لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


رواية ياسين / بقلمي

كان ياسين ينظر من نافذة الطائرة العائدة إلى الوطن وخياله يسرح في السنين التي قضاها في الغربة يدرس علوم الكيمياء ، حين تنبه فجأة على صوت المضيفة تعلن دخول الطائرة

 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-03-18, 11:58 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2018
العضوية: 329085
المشاركات: 11
الجنس ذكر
معدل التقييم: MOHAMMAD ALI ALKAYED عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 12

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
MOHAMMAD ALI ALKAYED غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رواية ياسين / بقلمي

 

كان ياسين ينظر من نافذة الطائرة العائدة إلى الوطن وخياله يسرح في السنين التي قضاها في الغربة يدرس علوم الكيمياء ، حين تنبه فجأة على صوت المضيفة تعلن دخول الطائرة إلى أجواء الوطن ، خفق قلب ياسين بشدة فقد هزه الحنين الى الوطن منذ سنوات ، وكم كان مشتاقاً لهذه اللحظة التي يعود بها إلى قريته وأهله ، لكنه كان يحس بشيء من الخوف والقلق لدرجة أنه تمنى في لحظة من اللحظات أن تعود به الطائرة إلى بلاد الغربة.

لم يعرف ياسين سبب القلق والخوف الذي كان يشعر به ، لكنه أحس بأنه مقدم على سواد عظيم غطى الافق في عينيه برغم السماء والغيوم الظاهرة من نافذة الطائرة التي اعلنت مضيفتها أنها تستعد للهبوط ، وكلما إقتربت الطائرة من أرض المطار كان قلب ياسين يزداد قلقاً وخوفاً لم يستطع تفسيره.

هبطت الطائرة أرض المطار ونزل الركاب بشوق ولهفة ، وبقي ياسين في مقعده مع خوفه وقلقه ، لكنه في النهاية نهض ونزل سلم الطائرة بتردد وقلبه يحس بأن شيئاً عظيماً بإنتظاره.

تمت إجراءات التفتيش على أحسن ما يكون ، وخرج ياسين ليركب سيارة أجرة تقله إلى قريته ، وبعد لحظات كان يستمتع بنسمات الهواء العليل تداعب وجهه من نافذة السيارة التي كانت تشق طريقها إلى القرية ، وبدأ ياسين يشعر بالإرتياح وبدأ القلق والخوف يتبدد شيئاً فشيئاً.

كان ياسين ينظر هنا وهناك متعجباً من التغيير الكبير الذي حصل في المدينة في هذه السنوات التي قضاها في الغربة ، وكان يبدي إندهاشه للسائق الذي أخذ يحكي لياسين عن التطورات الكبيرة التي حصلت في هذه السنين ، بينما السيارة بدأت تخرج من عمران المدينة لتأخذ طريق الريف الجميل الذي كم كان ياسين متشوقاً لرؤيته.

بدأ السائق بتخفيف السرعة لأن الطريق بدأت بالتعرج مما يصعب من السير عليها بسرعة عالية ، وبدأت ملامح القرية تظهر تدريجيا وقلب ياسين يخفق اكثر واكثر ، حتى وصلت السيارة الى المدرسة الكبيرة في طرف القرية ، وما إن رأها ياسين حتى بدأ يسترجع ذكريات الطفولة وأيام الدراسة ، واخذت الابتسامة تعلو شفتيه حين تذكر اصدقاءه ومشاكساتهم في المدرسة.

اخذ ياسين يصف للسائق اتجاه منزلهم في الطرقات الضيقة للقرية ، حتى طلب منه التوقف أمام أحد المنازل القديمة المبنية من الحجارة والطين ، يحيط بها سور متهالك تعلوه بعض الحشائش الخضراء ، وفي طرفه بوابةٌ خشبية قديمة تدخل إلى فناء البيت ، ذلك البيت الذي شهد طفولة ياسين وصباه ، وهو الآن يعود إليه بعد عقد ونصف من السنين.

أنزل ياسين حقائبه من صندوق السيارة ، ودعا السائق لإستضافته في منزل أهله لكنه رفض وإستقل سيارته عائداً إلى المدينة ، فيما ياسين اخذ يطرق على البوابة الخشبية وينادي على أهله ، حتى خرج والده من الباب الداخلي وما إن شاهد ياسين أمام البوابه حتى فاضت عيناه بالدموع وأسرع مهرولاً الى ولده يحتضنه ويقبله ، ويلومه على كل هذه السنين التي غاب فيها بعيداً عنهم ، وما هي إلا ثوانٍ قليلة حتى خرجت والدته غير مصدقة أن الذي أمامها هو فلذة كبدها ياسين ، أخذته في أحضانها تضمه بشدة تتلمس وجهه ويديه وتسأله عن حاله وصحته ، وتصحبه إلى داخل المنزل حيث قابله بقية العائلة بشوق ولهفة ، شقيقه الأكبر يوسف وزوجته ثريا وابناءه سليم وسلمى الذين لم يحضر ولادتهم ، وشقيقه الأصغر حسان وشقيقتيه التوأم مريم وفاطمه.

فرحت العائلة بعودة ياسين بعد كل هذا الغياب ، وبدأوا يسألون ويسألون ويسألون عن كل شيء حتى صاح بهم والدهم طالباً منهم ترك ياسين ليستريح من عناء السفر ، لكن ياسين طلب من والده أن يتركهم فهو مشتاق لهم جداً ، وبدأ يتحدث لأهله عن سفره ودراسته وشهاداته العلمية التي حصل عليها وأبحاثه التي قام بها والدرجة التي وصل إليها ، وكم كان ياسين فرحاً وهو يرى الفخر والاعتزاز في عيون والديه.

مرت السهرة جميلة تسودها الفرحة العارمة بهذه المناسبة ، تخللها عشاء ريفي لذيذ كم كانت نفس ياسين تتوق له ، وإتجه الكل إلى فراشه للنوم ، ودخل ياسين لأخذ حمام ساخن أحس بعده بالإسترخاء التام فدخل غرفة النوم وما هي إلا دقائق حتى كان مستغرقاً في سبات عميق.

إستيقظ ياسين على أشعة الشمس من نافذة الغرفة وصوت شقيقته مريم تدعوه للاستيقاظ لتناول طعام الإفطار مع العائلة ، فهنا في الريف لا يوجد قهوة للصباح ولا أصوات للسيارت ولا دخان للمصانع يستيقظ عليه المرء كل صباح ، بل هنا اجواء نقية صافية وهواء منعش واصوات العصافير تزقزق فوق الأشجار ، وطعام صحي وكل ما يدعو إلى صفاء الذهن ونشاط العقل والجسم ، مما جعل ياسين يشعر لأول مرة منذ زمن طويل بالراحة والسكينة والنشاط.

تناول ياسين طعام الإفطار مع العائلة في جو من المرح والإلفة ، وجلس بعدها مع والده في فناء المنزل يتحدثون عن الخطوات القادمة وعن مستقبل ياسين وماذا عليه أن يفعل ، وكم كانت فرحة والده عندما علم بأن ياسين يريد أن يقدم على وظيفة في وطنه ويستقر ليخدم بلده وأهله ، وطلب من والده أن يرافقه إلى مركز المدينة صبيحة اليوم التالي ليبدأ إجراءات تقديم أوراقه للتعيين ، ثم أخذ يتجول برفقة شقيقه حسان في طرقات القرية مستمتعاً بهذا الجو الرائع ، وكم كانت دهشته عندما وجد أمور كثيرة ما زالت على حالها طول هذه السنين.

أخذ ياسين يسلم على كل من يراه في جولته ، ابو أحمد صاحب الدكان ، وخالد حلاق القرية ، وعبد المعز الفران صاحب المخبز ، وابو سعيد مختار القرية وأبنته سميرة التي تركها طفلة صغيرة تلعب في شوارع القرية ، هي الآن شابة جميلة ينقصها العريس فقط ، ويبدو أنه كان حاضراً أيضاً فقد شاهد ياسين إختلاس النظرات بين شقيقه حسان وسميرة إبنة المختار في غفلة من المختار ابو سعيد الذي كان يتحدث مع ياسين الذي لم يستطع منع ابتسامته في هذا الموقف.

إستمرت الجولة الجميلة في القرية وإزداد ضحك ياسين عندما رأى الخجل الواضح على وجه حسان بعد أن سأله عن سر هذه النظرات الودية مع سميرة ، لكنه بدد هذا الخجل عندما أخذ يحدث شقيقه بأنه كبر وأصبح رجلا ولا مانع من زواجه إن كان يرغب في ذلك ، ففرح حسان كثيراً بتشجيع شقيقه له لكنه سرعان ما تجهم وقال بأن والده يرفض فكرة زواجه الآن ، فوعده ياسين بأن يحاول إقناع والده بالأمر بعد فترة قصيرة.

مضى اليوم جميلاً إستقبل فيه منزل كامل ياسين الوالد ، الكثير من المهنئين بعودة ياسين من الغربة ، ثم تناولوا الجميع طعام العشاء الذي أولمه الوالد لأهل القرية بهذه المناسبة بدأ المنزل بعده يخلو شيئاً فشيئاً حتى بقيت العائلة التي طلب منهم والدهم النوم لأن سيستيقظون باكراً ليذهب مع ياسين الى مركز المدينة.

نام الجميع وساد المنزل سكون رهيب ، لكن ياسين أخذ يتقلب في فراشه محاولاً النوم دون جدوى ، فوقف عند النافذة لعل نسمة الهواء الباردة تساعده على النوم ، في أثناء ذلك سمع ياسين صوتاً في فناء المنزل ولاحظ حركة قريبة منه ، وعندما دقق النظر وجد فأراً صغيراً يشم الأرض هنا وهناك كأنه يبحث عن طعام يأكله ، تابعه ياسين بتمعن ودقة حتى شاهده يقترب من مخزن الغذاء في طرف المنزل ، وكان يتمنى لو إستطاع أن يمنعه من دخول المخزن حتى لا يفسد غذاء العائلة ، لكن من شبه المستحيل فعل ذلك ، ولم يدري ياسين بنفسه إلا وهو يقول يا أيها الفأر توقف ولا تذهب إلى المخزن !!! لكن الفأر بالطبع أكمل طريقه وغاب في الظلام.

تسمّر ياسين في مكانه مندهشاً من فعلته ، ثم عاد إلى سريره وهو يفكر كيف يمكن أن أكلم فأراً وأطلب منه طلباً كأنه بشر سيستجيب لكلامي ؟؟!! ما الذي دفعني إلى ذلك ؟ كيف راودتني فكرة أن الفأر سيستجيب لأمري ؟؟ لكنه برغم كل هذه التساؤلات لم يخفي أمنيته بأن يستجيب الفأر لأمره ، لا بل أخذ يتخيل منظر الفأر وقد وقف في مكانه عندما أمره بذلك وإستدار عائداً ولم يذهب للمخزن ، ونام ياسين وتلك الصورة هي أخر ما كان يفكر فيه.

 
 

 

عرض البوم صور MOHAMMAD ALI ALKAYED  

قديم 20-03-18, 09:07 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2014
العضوية: 271387
المشاركات: 11,112
الجنس أنثى
معدل التقييم: bluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 13814

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
bluemay غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : MOHAMMAD ALI ALKAYED المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: رواية ياسين / بقلمي

 
دعوه لزيارة موضوعي

تم نقل الروايةالى القسم العام

يمكنك البدء بتنزيل الفصول

وستظل النسخة الثانية بركن التواصل مع المشرفين

 
 

 

عرض البوم صور bluemay  
قديم 22-03-18, 09:09 AM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2018
العضوية: 329085
المشاركات: 11
الجنس ذكر
معدل التقييم: MOHAMMAD ALI ALKAYED عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 12

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
MOHAMMAD ALI ALKAYED غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : MOHAMMAD ALI ALKAYED المنتدى : الروايات المغلقة
Jded رد: رواية ياسين / بقلمي

 

الفصل الثاني (( البحث عن وظيفة ))


في صبيحة اليوم التالي إنطلق ياسين مع والده إلى مركز المدينة المجاورة لقريتهم ، ولقد كان التنقل من القرية وإليها في غاية الصعوبة ، حيث بدأوا بالإنتظار في شارع القرية الرئيسي لحين مرور أي وسيلة تقلهم ، حتى مرت شاحنة زراعية أشاروا لسائقها فتوقف وحملهم معه ، ثم أوصلهم إلى الطريق الخارجي للقرية حيث نزلوا هناك وشكروا السائق على ايصالهم ، ثم عاد الإنتظار ثانيةً حتى مرّت بهم حافلة ركبوا فيها إلى مركز المدينة المجاورة.

كانت المسافة تقارب الساعة من الزمن وصلوا بعدها وإستقلوا سيارة أجرة إلى مركز التوظيف ، وما إن وصلوا حتى كانت الصدمة لياسين من الإزدحام الشديد على المركز ، لدرجة أنه أحس باليأس الشديد من فرصة إيجاد وظيفة تناسبه ، إذ كيف يُعيّن في وظيفة وهنا كل هذا العدد من الشباب الباحث عن عمل ، لكنه برغم ذلك وبإلحاح والده وقف في الطابور بإنتظار دوره لتقديم أوراقه.

مرّ الوقت بطيئاً تخلله مشاحنات بين وقت وآخر ، وصياحٌ هنا وجدالٌ هناك حتى أحس ياسين بنفسه يختنق فهو لم يعتد على مثل هذا الوضع في أوروبا حيث كان يعيش ، وبينما هو ينتظر كان هناك على مقربةٍ منه كلب صغير يبدو عليه الضعف والجوع والعطش ، يحاول أن يلعق بعض الماء الموجود بإحدى الحفر الصغيرة ، نظر إليه ياسين بشفقة وتمنى لو ينهي أمور أوراق التعيين ليحاول مساعدة هذا الكلب الصغير بالغذاء والماء ، ويبدو أن أحدهم كان يشارك ياسين في تفكيره فقد أقبل شاب وسيم مبتسماً إلى حيث الكلب وأفرغ أمامه علبة من اللحم بدأ الكلب إلتهامها بشراهة كبيرة جعلت من حوله يضحكون ، لكن ضحكتهم لم تدم طويلاً حيث إنقض كلبٌ شرسٌ يحاول أخذ اللحم من الكلب الصغير الذي لا حول ولا قوة له أمام هذا الكلب المتوحش ، ومرة أخرى وجد ياسين نفسه يتمنى أن يبتعد الكلب الكبير ويترك طعام الصغير دون أذيته ، وكان على وشك أن يصرخ فيه طالباً منه الإبتعاد لولا أنه تدارك نفسه في أخر لحظه ، وعاوده نفس التساؤل كيف تراودني فكرة إعطاء الأوامر للحيوانات ولم يخفي ياسين أمنيته لو إستطاع تحقيق ذلك.

