المنتدى :
المنتدى الاسلامي
رسائل الرسول عليه الصلاة والسلام للأمراء و الملوك
(ا)الى هرقل عظيم الروم
"بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، و﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64][1].
وفي التحليل السياسي لهذه الرسالة نجد الآتي:
• استخدم النبي محمد - صل الله عليه وسلم - في وصفه الوظيفي (رسول الله) وليس نبي الله مثلاً، وذلك من أجل أن يفهم هرقل ومن يسمع معه أن محمداً - صل الله عليه وسلم - يوحى إليه من أجل التبليغ للناس كافة، فهو لم يكن نبياً لقومه (للعرب) خاصة[2]، كما كان دور الكثير من الأنبياء الآخرين من قبله، حيث كانوا يبعثون لأقوامهم خاصة، وخاصة أنبياء بني إسرائيل، ومن الأنبياء من لم يبعث لأحد.
• جاءت الكلمات الآتية حسب تسلسل ورودها في الرسالة: (سلام، الإسلام، أسلم، تسلم، وأسلم، مسلمون) وهذه الكلمات تدل على السلام والأمن، وفكرة استخدام مفردة السلام شائعة لدى النصارى، فإذاً هو - صل الله عليه وسلم - يخاطبهم بمنطقهم الذي يزعمون للناس في أنهم يرغبون بنشر السلام في الأرض، فالرسالة تقول أن ما جاء إليكم مني إنما هو من نفس المشكاة التي تؤمنون بها، جاءت لنشر السلام الذي تتكلمون عنه، كما جاءت لتصحيح ما زور وبدل في مساركم.
• الدعوة في الرسالة كانت بدعاية الإسلام، (أدعوك بدعاية الإسلام) في حين في رسالته - صلى الله عليه وسلم - لكسرى كانت (بدعاية الله)، لأن النصرانية ليس لها مشكلة في قضية إيمانها بالله سبحانه وتعالى، ولكن مشكلتها في اختراع ابن لله سبحانه وتعالى، وإن الإسلام كمنهج عقدي يتناول هذه القضية الجوهرية ويعالجها علاجاً جذرياً.
• لأن هرقل كان على دين النصرانية، فقد ختمت الرسالة بآية قرآنية، لأن عقلاء النصارى يستطيعون أن يميزوا كلام البشر عن كلام الله سبحانه وتعالى، لخبرتهم واطلاعهم ومعرفتهم بالإنجيل من قبل وربما التوراة أيضاً، فبالتالي تعطي هذه اللفتة قوة للرسالة في التأثير النفسي على هرقل ومن عنده، لما فيها من تأييد أن محمداً - صل الله عليه وسلم - رسول من الله سبحانه وتعالى.
• عالجت الرسالة ضمن الآية القضية التي أخطأ فيها قوم هرقل واتباعه باتخاذ (الأرباب من دون الله)، وإن أحبارهم ورهبانهم هم الذين يستعبدون الناس، وإنما جاء الإسلام لمعالجة الأمر أيضاً، فلا رب إلا الله سبحانه وتعالى.
• أشارت الرسالة إلى الأريسيين، وهم أما أن يكونوا بسطاء الروم وضعفاءهم ومزارعيهم، فيكون القصد في أن رئاسة الناس أمانة في عنق حاكمهم، فإن أظلهم فسيبوء بذنوبهم، لأن الناس على دين ملوكهم، وأما أن يكون الأريسيون هم من على عقيدة أريوس ذلك الرجل المصري النصراني الذي دعا إلى توحيد الخالق جل جلاله وأن المسيح ليس ابن الله، وأصبح له اتباع كثيرون، فهنا يكون مراد الرسالة أن الكثير من الروم تدعوهم فطرتهم لأن يكونوا موحدين لله جل جلاله، وإن هرقل قد أفسد عقيدتهم التي هي أقرب ما يكون لما جاء به محمد - صل الله عليه وسلم.
• عموماً فإن الرسالة فيها الحسم والوضوح في طرح أكثر من قضية بشكل مباشر وصريح، ولم تكن لهجتها شديدة أو عنيفة، بل انطوت على الكثير من الرقة واللطف والدلائل الواضحة المقترنة مع قوة الموقف.
رد قيصر عظيم الروم:
• " إلى أحمد رسول الله الذي بشر به عيسى؛ من قيصر ملك الروم، إنه جاءني كتابك مع رسولك، وإني أشهد أنك رسول الله، نجدك عندنا في الإنجيل، بشرنا بك عيسى بن مريم، وإني دعوت الروم إلى أن يؤمنوا بك فأبوا، ولو أطاعوني لكان خيراً لهم، ولوددت أني عندك فأخدمك وأغسل قدميك"[3].
