المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
في لهيـــــــب القدر
[SIZE="5"] في لهيب القدر ...
............................................................ ......
هذه الحروف بحلوها و مرها ...
على لحن الحياة تراقصت ... بألمها
شوقها ..حزنها ..فرحها ..بحبها وكرهها ...
تعاقبت خطى من النغمات وصنعت كيانها الموسيقي ...
هذه الحروف بشقائها و سعادتها ...
من رحم القدر وُلِدت ...
وفي لهيبه ترعرت ...
و سطرت كلمات وحدها من القلب قد خرجت ...
لقلوبكم قد خُلِقت ...
فقط لأعينكم سأرويها ....
أعزائي ... أتمنى ان تحظى كتابتي المتواضعة على بعضٍ من أستحسانكم ...
وأقبل دائماً أنتقاداتكم البناءة و أرائكم ...
.........................
عند ولادة الألام ... تولد معها الآمال ..!
...........................
الجزء الأول ...
أنتصف الليل و أكتمل القمر ...
فتوسط السماء الحالكة ... محاطاً بهالة من القوة و الكبرياء...
تماماً كما الملوك العِظام ...
مرسلاً سلاسل من الفضة اللامعة تخترق الظلام من كل حدب وصوب ...
ناسجاً حكاية عشق مع صديق يدعى القدر ...
شاهداً لبدايات آسرة .. و نهايات فانية ...!
باعثاً أمل و ألم ... سعادة و حزن ... لمختلف القلوب .
تحرشت نسمة هواء عليلة بأوراق الأشجار من حوله فأصدرت حفيفاً ناعماً لأوراقها ...
قطعت سكون الليل مع وقع أقدام صغيرة راكضة ... و أنفاساً لاهثة ...
بأعين دامعة ... في طرق خالية ... مع قلبٍ من الصدر قد أُقتلع ...
وبداخل جسدٍ صغير صراخاً مدوياً يقول : لا ... لا
ليراه القمر ... و ليبدأ القدر لعبته المميتة ...
................................
تراقصت أضواء المصابيح الكريستالية المتدلية من السقف طربأً على ألحان تلك الموسيقى الناعمة ...
تعالت ضحكات المدعوين بقهقهات جشعة ...
تبادلت النساء نظرات الحقد و الغيرة بجفاء ...
كل الحضور كانوا قد أرتدوا أقنعتهم جيداً ... من مجاملات منافقة
و إدعاءات حب كاذبة .
لديهم قلوب باردة كتلك الأعمدة الرخامية حولهم ...
لون دمائهم أزرق ... كاللون الذي يزين الجدران من حولهم..
كل شيء مزيف ... الورود الموضوعة في المزهريات المنتشرة في أطراف
القاعة مزيفة ...
حتى ضحكات الحضور و أبتساماتهم ... كلامهم و أفعالهم
كله مزيف ...
بدت أشكالهم و كأنه ثلج على وشك الأنصهار ..!
توقفت فرقة الموسيقى عن العزف لوهلة ... و سُلِط الضوء على رجل يبدو في
الخمسين من عمره
يمتلك شعر بني تخلله بضع خصلات فضية ...يمتلك قامة طويلة بعض الشيء
و له جسد يناسب سنه كثيراً ... بدلته السوداء اللامعة أظهرت مدى ثرائه جيداً
... نظر بعينيه السوداء الضيقة الى الحضور ... و وجه أهتماماً بالغاً
لهم ...
رفع كأس شرابه الى الأعلى و قال بهدوء
: أشكر الجميع على حضور هذه المناسبة
المهمة بالنسبة لي ... فكما تعلمون أبنتي الغالية ستبلغ اليوم عشرون عاماً ...
و كم أحب أن ألبسها هديتها بنفسي الآن ... أرابيل ... عزيزتي تقدمي الى هنا ..
تبادلت نظرات الجميع باحثين عن تلك المدعوة أرابيل ... و بعد فترة قصيرة من
الزمن ... تقدم خادماً في الأربعين من عمره يرتدي بذلة الخدم المملة السوداء
أقترب من الرجل و همس له بصوت مرتجف في أذنه :
سيدي سايروس أ..أظن .. أن الآنسة الصغيرة ليس..ليست في القصر
زم الرجل شفتيه بقوة ... و أطلق سهاماً من عينيه نحو الخادم ثم قال بغضب مكتوم :
أيها الأحمق ... ماذا تقول ؟ ... أبحث عنها و جدها فوراً و إلا سحقتك بقدمي مثل
الحشرة ...