لم يغب الموضوع عن ياسين طيلة إنتظار دوره ، وأخذت الأفكار تعصف في ذهنه وتذكر فجأة أستاذه الألماني الكبير ونظريته عن إمكانية التحكم بسلوك وتصرفات الكائنات الحية من خلال نظام كيميائي تكنولوجي موحد ، وبدأ ياسين يسرح في تلك النظرية التي وصلت إلى مرحلة التجربة الفعلية لولا موت معلمه الالماني ، ولم يقطع حبل أفكار ياسين سوى صوت الموظف يطلب منه الاوراق ، ويعطيه إستمارة التوظيف طالباً منه تعبئتها وتسليمها إلى الشباك المجاور.

أنهى ياسين تعبئة الإستمارة وسلمها للموظف الذي طلب منه إنتظار الرد على طلبه خلال أسابيع ، عاد بعدها ياسين إلى الخارج حيث كان والده بإنتظاره وذهبوا معاً إلى سوق المدينة لشراء بعض إحتياجات المنزل ، ركبوا بعدها إلى موقف الحافلات وإستقلوا الحافلة التي تمر بالطريق القريب من القرية وعادوا إلى قريتهم بعد يوم طويل شاق ، وفي طريق العودة عادت الأفكار المجنونة تراود ياسين مرة أخرى ، الفأر ومخزن الغذاء ، الكلب الصغير والكبير ، أستاذه الألماني ونظريته اللاواقعية ، وهل من الممكن التحكم بسلوك وتصرفات الكائنات الحية..؟؟؟؟

بعد أن وصلوا إلى المنزل وتناولوا طعام الغداء ، ذهب ياسين ليستريح في غرفته ، لكن هيهات أن تأتي الراحة وتلك الأفكار أخذت تعصف في رأسه كأنها زوبعة مجنونة ، جعلته يقف منتصباً كأنه جندي في تفتيش ثم أخرج حقيبة كتبه وأوراقه وأخذ يبحث فيها عن ملف البحث الذي قام به إستاذه القديم ، وأخذ يعيد قراءته من جديد ، ويفكر في كل جملةٍ كتبها معلمه ، أخذ يقرأ ويقرأ حتى أنه لم يلحظ دخول والدته الى حجرته إلا عندما سمعها تناديه ياسين ، ياسين ما بالك يا بني ؟ اعتدل في جلسته وتبسم في وجه والدته الريفية البسيطة ويقول في نفسه كيف يا ترى من الممكن أن أشرح لوالدتي فيما أفكر ؟ ثم دعاها للجلوس وقال لها يا أمي هل الأغنام في حظيرة المنزل والأرانب والدجاج تتصرف كما ينبغي ؟؟!! نظرت إليه والدته بدهشة وقالت لم أفهم ما تقول يا بني ، ماذا تعني بتتصرف كما ينبغي ؟؟ إنها حيوانات يا ياسين ماذا تريد منها أن تتصرف ؟؟ أحس ياسين أن كلامه غير مناسب وأن والدته ببساطتها الريفية لن تقهم ما يريد فقال لها لا شيء يا أمي فقط أريد أن أطمئن على الحيوانات في منزلنا ، فردت الأم إطمئن يا بني كل شيء على ما يرام ، إذا كنت لا تريد النوم تعال واشرب معنا الشاي أمام البيت ، فأومأ رأسه بالإجابه وخرجت والدته وتركته في حيرة كبيرة اغلق معها ما كان يقرأ وتبع والدته إلى الخارج.


الفصل الثالث (( في العاصمة ))


جلس ياسين يشرب الشاي مع والديه أمام المنزل وعيونه ترقب كل حيوان هنا وهناك ، وعقله يفكر هل من الممكن التحكم بسلوك هذه الحيوانات ؟؟ هل من الممكن جعلها تتصرف كما يريد صاحبها ؟؟ وإن كان هذا ممكناً فما هي الطريقة ؟؟ هل نظرية معلمه الألماني يمكن تطبيقها ؟؟ وهل من الممكن الحصول على ما يلزم لإجراء التجارب هنا ؟؟ كل هذه التساؤلات أرهقت ياسين وجعلته خارج العالم من حوله ، حتى أن والديه بدأوا يلاحظونه سارحاً بإستمرار ، قليل الكلام ، دائم العزلة والتفكير ، وكلما حاولوا سؤاله عن ذلك لم يعرف ياسين كيف يشرح لهم ما يفكر به.

مرت الأيام تلو الأيام وبدأ الملل يتغلغل إلى نفس ياسين وبدأت فكرة العودة إلى أوروبا تراوده كثيراً ، حتى جاء اليوم الذي تبدل فيه الحال ، حين جاء أحمد ابن صاحب الدكان إلى منزلهم يلهث ويصرخ من خلف البوابة بأن هناك هاتف لياسين ، تبعه ياسين على عجل إلى دكان أبيه حيث الهاتف الوحيد في القرية ، وجاء الصوت من الطرف الآخر أنت ياسين كامل ياسين ؟؟ نعم انا ، يجب أن تراجع مركز الأبحاث الزراعية في العاصمة لإكمال إجراءات التعيين.

هنا أحس ياسين بنافذة في الأفق فُتحت أمامه ، وشعر بالحيوية تدب في جسده ، وبدأ النشاط يتدفق إلى عقله بعد كل هذا الملل من الروتين اليومي القاتل الذي كان يعيشه خلال الأيام الماضية ، عاد مسرعاً إلى المنزل ليزف هذا الخبر العظيم إلى والديه ، وكم كانت فرحتهم بهذا الخبر فقد كانوا يشعرون بأن ياسين قد ملَّ في الفترة الماضية ، وكانوا يخشون من عودته إلى بلاد الغربة ، لكنه الآن سيبقى في وطنه وبين أهله ، صحيح أنه سيذهب إلى العاصمة لكنه قريب منهم مقارنة بأوروبا البعيدة ، فهنا يستطيعون زيارته بين فترة وأخرى ، وهو كذلك يستطيع زيارة القرية أثناء الإجازات.

في المساء بدأت الوالدة بتجهيز حقيبة ياسين ، ووضعت فيها كل ما يلزمه ، فيما ياسين جمع كتبه وملفاته وأبحاثه في حقيبة أخرى ، وجلس مع العائلة يودعهم ويطلب من والديه الدعاء له بالتوفيق في عمله الجديد ، فإنهالت دعوات الوالدين الصادقة من القلب بأن يوفقه الله ويسدد على طريق الخير خطاه ويحفظه من كل شر ، ثم أخذه والده وخرجا إلى فناء المنزل فمسكه والده من كتفيه وقال له يا ولدي أوصيك بالأخلاق يا ياسين ، وليكن ضميرك هو الحكم في كل أمر ، وإتقي الله في عباده وكن مخلصاً في عملك ، صادقاً مع الله ومع نفسك ومع الناس ، ولا تبع مبادئك بكنوز الدنيا يا ولدي ، وإحتضنه بشده وياسين يطمئن والده بأنه سيكون كما عهده دائما ، ولده الذي يعرفه جيداً.

إستيقظ ياسين على صياح الديك عند الفجر ، فقام من سريره واغتسل ثم صلى الفجر وارتدى ملابسه وجلس مع والديه يتناول طعام الإفطار ، وما هي إلا دقائق حتى سمعوا صوت الشاحنه الزراعية التي إتفقوا مع سائقها بالأمس لنقل ياسين إلى الطريق العام ، حمل ياسين الحقائب إلى صندوق الشاحنه وركب بجانب السائق وأشار إلى والديه مودعاً وإنطلقت الشاحنه مع بزوغ أشعة الشمس تنقل ياسين بحقائبه وأحلامه وأفكاره إلى العاصمة حيث عمله الجديد.

وصلت الشاحنة إلى الطريق العام حيث نزل ياسين ينتظر الحافلة التي ستقله إلى مركز المدينة المجاورة ليركب من هناك حافلة العاصمة ، وقد كان حظه جيداً هذه المرة فلم ينتظر طويلاً حين رأى الحافلة تقف أمامه فصعد إليها وإنطلقت بركابها إلى المدينة المجاورة ، حيث نزل في الموقف العام وسأل أحد الباعة عن حافلة العاصمة فأرشده إلى مكانها ، وضع حقائبه في الصندوق أسفل الحافلة وجلس في كرسيه ينتظر انطلاقها.

انطلقت الحافلة بعد أن إمتلأت بالركاب ، وأخذت تشق طريقها إلى العاصمة التي تبعد ما يقارب ست ساعات عن المدينة ، كانت الطريق طويلةٌ وبدأ الركاب بالنوم فيما ياسين أخذ يفكر بما هو مقبل عليه ، كيف يا ترى سيكون عمله الجديد ، وهل سيلبي طموحه وأحلامه ، ومرة اخرى عادت تجربة معلمه القديم إلى صميم أفكاره ، يا لهذه الأفكار اللعينة التي لا تفارقني ، سوف تصيبني بالجنون يوماً ما.

مرت الساعة تلو الساعة حتى بدأت تظهر معالم العاصمة من بعيد بمبانيها الحديثة وأبراجها الشاهقة ، وبدأ الإزدحام المروري يشتد أكثر وأكثر حتى وصلت الحافلة إلى الموقف العام في وسط العاصمة ، نزل ياسين وحمل حقائبه باحثاً عن سيارة أجرة تقله إلى مركز الأبحاث الزراعية ، الذي لم يكن بعيداً عن موقف الحافلات ، فما هي إلا عشرين دقيقة إلا وكان أمام مبنى المركز ، فدخل الى الإستعلامات الذين أرسلوه إلى قسم التوظيف ، وهناك قابل المهندس نبيل رئيس القسم الذي رحّب به
وأخبره بأنه تم تعيينه في قسم مكافحة الآفات الزراعية ، وطلب منه الذهاب اليوم الى سكن الموظفين والالتحاق بعمله إعتباراً من صباح الغد ، وطلب من أحد العمال مرافقة ياسين إلى السكن وإيصاله إلى الغرفة رقم 111 الذي سيشغلها برفقة زميله المهندس ياسر الذي سيقابلهم هناك ، فشكره ياسين ومضى برفقة العامل إلى سكنه الجديد.

كان بناء السكن نظيفاً مرتباً يتكون من طابقين بمساحة طولية كبيرة ، وكانت غرفة ياسين في الطابق العلوي ، دق العامل باب الغرفة 111 ففتح الباب شاب أسمر البشرة طويل القامه تعلو شفتيه إبتسامة أدخلت الإرتياح إلى نفس ياسين ، وسلم عليهم ودعاهم للدخول معرفاً بنفسه المهندس ياسر قاسم عضو قسم مكافحة الآفات الزراعية ، فقام ياسين بالمثل وعرّف بنفسه كزميل جديد له في القسم ، ثم ساعده المهندس ياسر بترتيب محتويات الحقائب في خزانة الملابس وأطلعه على محتويات الغرفة التي كانت تتكون من سريرين وخزانتين ومكتبين وكنبه أمامها شاشة تلفاز وعلى أحد الرفوف كان هناك جهاز راديو وبعض التحف الصغيرة ، بالإضافة إلى الحمام في طرف الغرفة ، ثم إستأذن المهندس ياسر من ياسين للذهاب لإكمال عمله وطلب منه أن يرتاح من عناء السفر.

إغتسل ياسين ثم إستلقى على سريره ووجد نفسه يشعر بالنعاس والإرهاق ، وما هي إلا فترة وجيزة حتى داهمه النوم ولم يستيقظ إلا على حركة قريبة منه وعندما فتح عينيه وجد ياسر بإبتسامته الجميله يدعوه للاستيقاظ وتناول الشاي ، وكانت الساعة المعلقة على الحائط تشير إلى السادسة والنصف مساءً ، جلس زملاء العمل يشربون الشاي وبدأ ياسر يوضح لياسين طبيعة عمل قسم مكافحة الآفات الزراعية ، وكيف يدرسون النباتات والامراض التي تتعرض لها والأبحاث التي يقومون بها في المختبر لإيجاد العلاج المناسب لأي آفة زراعية جديدة ، وما إن سمع ياسين كلمة مختبر وأبحاث إلا وتذكر فوراً أستاذه الألماني وتلك النظرية التي لا تفارقه ، هل يا ترى أستطيع إجراء التجربة في عملي الجديد..؟؟ مرّت السهرةُ لطيفه أحس معها ياسين بالود من المهندس ياسر وشعر بأنه سيكون صديقه المقرب في الأيام القادمه ، ثم خلدوا إلى النوم في إنتظار أول أيام العمل الجديد.


الفصل الرابع (( المختبر ))


استيقظ ياسين وزميله في السادسة تماما على جرس المنبه ، فإغتسلوا وإرتدوا ملابسهم وتناولوا إفطاراً خفيفاً خرجوا بعده إلى العمل ، حيث نزلوا من سكن الموظفين وتوجهوا إلى ساحة النقل لتنقلهم حافلة صغيرة إلى قسم الآفات الزراعية ، والذي يقع في أقصى الطرف الجنوبي لمركز الأبحاث ، وعندما وصلوا هناك كان على بوابة المبنى رجل قصير يرتدي نظارات سميكة ومريولاً طبياً ، وما إن شاهده المهندس ياسر حتى مال برأسه على ياسين يهمس له بأن يتهيأ لمحاضرة قوية ، لم يفهم ياسين ماذا يقصد ياسر إلا عندما إقترب من الرجل القصير وحيّاه ، وبدلاً من رد التحية إنهال عليهما بمحاضرة عن الإنضباط والإلتزام ، أنتم متأخرون ثلاث دقائق عن موعد الدوام الرسمي ، لماذا لا تلبسون الملابس الطبية والقفازات ، أين حقائبكم والكراسات والأقلام ، هذا إستهتار وتهاون ، إتبعوني إلى الداخل ، تبعه الإثنان وهول المفاجأة لا زالت اثارها على وجه ياسين ، فيما ياسر يبتسم ويقول له لم تشاهد شيئاً بعد..!!