التحليل السياسي للرد:
• اعترف قيصر في رسالته بعلو مكانة النبي محمد - صل الله عليه وسلم - عليه وعلى ملكه، وأبدى ذلك من خلال ابتداء رسالته باسم رسول الله - صل الله عليه وسلم -، قبل اسمه هو، وهذه الخصلة موروثة بالنسبة له لأن بني إسرائيل كانت تسوسهم أنبياؤهم.
• إن قيصر أجاب بغاية الوضوح باعترافه برسول الله - صل الله عليه وسلم - واستخدم اسم (أحمد) الذي بشرهم به عيسى عليه السلام، وفي ذلك دلالة على عمق الإيمان بالموضوع وقراءته للإنجيل من قبل، ومعرفته للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - حق المعرفة.
• رغم شهادته بأن محمد رسول الله إلا أنه فضل ملكه على اتباع محمد رسول الله - صل الله عليه وسلم -، وهذه مشكلة يعاني منها معظم الخائضين في مجال السياسة، حيث لا يكون في الغالب الأمر من أجل قضية، فحين تتقاطع القضية مع مصالحه الشخصية، يتمرد ويفضل نفسه ومكتسباتها.
• بالنظر للصراحة التي جاءت في الكتاب، وأن قيصر في الأصل كان يماشي رجاله ويخافهم، فليس من المعقول أنه كتب الكتاب أمامهم، فربما أنه كتب الكتاب بعيداً عنهم، وبعثه للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - سراً.
على هامش رد قيصر:
عندما وصلت رسالة رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى قيصر، كان أبو سفيان بن حرب في رحلة تجارية إلى الشام مع مجموعة من تجار قريش، (ولمّا يسلم بعد)، فرأى القيصر أنه من المناسب أن يسمع منهم لأنهم من قوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأحب أن يسألهم بعض الأسئلة من أجل أن تكون الصورة أكثر وضوحاً عنده، فدار بينهما حواراً عجيباً نورده بنصه كما رواه الإمام البخاري من حديث أبي سفيان رضي الله عنه:
"أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجاراً بالشأم في المدة التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماد[4] فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه، وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمانه، فقال:
• أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان:
• فقلت أنا أقربهم نسباً، فقال: أدنوه مني، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه:
• قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل، فإن كذبني فكذبوه، فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذباً لكذبت عنه (هذا كلام أبي سفيان)، ثم كان أول ما سألني عنه أن قال:
• كيف نسبه فيكم؟ قلت:
• هو فينا ذو نسب، قال:
• فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت:
• لا. قال:
• فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت:
• لا، قال:
• فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت:
• بل ضعفاؤهم. قال:
• أيزيدون أم ينقصون؟ قلت:
• بل يزيدون. قال:
• فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت:
• لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت:
• لا. قال:
• فهل يغدر؟ قلت:
• لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها، قال(أبو سفيان): ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة، قال:
• فهل قاتلتموه؟ قلت:
• نعم. قال:
• فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت:
• الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه. قال:
• ماذا يأمركم؟ قلت:
• يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة.
• فقال للترجمان: قل له: (هنا بدأ هرقل يحلل أجوبة أبي سفيان).
• سألتك عن نسبه، فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها.
• وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول، فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله، لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله.
• وسألتك هل كان من آبائه من ملك، فذكرت أن لا، قلت فلو كان من آبائه من ملك، قلت رجل يطلب ملك أبيه.
• وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله.
• وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم، فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل.
• وسألتك أيزيدون أم ينقصون، فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم.
• وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب.
• وسألتك هل يغدر، فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر.
• وسألتك بما يأمركم، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه"[5].
[*] القيصر: هو منصب رئاسة الدولة عند الروم بمعنى الملك، واسم القيصر الذي راسله النبي - صلى الله عليه وسلم - هرقل.
[1] صحيح مسلم - كتاب الجهاد والسير- باب كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل.
[2] روى البخاري في صحيحه في باب الصلاة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة "
[3] مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، محمد حميد الله، ص111.
[4] ماد: جعل بينهم وبينه مدة من الصلح والهدنة وهو صلح الحديبية.
[5] صحيح البخاري - باب بدء الوحي.
التعديل الأخير تم بواسطة Rehana ; 22-12-14 الساعة 08:20 PM
سبب آخر: تعديل العنوان
|