المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
شكرا لأنك علمتني
+
شكرا لأنك علمتني ...
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد :
بعد توالي الضغوط النفسية و الجسدية على كافة أنحاء الجسد الذي لم يعد يقوى على النهوض من جديد بل حتى لم يعد يحتمل أي سقوط آخر أكتب لكم رسالتي و كامل تعازي لفقيدكم السيد خليل و أخبركم أن الوقت قد مضى و أنا أحاول ترجمة ما حدث و ما كان يحدث و لم أجد حلا أو حتى معنا واحدا لكل ما حدث سأرسل بأي نتيجة جديدة أتوصل إليها و إلى ذاك الوقت أرجوا أن تعتني بالطفلة الصغيرة ... مع تحياتي " رامز "
ذاك الشعور الذي ينتابك و أنت تودع كل ذكرياتك و كل من تحب تتداخل في عقلك أجمل ذكريات حياتك لمكان ربما لن تعود إليه من جديد ، تحاول حبس مشاعرك التي تزاحمت و دموع عيناك اللامنتهية تحاول حفر تفاصيل الجدران في ذاكرتك و تشعر انك أصبحت تحبها مئات المرات أكثر من السابق ، نظرات الأحبة ، رائحة المكان ، تفاصيل كل شيء يتجسد في لحظة كأجمل تذكار تحمله معك بعد الرحيل ... كتبت كل هذه الكلمات التي وصفت شعوري بعد ضياع كل شيء أحببته ، و أقصد بكل شيء هو ذاك الشخص الغالي الذي كان بالنسبة لي كل شيء .. رفيق دربي خليل ..
قد تظن يا من ستقرأ كلماتي و لا أعلم من ستكون أنت ، و لبرما يا من أخاطبه لن تجد أحد هذه الأوراق و ستضيع كما ضاعت أشياء كثيرة مهمة ..! قد تظن أنه شخص عشت معه السنين الطوال ، لا ..! لم أرافقه سوى سنتين تعادل كل سنين عمري .
التقينا أول مرة في آخر سنة دراسية بكلية الحقوق جمعتنا ظروف الدراسة مع بعضنا لكن استمرت هذه العلاقة حتى بعد انتهاء الدراسة ، كنت أحب تفاؤله المستمر و حبه لما يعمله من أشياء مختلفة .. كان دائما يردد مقولة تشرشل " سر الحقيقة ليس فعل ما نحب ، بل أن نحب ما نفعل " ..سأحاول جاهدا كتابة مختصر لتلك الأحداث التي مرت سريعا جدا .. كطيف خيال يتمشى في صمت و هدوء يمتلك تلك السرعة و الخفة التي تجعلك لا تشعر به .. يمر سريعا و قبل أن تدركه تجد أّنك فقدت الشيء الكثير .. في تلك الليلة المظلمة الهادئة ذاك الهدوء المخيف أطلقت تلك الرصاصة القاتلة ، بينما كنا نتحدث عن أحلامنا المستقبلية و خواطرنا التي تبدوا مضحكة في كثير من الأحيان .. عند الجسر الحديدي انطلقت رصاصة و اخترقت رأس خليل سقط أمامي دون أي صوت دون سابق إنذار .. ليس على يدي التي لم تستطع تداركه من عظمة المشهد بل إلى أحضان البحر الكبير .. تجمدت لحظتها و بدأت فجأة بالبكاء كطفل صغير لا يمتلك سوى هذه الوسيلة للتعبير هكذا في لحظة في أقل من ثوان رحل و أرسل جثمانه إلى البحر لكي يخفي تفاصيل وجهه الذي حول من وجه ملأته الحياة إلى وجه ارتدت ملامحه لباس الموت .
كانت هذه الرصاصة و للأسف موجهة نحوي لكن قد أخطئوا التسديد و استقرت في رأس خليل بدلا مني .. يبدوا أن الله لم يشأّ أّن ينتهي عمري عند هذا الحد .. و أرسل لي إنذارا ينبهني عن من يتربصون بي و يكيدون لي المؤامرات و كذلك لأعلم حقيقة من هم أقرب الناس إّلي .
بعدما حدث الذي حدث استعنت بالشرطة المحلية لمعرفة قاتل خليل .. و بعد تحقيقات دامت فترة طويلة اشتبهنا بأحد الأشخاص ذوي السوابق .. تم ضبطه تحت تأثير المخدرات .. و طلب مني القدوم لرؤية المشتبه به لعلي أتعرف عليه ، طبعا ..! لم ّأتعرف عليه لأنه لم يكن لدي أعداء .. إنني شخص بسيط يلاحق أّحلامه التي نثرها في كل مكان .. يتعامل مع الآخرين بعفوية متناهية تكاد تصبح سذاجة في هذا الزمن الغريب .
