كاتب الموضوع :
سيريناد
المنتدى :
سلاسل روايات مصرية للجيب
رد: مشاهد من روايات مصرية ( متجدد )
كان عواء الذئاب وزمجرتها يصنعان إيقاعا مخيفا فى وادى الهلاك ، وكان مشهدا جديرا أن يجذب انتباه أكثر العلماء اهتماما بعلم الحيوان ودراسة سلوكه ، فقد التفت الذئاب كلها حول أكبرها حجما ، وكأنها تسأله المشورة ، وأدار هو وجهه يحدق فى وجه (أدهم) بعينين تطل منهما الوحشية ..
كان من الواضح أنه زعيم الذئاب ، وصاحب السطوة بينها ، ونظرا لمركزه ، كان عليه اتخاذ خطوة حاسمة ، يضمن بها استمرار سيطرته ونفوذه وسط القطيع ،لذا فقد تراجع بضع خطوات إلى الخلف ، وأطلق زمجرة قوية ، ثم وثب وثبة هائلة ، دفعته إلى حيث يقف (أدهم) أعلى الصخرة ، وأنيابه تلتمع تحت ضوء القمر ، وتتجه إلى عنق (أدهم) تماما ..
كان (أدهم) يمسك مسدسه فى قبضته ، وكان من السهل عليه ان يطلق النار على الذئب الضخم ، ولكن شيئا ما فى أعماقه ، جعله يتجاهل مسدسه ، ويميل بجسده يمينا ، لينأى بعنقه عن أنياب الذئب ، ثم اندفعت يده اليسرى نحو هذا الأخير ، وقبضت على عنق الذئب فى قوة فولاذية ..
كانت مبادرة (أدهم) مفاجئة للذئب ، الذى وجد نفسه معلقا من عنقه ، وكلابة من الفولاذ تطبق عليه ، فأطلق عواء قويا ، واندفعت مخالبه تخمش صدر (أدهم) وذراعه ، وتمزق قميصه ، ولكن (أدهم) ترك مسدسه ، ولكم الذئب فى معدته بأقصى ما يستطيع من قوة ، وكأنه يقاتل خصما بشريا ، وأطلق الذئب عواء متألما ، وقفز الفزع إلى عينيه ، فى حين تراجعت الذئاب الأخرى ، وعيونها متعلقة بهذا الصراع العجيب ، بين الرجل والذئب ..
وحاول الذئب تمزيق خصمه بمخالبه مرة أخرى ، ولكن (أدهم) ظل يرفعه من عنقه ، وعاد يلكمه مرة أخرى فى معدته ، وهو يقول :
ـ استسلم أيها الذئب ، لقد قاتلت من هم أكثر وحشية منك
وعلى بعد نصف كيلو متر ، ووسط غابة كثيفة ، عند حافة وادى الهلاك ، غمغم أحد رجال (سانشو) ، الذين يراقبون المشهد بمناظيرهم المقربة :
ـ ياللشيطان !! .. ماذا يفعل هذا الرجل ؟
غمغم زميله فى ذهول :
ـ أحسنت بسؤالك هذا ، فلقد تصورت أننى واهم ، إنها أول مرة أرى فيها رجلا يقالت ذئبا بهذا الأسلوب
عاد الأول يتمتم فى حيرة :
ـ كأنى به يحاول السيطرة على الذئب وترويضه
عقد الثانى حاجبيه ، وهو يهمهم بكلمات ساخطة ، ثم غمغم :
ـ هذا مستحيل يا صديقى
ولكن زميله كان على حق ..
إن القاعدة فى عالم الحيوان تقول إن الزعامة للأقوى ، وهذا ما كان (أدهم) يعرفه ، وما كان يحاول تطبيقه ..
لقد واصل الذئب محاولته للقضاء على خصمه ، و(أدهم) يرفعه من عنقه فى قوة وصلابة ، متفاديا مخالبه وأنيابه ، حتى شعر الذئب بالإختناق ، فتحول عواؤه إلى أنين ضارع مستسلم ، وهنا ابتسم (أدهم) فى ثقة ، وهو يقول :
ـ هذا أفضل يا ملك الذئاب
ثم ترك عنق الذئب ، وجعله يسقط وسط باقى الذئاب ، التى أخذت تنقل بصرها بينهما فى حيرة ، وهنا قام (أدهم) بأعجب عمل فى حياته ، فقد رفع هامته ، وأرسل بصره إلى القمر ، وأطلق عواء يشبه عواء الذئاب ، تردد صداه فى وادى الهلاك كله ، قبل أن يقفز وسط قطيع الذئاب ، ويقف منتصب الجسد ، رافع الرأس
وهتف أحد رجال (سانشو) فى ذهول :
ـ ياللشيطان !! .. لقد نجح
وقف (أدهم) هادئا ، ينقل بصره فى صرامة بين الذئاب ، التى تراجعت فى خوف ، وتركته يلتقط جربنديته ، ويثبتها خلف ظهره ، ثم يمضى فى هدوء ، مبتعدا عن الصخرة ، وسط قطيع الذئاب ..
جبال _ الموت
|