أرتجف الخادم ثم أومأ برأسه و ذهب ...
تلاقت نظرات الحضور المتسائلة مع نظرات سايروس ... ثم قال مداركاً موقفه
المحرج : مممم ... أعتقد أن حبيبتي تحب تشويقنا قليلاً ... رجاءً أكملوا سهرتكم
رفعوا كؤوسهم الكريستالية الى الأعلى ومن ثم أفرغوا محتوياتها من الشراب في
أمعائهم الجوفاء ... و بدات الفرقة العزف من جديد ذلك اللحن الناعم ..
وعادوا جميعاً الى خداعهم الذي كانو عليه ...
............................
تسللت تلك الفتاة بين الأشجار المتشابكة بخفة ... كانت تحاول أن تسرع في
خطاها قدر الأمكان حتى لا يلحق بها أحد ... تسارعت دقات قلبها و أرتجفت
قدماها و هي تتقدم نحو تلك البحيرة المهجورة ...
أنعكست صورتها عندما نظرت للمياه الراكدة ... شكلها أختلف كثيراً عما كانت
عليه منذ ساعتان فشعرها الأشقر الطويل بدا مشعثاً ... بشرتها البيضاء الناعمة
متعرقة ... عيناها الزرقاء تلمع بشكل لم تعهده من قبل ...
أنفها الصغير كان عليه بعض التراب جراء ركضها ... حتى فستانها الأبيض
الأنيق قد مُزِق و أصبح متسخاً تماماً ...
وضعت يدها على قلبها المضطرب في محاولة لتهدئته قليلاً ...
أخذت نفساً مطولاً ... و من ثم بدأت تضحك بهستيرية ... كان كل هذا ضرباً من الجنون ...
فمنذ ساعتان فقط ... كان ذلك الغوريلا يتبعها أينما ذهبت ... لم تدرك كيف تجرأت
و أغوته حتى يشرب حد السكر ... و من ثم فتحت نافذة غرفتها الكبيرة ...
ألقت بنفسها على تلك الشجرة القريبة منها ثم وقعت على الأرض و بدأت رحلتها
المجنونة الهاربة ....
لم تعلم الى أين تذهب ؟ ... هي فقط هربت ...
هربت لتبحث عن الحياة ... هربت لتتذوق طعم الحرية ...
فكل يوم كان يمر كانت تختنق ... تختنق من السجن التي كانت تعيش بداخله
السجن هو أن تفعل ما لا تريد كل يوم مُرغماً ... أن ترى ما لا تحبه ..
أن تقول ما هو ليس بداخلك ...
السجن هو أن تُقيد قلبك حتى لا تُحب ... و لا تسمح لعقلك أن يأخذك لعالم خيالك
السجن هو ألا تستطيع أن تحلم ...
لكنها اليوم حلمت ... و حلقت في خيالها ... و عانقت حريتها ...
اليوم ... فقد أختارت الحب ... الحلم ... الحرية .. و الحياة ...
ضحكت أكثر فأكثر ... و من ثم أمسكت بطرف ثوبها الممزق و غنَت ...
غَنت للحب حتى يأتي ... و راقصت الحياة بكل جوارحها و ألامها ..
حلقت مع حريتها في عالم أحلامها ...
رسمت للقمر ابتسامة عذبة على شفتيها الكرزيتين ...
لكن سرعان ما ذهبت الأبتسامة ... هجرها الحلم فتركها متجمدة باردة
و وثب قلبها مفزوعاً في داخلها ... عندما سمعت وقع أقدام تقترب
و رائحة عطر ذكوري داعبت انفها... أرتفعت الدموع الى مقلتيها ...
أيعقل أن تختفي حريتها بهذه السرعة ..!
تباً ... كان هناك من يلاحقها ... أغلقت عينيها بإحكام و هي تنتظر الحكم عليها
بالإعدام بقلبٍ مذبوح ... فقد أنتهى كل شيء ...