اعترف المشتبه به بكل شيء و ياليته لم يفعل .. أقل شيء كنت سأحتفظ بذكرى جميلة عن شخص أحببته بصدق .. تبين أن خليل هو من استأجر هذا المجرم لكي يقوم بهذه العملية .. عندما سمعت هذه المعلومات شعرت أن كل القلوب التي في هذا العالم ترتدي أغطية من زجاج لامع لا ترى منه سوى الوضوح لكنه يخفي حقيقته البشعة خلف العديد من تلك الجدران الزجاجية التي تجرحك بشدة تعادل سهولة كسرها .. كل ما آلمني هو أني لم أعلم لماذا فعل ذلك بي ، لقلد ذهب حاملا سره معه و تاركا خلفه ذكريات تخنقني كلما أردت نسيانها أو نسيانه ..أشعر أنني في هذا الوقت أحلم حلما مزعجا و أتمنى أن استيقظ منه و أجد كل شيء كما كان سابقا ، لقد آلمني أكثر من ألم الرصاصة التي كانت تريد اختراق جسدي ... ربما لأن مثل ذاك الفعل يهز جزءا مهما في العلاقات في علاقتنا بكل شيء ..يضرب و بقوة موضع الثقة عندنا و يجعلنا نتردد في منحها للآخرين ، بل و أحيانا يتعدى هذا الأمر إلى سحبها ممن كنا نثق بهم فعلا ...
بعد ستة أشهر من إرسالي تلك الرسالة إلى ناديا زوجة خليل سافرت إلى المدينة التي انتقلت إليها مع ابنتها للعيش مع والديها الذين تقدما في السن كثيرا و باتا في أمس الحاجة لوجودها هي و ابنتها بقربهما ... عند وصولي إلى مكان سكنهما .. هممت بطرق الباب لكن شيئا ما جعلني أتوقف عند آخر لحظة .. ربما لأن شريط الذكريات بات يمر أمام عيني بشكل سريع و مفاجئ و مؤلم .. تذكرت ناديا .. التي كلما تخيلت أو حاولت ذكر اسمها في عقلي ارتجف كل شيء بداخلي و بشدة .. كنت أظن أن مرور كل تلك السنين كفيل بمحو أي ذكرى أو محو أي زيادة في نبضات القلب الذي طالما أحبها بينه و بين نفسه .. بالتأكيد .. لست من النوع الذي يحب الخيانة و إن كانت خيانة بينه و بين نفسه لشخص كان بالنسبة لي أعز صديق ..
ناديا باختصار كذلك شديد ... كانت إحدى زميلاتي في الجامعة قبل معرفتي خليل .. كنت أكن لها الود و الاحترام ، لكن .. من بعيد ..!!
و بعد أن جاءني خليل في يوم ما و قال لي : لقد وجدت الفتاة المناسبة التي كنت أبحث عنها .. تحدثت معها و أخيرا و طلبت من أهلي الذهاب إلى بيتهم لطلب يدها للزواج .. بالطبع أول شيء سيخطر ببالك عندما يقول لك صديق هذا الكلام هو أن تبارك له و تهنئه .. لكن .. و بمجرد ذكره لاسمها هي .. دون كل تلك الفتيات التي خلقهن الله في هذا العالم .. ألجم لساني و جعلني مقيد الفكر و الإحساس .. سألته كمن يحاول البحث عن أي ثغر يدخل منه و يفسد الأمر برمته .. هل هي موافقة عليك ؟! و هل سيقبلك أهلها و أنت حتى لم تكمل دراستك الجامعية ؟!.. لكنه كان يجيب على أسئلتي و الفرحة تملئ كل تقاطيع وجهه .. لم أره سعيدا يوما إلى هذه الدرجة .. و لم أرى نفسي يوما أنانيا إلى هذه الدرجة .. بعد تداركي للأمر و بعد أن انتابني ذاك الصمت الذي كنت من خلاله أتأمل وجه صديقي كم كان فرحا كم كان جميلا .. باركت له ذلك الأمر و تمنيت له التوفيق .. لكن هذه المرة من كل قلبي ... و قررت في نفسي أن ناديا هي من ستكون زوجة صديقي .. و في نفس الوقت أختا أحترمها و اقدرها ...
و بينما كنت جالسا على كرسي خشبي جميل غارق في ذكرياتي مع صديق قتلني مرتين دون أن أعرف السبب .. !! كانت عيناي تنظران إلى شخصين بعيدين ..
أم تقوم بدفع ابنتها على الأرجوحة .. و صوت ضحكهما يدغدغ أذني برقة و سرور ..و يذكرني بصديقي الذي كان هنا ذات يوم .. أم لطالما حفظت تقاسيم وجهها التي تغيرت قليلا بفعل الزمن .. تذكرت مقولة لطالما أزعجتني كان يرددها الكثير من الناس و يقولون بأن طيبة القلب باتت مشكلة في هذا الزمن الذي بات تقريبا كل شيء جميل فيه مشكلة .. !!