دخل الرجل القصير إلى أول مكتب في المبنى ، وجلس خلف الطاولة ونزع نظارته السميكة وشبك أصابعه معاً وقال إجلسوا ، أعرفك بنفسي أيها الموظف الجديد الغير ملتزم ولا منضبط ، أنا الدكتور حازم ، رئيس قسم مكافحة الآفات الزراعية وقد أفنيت عمري وشبابي في إنقاذ النباتات والأشجار من الأمراض ، لقد عشت بين المزروعات أعتني بها كأنها أولادي ، ونمت بين المحاليل والعقاقير لأكتشف دواءً لهذا المرض وعلاجاً لذلك الداء ، لم أتأخر يوماً دقيقة واحدة عن عملي كما تفعلون أنتم أيها الجيل المستهتر .... وهنا لم يستحمل ياسين كل ذلك فقاطعه قائلاً يا حضرة الدكتور إنني في أول يوم ولم أتأخر سوى دقائق معدودة ، ولا أعرف قوانين وتعليمات العمل فأرجو منك غفران هذه الزلة وأعدك بأن أكون ملتزماً منضبطاً كما تريد ، وعلى عكس ما توقع ياسين فقد إبتسم الدكتور حازم وقال في ود يبدو أنك موظف جيد كما أنك تجيد فن الإعتذار ، ثم عادت الكشرة إلى وجهه والحدة إلى صوته وقال لكن لا تنتظر مني أن أقبل بذلك مرة أخرى ، والآن هيّا بنا نقوم في جولة أُعرفك على طبيعة العمل.

تنفس ياسين الصعداء بعد هذه البداية المرهقة ، وأحس أنه سيواجه متاعب كثيرة مع هذا المسؤول المعقد ، الذي بدأ بتعريف ياسين على أقسام المبنى ، هذه غرفة سلمى السكرتيرة والمسؤولة عن الأمور الإدارية للقسم ، دخل الدكتور حازم إلى الغرفة فوجد سلمى مشغولة بترتيب بعض الملفات في الخزانة المخصصة لها ، وما إن رأته حتى أنتفضت فوراً مرحبة به ، هذا ياسين كامل عضو القسم الجديد ، وهذه سلمى السكرتيرة ، حياها ياسين فردت التحية باختصار فقد كان واضحاً أنها من نوعية الأشخاص المهووسون بالعمل والنظام والترتيب الذي كان واضحاً في مكتبها ، وإلا لما إستطاعت أن تستمر عند هذا المدير الحازم كما هو اسمه ، والذي سبقهم إلى الخارج يمضي في جولته ، هذا مكتب مكافحة القوارض ويضم أيمن وعادل وجميل الذين وقفوا باحترام يحيون مديرهم وزميلهم الجديد ، وإستمرت الجولة إلى قسم معالجة المياه ويضم سعيد وكمال ، ثم قسم الحشرات ويضم سعاد ونبيل وجلال وسمية ، ثم خفق قلب ياسين عندما شاهد لوحة فوق إحدى الغرف المغلقة مكتوب عليها المختبر.

لقد كان ياسين متشوقاً لرؤية مختبراً بعد أن غابت المختبرات عنه فترة طويلة ، بقواريرها الزجاجية ومحاليلها ومجاهرها ، وكم كان سعيداً عندما دق الدكتور حازم الباب وفتحه ودخلوا إلى المختبر ، ورأى ياسين الطاولات الرخامية ممتدة على جدران الغرفة الكبيرة ، تعلوها أرفف تحوي القوارير الزجاجية ، وفي احد الزوايا خزائن للمحاليل والسموم ، وكان الموظفون منهمكون في أعمالهم ، منهم من يتفحص بالمجهر ، ومنهم من يركب المحاليل ، ومنهم من يكتب المعادلات على سبورة في جانب الغرفة ، نعم هذا هو العمل الذي أريد ، هكذا كان ياسين يفكر ، وقد بدأ الموظفون بالتجمع أمامهم ليتعرفوا على زميلهم الجديد ، وبدأ الدكتور حازم بتعريف ياسين على موظفي المختبر ، هذا الدكتور قاسم رئيس المختبر ، والدكتور حسن مساعده ، وهذا الدكتور سمير والدكتورة عزيزة والدكتورة رباب والدكتور سليم ، وهذا راتب وفاطمه وجهاد وخليل ، وهذا عنتر عامل النظافة في المختبر ، وهذا زميلكم الجديد الدكتور ياسين وهو عالم في الكيمياء أنهى غربته في أوروبا ليعود إلى وطنه ويخدمه ، رحّب الجميع بياسين الذي كان سعيداً بهذا الجو الرائع بين الموظفين ، ولم يعكر صفوه إلا خروج الدكتور حازم من المختبر لإكمال جولته ، فقد كان ياسين لا يريد الخروج أبداً.

أسرع ياسين باللحاق بالمدير وإقترب منه قائلا ، يا حضرة المدير هل سيكون عملي في المختبر ؟ توقف الدكتور حازم فجأة وقال في حدّة أنا من يقرر أين سيكون عملك ، إتبعني لتعرف مكان عملك ، هنا أحس ياسين بالضيق والغضب الشديد فهو لا يريد غير المختبر مكاناً للعمل ، إنه عالم للكيمياء ومكانه المختبر ولا مكان غيره ، ولم يقطع تفكيره هذا سوى توقف المدير عند إحدى الغرف قائلاً هنا عملك يا ياسين ، قسم كيمياء التربة ، فنحن بحاجتك هنا لأن القسم لا يحوي سوى موظفين إثنين فقط ، وقد واجهنا في الفترة الأخيرة مشكلة كبيرة في نوعية التربة وإحتوائها على قدر كبير من الجراثيم التي تتلف المحاصيل ، وسبقه إلى الداخل حيث كان هناك موظف واحد فقط يجلس على مكتبه يطالع مجموعة من الأوراق ، هذا زميلك بالقسم المهندس عدنان ، ولكن أين جواد يا عدنان ؟ وقف الموظف مرحبا بهم وقال لقد خرج جواد لجمع عينات من تربة البيوت البلاستيكية في المزرعة يا حضرة المدير ، وسيعود سريعاً ، إلتفت الدكتور حازم الى ياسين قائلا هذا مكتبك وهذا زميلك عدنان الذي سيعرفك على زميلك الآخر جواد ، وأرجو أن تتعاونوا جميعاً لمصلحة العمل ، يمكنك الآن أن تباشر عملك ، وأرجو أن تأتي إلى مكتبي قبل نهاية العمل بنصف ساعة ، إلى اللقاء.

جلس ياسين على مكتبه والحزن واضحاً على وجهه ، فسأله عدنان ما بال زميلنا الجديد يبدو عليه الحزن في أول أيام العمل ، هل ضايقك المدير بإختيارك للعمل هنا ، أم أنك ترغب في قسم آخر ، رد ياسين نعم ، أريد أن أعمل في المختبر ، ولن أتقبل العمل في أي مكان آخر ، ضحك عدنان ضحكة إستفزت ياسين قائلا المختبر ؟؟!! وهل هناك عاقلاً يريد أن يعمل في المختبر بين المحاليل والسموم ، يرهق عينيه بالمجهر ويمضي ساعات وساعات بعد إنتهاء العمل لينتظر نتيجة تجربة قد تفشل مرات ومرات ، ما بالك يا ياسين هل أنت جاد ؟؟ نظر إليه ياسين دون أن يكلمه فقد أدرك بأن عدنان وأمثاله لن يعرفوا معنى العمل الحقيقي ، ولم يدركوا يوماً ما هي الكيمياء ، ولن يفهموا أبداً روعة حياة المختبرات والتجارب ، والأفضل أن لا أخوض معه في جدالات لا تفيدني في شيء ، ويجب أن أفكر كيف سأقنع الدكتور حازم بنقلي الى المختبر ، لكنني طبعاً سأقوم بعملي الحالي بإخلاص وجد حتى يحدث ذلك.

أخذ ياسين يرتب مكتبه ويتفقد خزانته وأدراجه ، وطلب من عدنان بعض الأشياء من قرطاسية وأوراق وغيرها ، وبينما هو كذلك دخل جواد يحمل بين يديه صندوقاً خشبياً وضعه على الطاولة ، ونظر إلى ياسين مستغرباً ، لكن عدنان تدخل فوراً وقال هذا الموظف الجديد يا جواد ، الدكتور ياسين كامل وهذا زميلنا جواد يا دكتور ياسين ، سلم كل منهم على الآخر وقد كان جواد شاب رياضي يبدو عليه القوة والنشاط ، وقد يكون الوحيد الذي شعر ياسين بأنه يقوم بعمله بجد ، طبعاً بالإضافة لموظفي المختبر والسكرتيرة سلمى ، جلس جواد في مكتبه وبدأ يحدث ياسين عن تخصصه وشهاداته ، وتعجب كثيرا عندما علم بما يتمتع به ياسين من شهادات وخبرة من اوروبا ، وقال مندهشا كيف لشخص يتمتع بكل هذا أن يكون عمله في هذا القسم ؟ فإعتدل ياسين في جلسته وقد أحس بأن جواد هو من سيفهمه ، فقد عرف بأن هذا القسم ليس مناسباً له ، وأكمل جواد كأنه يحدث نفسه ، عالم كيمياء حاصل على أعلى الشهادات من جامعات أوروبا وأمريكا وله خبرة طويله يتم تعيينه في مكافحة الآفات الزراعية ، وأين ؟؟!!!! في قسم كيمياء التربة الذي لا يعرف الكيمياء إلا في أسمه فقط ، فنحن ما علينا سوى أخذ العينات التي نجمعها إلى المختبر وهم من يقومون بكل ما يلزم ويزودونا بالنتائج وما علينا فعله ، إننا لسنا إلا موظفي نقل عينات ، وهنا ضحك عدنان ضحكة أدخلت الإحباط إلى نفس ياسين لكنه برغم ذلك لم ييأس بل أصبح أكثر جدية في محاولة النقل من هذا القسم بكل الوسائل.

جلس ياسين يراقب جواد وهو يفرغ محتويات الصندوق الخشبي حيث كان يحوي على مجموعة علب بلاستيكية مغلقة ولكن يبدو أن بداخلها تراباً ، وأخذ جواد يفرز العلب حسب المكتوب عليها ، القطعة رقم 3 مربع رقم 6 ، القطعة رقم 8 مربع رقم 2 ، وهكذا ، فإقترب منه ياسين مستفسراً عما يقوم به ، فشرح له جواد طبيعة ما قام به ، إننا نذهب إلى المزرعة والبيوت البلاستيكية لأخذ عينات من التربة لفحصها في المختبر ، والمزرعة وتلك البيوت مقسمه إلى قطع وكل قطعة مقسمه إلى مربعات ، وعندما نأخذ العينة نكتب على العلبة رقم القطعة والمربع لنعرف من أين أخذناها وننتظر نتيجة الفحص لنعالج المربع والقطعه المعنية ، فقاطعه ياسين وكيف يتم نقل العينات إلى المختبر وكم تستغرق من الوقت لذلك ؟ رد جواد ننقلها في هذا الصندوق وقد يستغرق الوقت بضع ساعات أو اكثر ، قال ياسين لكن هذه طريقة خاطئة يا جواد ، ولن أستغرب إذا عرفت بأن التربة لن تعالج بهذه الطريقة ، تعجب جواد وقد بدا عليه بعض الضيق وقال لياسين كيف تقول أن هذه الطريقة خاطئة ، وما هي الطريقة الصحيحة أيها الدكتور العبقري ؟؟ أحس ياسين بنوع من الإستهزاء بكلام جواد لكنه برغم ذلك إبتسم وقال سأشرح لك يا جواد ولا تغضب من كلامي ، فأنا لا أقصد بأن التقصير منك أنت لكن أنا اقصد بأن الطريقة كلها خاطئة وأنت لا ذنب لك ، فأنت تنفذ ما هو مطلوب منك ، لكن يا صديقي بعض الجراثيم تعيش في بيئتها في التربة ، وعندما تخرج من قاع التربة إلى محيط آخر فإنها تموت خلال دقائق ، لذلك قد تكون هناك جراثيم كثيرة في التربة الموجودة بالمزرعة وتؤثر على جودة المحاصيل ، لكن المختبر لن يكتشفها لأنها بكل بساطة عندما تُنقل في هذه العبوات البلاستيكية ولهذه الفترة الطويلة تموت ولا تظهر في مجهر المختبر ، وإن ظهر شيئاً منها فإن فني المختبر لا يأخذ موضوعها بعين الإعتبار لأنه يعتقد أنها ميته أو أن معالجة التربة قد نجحت ، وسكت ياسين وهو ينظر إلى مدى الدهشة على وجوه عدنان وجواد كأن على رؤوسهم الطير ، فقد كانت هذه المعلومات جديدة عليهم ، وفجأة إنفجر جواد غاضبا واخذ يسبُّ ويلعن بالمركز والقسم والعمل لأنه شعر بأن كل ما كان يقوم به سابقاً لا فائدة منه وذلك بسبب غباء القائمين على هذا المركز ، لكن ياسين أخذ يخفف عنه ويقول له بأن العمل الكيميائي دائما يحوي أخطاءاً ولا يمكن إكتشافها إلا بالخبرة والتجربة ، فشكره جواد على إهتمامه وأغرقه بسيل من المديح لعلمه ومعرفته وخبرته ، ثم عاد وقال مكانك ليس هنا يا ياسين ، صدقني.

إستأذن جواد من زملائه للذهاب لأخذ العينات إلى المختبر ، مع أنه قال مستهزئاً بأنه لا فائدة من ذلك لكنني سأفعل ما هو مطلوب مني ، وهنا طلب ياسين منه أن يرافقه إلى المختبر فقد وجدها فرصة للعودة ولو لبعض الوقت إلى المكان الذي يحب ، وفي الطريق طلب ياسين من جواد بأن لا يخبر قسم المختبر بما شرحه له سابقاً لأنه سيشرح الامر لمدير المركز اليوم عند الذهاب إليه قبل نهاية الدوام ، وعندما وصلوا إلى المختبر كان الجميع منهمكاً في العمل كما كانوا في الصباح ، ودخلوا إلى مكتب رئيس المختبر الدكتور قاسم ، وقد كان في مناقشة حادة مع مساعده الدكتور حسن ، كيف يا حسن تقول لي أن التجربة لم تنجح ، والعينات غير صالحة ؟؟ هل تفشل تجربة اربع مرات ، هل تفسد العينات في كل مرة ؟ هذا كلام غير مقبول نهائياً ولا بد أن هناك تقصير وخلل ما وهذه مسؤوليتك انت ، ثم إلتفت إلى ياسين وجواد وقال تفضلوا بالجلوس ، وعاد يصرخ في مساعده لابد أن تعالج الأمر يا حسن ولن أقبل بفشل جديد ، هل فهمت والآن إذهب إلى عملك ، وقبل أن يغادر حسن الغرفة توقف ياسين وقال انتظر يا دكتور حسن ، بعد إذن الدكتور قاسم هل لي أن أعرف ما هي تلك التجربة وما هي المشكلات التي تواجهكم ، نظر الدكتور حسن الى رئيسه الذي قال له إجلس يا حسن وإشرح الموضوع لزميلنا الجديد فقد نجد لديه حلّا ، إنه تعلم في أوروبا وقد يساعدنا في عملنا ونتعاون لما فيه مصلحة الجميع ، أحس ياسين بأن هذه فرصته التي ساقها له القدر ، فلو إستطاع إثبات قدرته للدكتور قاسم فقد يطلب من الدكتور حازم رئيس المركز بنقله للعمل لديه في المختبر ، وتمنى ياسين أن يستطيع حل مشكلة التجربة الفاشلة التي بدأ الدكتور حسن بسرد تفاصيلها.