مرت بضعة ثواني شعرت بأنها دهراُ ...
سمعت تلك الخطوات المجهولة تقترب منها كثيراً ...
حتى شعرت بأنفاس ملتهبة تلفح على وجنتيها .... و من ثم هنالك
أنامل تتلمس ذراعها العاري برقة بالغة ... مروراً بعنقها الجميل
حتى شفتيها ...
ابتلعت غصة في حلقها ... أرتجفت من الكهرباء التي أعترتها فجأة
فيضان من المشاعر الغريبة أقتحمت كيانها ...
تسمع دقات قلبها كقرع الطبول في أذنيها ...
أعتلت وجنتيها حمرة شديدة ... و من ثم فتحت عينيها
و تأملت الواقف أمامها ... بدايةً بحذائه الأسود اللامع
و بذلته التي تبرز طول قامته وعضلات صدره المفتولة ...
نهايةً ببشرة وجهه البرونزية و شعره الاسود الكثيف ..عيناه الفولاذيتان
وجنتاه القاسيتان ... شفتاه الحادتان ... جبهته العريضة ...أنفه الأرستقراطي
و ذاك الشق الموجود عند ذقنه ... بالتأكيد هي لم تراه من قبل ...
" الوسيم القاتل "
أول كلمتان نطق بهما قلبها ... شعرت بنفاذ الهواء من حولها
ففقدت القدرة على الكلام ..
بدأ هو الحديث قائلاً : ضائعة يا حلوة ..؟
في لحظات بدت كالبلهاء و هي تتأمله .. و من ثم لملمت شتات نفسها و قالت :
من أنت ..؟
أجابها بصوت أبح : و هل علي القول ..؟ لكن استطيع أن أساعك فيما تبحثين ..
أجابت بسرعة متهورة : عن الحب ...
عضت شفتها السفلى بقوة حتى سال منها الدم ... كيف لها أن تكون حمقاء هكذا ..؟
أعتلت شفتاه أبتسامة ساخرة ثم قال : الحب ياآنستي لا نبحث عنه أبداً ..
فالحب يختار ضحاياه .. و لا نختاره أبداً
أنقلب كيانها ... و أجتاحتها موجة خجل شديدة ... يا ألهي ما الذي حدث لها ..؟
أبتلعت ريقها ثم قالت : على كل حال من أنت ..؟
شاهدت في عينيه نظرات الأحتقار و من ثم قال محاولاً ان يخفي شيئاً ما ...
لربما علي أن أطرح السؤال نفسه يا آنسة ...
أجابته : أرابيل يا سيد ...
رأت تعبير وجهه يتغير ... قطب جبينه بقوة ... أصبحت وجنتاه بارزة أكثر
ثم أغمض عينيه و كأنه يسيطر على شيء ما بداخله ثم قال :
سيد ألكسندر ...
ألكسندر ... كم يناسبه هذا الأسم كثيراً ... شبهته بالغازي العظيم
الأسكندر الأكبر ... فقط ينقصه سيفه ليصبح هو ... قاطع حبل أفكارها قائلاً :
الى اين أنتِ ذاهبة ..؟
يا له من سؤال صعب الإجابة ..!
الى أين هي ذاهبة ..؟ لا تستطيع ان تظل هنا ..حتماً سيجدونها
حتى لو فعلت ..ستموت جوعاً ... أطرقت مفكرة ...
هل تقول له لا تعرف أين هي ذاهبة ..؟ يا لغبائها ..!
قالت بثقة كاذبة : بالتأكيد أنا لي مكاناً أذهب أليه ..
رماها بنظرات أحتقار .. ثم فجأة أطبق يده الكبيرة على ذراعها وقال :
هيا بنا ..
لوهلة لم تدرك ماذا حدث ... لكن ما إن قطعت بضعة خطوات معه حتى توقفت
ثم قالت غاضبة : من تظن نفسك ..؟
تجاهلها و جرها بقسوة بالغة حتى أشتدت يده على ذراعها فتأوهت بألم ..
حاولت ان تنزع ذراعيها من يده لم تنجح
فغرزت أظافرها فيها حتى سالت الدماء منها ...
