه لا بدّ من أن نقوم بالاحتفال,أخيرا ملامح الانزعاج تعلوا وجه فرد من عائلة "لوكاس", أظنّ أنّ "أليكس" لو بقيت على قيد الحياة لما فوّتت أمر التقاط صورة لك وتهديدك بها لبقيّة حياتك
لم يجبها بل توقّف عن عمله وأسند رأسه للخلف على المقعد وابتسامة ساخرة تعتلي وجهه
ــ نظرت له للحظات ثمّ عادت للتّركيز على الطّريق:يبدوا أنّ إنسانيّتك قد عادت أخيرا وجعلتك تتأثّر بذكراها
زادت ابتسامته اتّساعا وهو يشعر بسخرية وانزعاج يلفّ نبرة صوتها
لا يعلم كيف يجيبها لأنّ أيّ كلمة خاطئة قد تشعل حربا بينه وبينها
وهذا مالا يريده طبعا
انحنى مجدّدا ناحية الرّاديو ليشغّله وملامحه المستمتعة تعود إليه:دعينا من هذه السّخافات واستمعي إلى ما ستقوله الأخبار
تعلم بأنّها محاولة لتغيير الموضوع
رغم أنّها تريد الكلام عنه فعلا لكنّها ستؤجّله للمرّة القادمة
ــ قالت باستغراب لحماسته:ولما كلّ هذه السّعادة؟ كلّ ما سنسمعه هو خبر محاولة اغتيال المغنّي وكونك قد فشلت في مهمّتك لأوّل مرّة,من المفروض أن تجهّز نفسك لاستقبال غضب الزّعيم بدل الاستماع لمثل هذه الأخبار
ــ أمسك قطعة القماش ليمسح بها بندقيّته من دون النّظر إليها:ومن قال أنّي فشلت في المهمّة؟
عقدت حاجبيها باستغراب وكادت تتكلّم لولا صوت الاعلاميّة الّذي قاطعها
{ والآن من موقع الحدث في طرقات شارع "لا بلان" قريبا من السّينما الجديدة , نرى رجال الشّرطة يحاولون إبعاد النّاس عن سيّارة المغنّي "أكيرا"المحطّمة إلى أجزاء نتيجة حادث مرور أدّى إلى وفات كلّ من المغنّي وسائقه}
رفعت حاجبها الأيسر باستغراب لكنّه أجاب على سؤالها الّذي تبادر إلى ذهنها قبل طرحه:لقد طلبت من بعض أتباعي تولّي أمره إذا لم أستطع إكمال المهمّة
ــ هزّت رأسها وقالت بمزاح:يال الخسارة,لقد أردت فعلا رؤيتك تهان من طرف الزّعيم
ــ رمقها بنظرة غريبة:وحتّى لو لم أنهي المهمّة لما كان سيحدث لي ما حدث مع جوزيف
ــ نظرت له باستغراب:جوزيف؟ ما الّذي حدث له؟ تعلم أنّي كنت مسافرة طيلة هذا الأسبوع ولا أعرف شيئا عن أخبار العصابة
ــ دميتري بخبث:وكم ستدفعين؟
لم تجبه بل نظرت له بحدّة جعلته يتكلّم مباشرة:لا داعي لهذه الحساسية يا أيّتها الفتاة,كلّ مافي الأمر هو أنّه قد أضاع ابنة الزّعيم وسمح لها بالهروب بسبب غبائه
ــ ساندي:وما الّذي حدث بعدها؟ هل وجدوها
ــ هزّ رأسه نافيا:كلّا,لم يستطع أحدا إيجادها وقد قال "ماكسي" أنّها هربت مع شابّ لم يعلم أحد هويّته وآخر مكان قصداه هو قصر عائلة "فرانك سيرز"
ــ ساندي بفضول:وما الّذي فعله الزّعيم؟
ــ دميتري:لقد نجا ماكسي من العقاب بخلاف جوزيف الّذي سمعت بأنّه قد كاد يطرد من العصابة لكنّ الزّعيم تراجع عن قراره وأوكل له الكثير من الأعمال الّتي لن يأخذ أجرا عنها(وقال مغيّرا للموضوع) ماذا عنك؟ كيف كان السّفر