إننا نقوم بعمل فحص لخزانات المياه المغذية لبعض أقسام المزرعة ، لأن نتيجة التحاليل أثبتت بأن هناك نوع من الجراثيم يعيش في المياه يؤثر على المزروعات عند سقايتها مما يتلف جذور النبات ويمنع وصول الماء إلى باقي أجزاء النبتة ، ولكننا أخذنا عينات من كافة الخزانات الموجودة وقمنا بفحصها ولم يتبين لنا وجود أي جرثومه في الماء ، وكررنا التجربة اربع مرات دون جدوى ، كما أعدنا تجاربا على النباتات المتأثرة ووصلنا إلى نفس النتيجة بأن السبب هو نوع من الجراثيم المائية ، ولا نعرف كيف تصل هذه الجراثيم إلى النبات وهي غير موجوده بالماء الذي يروى به ، فما رأيك يا دكتور ياسين ، هل لديك حل ؟؟ تنهد ياسين وفكر قليلا ثم بدا عليه الإرتياح وقال هل لي أن أعرف من أين تأخذون العينات وفي أي وقت ؟ تعجب الدكتور حسن من سؤال ياسين لكنه اجاب إننا نأخذها من خزانات المياه في الصباح الباكر ، قال ياسين وكيف تأخذون العينات ؟ رد الدكتور حسن نمد انبوب ونسحب من الماء الموجود في قوارير زجاجية ونقوم بفحصها ، قال ياسين وهل كل العينات تم أخذها في الصباح الباكر ؟ رد الدكتور حسن بالايجاب ، حينها قال ياسين لقد وجدت المشكلة يا دكتور قاسم ، ووجدت الحل أيضاً ، إن بعض الجراثيم يا دكتور تنشط في درجات الحرارة المرتفعة ، وتخمل في درجات الحرارة المنخفضة ، فهي عند إنخفاض درجة حرارة الماء فإنها تخمل وتنزل وتتجمع في قاع الخزان ، وعندما يتم أخذ العينات في الصباح الباكر عندما تكون المياه بارده فإن الجراثيم تكون في قاع الخزان ، لذلك إذا أخذنا العينه من مياه السطح فلن تظهر معنا في التحاليل ، لذلك أقترح أخذ نوعين من العينات ، الأول في الصباح الباكر ولكن من قاع الخزان ، والثاني من سطح أو وسط الخزان ولكن عند الظهيرة حيث درجات الحرارة مرتفعة ، وأعتقد بأنه سيتم إكتشاف الجراثيم في كلتا العينتين أو إحداهما على الأقل ، بدا السرور واضحاً على الدكتور قاسم الذي قال أحسنت يا ياسين ، إنك مبدع حقاً ، ونظر إلى الدكتور حسن وقال له نفذ إقتراح ياسين فوراً ، هنا تدخل ياسين راجيا من الدكتور قاسم السماح له بمرافقة الدكتور حسن بأخذ العينات وفحصها لكن الدكتور قاسم قال له بأن هذا غير ممكن لأن عمله في قسم آخر وليس في المختبر ، ولما أحس الدكتور قاسم بخيبة الأمل على وجه ياسين وعده بأن يأخذ الإذن من الدكتور حازم وإن وافق فلا مانع لديه من مرافقة الدكتور حسن في العمل ، أحس ياسين بفرحة عارمة وشكره كثيراً متمنياً موافقة الدكتور حازم على ذلك.

تغيرت نفسية ياسين بعد زيارته للمختبر ، حتى أن جواد أخذ يسأله هل لهذه الدرجة أنت متشوق للمختبرات والتجارب والابحاث ، أحس ياسين بأنه يريد أن يتحدث ، يتحدث مع أي شخص ، يخرج ما في جعبته علّه يرتاح قليلا ، إنني يا جواد عالم ، هل تعرف ما معنى عالم ؟ عالم يعشق الكيمياء ويعشق المختبرات والتجارب ، خمسة عشر سنة من عمري بين الأبحاث والتجارب والمختبرات ، في أوروبا وامريكا عشت أجمل أيام حياتي لأنني كنت أقوم بما أحب ، ثم بدا عليه الحزن وهو يقول معلمي الألماني كم كان عظيماً يا جواد ، لقد كنت ساعده الأيمن ، وأطلعني على كل خفايا علم الكيمياء ، حتى تجربته السرية الخطيرة أطلعني على سرّها ، تنبه ياسين فجأه وأحس بأنه قال ما كان يجب أن لا يقال ، وتأكد من ذلك عندما سأله جواد عن أي تجربة سرية تتحدث ؟ ومن هو هذا الألماني وماذا يريد ، وأحس ياسين بنظرة شك في عيون جواد لكنه أخذ يضحك وقال له لا تجربة سرية ولا شيء من هذا يا جواد ، إنه أستاذي في الجامعة وقد تعلمت منه الكثير وهو الآن تحت التراب لأنه توفي منذ زمن ، ولم تفلح هذه التبريرات مع جواد فقد أحس ياسين بنظراته كأنه ينظر إلى جاسوس خطير.

مضى اليوم وياسين يحاول بين فترة وأخرى أن يكسب ود جواد ويبعد عن تفكيره أي شك فيه ، فليس لديه الوقت الآن للدخول في متاهات وتحقيقات وأسئلة من هذه الجهة أو تلك ، وبدأ جواد يعود إلى طبيعته شيئاً فشيئاً ، حتى إقترب الدوام من نهايته ولم يبقى سوى أربعين دقيقة فإستأذن ياسين من زملائه للذهاب إلى المدير ، وأخذ يفكر في طريقه هل فاتحه الدكتور قاسم بموضوع مساعدة الدكتور حسن بتجربته ، هل سيوافق ، هل يمنعه من ذلك ، ولم يحس بنفسه إلا وهو أمام باب غرفة المدير ، عدّل هندامه وطرق الباب فسمع صوت المدير يقول تفضل ، فتح الباب ودخل ، كيف حالك يا حضرة المدير ، أهلا يا ياسين تفضل بالجلوس ، هل تشرب الشاي ، ودون أن ينتظر إجابة ياسين رن جرس أمامه فسمع ياسين الباب يطرق ، ودخل عامل فأمره الدكتور بإحضار كوبين من الشاي ، ثم إلتفت إلى ياسين قائلاً حسناً أخبرني كيف كان يومك ؟ هل كل شيء على ما يرام ؟ أحس ياسين بأنه يجب أن يكون صادقا فإن المدير سيعرف كل شيء عاجلا أم آجلا ، فقال في وضوح الحمدلله يا حضرة المدير كان كل شيء جيداً ، وزملائي بالعمل في قمة الأدب والإحترام ، وقد رافقت جواد إلى المختبر لإيصال عينات التربة ، ولكن يا حضرة المدير هناك مشكلة أريد أخبارك بها ، إن آلية نقل عينات التربة غير صحيحه ويجب تغييرها ، أحس ياسين بالضيق على وجه المدير ، فأسرع يقول أقصد أن هناك طريقة أفضل يمكن أن تعطي فعالية أكبر في نتائج التحاليل ، إن العينات تأخذ وقتاً طويلا والتربة تخرج من بيئتها لفترة قد تجعل أي جراثيم لا تظهر في العينة عند تحليلها ، ثم سكت ياسين بإنتظار رد المدير الذي رد بكلمة واحده ، أكمل.. وجد ياسين نفسه مضطراً لأن يخبر المدير بما حصل في المختبر فاخبره بكل الموضوع راجياً منه الموافقة على مشاركة الدكتور حسن في التجربة ، تنهد المدير ونظر إلى ياسين كأنه يتفحصه ، ثم قال إنني لا انكر مجهودك اليوم ، وأقدر لك حرصك على مصلحة العمل ، لكنني أريد أن أخبرك بأنني لا أحب مخالفة الأوامر ، وذهابك اليوم إلى المختبر فيه مخالفة لا أحب أن تتكرر ولن يشفع لك سوى إقتراحاتك المجدية بخصوص عينات التربة ، وأيضاً حل مشكلة فحص المياه ، هذا إن نجحت طريقتك ، أما بخصوص مرافقة الدكتور حسن فإن الدكتور قاسم طلب مني السماح لك بذلك لكنني رفضت ، أنت لك عملك وهم لهم عملهم ولا يجوز خلط الأمور ببعضها ، فعليك أن تلتحق بقسمك من صباح الغد وتنسى مرافقة الدكتور حسن ، انتفض ياسين واقفاً وقال يا حضرة المدير أرجوك ، أرجوك أن تسمح لي بذلك ، إنني عالم كيمياء ويجب أن اقوم بالتجارب والأبحاث ، أرجوك يا حضرة المدير لا تكبح جماحي وتلجم طموحي ، كان المدير ينظر إلى ياسين بإستغراب ، لكنه أمام لهفة ياسين وحماسه لم يجد مفرّا من الموافقة على طلبه بشرط ، أن يعود بعدها إلى عمله في قسم كيمياء التربة.

فرح ياسين كثيراً بموافقة المدير على طلبه ، وأحس أنه بدأ خطوة جيدة نحو ما يريد ، فلو نجح إقتراحه فلا بد أن الدكتور قاسم سيطلب من المدير نقله إلى المختبر ، وتوجه مسرعاً إلى ساحة النقل للعودة إلى السكن ، فقد كان يحس بتعب شديد فكرياً أكثر منه جسدياً ، وكان بحاجه لأخذ قسط من الراحه وما إن وصل إلى غرفته حتى إستلقى على سريره ونام وشعاع من الأمل بين عينيه.


الفصل الخامس (( خطوةٌ إلى الأمام ))


إستيقظ ياسين فوجد الظلام قد حل ، قام واضاء النور فوجد ياسر لم يحضر بعد ، وكانت الساعة قد تجاوزت السابعة مساءً ، ثم تذكر فجأة بأنه لم يعرف في أي قسم يعمل زميله ياسر ، لأن مديره لم يذكره أثناء جولة التعريف بالموظفين ، ولم يهتم ياسين بالأمر كثيراً فعندما يعود ياسر سيسأله ويعرف منه مكان عمله ، ثم بدأ بتحضير الشاي لأنه أحس بصداع خفيف يحتاج معه لكوب من الشاي الثقيل ، وفي أثناء انتظار الشاي تناول حبة من البرتقال وإصبعاً من الموز وأخرج بعض الكتب من حقيبته لمراجعة بعض الأمور المتعلقة بتجربته القادمة مع الدكتور حسن ، فوقعت عيناه على الملف الخاص بالتجربة القديمة مع أستاذه الألماني ، فترك الكتب ومسك الملف يتأمله ويقول هل سترى هذه التجربة النور وأطبقها على أرض الواقع ، أم ستبقى حبيسة هذا الملف وسجينة في هذه الأوراق ، وبدأ يقرأ الملف من بدايته ويتذكر إستاذه ويبدي إعجابه بعبقريته وعلمه ، ثم أحضر كوب الشاي وإستمر في القراءة ، وسافر إلى عالم آخر لم يدري معه بالوقت وهو يمر إلا عندما وقعت عيناه على ساعة الحائط فوجدها التاسعة والنصف ليلاً ، أغلق الملف ووضعه في الحقيبة وبدأ القلق ينتابه على ياسر الذي لم يعد بعد.

خرج ياسين من الغرفة إلى ممر السكن يتمشى قليلاً ، وبدأ يفكر في الغد ، هل ستمضي الأمور على ما يرام أم أن التجربة لن تنجح ، وإذا فشل فيها كيف سيقنع الدكتور قاسم بالعمل عندهم في المختبر ، وبينما هو غارق في تفكيره ، لمح ياسر في الطابق الأرضي يهمُّ بالصعود لأعلى ، فقابله عند اخر الدرج ، أين أنت يا رجل ، لقد قلقت عليك كثيرا ، إبتسم ياسر وقال لك الحق في ذلك كان يجب أن أخبرك منذ الصباح ، تعال ندخل الغرفة فقد أحضرت بعض الطعام نتناوله سوياً وسأخبرك بكل شيء ، دخل الصديقان الى الغرفة ووضع ياسر الطعام على المائدة فيما ياسين أحضر كوبين من الشاي الذي حضّره ، وبدأوا يتناولون طعامهم وعاد ياسين يسأل ياسر عن سبب تأخره ، قال ياسر إنني يا صديقي أذهب بعد العمل إلى عمل آخر في مطعم وسط العاصمة ، أنت تعرف بأن الحياة أصبحت صعبة جدا والعبء ثقيل علي ، فأنا أبعث لوالدتي وشقيقي الصغير مصاريفهم كل شهر ، فوالدي متوفي وليس لهم أحد غيري ، ووالدتي مريضة وتحتاج إلى دواء مكلف جداً ، توقف ياسين عن الطعام وبدأ يشد من أزر ياسر ويبدي إعجابه بكفاحه وبرّه بوالدته وأخذ يشجعه على الإستمرار في ذلك لأن الله لن يضيّع له تعباً ، وسيجازيه بالإحسان إحسانا.

