السلام عليكم ,,,
اكتب بلا هُدًى ,فقد اشتقت لرعشه الكتابة التي تنتاب اناملي هكذا في خضم الكلام . في كل مرة اجبر نفسي على الكتابة اجدني استرسل في قصة جديدة , شيءٍ لم يخطر لمخيلتي قط , ربما هي عدوى الكتابة او القراءة لا يُهم .
اكتب كثيرًا وانا اعلم انه ليس هناك ما يستحق النشر, يكفيني ان أعيش و انا اكتب واعلم ان الكتابة حق لا يمكن ان يسلبه احدٌ مني يومًا .
ليس لدي بداية لأكتبها, او نهاية لاسطرها هُنا فقط سأبدأ من حيث أصبحت حياة أبطالي تسير بمنحنى غير متوقع .
لم نشرتِ هذه الرواية؟ لأنه كان لزاما علي ان اترجم كل تلك المآسي التي دارت في مخيلتي يومًا , وان أتيح لكم فرصة رؤية دموعي التي سكبتها لأجلهم في اسطر , آملة منكم ان تعيشوا لحظاتهم وان تتخيلوا أنفسكم مكانهم .
*الرواية ليست مجهود فردي وانما عمل كاتبتين , نقبل نقدكم البناء والهادف للإرتقاء بهذا العمل *
بسم الله نبدأ ....
حين تلتحم الخطايا
(البارت الأول)
““تمارس أحيانا الصمت ، تقول إن في الصمت شئ من الموت ، ثم لا تموت ، هذا القلب لا يسكت .”
— مصطفى حمزة
إسطنبول /2014 / قبل سنة
مهما امتد حزني لمساحات شاسعة تخترق قلبي وتتعداه ، ومهما صرخت *كل هذا سيمر* ، ومهما اندلعت حرائق اليهود في صدري ، ومهما حاولت الانكار وتظاهرت بتجاهلي كل المصائب التي تجري حولي ، مهما تمنيت ومهما تألمت ، برغم هذا كله ، لن يمر هذا الحُزن عبثًا , لن تمر هذه الخيانة بأقل الخسائر كما اعتقدت , كل الفرص التي سنحت لي ان اغير وقائعي/مصائبي
ولم انتهزها تمر امامي وهي تراقص خيباتي وتهزأ بعطفي وحسن نيتي
اقترب رجلٌ منه وهو ينزع العِصابة عن عينيه : يحيا غبائك لأبد الآبدين
همس والعبرات تسد مجرى دمعه : مالي امنية اخيره ؟
قهقه الآخر بخبث : انا لي الكلمة الأخيرة يا سيف ...
-
الولايات المتحدة / كاليفورنيا
شعرت بيدٍ ضخمه تلتف حول معصمها لتلويه , لم يمهلها الضخم القابع خلفها أي فرصة لتقاومه او لتدافع عن نفسها , في غضون جزء من الثانية اسقط على رأسها عصا حديدية لتسقط بين يديه مغشيًا عليها
اخرج من جيبه علبة دواء صغيرة تحتوي بودرة زرقاء اللون
وضع ابهامه اعلى انفها ليسد مجرى تنفسها وقرب العلبة لانفها , أزال أصابعه بسرعة فاستنشقت تلك البودرة التي خدرت جسدها فما عادت قادرة على مقاومته ابدًا ...
**
استيقظت وهي تشعر بخدرٍ في أطرافها بل وجميع جسدها , فتحت عينيها لتجد الدنيا مقلوبة , لا لا هي المقلوبة ومربوطة كالذبيحة من ارجلها ليتدلى رأسها وشعرها الطويل قد تدلى أيضا ليلامس أرضية الحجرة المغبرة . شعرت بعجزٍ كبير وهي تحاول ان تحرك نفسها بصعوبة بالغة زادتها الحبال الملتفه حولها كأفعى تشدّ من اسرها وتعصرها , حاولت الكلام او الصراخ ولكن شعرت بان طاقتها ستنفذ فألتزمت الصمت حتى حين ...
**
الثانية عشر ليلا _ إسطنبول/ 2015 الآن
في احد الفلل الهادئة , ليلتها كان البدر قد توسط السماء في ليلة صيفية
في احد اطراف الحديقة الواسعة , وبجانب شجرة مديدة, اسدلت شعرها الطويل بتموجاته الخفيفة واراحت جسدها على العشب الأخضر المهذب بعناية , وعيناها الواسعتان معلقتان بالنجوم والقمر
همست بصوتها الناعم : كيف امحوك من اوراق ذاكرتي, وأنت في القلب مثل النقش في الحجر
بلحنٍ تحفظه ودمعة تأبى ان لا تسقط :أنا أحبك يا من تسكنين دمي , إن كنت في الصين أو كنت في القمر
وقفت وهي تكاد تفقد اتزانها ,انصرفت من المكان بهدوء لتصعد الدرج بإرهاق شديد نفسيٍ قبل ان يكون جسديًا , فتحت غرفتها ,و اشعلت الأضواء بهدوء وبعدها صرخت بفزع من المنظر امامها .....