أجابته بهدوء ليسترسلا في الحديث حول العديد من الأمور دون الشّعور بالملل أو احترام حدود بعضهما
فهما كما يطلق عليهما
"ثنائي لوكاس" أو النّاجيان الوحيدان من حريق لوكاس
{"ماري"شابة ذات شعر وعينان سوداوين تمتلك ملامح شبيهة لدميتري تبلغ من العمر 26}
**************
فتحت عينيها ببطئ مستغربة للمكان الّذي هي فيه
الظّلام يعمّ المكان ولا شيء واضح لها
مرّت لحظات حتّى استوعبت ما الّذي حدث معها
بالأمس رماها جوزيف هنا لتبقى وحيدة طيلة السّاعات المنقضية
عبست ملامح وجهها بعدما تذكّرت صوت إطلاق النار الّذي وافق إغلاق البوّابة الجداريّة
أيعقل أنّه قد قتل؟
هزّت كتفيها بعدم اهتمام....لما تفكّر به وهو السّبب في تعاستها هذه
لحظة واحدة...هو ليس السّبب بالضّبط لكنّه أداة مستعملة
هزّت رأسها وضربت على خدّيها طاردة بقايا النّوم المؤثّرة بعقلها وقامت بحذر وبطء
استندت على الجدار الجانبي وأخذت تسير بهدوء في المكان وهي تتحسّس بيديها أيّ شيء يقابلها
مرّت الدّقائق وهي مازالت تحوم في مكانها, تتعثّر على الأرض وتُسقِط العديد من الأشياء الّتي لم تعرف ما هي غير أنّها قد انكسرت أو تشوّهت فور ملامسة الأرض
ابتلعت ريقها بقلق وصوت انكسار شيء آخر يعمّ المكان
لقد نست تماما وصيّته في عدم احداث أيّ صوت وإلّا سيجدونها
ماذا عليها القيام به؟
أتستمرّ في الحراك بحثا عن مخرج أو تظلّ جالسة بين كومة الغبار وقطع الزّجاج المتناثرة
حرّكت قدميها مسترسلة سيرها وفكرة بقائها منتظرة موتها لم تنل إعجابها
و سرعان ما مدّت يديها لتتّكئ على الجدار محاولة معرفة الزّاوية الّتي هي فيها , لكنّها لم تستطع ذلك بسبب الظّلام
تنهّدت بيأس لتكمل السّير في الدوّامة الّتي هي فيها, لكن فجأة شعرت بمقبض بالقرب من مكان استنادها
أدارته ليفتح باب تسلّلت منه بعض أشعّة الضّوء
لكنّها ظلّت واقفة بعض الوقت وهي تفكّر في ما قد يكون خلف باب متواجد بداخل غرفة جداريّة
ابتسمت وهي تردّد بهمس:غرفة جداريّة,ههه ما هذا الاسم الّذي زار عقلي؟ أهو موجود في الأصل
هزّت كتفيها مرّة أخرى بسخرية لتفتح الباب ببطء والخوف بدأ يسري بها
لكنّها سرعان ما فتحت عينيها بدهشة من ما تراه
رواق طويل جدّا لا تستطيع لمح نهايته
تضاء بذاك الفانوس الّذي يحتوي على شمعة مشتعلة على وشك الذّوبان
تقدّمت ببطء وحملت الفانوس وهي تقول في صراخ:أمن أحد هنا؟
لم تسمع صوتا آخر سوى صدى صوتها الّذي احتفظت به الجدران الرّخاميّة المحاطة بالرّواق
أو إذا صحّ التّعبير نفق أرضيّ
شدّت قبضتها على الفانوس الزّجاجيّ وأخذت تسير ببطء تتأمّل المكان العجيب
لابدّ من كون هذا البناء قصر لأحد الأستقراطيّين الفرنسيّين
كيف لا وصور الأناس الغريبة تملئ المكان