ربما طيبة القلب مشكلة لمن لا يستطيع تحمل بعض النتائج السلبية الذي يظن أن سببها طيبة القلب .. في اعتقادي حتى بعد كل الذي حدث لي و أظن بأن أشياء أخرى مماثلة له بشكل ما ستحدث مستقبلا لمن هم يفكرون مثلي ..أن الطيبة ليست هي المشكلة بل المشكلة في تلك الزهور اليانعة التي يتم قطفها تدريجيا من بستان الزهور الذي نحاول زراعته في قلوبنا و تثبيت تربته قدر الإمكان ... كي لا تتحرك كي لا يصيبها التصحر الذي أصاب أجزاء حيوية كثيرة فينا كانت تعبر عنا بشكل أو بآخر و ها هو طوفان التصحر يحاول اجتياح آخر و أهم و أول بستان زرعناه بأيدينا منذ الصغر .. بعضنا حافظ عليه و بني حوله الأسوار العالية التي تقاوم مسببات التصحر بجيوشها الكبيرة التي تأتينا من كل حدب و صوب في عالم لا يعترف سوى بالقوة و المادة و يعترف بالعلم لكنه العلم الذي يخدم تلك الأشياء التي بدورها لا تقود و لن تقود سوى لحقيقة واحدة أن العالم يتحرك بالقوة و المادة وحدها .. أما من يعترفون بوجود الحب بوجود ذاك الشيء الذي يؤنبك و يطلق صفارات الإنذار كلما اقتربت من فعل شيء لا تقبله نفسك البشرية التي خلقت على الفطرة ألا و هي حب أخيك الإنسان .. يوصفون عادة بالسذاجة و ترتسم علامات تعجب كبيرة حول تصرفاتهم .. الطيبة .. فالحب و طيبة القلب شيئان متلازمان .. لا يمكن أن يترك أحدهما الآخر.. فالحب هو الاسم الذي نطلقه جميعا على بستان زهورنا الذي بنينا حوله تلك الحصون العالية .. و الذي إن غاب .. غاب معه كل شيء .. يحضرني هذا الحديث النبوي كثيرا و ربما هو الشيء الوحيد الذي كلما تذكرته ازدادت قوة ذاك الحصن العالي التي بنيته حول بستان زهور قلبي ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال ... و كأنه يقول لنا بأن بستان الزهور ذاك هو الإيمان الذي تعمل على زرعه منذ الصغر .. و تلك الحصون الخيالية لا يغذيها سوى الحب الذي تكنه للآخرين .. فإذا قل الحب و حلت محله القسوة انهار الحصن و أضحى قلبك صحراء قاحلة غير قابلة لزراعة أي شيء سوى أشواك الحقد و الحسد و الضغينة التي تقضي على صاحبها تدريجيا دون أن يشعر .. و تخرج لنا أشخاصا يعانون الموت القلبي .. و الأدهى و الأمر أن هؤلاء من يقودون العالم و يحاولون بكل الوسائل زيادة عدد الأشواك في كل قلب ... لكن يجب أن يكون هناك تلك القلة التي تأبى أن يموت الإنسان فيها أو تأبى أن يموت الإيمان فيها .. لتحاول إصلاح ما خلفه التصحر الداخلي من دمار ... و تحاول زرع تلك الزهور البيضاء التي لن تنمو سوى بالعلم الذي يؤدي إلى حب الإنسان لأخيه الإنسان دون شروط .. و التي تؤمن بأن غياب الحب هو غياب لكل شيء ..
ذهبت إليها بعد أن استجمعت قواي التي أوشكت على الزوال .. حييتها و رسمت قبلة على خدي طفلتها .. كنت في تلك اللحظة أنظر إلى نفسي أنا بكل وضوح و كأنني لأول مرة أرى نفسي فيها بكل ذاك الوضوح .. رأيت وجهي مرسوما على وجه ناديا و رأيت خليل هناك ممسكا بصورة وجهي و تنساب من عينيه دموع تخترق بشرة خديه فتخلف خلفها سوادا مخيف الشكل .. دموع توسل و ندم و حرقة .. لا أتمنى أن أراها على وجه من كنت يوما ما أحبه من كل قلبي .. كانت الشمس تختفي بخجل خلف ذاك المدى البعيد و تلبس السماء فستانا من لون الغروب .. و كأنها تعلمني بانتهاء يوم آخر من تلك الأيام التي طالت كثيرا حتى أني ظننتها لا تنتهي ..
كل ما فعلته حيال هذا الأمر هو كتمانه داخل صدري و المحافظة على صورة خليل نقية أمام زوجته و طفلته ، بإيهامهم أن حقيقة قتله مبهمة و غير معروفة ، ربما يستغرب البعض من تصرفي، لكنني لم أستطع يوما نسيان تلك اللحظات الجميلة التي أشعرني بها و إن كانت تبدوا مزيفة بعد كل ما حدث ، لكنني أيقنت أن كل نفس تحمل الحقد على غيرها لابد لها و أن تلاقي جزائها العادل بقدر تلك المشاعر السوداء التي تحملها ، و أن من يبحر عكس اتجاه التيار سيلاقي الكثير من تلك الأشياء التي ستجعل ظهره ينحني .. ينحني فقط ..!! إن لم يكن أهلا من البداية للإبحار عكس اتجاه التيار ..
http://feker.net/ar/write4us
http://www.aiu.edu/University/LPs/a2...FSjItAodkSoAqg
|