**
فتحت الأضواء لتجد شبحا مفزعا *كما تعتقد* يجلس على سريرها متربعًا بهدوء
عادت للخلف وهي تضع يدها على قلبها وجلست على الأرض ثم انفجرت ضحكًا على نفسها
ليقفز هو من فوق السرير ليجلس ارضًا بجانبها وهو يضحك : ههههههههههه اما شكلك ي الخوافه
تنفست بعمق ثم نظرت له بحقد لتوجه له ضربة قوية على كتفه : خووفتنننيي وجع يوجع ضلوع العدو خير وش هالحركات اللي متعلمها , هذا استقبال ولا تفجيع ؟
غرق الآخر في ضحكاته :ههههههههههههههههههههه لا تسأليني كيف دخلت
نظرت لنافذة الشُرفة المفتوحة و اليه
ابتسمت وهي تقف : بغا يوقف قلبي
نظرت اليه مجددًا بإبتسامة ليفتح ذراعيه لها ويضمها له وهو يقبل وجنتها
بإبتسامة : اشتقت لك حييييل والله
ابتعد عنها ليمط وجنتيها كطفلة : وكلبوووش بس اللي ما يقدر على فراقي
جلست على سريرها مرة أخرى : ايه كيف أجواء الرياض ؟
جلس بجانبها : جميلة فوق ما تتصورين ي ميرا جديًا تمنيت تكونين معاي بس ماحصلت فرصة
ماريا بضحكة : لا واللي يعافيك ماني بايعة عمري اسافر وياك , بعدين شالصواريخ هذي ماعمري شفت احد مدح جو الرياض
سُلطان بضحكة : ادري من غاسل مخك على رياضنا الجميلة
سعلت ماريا ثم ضحكت: الله يخليك لا تضحكني وانا مالي خلق قال ايش رياضنا , اهه ي قلبي
حرك سلطان يديه بالهواء باستخفاف بحديثها وكأنه لا يهتم به ...
**
اليوم التالي ...
الثامنة صباحًا , تجلس على احد مقاعد الحديقة وبيدها كوبُ شايٍ قد فرغ , تستمر على حالها ترقب السماء , تتأمل الفراغ وكأن به شيئًا يغريها/يلهمها , وكأن عقارب الوقت توقفت في يومٍ معين , وكأن الزمن يجبرها على الصمت .
الوذ بصمتي كثيرًا واعول على تفكيري حالة هذياني هذه , اعلم انه لمن الجنون ان اعتقد نفسي ميتة في قوقعتي المغلقة التي فُرضت علي في وقتٍ كنت احتاجه, ركضت للحياة لاهثة وما لبثت حتى انقطعت انفاسي وبت أرى الموت في كل زاوية , افكاري ساءت كثيرًا خلال هذه السنة حتى أصبحت اتخيل الموت يطرق باب حجرتي سبعون مرة في اليوم , أخاف ان أعيش طويلًا واتخيل موتي كثيرًا فأموت من خوفي قبل ان يأتي اجلي , آه يا ارقي وكوابيسي التي لن تنقطع , يا نجمتي التي اسميتها فرح ولم ارها مذ سنة خلت , اين اختفى بريقك الذي سحرني واخذني لخيالٍ بعيد , لصورة عفوية بكاميرا رديئة تجمعني بوالدي , و ضحكة امي الجميلة و قبلات والدي على جبيني , اين اختفيت واخذت كل احلامي معك , وامي معك , ووالدي معك , وحياتي معك , اين انتِ يا فرح ؟
خرج للحديقة ليجدها على حالها هائمة في الفراغ كعادتها , يعتصر فؤاده منظرها البائس وكأنها قد جاوزت الأربعين ودخلت سن العجز والاكتئاب , انه ليحزنه ان يرى في عيني بِكره هذا الضياع الذي لا يعرف مصدره
جلس بجانبها : صباح الخير
لم تجبه وكأنها غارقة تمامًا في افكارها / موتها
فهد بنبرة اعلى : بنت ماريا
التفتت اليه بشرود : هه , ابتسمت بهدوء : هلا بابا
فهد : وش مشغلك ؟
ماريا وهي تهز رأسها : يعني مافيه شيء محدد يابونايف
بونايف بقهر على حالها : تعبت معك ومن افعالك ، صايرة مثل البزر نوقف على اكلك ونومك ، حالك مو عاجبني يكون بعلمك
ماريا بنبرة باردة : انت بس فكني من فرقة الفتن واكون لك من الشاكرين
وقفت وهي تهمس : وانا ممنونة كثير من حالي , ومريحي وضعي
وقف هو الاخر بعصبية وهو يمسك يدها : اكل زي الناس ما تاكلين الا وانا على راسك , خافي ربك في حالك شوفي عيونك كيف التهبت من قل النوم والتغذيه , انتي اللي تجبريني احط فرقة عليك واوديك عيادات واراجع حالتك
ماريا بنبرة مهتزة : انا ما فرضت اهتمام احد علي , انا ولية نفسي
بونايف بصراخ : كل هذا تحاولين تجذبين الاهتمام حولك
ماريا : ادري انك مادريت عني وبس تفكر في اخواني اهم شيء تريح ضميرك مني
افلت يدها بصدمة من تفكيرها , ولّت بعدها تاركته خلفها يغلي من غضبه من تصرفاتها , نعم يحبها لكنه يشعر انها بعيدة كثيرًا عنه او هذا ما تفعله بارادتها , ابتعادها عن الكل ووحدتها عدا سلطان
همس بهدوء: الله يصلحك بس
وخرج لعمله ...