توقّفت عند صورة شابّة تبدوا في العشرين من عمرها
إنّه تشبهه كثيرا بشعرها الأشقر اللّامع وملامح وجهها
تمعّنت النّظر في عينيها الحادتين
ذات لون أخضر عميق يعكس لون مجوهراتها الّتي تضعها على بشرتها البيضاء
ظلّت تتأمّلها وبعض الخوف قد سيطر عليها بسبب ما لم تعرف مصدره
فجأة رفعت يدها لتمرّر أصابعها على أسفل الإطار ومسحت الغبار كاشفة بذلك عن كتابة مدوّنة هناك
"إليزبيث سيرز"
أمالت رأسها بحيرة وهي تستمرّ في القراءة
"الأميرة الثّالثة لعائلة سيرز الأرستقراطيّة"
أشاحت بنظرها عن الصّورة لتعود في السّير بسخرية:أميرة؟ يال السّخف يبدوا أنّ تقاليدهم لا زالت مؤثّرة على عقولهم
توقّفت بمكانها فجأة لتستدير للخلف باستغراب من الصّوت الّذي سمعته
أهناك أحد....أيعقل أنّ ماكس أو جوزيف قد تبعاها
تجمّدت أطراف جسداها وهي تراه يتقدّم
أغلقت عيناها بشدّة خائفة من مصيرها الّذي سيكون الموت بدون شك
لكّنها أعادت فتح عينيها باستغراب من الصّوت الغريب الّتي ناداه مجدّدا
ــ زياد يحاول التقاط أنفاسه المضطربة بسبب الرّكض:أنت ما الّذي تفعلينه هنا؟
لم تجبه بل ظلّت تحدّق به ... من هذا؟ وما الّذي يفعله هنا؟
ــ زياد وهو يلوّح بيده أمام وجهها:أيتها الفتاة,أنّني أكلّمك
ــ عقدت حاجبيها بحدّة وهي ترا قربه الشّديد منها,لتتراجع للخلف بغضب:أولم يعلّمك أحد الأدب؟ كيف تجرؤ على الاقتراب من فتاة لا تعرفها إلى هذه الدّرجة؟
ــ رفع حاجبه بصدمة وثمّ قال وهو يؤشّر عليها بسخرية:ما الّذي تقصدينه؟ أظنّ أنّ الخطأ خطأك آنستي المحافظة
أنزلت عيناها لترى نفسها
سروال أسود ضيّق وقميص عاديّ ضيّق هو الآخر إضافة إلى شعر طويل منسدل على ظهرها
للأسف معه حقّ فهذا ليس منظر فتاة محافظة
رفعت نظرها له وظلّت تتأمّله لثوان وسرعان ما قالت وهي تؤشّر على معطفه ووشاحه الطّويل:فل تعطيني معطفك ووشاحك حالا
ــ زياد باستغراب من ثقتها:ولما قد أفعل ذلك؟
ــ حسناء بابتسامة خبيثة:لكي لا أتّصل بالشّرطة وأخبرهم بأنّك قد اقتحمت ملكيّات خاصّة
ــ رمقها بسخرية:ومن حضرتك حتّى تتجرّئين على الاتّصال بالشّرطة؟ أهذا المكان لك؟
ــ حسناء بشموخ:طبعا إنّه لي (استمرّت بثقة مزيّفة في محاولة لخداعه) أولا تعرف "إليزبيث سيرز" إنّها والدتي في الحقيقة
ختمت كلامها وهي تشير للّوحة الّتي كانت تتأمّلها قبل قليل ليستدير هو الآخر ناحيتها وينظر إليها لبضع ثوان
ــ أعاد النّظر إليها في شكّ وثمّ قال:وما الّذي يثبت لي صحّة كلامك؟ فمن الممكن أن تكوني مجرّد محتالة تريدين خداعي
ــ رمقته باستصغار واشمئزاز:وما الّذي سأجنيه بخداعك,إنّك مجرّد فقير أخطأ في مكان تواجده(أكملت وهي تمدّ يدها ناحيته)أسرع ول تناولني ما طلبته منك