نظراليها بحقن شديد وأصطبغ وجهه باللون الأحمر من الغضب
ثم قال : أيتها الساقطة الصغيرة ... تحبين المشاكل أليس كذلك ؟
ارتجفت من إهانته ... حاولت أن تدفعه عنها .. لكنه أطبق ذراعيه حولها
و حملها على كتفه ...
وجدت نفسها ترفسه بقدميها ... ثم صرخت عالياً : ساعدوني ...
ظلت تضربه بيدها الصغيرة على ظهره الصلب ... يا لها من حمقاء غبية ..
ألم تتعلم طوال حياتها ألا تثق بمظاهر الناس أبداً ... و ها هي وقعت أسيرة
جاذبيته المتوحشة ...
شعرت بالدموع تسري على وجنتيها ... ثم ضربته بقوة هذه المرة
حتى تأوه مجدداً فأنزلها و أمسك بها بكلتا ذراعيه ثم ظل يهزها بعنف ...
قائلاً : ستدفعين الثمن ..؟
أجابت صارخة : أيها الشيطان .. ابتعد عني ..
ظلت تحاربه و تحاول الأفلات منه ... لكنها ما كادت أن تشعر الا بيده
القوية على وجنتيها ... شعرت بأن الأرض تدور من حولها
تحول كل شيء الى ظلام دامس ... حاولت أن تجد صوتها لكنها فقدته
حتى شعرت بجسدها يتهاوى في تلك الدوامة التي أحيطت بها ...
..................................
المظاهر خادعة ... و الحياة أيضاً ..!
تعطيك كل شيء لوهلة لكنها ما تلبث الا أن تسلبك كل ما تملك ..!
ما إن تستطيع أن توهمك بأنك أمسكت حلمك ... الا و تفاجئك بضربتها
القاضية ..!
لا لا .. لا يمكن لأحد العيش في الحياة ... أنما نحن نتعايش معها فقط ..!
............................
شُل عقلها ... تداخلت الألوان فأصبحت الرؤية مبهمة ...
شعرت بجسدها وهو يهوي على مقعد ...
حاولت التركيز بشدة ...أجل كان ولابد أنه مقعد سيارة ...
أختلطت الأصوات من حولها ... ما عادت تميز أي شيء ...
أرتجفت كالعصفور الصغير ... عصفور ضائع ... وحيد
فاقد جناحيه في صحراء شاسعة ..حارقة وجافة ...
خطف صوت أبح مميز سمعها ..فتعرفت عليه على الفور ...
جعل فؤادها يقفز لحلقها ... أرتجفت أوصالها بشدة ...
و بعد جهد أستطاعت أن تسمعه يقول بلهجة آمرة قاسية :
أحرقوه ... أحرقوه مثلما أحترقت منذ سنوات ...
هاجمتها وحوش ضارية ... ما في داخلها ملحمة دموية لايمكن أيقافها
تآكلها الخوف ... سجنها الفزع ...
و ذبحها الرعب ...
شعرت بقلبها يحترق ليصبح رماداً تذروه الرياح ..!
فتحت عيناها الزرقاوتان جاهدة ... لتجد القمر يحدق بها من خلال النافذة ...
قمرها ... قمرها الذي كانت تبتسم له ... تحكي و تشكي له ألامها ..
تتشارك معه أفراحها و أحزانها ...
يخونها ..!
لم تستطع أن تصدق ... رفيق عمرها ينظر لها ساخراً و يبتسم لها ماكراً ..!
تركها قمرها ليضعها بين يدين قدرها ...
قدرها ... الذي لا تأمن له قط ...
...................................
الماضي لايموت أبداً ... بل يظل حياً في أساريرنا...
يسجن قلوبنا ... و يمسك بتلابيب عقولنا ...
يُوَلِد في أنفسنا وحوشاً فتاكة ... تُعرينا من أنسانيتنا ... و تقتل حاضرنا ..
لا ... الذكريات لا ترحل ... و الحزن لا يمضي ..لا
فالماضي لا يموت ... أنما فقط يُميتنا ..!
..........................
نهاية الجزء الأول ...
[/SIZE]
|