**
من جهة أخرى من إسطنبول
امام المستشفى يقف بهدوء وهو يدس كفيه في جيبي بنطاله
دخل المبنى الضخم وهو يحفظ عدد خطواته , حتى وصل لغرفتها ومَثّل امامها , جلس على الكرسي المقابل لها وهو يرقب سكون ملامحها الناعمة , نائمة كطفلة لا يُسمع لها نحيبٌ ولا صُراخ , يغلفها الهدوء والطمأنينة
اقترب منها بهدوء شديد وهو يضع كفه على يدها الباردة , احتضن يدها بيديه الضخمتين وهو يلهج بصوتٍ خفيض رتّل (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)
أعاد ترديدها مرارًا وفي كل مرة يزيد من ارتفاع صوته
فتحت عينيها ,و بدا صوتها كهذيان وهي تقول بصوتٍ خفيض : سيف
اغمض عينيه بشدة يمنع دمعة لم تسقط بعد , ابتلع غصته وهو يقبل كفها : عيُونه انتي ودنيته وكل اهله وناسه
لعقت شفتيها وبصوتٍ ثقيل : تعبت
همس برقة : جعله بِي , ماعاش من يتعبك يا قلبي انتِ
ابتسمت بهدوء : يُوسف ؟
انزل رأسه على كتفها : يا شقا شبيه غاليك
رفعت يدها بصعوبة وهي تمررها على شعره الكثيف : ليش ؟
يُوسف بعبرة تكاد تخنقه : كل ما ناظر المرايه يذكره , كل ما تكلم يذكره , كل شيء يذكرني فيه , شقيان قليبي من هالتعب شقيان يا بعد كل العرب
نزلت دمعة من عينيها وهي ترتجف : متى بنفرح ؟
يُوسف: متى ما ربك أراد
تسابقت دمعاتها الغزيرة : راحوا كلهم ما بقا الا انت , لا تروح
يُوسف : يروح الجسد , ولا القلب والروح والعقل كلها معك
ببحه اهلكها المرض : راحوا اثنين ما بقا غيرك
يٌوسف : يغمد الله ارواحهم بالجنة
انزل كفها , وترك قبلة على جبينها وهو يودعها بإبتسامة استغصبها حتى لا يضيق قلبها اكثر وهو يداري قلبه من ان يسقط عند عثرة امام الباب . يداري جرحه النازف الذي لم يبرأ منذ سنة .
**
الثالثة مساءًا / إسطنبول
جلست على الاريكة بملل : مابي اروح خلاص ي بابا
بونايف وهو يرتشف قهوته بهدوء: اولًا مو انتي اللي تقررين وثانيا بتروحين غصب عنك هي قالت لازم جلستين أسبوعيا وانتي مرة وحدة وباليالله
ماريا بتذمر : يا حبيبي انت افهم ماعندي شيء أقوله ترا مجرد تضييع وقت
نظر لها بحزم : وانا عاجبني شكلك وانتي تضيعين وقتك يلا البسي وروحي لا توجعين لي راسي
**
تمشي بخطواتٍ صغيرة امام المبنى الضخم وهي تعد خطواتها , واحد , اثنان , ثلاثة , أربعة , خمسة ستة , سبعة , ثمانية , تسعة , عشــــــ
صوت محرك , مزمار سيارة , وهواء ساخن يعبر وجهها , وسيارة سوداء متجهة صوبها , تريد اختراقها
نعم سيارة مسرعة متجهه اليها
صرخت ماريا وهي تضع يديها على اذنيها , داهمتها افكارٌ كثيرة
اهربي , اركضي , اختبئي من الموت القادم اليك , لكن لشدة صدمتها لم تسعها ثوانٍ من التفكير لتتخذ قرارها , توسعت عينها وهي ترى السيارة تقترب سريعًا ...
انتهى ..