ظلّ ينظر إليها وكلامها قد أقنعه...فكيف لمخادع أن يتحدّث بكلّ هذه الثّقة...وفوق كلّ هذا فهي حقّا تشابه تلك المدعوّة بـ"إليزبيث"
نزع معطفه ووشاحه وناولهما إيّاها لتسارع في ارتدائهما
عقد حاجبيه باستغراب من منظرها...المعطف الطّويل يصل لأسفل ركبتيها أمّا الوشّاح فقد استعملته في تغطية كلّ شعرها والجّزء السّفليّ من وجهها
ــ زياد يسألها بفضول:لمّا تغطّين شعرك ووجهك؟ إنّك تبدين كخريجة سجون
ــ رمقته بحدّة جعلته يبتلع ريقه فجأة وقالت في محاولة لإكمال خدعتها:حسنا بما أنّك فتى مطيع فلتخرجني من هذا المكان
ــ زياد:أخرجك؟
ــ حسناء:نعم فلتخرجني من هنا ولن أخبر أحدا حتّى الشّرطة بانّك تتسلّل إلى ممتلكاتي , إتّفقنا؟
ــ زياد بتساؤل:ولما تريدين منّي أن أخرجك؟ أوليس القصر لك؟ إذن أنت أعلم منّي بأجزائه و غرفه وطريق الخروج منه
ــ مدّت شفتاها بعبوس لم يلحظه زياد,كيف ستجيب عن أسئلته الكثيرة هذه,رمقته بنظرات حادّة سرعان ما تحوّلت لأخرى بريئة مليئة بالحزن:في الحقيقة أيّها الفتى الطيّب,أنا كما سبق وقلت ابنت لإليزبيث وهذا يجعلني محاطة ببطش الأعداء لكون والدتي الأميرة الثّالثة لهذا السّبب أريد الخروج من مخرج سريّ غير معروف للكلّ , وبصراحة أكبر أنا في الواقع لا أعرف كلّ أجزاء القصر لأنّني عشت بعيدا عنه تحت كنف عائلة عاديّة بعدما أرسلتني والدتي إلى هناك في محاولة لحمايتي من العصابات
ــ ظلّ صامتا لبعض الوقت في محاولة لتصديق هذه القصّة السّخيفة في نظره, لكنّها لم تدخل لعقله, لذلك كاد أن يكذّبها لولا تلك العيون الغريبة المرتجية الّتي كانت تنظر إليه
رغم لونها العسليّ ذو الخطوط الخضراء إلّا أنّ هذا لم يمنعها من أن تكون بحرا عميقا جعله يغرق فيه
بحر من الحزن و الألم و الشّجون
لقد غيّر رأيه فشخص يملك عينان كهذه لن يكذب أبدا
ابتلع ريقه بتأثّر ومدّ يده متحاولا عدم النّظر لها:فل تناوليني الفانوس,سوف أسير قبلك وأنت اتبعينني بهدوء حتّى نصل للمخرج
فعلت ما يريده وأصبحت تسير وراءه بينما قلبها ينبض بقوّة
إنّها سعيدة فعلا لانطلاء كذبتها عليه...صدق من قال أنّها محظوظة بسبب امتلاكها لعينين خادعتين كهاتين
لكنّ شعور من الخوف والذّنب يسيطران عليها
تأنيب ضمير لخداعها لهذا الانسان الّذي سيساعدها بحسن نيّة...وخوف من الرّجوع إلى نقطة الصّفر وتوريطه معها
**************
نهاية الفصل الثاني
1/ما رأيكم في هذا الفصل وما هو تقييمك له؟
2/ما هي انتقاداتكم والأمور الّتي نالت استحسانكم؟
3/ما هي أرائكم بالأحداث والشّخصيّات؟
4/ما هي توقّعاتكم من أجل الفصل القادم؟
همست محب
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أحدِّثُكم بأَكبرِ الكبائرِ؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ، قال: الإشراكُ باللهِ، وعقوقُ الوالدينِ)
|