بعد إنتهاء الطعام سأل ياسين زميله ياسر عن القسم الذي يعمل به ، فأخبره بأنه يعمل في معالجة الأسمدة والكيماويات ، وبأنه لم يشاهد قسمه في جولته مع المدير لأن القسم في مبنى منعزل يبعد قليلاً عن المركز ، وبدأ الإثنان يتحدثان عن العمل وتفاصيله وصعوباته ، وأخبره ياسين بما حصل معه خلال اليوم ، وتسائل ياسر عن عشق ياسين للمختبرات والتجارب وإصراره على النقل إلى المختبر برغم صعوبة العمل فيه ، فبدأ ياسر يشرح له متعة التجارب وفرحة النجاح في اكتشاف شيء جديد ، لكنه كان حذراً هذه المره ولم يخطىء كما أخطأ مع جواد في حديثه عن تجربة استاذه الألماني السرية ، مع أنه كان يحس بأنه محتاج لأن يبوح بأسرارها إلى أحدٍ يثق به ، فهل يكون ياسر هو هذا الشخص.

إستيقظ ياسين مبكراً في صباح اليوم التالي فوجد ياسر ما زال غارقاً في النوم يبدو عليه التعب والإرهاق ، فنظر إليه مجدداً نظرةً فيها الإعجاب والشفقة معاً ، وإقترب منه وأيقظه للذهاب الى العمل ، ثم أسرع ياسين بتجهيز نفسه وأخبر ياسر بأنه سيذهب أولا إلى قسم اللوازم لاستلام معدات طبية كامله للتوجه إلى المختبر ، وبالفعل ذهب واستلم مريولاً طبياً وحذاءً وخوذةً وقفازات ونظارات واقية ، ثم توجه فوراً إلى المختبر وهو في قمة الحيوية والنشاط ، طرق الباب ودخل فوجد الدكتور قاسم في مكتبه برفقة الدكتور حسن ، الذي بادر ياسين بقوله ما كل هذا الحماس والنشاط يا ياسين ، لقد حضرت باكراً وهذا يعجب الدكتور قاسم كثيراً ، فإبتسم الدكتور قاسم وقال فعلاً إنني أحب الموظف المجتهد المحب للعمل والمتحمس دائماً للإبداع والتطور ، شكرهم ياسين على هذا الاستقبال الجميل وسألهم عن الخطوة القادمة ومتى سيبدأون العمل ، فأخبره الدكتور حسن بأنهم ينتظرون الدكتورة رباب والعامل عنتر الذين سيرافقونهم في عملهم ، ولكن ما رأيك انت يا ياسين كيف سنبدأ ، أجاب ياسين بأن عينات الصباح يجب أن تؤخذ باكراً جداً واليوم لا يصلح لها ، لكن يمكن أن نأخذ عينات الظهيرة من سطح ووسط الخزانات ، وغداً نحضر عند الفجر لأخذ عينات الصباح من قاع الخزان ، وافق الجميع على اقتراح ياسين وبدأوا يتمنون نجاح التجربة ، فإستغل ياسين هذا الجو وسأل الدكتور قاسم هل أنتم بحاجة إلى موظفين في المختبر ؟ إبتسم الدكتور قاسم ونظر إلى الدكتور حسن الذي قال لقد كنا نتكلم في هذا قبل حضورك ، لقد إقترح الدكتور قاسم أن نطلب من المدير أن ينقلك إلى هنا لتكون زميلاً لنا في المختبر ، كاد ياسين أن يطير فرحاً عندما سمع هذا الكلام ، وقال أرجوكم أن تفعلوا ذلك ، فإنني لا أرى نفسي إلا في المختبر وأنا في شوقٍ للعمل والإنجاز والإكتشاف ، قاطعه الدكتور قاسم قائلاً نحن نرحب بذلك ، لكن لا يحدوك الأمل كثيراً بموافقة الدكتور حازم على ما نريد ، إنه كما تعرف لا يحب أن يناقشه أحد في قراراته ، لكن لننتظر ونرى.

وصل العامل عنتر وتبعه بقليل الدكتورة رباب وأصبح الجميع جاهزاً للعمل ، خرجوا من المبنى وتوجهوا إلى خزانات المياه ، يحملون ما يلزمهم لأخذ العينات ، كانت خزانات عملاقة مبنية من الخرسانة الصلبة ، مثبت على جوانبها سلم حديدي للصعود إلى أعلى الخزان ، بدأ الجميع بالصعود واحداً تلو الآخر حتى أصبحوا جميعاً فوق الخزان ، نظر ياسين في ساعته وكانت بعد العاشرة بقليل فطلب منهم الإنتظار حتى تشتد الحرارة أكثر ، فوقفوا يتأملون منظر المزارع من هذا العلو ، لقد كان منظراً رائعاً وقد زاده روعةً عنتر عندما أخرج لهم حافظةً بها بعض المرطبات والفطائر بدأوا يتناولونها في سعادةٍ كبيرة ، قالت الدكتورة رباب إن عنتر دائماً ما يأتي بالشيء المناسب في الوقت المناسب ، إبتسم عنتر وقال وفي المكان المناسب أيضاً ، قال الدكتور حسن هذا صحيح تماماً ، ثم إلتفت إلى ياسين وقال حدثنا عن سنين دراستك وعملك في أوروبا وأمريكا ، هل نحن متأخرون عنهم كثيراً في مجالنا ؟ بدأ الجميع يستمع إلى ياسين وهو يتحدث عن مقدار التطور الكبير في التكنولوجيا والبحث العلمي والكيمياء والفيزياء وشتى أنواع العلوم في أوروبا وأمريكا ، وأخبرهم بأننا متأخرون جداً عنهم في هذا المجال من الناحية التقنية من أجهزة ومعدات وميزانيات ضخمة تعد لهذه الغاية ، أما من ناحية الكفاءات والأيدي العاملة فعندنا منها ما يكفي للتطور والتقدم ومجاراة الغرب في هذا المجال.

مضى الوقت والجميع مستمتع بحديث ياسين ، حتى إشتدت الحرارة فبدأوا جميعا بتجهيز القوارير ومد الأنابيب لإخراج العينات من الخزان ، فتح عنتر باب الخزان الثقيل وكانت المياه قريبة من السطح بحوالي ثلاثة أمتار ، مد ياسين والدكتور حسن الأنابيب الموصوله بمضخة يدوية ، في جانبها الآخر انبوب صغير يوضع في القارورة الزجاجية ، وبدأت الدكتورة رباب بالضغط عليها فبدأ الماء بالتدفق حتى إمتلأت القارورة ، اغلقها ياسين وكتب عليها رقم الخزان وأن هذه العينة من السطح ، ثم مد الانابيب إلى داخل الخزان حتى وصلت إلى منتصفه تقريبا ، وأشار للدكتورة رباب لتبدأ ضخ المياه في قارورة أخرى ، ولما إنتهت أغلقها ياسين وكتب الرقم وانها من منتصف الخزان ، ثم سحبوا الأنابيب ونزلوا إلى الخزان الثاني وفعلوا ما فعلوه سابقاً ، ثم إلى الثالث والرابع حتى انتهوا تماماً من أخذ جميع العينات وعادوا بها إلى المختبر.

وضعوا العينات على طاولة في المختبر تحضيراً لفحصها بالمجهر ، وأخبرهم ياسين بضرورة فحص العينات فوراً ، وطلب من الدكتور قاسم مساعدتهم بالفحص على أحد المجاهر ، فوافق على ذلك مما أدخل السرور إلى قلب ياسين وبدأ بعمله على المجهر الذي فارقه منذ وقت طويل ، وانهمك الجميع بعملهم يتفحصون العينات بكل دقة ، حتى صاح الدكتور سمير أحد الموظفين بالمختبر منادياً الدكتور قاسم ، يا دكتور قاسم تعال وأنظر هنا ، خفق قلب ياسين بشدة فهو لم يكن قد وجد شيئاً بعد وقد بدأ يقلق من عدم نجاح فكرته ، نظر الدكتور قاسم بالمجهر ثم نظر إلى ياسين مبتسما وقال هذا رائع ، تعال وأنظر يا ياسين لقد ظهرت الجراثيم حيةً ولقد عرفنا نوعها أيضاً ، نظر ياسين في مجهر الدكتور سمير وهو لا يكاد يصدق ما يسمع ، لقد نجح فعلاً وأثمرت فكرته وإكتشف الجراثيم التي كانت تضر بالمزروعات ، وكسب ثقة الجميع بالمختبر ولا بد أن الدكتور قاسم سيفعل كل شيء لينقله إلى جواره ، رفع ياسين عينيه عن المجهر فوجد الجميع ينظر إليه بإعجاب فأطرق رأسه خجلاً حتى إقترب منه الدكتور قاسم قائلا يبدو أن عالمنا المبدع يشعر بالخجل ، لا تخجل يا دكتور ياسين بل اشعر بالفخر فأنت مجتهد تستحق كل الإحترام ، شكره ياسين وكان يريد أن يذكره بموضوع نقله إلى المختبر لكن الدكتور قاسم كأنه كان يحس بذلك فقال لا تقلق يا ياسين سأحدث الدكتور حازم بالأمر ، ولكن هل هناك ضرورة لإجراء تجربة الغد عند الفجر ؟ رد ياسين فوراً بالطبع يا دكتور فقد نكتشف نوعاً جديداً فنضع العلاج المناسب لكل الأنواع.

كان يوماً رائعاً أحس ياسين فيه بالتقدم خطوة نحو المستقبل ، وكان يفكر وهو عائد إلى السكن بتجربة الغد وكان أكثر ما يشغل باله هو موافقة الدكتور حازم على نقله إلى المختبر ، لكنه سأل نفسه لماذا كل هذا القلق وكل هذه اللهفة للعمل في المختبر ، صحيح أنني أحب التجارب والإكتشاف ولكن هناك شيء آخر يدفعني إلى ذلك ، وفجأة هبطت على رأسه صورة أستاذه الألماني وملف تجربته السرية النادرة ، ووجد نفسه يسرح في معادلاتها ونظرياتها وأرقامها ، هل هي فعلا ما يدفعني الى المختبر ، هل سأفكر في إجراء التجربة على أرض الواقع ، عندها عرف ياسين سر عشقه للمختبر ولهفته للعمل فيه ، لقد كانت فعلا تلك التجربة هي ما يدفعه دائماً للتفكير بالمختبر ، أنه من داخله يريد إجراءها ولن يرتاح إلا إذا قام بذلك ، إنه شيء جنوني لكني سأقوم به حتماً.

في مساء ذلك اليوم عاد ياسين يقرأ في الملف مرة أخرى ، ولكن في هذه المرة كان أكثر جدية وبدأ يدون خطوات إجراء التجربة وما يحتاجه لذلك خطوة بخطوة ، وبدأ بالتخطيط الزمني لكل خطوة وكيف سيقوم بها ، حتى إنتهى تماما من وضع ملخص كامل لكل ما يجب فعله ، ثم عاد وقرأ ما دوّن فبدأ الإحباط يصيبه عندما راجع ما يحتاج لمغامرته القادمه ، إنها أشياء كثيرة جداً والحصول عليها يحتاج وقتاً كبيراً وجهداً مضاعفاً ، حيوانات ، ومواد كيميائية ، ومعدات خاصة ، والأهم من ذلك كله مختبرٌ متفرغٌ تماماً لذلك ، لم أكن أعرف بمدى صعوبة الموضوع إلى هذا الحد ، لكنني سأقوم بذلك مهما كلف الامر.

في فجر اليوم التالي ذهب ياسين إلى المختبر ورافق الدكتور حسن وبعض الزملاء وبالطبع عنتر معهم إلى الخزانات مرة أخرى ، وقاموا بأخذ العينات وفحصها وكما توقع ياسين إكتشفوا نوعاً جديداً من الجراثيم ، وطلب منه الدكتور قاسم البحث في العلاج للقضاء عليها جميعاً كما طلب منه العودة إلى السكن ليرتاح فقد جاء باكراً جداً ووعده بأن يحدث الدكتور حازم بموضوع نقله إلى المختبر هذا اليوم قبل إنتهاء العمل وسيجد الجواب عنده صباح الغد.

في المساء إنتظر ياسين وصول ياسر إلى السكن ، وجلسوا يتبادلون الحديث وقد تكلم كل منهم عن عائلته وبيته وأحلامه وبدأ كل منهم يشعر بالقرب أكثر من الآخر ، وبدأت الثقة والمحبة تزداد بينهم وقد شعر ياسين بالإرتياح تجاه ياسر مما دفعه لبدء البوح بما يجول بداخله ، قل لي يا ياسر ، هل هناك حيوانات للتجارب في مركز الأبحاث ، رد ياسر نعم ولكن لماذا ؟ قال ياسين لا شيء يا صديقي كنت اريد أن أعرف فقط هل توجد حيوانات وأين هي لأنني لم أشاهدها أبداً ، ضحك ياسر وقال مع أنني غير مقتنع بإجابتك ومتأكد تماماً بأنك لا تسأل عن حيوانات التجارب فضولاً فقط إلا أنني سأجيبك ، هناك في الطرف الشرقي لمركز الأبحاث قسم للطب البيطري به كل أنواع الحيوانات المستخدمة في التجارب العلمية ، هل تريد أن أحضر لك فأراً أبيضاً صغيراً تتسلى فيه هنا بالسكن أثناء غيابي ؟ ضحك الإثنان من هذه النكتة الظريفة ، ثم عاد ياسين يسأل ياسر كيف يمكن الحصول على معدات مخبرية ومواد كيميائية ؟ هنا تعجب ياسر وقال لن أخبرك إلا عندما تخبرني لماذا تسأل كل هذه الأسئلة ، رد ياسين ستعرف كل شيء في وقته ، صدقني يا رفيق السكن ، قال ياسر حسناً ولكن اذا لم تخبرني بالأمر فبدلا من الفأر سأحضر لك أسداً يرافقك هنا بدلاً مني ، ضحكوا مرة أخرى ثم قال ياسر هناك سوق في وسط العاصمة لكل ما يلزم المختبرات من معدات ومواد كيميائية وغيرها ، وإذا أردت فانتظر يوم إجازتي من عملي المسائي لنذهب سوياً وتراه بعينك إن أحببت ، أجابه ياسين طبعا أريد أن أراه ، أشكرك كثيراً يا صديقي وأعدك بأن تعرف كل شيء قريباً.

في الصباح ذهب ياسين إلى العمل مسرعاً وهو يشعر بالقلق ، هل وافق الدكتور حازم على نقله إلى المختبر ؟ وماذا سيفعل إن رفض ذلك ، توجه فوراً إلى مكتب الدكتور قاسم في المختبر فوجده جالساً مع الدكتور حسن ، فألقى التحية وسألهم عن رد الدكتور حازم ، فبدا الضيق على وجه الدكتور قاسم ولم يرد ، فقام الدكتور حسن وقال يا دكتور ياسين لا نريد منك أن تشعر بالحزن والضيق ، فكل مكان في المركز يمكن لك أن تثبت فيه مقدرتك وعلمك ، وقسم كيمياء التربة يحتاج وجودك فيه ، ويجب أن تقدر رؤية الدكتور حازم في هذا الأمر , فهو المدير وأكثرنا خبرة علمية وإدارية ، وأنه ..... وسكت الدكتور حسن ، فسأله ياسين وقد أحس بالضيق وإنه ماذا ؟ وإنه ... وإنه ... ثم صرخ الدكتور قاسم فجأةً وإنه وافق على نقلك إلى المختبر يا أيها العبقري ، وإنتابت الدكتور قاسم والدكتور حسن نوبة من الضحك فيما ياسين متسمر مكانه لم يصدر منه أي تعبير ، ثم أدرك الأمر فسارع بعناق الدكتور قاسم ومساعده وهو يغدق عبارات الشكر لهما على ما بذلوه من أجله.

نافذةٌ جديدة من الأمل فُتحت أمام عيني ياسين ، لم يرى من ورائها إلا وجه أستاذه الألماني العظيم يمد يده لياسين يحمل بها ملف تلك التجربة المجنونة ، وينظر إليه مبتسماً وهو يقول إفعلها يا صغيري.

 
 

 

عرض البوم صور MOHAMMAD ALI ALKAYED  
قديم 27-03-18, 12:28 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2018
العضوية: 329085
المشاركات: 11
الجنس ذكر
معدل التقييم: MOHAMMAD ALI ALKAYED عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 12

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
MOHAMMAD ALI ALKAYED غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : MOHAMMAD ALI ALKAYED المنتدى : الروايات المغلقة
Jded رد: رواية ياسين / بقلمي

 


الفصل السادس (( بداية الاحداث ))

انطلق ياسين مسرعاً إلى مكتب الدكتور حازم ليشكره على موافقته على نقله للمختبر ، وما إن وصل حتى قابله الدكتور حازم بإبتسامة على وجهه قائلاً والآن أيها المشاكس العنيد هل أنت راضٍ يا سيدي ؟ رد ياسين فورا العفو حضرة المدير ، بل أتيت لأشكرك جزيل الشكر على موقفك النبيل وتقديرك لوضعي الذي شرحته لك ، وإنني أعدك بأن أكون عند حسن ظنك دائماً وأن أسعى دوماً لنجاح المركز وتكون أنت مرجعيتي الأولى دائماً ، أعجب الدكتور حازم بكلام ياسين وطلب منه أن يجتهد أكثر وأكثر وأنه ليس له أي عذر بعد اليوم ما دام يعمل في المكان الذي يحبه ، فوعده ياسين ببذل قصارى جهده وكل طاقته ، ثم إستأذنه للذهاب الى قسمه القديم لأخذ أغراضه الشخصية من هناك ، ومضى ياسين إلى قسم كيمياء التربة فوجد عدنان وجواد هناك ، سلم عليهما وبادره جواد بقوله والآن يا عالمنا الكبير لقد وصلتنا أخبارك وعلمنا بنقلك إلى المختبر ولا أستغرب السعادة التي أراها في عينيك ، ولكن ياسين ألا تحل مشكلة عينات التربة قبل مغادرتك القسم ، أم أن الأمر بات لا يعنيك بعد نقلك ؟ إبتسم ياسين وقال طبعاً سأساعدكم يا جواد ، وحتى لو انتقلت فإنني في الخدمة دائماً وأي شيء تريدونه أنا موجود ولا أبخل عليكم بأي شيء ، وسوف أحل موضوع العينات باقرب وقت ممكن وسأجد آلية جديدة لذلك ، لا تقلق يا جواد ، شكره زملائه على دماثة أخلاقه وتعاونه لكن جواد ألقى دعابة نزلت كالصاعقة على رأس ياسين حين قال والآن يا سيد ياسين تستطيع أن تقوم بالعمل السري الذي طلبه منك ذلك العالم الغربي ، وبدأ بالضحك فيما عدنان بدأ يسأل كالأبله ، عمل سري ، عالِم غربي ، ماذا تريد أن تفعل يا ياسين هل ستفجر المركز وتقتلنا ؟ فإنهار جواد من شدة الصحك وياسين يشعر بغضب شديد في داخله لكنه كظم غيظه وأخذ يضحك معهم حتى لا يعتقدوا بأن الأمر جدّي ، وقال لجواد لله درّك يا جواد على روح الدعابة التي تتحلى بها ، لقد أثرت الرعب في نفس عدنان ، وبدأ الجميع يضحك وياسين يشعر في داخله بأن ثرثرة هذان الإثنان قد تدخله في متاهات هو في غنىً عنها الآن.

عاد ياسين إلى المختبر ووضع أغراضه الشخصية في أدراج مكتبه الجديد ، ثم إرتدى كافة الملابس اللازمة للعمل وذهب لمكتب الدكتور قاسم ، والآن أنا جاهز يا دكتور ، متى نبدأ ؟ مهلا يا ياسين فاليوم هو أول أيام العمل الفعلي لك هنا ويجب أن نجلس وأعرفك على شرح عن طبيعة العمل بالتفصيل ، ويجب أن تعرف بأن كل عضو بالمختبر له عمله الخاص ، هيا معي لتفهم ما أقول ، هنا يا ياسين في مكتبي تأتي كل الطلبات الواردة للمختبر ، وبعد دراستها والإطلاع عليها أقوم أنا بتحويل كل طلب للشخص المعني بموضوعها ، وهنا كما ترى خانات كل خانة منها مختصة بموظف معين ، وأنا عند اطلاعي على الطلبات الواردة أضع كل طلب في خانة الموظف ، وكل موظف يتفقد خانته كل يوم ويقوم بإجراء اللازم عليها ، وبعد الإنتهاء منها يضعها هنا في الجهة المقابلة في الخانة المخصصة له أيضاً ، ثم أقوم أنا بجمعها وإرسال النتائج إلى الأقسام المعنية ، ويقوم الدكتور حسن مساعدي بمتابعة الزملاء وعملهم وتفقد المواد وطلب الناقص منها والمحافظة على سلامة التخزين ، ويقوم عنتر عامل المختبر بخدمة كافة الموظفين وتنظيف المختبر باستمرار ، والتأخر مع بعض الزملاء مساءً إذا استدعت الحاجة لذلك.

أعجب ياسين بالتنظيم الموجود داخل المختبر وعرف بأن الدكتور قاسم ليس فقط متخصص بالعلوم بل هو إداري ناجح وقائد فــذ ، وأحس بأنه سيشعر براحة كبيرة بالعمل معه ، وفكّر ياسين هل من الممكن أن يساعدني الدكتور قاسم في إجراء التجربة التي أريد ، هل سيتعاون معي في ذلك ، لكنه عاد وقال في نفسه ليس الوقت مناسباً لطرح الأمر عليه فما زالت العلاقة جديدة ولم تتوفر الثقة المطلوبه لطرح مثل هذا الأمر ، كما أنني لست جاهزاً الآن وأحتاج لوقت طويل لجمع ما أحتاجه ، ثم بادر بالقول ولكن يا دكتور قاسم ماذا سيكون عملي بالضبط ، رد الدكتور قاسم ستكون موظفاً من موظفي المختبر وسأحول لك ما أراه مناسب من عمل ، فانتظر لترى وإذا كانت لك أي ملاحظات فلا مانع من قولها لي في أي وقت ، رأيت مكتبك سابقاً وهو للدراسات والأبحاث النظرية أما هنا في هذه الصالة فهذا مجهرك وهذه رفوفك والمعدات اللازمة للعمل ، وعندما يأتيك الطلب تبدأ بدراسة ما ستفعل في مكتبك ثم تأتي هنا لتطبيقه عملياً ، هل كل شيء واضح الآن ؟ نعم يا دكتور كل شيء واضح ، إذا إذهب إلى مكتبك وانتظر العمل ، وبإمكانك أيضاً عمل جولة والتعرف أكثر على الزملاء وفهم عملهم بشكل أفضل إذا أحببت ذلك.

جلس ياسين في مكتبه يفكر ، هو الآن وصل الى المختبر وماذا بعد ، من اين يبدأ وكيف ، ثم عقد العزم على معرفة كل شيء بالمختبر قبل أن يبدأ بأي خطوة ، ثم نهض لعمل جولة في المختبر يتعرف فيها على زملائه وطبيعة اعمالهم عن كثب ، وكان اول من قابله لحظة خروجه العامل عنتر الذي حيّاه وهو يحمل بعض الصناديق ويرتبها في زاوية من زوايا المختبر ، فسأله ياسين عنها فقال له إنها مواد يحتاجها الموظفون في عملهم ولكني يا سيدي لست عالماً لأعرف ما هي ، أنا فقط عامل أنقل وأرتب وأنظف ، ومضى إلى عمله وياسين مضى أيضاً في جولته ، فقابل الدكتورة عزيزة فحياها وردت التحية ودخلت الى مكتبها ولم تعطه أي فرصة للتحدث فقد كانت تحمل الكثير من الأوراق ويبدو أنها مشغولة جداً ، أكمل ياسين جولته فالتقى زميله جهاد وهو فني بالمختبر وقد كان ودوداً جداً رحّب بياسين ترحيباً شديداً وأصّر عليه أن يشرب القهوة معه في مكتبه ، وبدأوا يتحدثون عن العمل في المختبر ولقد كان جهاد يتمتع بذكاء ملحوظ وسرعة بديهه يُحسد عليها ، استمتع ياسين بجلسته واستأذن منه واكمل جولته على زملائه ، حيث قابل الدكتور سليم وقد كان حاد الطباع يتمتع بجدية كبيرة ولكنه على قدرٍ كبيرٍ من العلم والمعرفة ، ثم وجد زميله خليل وهو فني أيضاً فتعرف عليه ولكن ياسين لم يشعر بالارتياح تجاهه ، فقد كان كثير الكلام والتذمر وأحس ياسين بالخبث في عينيه ، تابع ياسين جولة المختبر فوجد باقي زملائه منهمك بالعمل على المجاهر فلم يرد أن يزعجهم وفضّل لقائهم فيما بعد ، وعاد إلى مكتبه يفكر من يا ترى من كل هؤلاء قد أستفيد منه في تجربتي التي أريد القيام بها ؟ لكنه أيقن بأن الوقت لم يحن بعد ليحكم عليهم ويستقر على شخص أو شخصين يمكن أن يثق بهما ويساعدانه فيما هو مقبل عليه.

وبينما هو كذلك دخل عنتر يحمل في يديه ملفاً وقال هذا لك من الدكتور قاسم ، فتحه ياسين فوجد عينة في كيس بلاستيكي محكم ملصقة في الملف ، تحوي مادة بيضاء اللون ، قرأ ياسين اوراق الملف فعرف أن هذه عينة من السماد والمطلوب تحليلها لمعرفة مدى تأثيرها على نبتة الفول ، وهل هي مفيدة وتساعد على جودة الصنف دون التأثير السلبي ، فقام ياسين فوراً إلى مجهره ومعداته وبدأ العمل على تحليل العينة ، وقد إستغرق في ذلك وقتاً لا بأس به ، ثم كتب تقريره الذي يتضمن بأن هذا النوع من السماد قد يكون مفيداً لنبتة الفول ويساعدها على النمو في الغالب ، ولكنه قد يعطي نتائج عكسية إذا تفاعل مع بعض الأنواع الأخرى فيجب مراعاة عدم الجمع بين هذا النوع ومجموعة من الانواع الأخرى كتبها في التقرير ، وخرج من مكتبه فلمح عنتر يقوم بعمله فناداه وطلب منه ارسال الملف إلى الدكتور قاسم ، ولكن عنتر قال له بأن الدكتور قاسم يرفض أن يقوم هو بذلك ويطلب من كافة الموظفين وضع المعاملات في خاناتهم المخصصة ، فتذكر ياسين ذلك وقام هو بالمهمة.

في طريق العودة إلى السكن ذهب ياسين إلى محل للإتصالات وقام بالإتصال بالقرية وطلب من صاحب الدكان أن يخبر أهله بأنه سيتحدث لهم بعد قليل ، وجلس ينتظر وهو يشرب كأساً من المرطبات ، ثم عاد وطلب القرية من جديد وسرعان ما كان يحدث والده الذي عاجله بالكثير من الأسئلة عن عمله وسكنه وكل شيء ، فطمأنه ياسين بأن الوضع على ما يرام ، ثم تحدث إلى والدته التي طلبت منه أن يحضر لزيارتهم إن أمكن ، فأخبرها ياسين بصعوبة مجيئه هذه الفترة ووعدها بأنه سيحضر لهم في أقرب وقت ممكن ، وحمّلهم سلامه وأشواقه للجميع ثم مضى إلى السكن بعد أن أخذ معه بعض الطعام لأنه كان يشعر بالجوع يدغدغ أمعائه ، وبعد أن إستراح في سكنه وتناول الطعام أخرج ملف التجربة وبدأ يقرأ من جديد ، وقام بتدوين بعض الملاحظات حتى لا ينساها فيما بعد ، ثم تمدد على سريره ولم يدري بنفسه إلا وقد غرق في النوم ولم يستيقظ إلا على صوت ياسر وهو يدعوه لتناول الشاي معه ، واخبره ياسر بأن بإمكانهم الذهاب غداً مساءً إلى سوق المعدات المخبرية لرؤية ما يريد ، فشكره ياسين على اهتمامه وبدأ يحدثه عن يومه في المختبر.

أحس ياسين بأنه يريد أن يخبر ياسر ببعض أسراره ، فبدأ يسأله هل تؤمن بقدراتي وعلمي وخبرتي يا ياسر ، أجابه ياسر بأن الكثير من الموظفين يتحدثون عن أعماله العظيمة في المركز ، وأخبره بأنه لا يعرف عنه الكثير حتى يحكم على علمه ومعرفته ، وقد أعجب ياسين بشخصية ياسر الواضحه فهو لم يجامله بل قال رأيه بموضوعية وصراحه ، ثم سأله ياسين هل تعتقد يا ياسر بأنه ممكن التحكم بسلوك الكائنات الحية ؟ لما يتفاجأ ياسر من السؤال كما كان ياسين يعتقد ، بل قال بكل ثقة نعم ممكن ، قال ياسين كيف ذلك ؟ فأخذ ياسر يشرح له بأنه حتى الحيوانات المفترسة يمكن التحكم بسلوكها بالترويض والتدريب مما يجعل تلك الحيوانات تقوم بكل ما يأمرها به مدربها ولا تعصي له أمراً أبداً ، قال ياسين ولكني لا أقصد ذلك يا ياسر بل أقصد التحكم بكل ما يقوم به الحيوان من خلال السيطرة على عقله ووجدانه ، دون تدريب ولا ترويض ولا مخاطرة ، هنا تعجب ياسر من كلام ياسين وأخبره بأن ذلك مستحيل فكيف يمكن أن تتحكم بعقل كائن حي دون تدريبه وتسيطر على كل أفعاله ، قال ياسين بل وتصدر له الاوامر وينفذها فوراً دون تردد ، بدا الإهتمام على وجه ياسر وقال قل لي يا ياسر كيف ذلك فإنه شيء رائع حقاً إن حصل مع أنني أعتقد أنه ضرب من الخيال ، فاخبره ياسين بأن هذا هو السر الذي سيخبره به بعد أن يعده بأن لا يفشيه لأحدٍ قط ، فوعده ياسر بذلك وهو متلهف لسماع ما سيقول.

بدأ ياسين يشرح لياسر كيف بدات القصة مع عالمه الألماني ، وكيف يسعى هو لإتمام ما بدأ به أستاذه وشرح له مبادىء تلك التجربة والنظرية التي تقوم عليها ، وياسر يستمع وعلى وجهه كل علامات الدهشة والتعجب ، حتى انتهى ياسين من كل شيء وقال ما رأيك يا صديقي ، قال ياسر هل تريد رأيي بصراحه ؟ أجابه ياسين نعم ، فأنت أول شخص يعرف هذا السر وأريد أحداً أثق به أبوح له بكل ما أفكر فيه ، وقبل أن يجيب ياسر سمعوا صوتاً خافتاً خلف باب غرفتهم فقاموا وفتحوا الباب لكنهم لم يجدوا أحداً ولكنهم سمعوا صوت خطوات تنزل الدرج مسرعة ، فأسرعوا إلى شرفة الممر ليشاهدوا من هذا الذي كان يستمع إلى حديثهم خلسة ،فشاهدوا رجلا من بعيد يهم بالخروج من باب السكن الخارجي مسرعاً ولم يتعرفوا عليه لأنه كان يرتدي قبعةً تغطي نصف وجهه ، تبادل ياسين وياسر النظرات وقد انتابهم القلق فمن هذا الذي كان خلف بابهم وأسرع بالهرب حين شعروا به ، وماذا يريد منهم ، لكنهم في النهاية اتفقوا على أنه ممكن أن يكون شخصاً عادياً مـر بالصدفة من أمام الباب وتوقف لأي أمر مثل أن يكون قد سقط منه بعض الأشياء وأخذ يجمعها ومضى مسرعاً لأي سبب يعنيه ، وعادوا الى غرفتهم يكملون حديثهم ، قال ياسر أعتقد يا صديقي بأن ما تفكر فيه بعيد جدا عن الواقع ولا يمكن تطبيقه عملياً بل هو خيال صعب المنال ، فمن المستحيل التحكم بعقل ووجدان الكائن الحي أبداً ، صُدم ياسين برد ياسر المفاجىء ، ولكن ياسر بدأ يخبره بأنه لا يريد أن يخدعه ويشجعه على أمر يضيع وقته وجهده وماله وطلب منه نسيان الموضوع والاهتمام بعمله وأهله ومستقبله ، ثم إستأذن منه للذهاب للنوم وتركه وحيداً محبطاً كأن ستارةٌ سوداء أحاطت به من كل إتجاه ، لكنه بدأ يفكر بكلام ياسر ، هل ممكن أن يكون على حق ، هل أستاذه كان يحضر لشيء خيالي لا يمكن تطبيقه ، هل هو فعلا يضيع وقته وجهده ولن يستفيد شيئاً ، وبدأ ياسين يحس بصحة كلام ياسر لكن كان هناك شيء ما بداخله يقول له بأنه سينجح ، ويدفعه إلى المضي قدما فيما بدأ به.

كان اليوم التالي يوماً عادياً جداً بالمختبر ، والدكتور قاسم لم يحضر لأنه مشغول بعمل مهم في المركز الرئيسي ، وقد قام الدكتور حسن بوظيفته بدلاً منه ، ولم يكن هناك الكثير من العمل عند ياسين سوى تحليل صغير لم يأخذ من وقته الكثير ، وتعرف ياسين على فاطمه وراتب زملائه في العمل ثم عاد إلى السكن لتحضير نفسه للذهاب برفقة ياسر الى سوق المعدات المخبرية ، وجهّز قائمة كبيرة بمجموعة من الأشياء التي يحتاجها ، ولمّا حضر ياسر ذهبوا فوراً ليكسبوا كل الوقت في السوق ، وفي الطريق قال ياسر مداعباً إذا كانت هذه الجولة من أجل ما تحدثت به البارحه على الدنيا السلام ، فضحك ياسين وقال وقد تكون هذه الجولة مفتاحاً لطفرة قد تغير العالم ، هل تشك في قدراتي يا صديقي ؟ قال ياسر يبدو أنني تعرفت على مجنون جديد ، ومضوا الى السوق يضحكون ويستمتعون بالطريق حتى وصلوا إلى هناك ، فشاهد ياسين المحلات الكثيرة المتخصصة بالمعدات المخبرية ولوازم التجارب وبدأ يدخلها واحداً واحداً ويسألهم عن الاشياء الموجودة في قائمته وهو يدون إسم المحل بجانب كل بند حتى يعود ويشتريه منه عندما يتوفر معه المال ، ثم عادوا إلى السكن وفي الطريق مرّوا بحديقةٍ عامة جلسوا فيها قليلا يأكلون بعض التسالي ويشربون كوباً من القهوة ، وفي الحديقة شاهد ياسين الأطفال يلعبون هنا وهناك بفرح ، فبدأ يسأل نفسه متى سأتزوج وأرى أطفالي ، أم أن تجربتي ستنسيني حتى نفسي ولا اشعر إلا وقد صرت عجوزاً وحيداً بلا أولاد ، ثم ذهبوا إلى السكن بعد يوم جميل إستمتعوا به كثيراً.

 
 

 

عرض البوم صور MOHAMMAD ALI ALKAYED  
قديم 04-04-18, 02:17 PM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2018
العضوية: 329085
المشاركات: 11
الجنس ذكر
معدل التقييم: MOHAMMAD ALI ALKAYED عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 12

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
MOHAMMAD ALI ALKAYED غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : MOHAMMAD ALI ALKAYED المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: رواية ياسين / بقلمي

 

الفصل السابع (( ليس بالأمر السهل ))

قبل النوم سأل ياسين زميله ياسر هل تعرف أحداً في قسم الطب البيطري ؟ فأجابه ياسر بأن له صديقاً هناك ، فطلب منه ياسين أن يلتقيا في قسم الطب البيطري ظهر اليوم التالي ليعرفه على صديقه لأنه سيحتاج لمعرفة أشياء كثيرة عن حيوانات التجارب ، فوافق ياسر على ذلك وشكره ياسين كثيراً وقدّر له جهده ومساعدته له ، ثم خلدا الى النوم ، ولكن ياسين لم يستطع النوم لفترة وهو يفكر فيما يجب عمله ، وأصابه الأرق من ذلك وأخذ يتقلب في فراشه وهو يحاول أن ينسى تلك التجربة اللعينة حتى يستطيع النوم ، ولكنها ظلت جاثمة على صدره كأنها جبل كبير يكتم على انفاسه ، ومرة أخرى أحس ياسين بأن هناك أحد قرب باب غرفتهم ، فتسلل بخفة حتى وصل الى الباب وفتحه فجأة لكنه لم يجد أحداً ، وخرج الى الممر يتفقده ولم يكن هناك أي شخص لكنه إشتم رائحة سجائر في الممر كأن هناك أحداً كان يدخن منذ وقت قريب فلا زالت رائحة الدخان في الجو ، ازال ياسين هذه الهواجس من رأسه وعاد الى فراشه يحاول النوم ، وبعد معاناة طويله نام قرب الفجر.

استيقظ ياسين مرهقاً وأحس بثقل كبير في رأسه من السهر ليلة البارحه ، وخرج الى العمل وفي طريقه الى هناك اوقفه رجل فجأة يسأله إن كان معه ولاعة لإشعال سيجارة ، فإعتذر ياسين منه لأنه لا يدخن ومضى في طريقه ، ثم تذكر ليلة البارحه ورائحة السجائر في الممر ، وبدأ يفكر هل أنا اتوهم أم هناك فعلا من يراقبني ، وان كان هناك من يراقبني فلماذا ؟ وايضا حاول استبعاد تلك الفكرة من رأسه ووصل الى المختبر ودخل مكتب الدكتور قاسم فسلم عليه فدعاه للجلوس ، قل لي يا ياسين كيف ترى العمل معنا ، هل بدأت تشعر بالملل ؟ بالطبع لا يا دكتور لن أملَّ أبداً من المختبر حتى لو عملت فيه كل حياتي ، فسأله الدكتور قاسم عن افكار جديدة قد تحسن من جودة العمل وسرعة الانجاز ، فأخبره ياسين بأنه قريباً سيضع خطة منظمة ويعرضها عليه وقد يجد فيها ما يريد ، ثم تفقد خانته ووجد ملفين يحتاجان للدراسة والتحليل فأخذهما وإستأذن من الدكتور قاسم للذهاب لمكتبه وأخبره بأنه سيخرج قرب الظهر لشيء خاص ويعود بعدها الى المختبر فسمح له بذلك.

جلس ياسين في مكتبه يدرس الملفات ليعرف المطلوب منها ، ثم قرر أن ينهي أحدهم قبل الذهاب لقسم الطب البيطري ويترك الآخر حتى يعود ، وبالفعل ذهب الى مجهره وبدأ بالعمل ، حتى انتهى وغيّر ملابسه للذهاب الى قسم الطب البيطري لمقابلة ياسر هناك ، وبعد أن سأل عن موقعه وصل اليه وقد كانت المسافة طويلة قطعها سيراً على الاقدام ، فوجد ياسر بانتظاره أمام البوابة ، دخلوا معاً وتوجه ياسر الى احد المكاتب وطرق الباب فسمع من يدعوه للدخول ، وما إن دخلوا حتى قام الرجل الجالس على المكتب في فرح مُرحباً بياسر ومعاتباً له على قلة تواصله معه ، فأخبره ياسر بأنه مشغول جدا بعملين ، وقال له يبدو أن زميلي ياسين هو من سيتواصل معك كثيراً بالفترة القادمة ، صحيح نسيت أن أعرفكم ببعض ، هذا ابراهيم موظف في الطب البيطري ، وهذا الدكتور ياسين عالم في المختبر ، رحّب كل منهم بالآخر من جديد ودعاهم ابراهيم للجلوس وطلب لهم كوبين من الشاي ، ثم سأل ياسر كيف سيتواصل معنا صديقك ياسين بالفترة القادمة ، هل لديه حيوانات وبحاجة لخدماتنا أم أن العمل بالمختبر لا يعجبه ويريد الانتقال الينا ؟ قال ياسر على العكس يا ابراهيم ، ياسين مستمتع جدا في المختبر بل هو من طلب النقل اليه ، ولكنه يقوم بأبحاث خاصة ويريد أن يستفسر منك عن بعض الأمور المتعلقة بحيوانات التجارب ، تكلم يا ياسين فصديقنا ابراهيم لن يتوانى عن خدمتك ابداً ، بدأ ياسين يسأل عن الحيوانات الموجودة لديهم ، هل هناك فئران وأرانب للتجارب ، وما هي الحيوانات التي يستعملونها في عملهم ، وكيف يحصلون عليها ، والكثير من الأسئلة ، فبدأ ابراهيم يشرح له كل شيء ، إن لدينا هنا اغلب أنواع حيوانات التجارب من الفئران بأنواعها والأرانب والقرود وغيرها الكثير ، وهي مقسمة كل نوع في مكان مخصص وبيئة مهيئة لها ، فنظر ياسين الى ياسر ثم قال هل أستطيع رؤيتها ، قال ابراهيم بالطبع تستطيع ، بعد أن نشرب الشاي سنذهب معاً وترى كل شيء بعينيك ، ياسر صديق عزيز وسأخدمكم بكل ما استطيع ، شكره ياسر وشربوا الشاي وخرجوا الى حيث الحيوانات التي كان ياسين ينتظر لقاءها بلهفة.

وصلوا الى مبنى بالقرب من مكاتب الطب البيطري ، وبعد ان دخلوا قادهم ابراهيم الى غرفة كبيرة بها اقفاص كثيرة تحوي فئران من كل الأنواع ، منها الابيض والأسود والرمادي والصغير والكبير ، فتفقدها ياسين بتمعن حتى رأى النوع الذي يريده وهو نوع من انواع الفئران البيضاء الصغيرة ، فسال ابراهيم هل لديكم الكثير من هذا النوع ؟ فأجابه ابراهيم للأسف فهذا نوع قليل العدد لدينا قد يكون هناك خمسة او ستة فئران منه فقط ، ولكن ان لم تكن على عجل فيمكننا جمع الذكور بالاناث لانجاب المزيد ، فطلب منه ياسين ذلك لحاجته الى عدد اكبر منها ، ثم اخذهم ابراهيم الى غرفة للأرانب وقد كانت كثيرة جدا وبدأ ياسين يبحث عن بعض الانواع حتى وجدها ففرح كثيراً لأنه احس أن موضوع الحيوانات لن يكون عائقاً أمامه ، ثم استمروا في جولتهم الى غرفة تحوي مجموعة من القرود والنسانيس ، لكن ياسين لم يجد النوع الذي كان يبحث عنه فأخبر ابراهيم بأوصافه ووعده ابراهيم ان يحاول تأمينه بها من حدائق الحيوان التي يتعاملون معها ، والعمل على تكاثرها للحصول على عدد جيد منها ، ثم عادوا الى مكتب ابراهيم وما ان جلسوا حتى قال ابراهيم فجأة ولكن ما هي الابحاث التي تعمل عليها يا دكتور ياسين وتحتاج كل هذه الحيوانات ، فإرتبك ياسين ولم يجب لكن ياسر تدارك الموقف وقال انها ابحاث عن سلوك الحيوانات يا ابراهيم فكما قلت لك الدكتور ياسين عالم كيميائي ويقوم بالابحاث باستمرار ، فوعدهم ابراهيم بالمساعدة في كل شيء ، فشكروه وغادروا.

مضى الصديقان كل منهم الى عمله ، وعندما وصل ياسين الى المختبر وجد الدكتور قاسم في مكتبه برفقة الدكتور حسن وقد بدا عليهم التوتر والقلق ، فإستأذن ودخل ثم سألهم إن كان هناك ما يقلقهم ، فدعاه الدكتور قاسم للجلوس ، ثم أشار للدكتور حسن أن يتحدث فقال الدكتور حسن لقد واجهتنا مشكلة يا ياسين ولعلك تساعدنا في حلها ، لقد فُقدت عينات من المختبر ولا نعلم أين ذهبت ، وهذه العينات تخص قسم الحشرات ، ولقد أحضروها لنا قبل أسبوع وبدأنا العمل على تحليلها وأنتهينا من سبع عينات من أصل عشرة ، وكنا نحتفظ بها في رف من رفوف القاعة ، واليوم لم نجدها ولا نعلم أين ذهبت فما رأيك ؟ أصابت ياسين الحيرة ولم يعرف ماذا يقول أين ذهبت تلك العينات ، لا احد في المختبر يحتاج شيئاً كهذا ، ثم جاءته فكرة لعل عنتر وهو ينظف المختبر أسقطها دون قصد فإنكسرت العبوات الزجاجية فأخفاها حتى لا يلاحظ احد ذلك خوفاً من غضب المدير منه ، فبادر ياسين بإخبار الدكتور قاسم ومساعده بالأمر ، فاستدعوا عنتر برغم أنهم لم يقتنعوا بالموضوع لأنهم يعرفون عنتر منذ فترة طويلة وهو صادق ومنضبط جداً ولو فعل شيء كهذا لكان أخبرهم بذلك ، دخل عنتر يعتقد أنهم طلبوه لأمر يتعلق بالعمل ، فدعاه الدكتور قاسم للجلوس ، ثم قال له مباشرة يا عنتر هل أسقطت بعض القوارير وأنت تنظف المختبر ، أجاب عنتر لا يا سيدي المدير لم يحدث هذا ولو كان حدث لأخبرتكم مباشرة ، قال الدكتور حسن يا عنتر إن حصل ذلك اخبرنا ونحن نعالج الامر ولا تخف من شيء ، ولكن عنتر عاد واجاب بأنه ذلك لم يحدث مطلقاً ، فطلب منه الدكتور قاسم الذهاب لعمله ، وعادت الحيرة الى الثلاثة من جديد ، فقال الدكتور قاسم لا مفر يجب اخبار قسم الحشرات لإحضار عينات جديدة لتحليلها مرة أخرى ، ولكن يجب الانتهاء منها بأسرع وقت ممكن ، فأخبره ياسين بأنه مستعد للتأخر من اجل انهائها في اقرب وقت.

في طريق عودة ياسين الى السكن مـرَّ بمحل للإلكترونيات وشاهد أجهزة الحاسوب وبعض الأشياء الأخرى التي سيحتاجها في عمله ، وقد عرف أنه سيحتاج إلى مبلغ كبيراً من المال ليؤمن كل تلك الاشياء ، وبدأ اليأس يتسلل الى قلبه مرة أخرى ، حيوانات وحواسيب وأجهزة ومعدات مخبرية ، هذا غير المواد الكيميائية ، كل ذلك يحتاج الى وقت طويل ومال كثير ، أليس هناك أحد يساعدني في ذلك ؟ لن استطيع وحدي القيام بمثل هذا الأمر ولا بد من جهة تدعمني بما يلزم ، ماذا لو أخبرت الجهات الرسمية بالأمر ؟ لا لا سوف أدخل في متاهات كثيرة ولن يقتنعوا بكلامي ، أنا بحاجة لعالم مثلي ليقتنع بما أقوم به ، ومضى الى سكنه يائس حائر لا يعرف ماذا يفعل.

في المساء جلس ياسين مع ياسر يتناولون الطعام وبدأ يحدثه عما يجول بخاطره ، فأخبره ياسر بأن ابلاغ الجهات الرسمية بالامر لن يجدي شيئاً ويجب أن يدعه آخر الحلول إذا أقفلت جميع الأبواب في وجهه ، ونصحه بإخبار الدكتور قاسم بالامر فهو عالم مثله وقد يقدر ما ينوي القيام به ، وإن لم يساعده مباشرة قد يوجهه الى الطريق الصحيح ، فاقتنع ياسين بكلام ياسر وقرر أن يخبر الدكتور قاسم بالأمر ، ولكن المختبر ليس المكان المناسب للكلام في مثل هذا الأمر ، وفكّر أن يدعوه إلى السكن ليتكلم بكل راحة ويطلعه على الملف ويرى رأيه في الأمر ، ثم عاد وسأل ياسر هل تلاحظ بأن هناك أحد يراقبنا ، إن هذا الأمر يساورني كثيرا هذه الأيام ولا اعرف سببه ، فطمأنه ياسر بأنها مجرد هواجس وتهيؤات يشعر بها نتيجة القلق والتوتر بسبب الموضوع الذي يشغل باله وليس هناك شيء من هذا القبيل ، ولكن برغم كلام ياسر إلا أن ياسين ظل يفكر في أن هناك من يراقبه ، ولكن لماذا ؟؟

في صباح اليوم التالي ذهب ياسين الى المختبر مبكراً فوجد الدكتور قاسم والدكتور حسن في المكتب ، وما إن دخل حتى أخبره المدير بأن قسم الحشرات أحضروا العينات الجديدة وطلبوا انجازها في أسرع وقت ممكن لأنهم بحاجة لها في العمل ، فغيّر ياسين ثيابه مباشرة وبدأ في تحليل العينات ، وانتهى موعد العمل ولكن ياسين والدكتور حسن والدكتور سليم وراتب وعنتر ظلوا في المختبر لإكمال المطلوب ، وبعد فترة بدأوا يغادرون واحداً تلو الآخر وظل ياسين وحده يعمل وعنتر يراقبه حتى أخذ العرق يتصبب منه وبدأ يشعر بالتعب لكنه ظل مستمراً لإنهاء الأمر ، وبعد فترة قرر أخذ استراحة قصيرة يشرب خلالها كوب من الشاي أعدّه له عنتر ، الذي شعر بالشفقة على ياسين لأن الإرهاق بدا واضحاً عليه ، لكن ياسين ابتسم له وقال حدثني عن نفسك يا عنتر ، هل أنت مرتاح في هذه الحياة ؟ تنهد عنتر وقال ومن يرتاح في هذه الحياة المريرة يا دكتور ، إنني أشقى واتعب وبالكاد اؤمن لقمة العيش ، وانت تعرف ظروف الحياة الصعبة ، فمثلي لا يحمل شهادات علمية ولا حتى حرف فنية وسوف ابقى اعيش في ضنك حتى أموت ، إلا إذا حدث شيء غيّر حياتي وقلبها رأساً على عقب ، فخطر في بال ياسين فكرة حاول ابعادها مباشرة لأنه شعر بأن فيها من الحقارة ما لا يمكن أن يتصوره ، وبدأ يشرح لعنتر بأنه يجب أن يحاول تحسين وضعه المعيشي ، ويجب أن لا تتوقف حياته عند هذا العمل ، ومن الممكن أن يبحث عن عمل اضافي يزيد من دخله ويحسن من وضعه ، ومضى ياسين لإتمام عمله وقبل أن يضع عينيه في المجهر التفت الى احدى النوافذ وأحس بأنه رأى شبح شخص ينظر إليه في الظلام ، فصرخ منادياً عنتر وذهبوا معاً وفتحوا النافذة ولكن لا أحد ، فضحك عنتر وقال ألم أقل لك يا دكتور بأنه يجب عليك الذهاب الى بيتك لتستريح فقد تعبت كثيراً هذا اليوم حتى بدأت تتخيل اشباح خلف النوافذ ، لكن ياسين عاد دون أن يتكلم وبدأ يتابع عمله على المجهر وظل كذلك حتى أخبره عنتر بأنه سيغادر فالساعة قاربت على العاشرة ليلاً ، وسمح له ياسين بالمغادرة وأخبره بأنه سيبقى قليلاً ثم يغادر هو الآخر.

ظل ياسين وحيداً في المختبر يعمل حتى اقترب منتصف الليل ، وبدا يشعر بالإرهاق الشديد وأنه لن يستطيع العمل أكثر ، لكنه أصر على البقاء والعمل لأنه وعد الدكتور قاسم بانجاز المطلوب في اسرع وقت ، وبقي يعمل ويعمل حتى اخر عينة ، والقى بنفسه على الكنبة القريبة وقبل أن يغفو خيّل إليه أن شبح النافذة قد عاد من جديد لكنه عرفه هذه المرة فقد كان انعكاس ضوء القمر واضحاً على وجهه ، ولكن ياسين لم يصدق عينيه ، مستحيل !! غير ممكن وذهب في سبات عميق لم يستيقظ منه إلا على اصوات قريبة ، ففتح عينيه ليرى الدكتور قاسم وبعض زملائه في المختبر حوله ، ما هذا يا ياسين هل نمت ليلتك هنا ؟ إني أقدر لك كل هذا الجهد يا ياسين ، أنت مثال للموظف المخلص وتستحق الشكر والتقدير من الجميع ، فأخبره ياسين بأنه أنهى جميع العينات وأصبحت تقاريرها جاهزة تماما ، فطلب منه الدكتور قاسم تغيير ثياب العمل والعودة للسكن ليستريح بعد كل هذا الجهد ، فقام ياسين وهو يشعر بالارهاق الشديد لأنه لم ينم إلا ساعة أو اكثر قليلاً ، ثم غيّر ملابسه وذهب الى السكن ، وما إن وصل حتى ذهب لفراشه وأخذه النوم سريعاً.

استيقظ ياسين في المساء وهو يشعر بالتحسن بعد هذا النوم العميق ، فصنع لنفسه كوباً من القهوة وخرج الى الشرفة وبدأ يتذكر كل ما مـرَّ به في ليلته في المختبر ، وتذكر فجأة شبح النافذة ، غير معقول !! هل لهذه الدرجة أهذي ؟؟ ولكن لقد رأيته فعلاً ، إنه استاذي القديم !! ولكنه ميتٌ منذ زمن كيف لي أن أراه هنا بعد هذه السنين ؟؟! لا بد أن الإرهاق هو سبب تلك التهيؤات ، يجب أن أنسى الموضوع تماماً ، وعاد يشرب القهوة ويستمتع بنسمات الهواء العليل حتى رأى ياسر يدخل من بوابة السكن ، ويصعد إليه يحمل كيساً من الطعام ودعاه لتناوله سوياً ، والآن يا دكتور ياسين ماذا تنوي أن تفعل ؟ لا شيء يا ياسر لكن كنت أريد منك خدمة أخرى وأنا أعلم أنني قد أثقلت عليك كثيراً ، تفضل يا ياسين ولا تقل مثل هذا الكلام فنحن صديقان ، إلا إذا كنت ترى غير ذلك ، بالطبع لا يا ياسر أنت صديقي الوحيد هنا وأنا أثق بك تماما وإلا لما صارحتك بسري الذي لم أبوح به لأحد قبلك ، إذا تكلم يا ياسين ، اعتدل ياسين في جلسته وقال اريد منك أن تجد لي عملاً إضافياً في المساء ، هل تستطيع ذلك ؟ ابتسم ياسر وقال فقط هذا هو الأمر ، سأحاول تأمينك بالعمل بأقرب وقت ، ولكن هل لديك الوقت لذلك ؟ انا اعرف انك مشغول تماماً في المختبر وتتأخر بعد نهاية الدوام ، هذا غير مغامرتك القادمة إن أردت القيام بها ، رد ياسين إن مغامرتي القادمة هي سبب بحثي عن عمل إضافي فأنا كما تعلم يلزمني الكثير من المال لتأمين كل ما أريد ، طمأنه ياسر بأنه سيجد له عملاً في وقت سريع ، فليكن جاهزاً.

بدأت الأيام تمر وياسين يمضي في عمله بجهد ونشاط ملحوظ ، حتى أثبت جدارته بالمختبر وكسب ثقة المدير ومساعده وكافة الموظفين ، وأصبح من أعمدة المختبر الرئيسية التي يُعتمد عليها في أغلب الأمور ، واستطاع ياسر أن يجد لياسين عمل في محل ملابس قريب لعمله ، فأصبح يذهب مباشرة من المختبر الى محل الملابس ، وأصبح يجمع المال ويوفره ويقتصد في كل مصاريفه ليستطيع تأمين كل ما يلزم لتجربته القادمة ، وفي أحد الأيام قرأ في الصحف إعلاناً عن دورات في الحاسوب والالكترونيات تُعقد أيام الإجازة الاسبوعية في معهد قريب ، فقرر أن يأخذ دورة تساعده في تطوير نفسه من هذه الناحية ، وبدأ فعلاً في ذلك ، وأصبح وقته ضيقاً تماما ولا يوجد به فسحة من فراغ ، ما بين عمل المختبر ومحل الألبسة ، حتى بالاجازة الاسبوعية يذهب للمعهد لحضور الدورة ، فنسي القرية والأهل وكل شيء ، إلى أن جاءه رئيس المختبر في أحد الأيام يقول له بأن الدكتور حازم مدير المركز كلمه وأخبره بأن أهل ياسين إتصلوا من القرية وطلبوا منه أن يخبر ياسين بضرورة اتصاله بهم لأمر هام جداً ، فذهب ياسين مباشرة واتصل بدكان ابو أحمد وطلب الحديث مع والده ، وما هي إلا دقائق حتى سمع صوت والده على الخط وقد كان يبدو من صوته انه قلق ومتوتر ، فسأله ياسين ماذا هناك يا أبي ؟ يجب أن تأتي يا بُني ، تعال إلينا في أقرب وقت وستعرف ، ولكن يا ابي إني مشغول جداً هذه الأيام فأخبرني ماذا هناك ؟ إن أمك مريضة يا ياسين وهي تطلب لقائك يا بني ، ما بها يا أبي ، هل هي بخير ؟ اطمئن يا ولدي وعكة صحية ولكنها مشتاقة لرؤيتك ، حسناً يا أبي سأحضر غداً الى القرية ، أخبر والدتي بأن تنتظرني فأنا مشتاق جداً لكم.

 
 

 

عرض البوم صور MOHAMMAD ALI ALKAYED  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الاول, الغياب, الفصل, ياسين, رواية, ظنيت
facebook




جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 08:30 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية