المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
قصة فتاة
لا تذهبي ...! لا تذهبي ... لقد عشت معك أجمل الأيام و اللحظات قد كنت قبلك لا أصدق أ ن هذه الدنيا جميلة إلى هذه الدرجة ... صوت بكاؤها يزداد و يعلوا و تستيقظ نرجس علي صوت الرياح و هي تحرك ستائر الشرفة الموجودة فوق سريرها .... تأخذ نفسا عميقا و يستحوذ الصمت على كل ملامح وجهها الذي امتلئ بالعرق , تتذكر و تتذكر أجمل الليالي التي عاشتها مع رفيقات الأمس الضائع خلف أحداث الغد المجهولة. .
الساعة السابعة صباحا , نرجس في مقر عملها في إذاعة المدينة تستعد لبرنامجها الصباحي و تستعد للاستماع لمشاكل الناس وأحزانهم , و بخبرتها في التخاطب و حبها للمساعدة كان العديد يتصلون بها و يحبونها , و بعضهم باتوا أصدقاء لها , كالعادة اتصلت من تلقب نفسها ب "ملكة الكتمان" تحاول أن تفضي بما حمله وعاء قلبها من ثقل أرهقه حتى بات القلب لا يقوى على حمله فسلمه إلى نرجس التي معها كانت تشعر و كأنها تتحدث إلى نفسها و لا أحد يعلم شخصيتها الحقيقية , و هكذا الحال مع معظم المتصلين , في نهاية الدوام كانت نرجس تجلس على مكتبها شاردة الذهن متجهمة الملامح تعلوا عينيها الكثير من الأسئلة و الصمت , كانت تتذكر الحلم الذي حلمت به بالأمس و تتخيل ملامح تلك الفتاة و تحاول تذكرها تتساءل ... من تلك الفتاة يا ترى ؟ أين رأيتها ...؟ و فجأة قطعت حبل أفكارها بجملة "يا له من غباء" ، بعد ذلك أخبرتها زميلتها بأن شخصا ما ينتظرها في غرفة الاستقبال.
ذهبت نرجس متوجسة لرؤية ذاك الشخص ؛ لأنها لم تعتد على زيارة أحد لها في مقر الشركة دخلت نرجس الغرفة بعد إلقائها للسلام قبل أن تركز في ملامح ذاك الزائر و عندما التقت عيناهما غمرها شعور غريب لم تستطع وصفه ، شعور بأنها رأته من قبل أو كأنها تعرفه منذ زمن طويل كان ذاك الزائر هي " رحمة" أحد مستمعي البرنامج الذي تقدمه لم تعلم نرجس هويتها في البداية ، و قد كان سبب مجيء رحمة هو رغبتها الشديدة في التعرف على نرجس بشكل أكبر لقد شعرت رحمة بأن نرجس هي تلك الفتاة التي كانت تبحث عنها و لكنها لم تقدم نفسها على هذا الأساس بل اخترعت حجة أنها تعاني من مشاكل عديدة و لم يكن بوسعها التحدث عنها عبر البرنامج , رحبت نرجس بها و بدأت تستمع إليها باهتمام نظرا لطبيعة نرجس المحبة للعطاء , و مرت الأيام و كانتا تلتقيان في أماكن عديدة و تدور بينهما مواضيع كثيرة و كلما مرت الأيام باتت نرجس تشعر بحبها الكبير لرحمة و كذلك من ناحية رحمة , كانت نرجس دائما متخوفة من أن تظهر مشاعرها لرحمة التي تكبرها سنا كانت نرجس في العقد الثاني من عمرها و رحمة تكبرها بعقد . كانت تخاف من بوح الحقيقة لأنها لم تتعود على الإخلاص و قد عاشت تجارب صداقة فاشلة . كانت ترى رحمة و كأنها ملاك قد أرسل لها من السماء من شدة طيبتها و تفاؤلها و إصرارها على بلوغ الهدف , على عكس نرجس التي كانت مكبلة بأصفاد اليأس و قلة الثقة بالناس , كانت عادة ما تحب المشي بمفردها و تستغرب من السعادة التي تملئ وجوه الناس الذين تصادفهم و كانت طوال الوقت تحاول إظهار عكس ما تشعر به من ضيق و حزن دفينين , كان هناك صراع قوي يدور بينها و بين نفسها صراعها لإثبات وجودها في عالم طالما شعرت فيه بالتهميش , كانت في حاجة ملحة إلى صديق يضحكها وقت الحزن و يمسح دموع عينيها يسقيها من مياه الأمل و يشعرها بأن لها قيمة في قلبه , كانت مؤمنة بأن الله سيرسل لها هبة من السماء لتنتشلها من كثبان الوحدة المتراكمة و ها هي تلك الهبة .. إنها "رحمة " . كانت نرجس تحاول أن تعيش كل اللحظات الجميلة معها دون أن تستنزفها في قراءة ما وراء السطور و في نفس الوقت تحاول أن تهيئ نفسها لكي تتلقى أي صدمة من هذه الأيام الغدارة .
و في يوم من الأيام لم تتصل رحمة بنرجس على غير عادتها و لم تترك لها أي رسالة , توقعت نرجس بأن تكون رحمة مشغولة بشيء ما . مر أسبوع على هذا الحال لم تستطع نرجس أن تنتظر أكثر من ذلك و قررت أن تزور رحمة و لأول مرة في منزلها و عند وصولها فتحت والدة رحمة الباب و دعتها للدخول و شرب فنجان من القهوة بدا على وجه نرجس القلق فبادرة والدة رحمة قائلة : أعلم أنك أتيت لتسألي عن رحمة و قالت بصوت ملؤه الحرقة و الأسى ربما الأسى على حال نرجس أكثر من الأسى على حال رحمة التي تعودت و اقتنعت مع الأيام بما تعانيه قالت : لقد غادرت رحمة بالأمس المستشفى , سألت نرجس و قد تغيرت ملامح وجهها الذي كان ينبض بالحياة و الأمل : أية مستشفى عن أي شيء تتحدثين ..! أكملت والدة رحمة حديثها و قالت : لقد عانت رحمة من مرض نفسي نادر مذ كانت طفلة في الخامسة عشر من عمرها إن هذا المرض يجعلها فتاة طبيعية لفترة محددة ثم تتغير كل صفاتها و تصبح شخصا آخر حتى أنها لا تعلم من أكون عندما تنتابها تلك الحالة لقد قال الأطباء أن هذه الحالة كانت نتيجة لصدمة عصبية تعرضت لها في الصغر و أنها مع الأدوية يمكنها أن تكون طبيعية لفترة محددة و أضافت في تعجب كبير ....! لم أعلم أنكي لم تلحظي تصرفها الغريب في بعض الأحيان ... صمتت نرجس و أول شيء فكرت به هو أنها رأت تلك الملامح في ذاك الحلم الغريب و قد ابتسمت ابتسامة خفيفة ملؤها الرضا و قالت : لقد كنت أعلم .. لقد كنت أعلم اتجهت مباشرة نحو غرفة رحمة و وجدتها نائمة تشابهت ملامح وجهها بملامح الأطفال بدأت نرجس تداعب خصلات شعر رحمة الأسود الناعم و تتحدث إليها و تقول : "قد علمت منك أنني كنت مريضة طيلة ذاك الدهر الطويل أضعت أجمل أيام حياتي تحت عباءة الخوف و لوم الآخرين .. جلست أشتكي للبحر فلم يجبني راقبت غروب الشمس وهي تختفي خلف ذاك الفراغ السحيق ... كنت كل يوم أتجنب رؤية الآخرين و أكتفي بالصمت .. آآآه .. من كل ذاك الصمت علمتني أن الحياة لحظة أمتلكها ألونها بكل الألوان التي أريد ... علمتني أن الصمت إذا ما فات الحدود فسيسلب الإنسان مهجته ... و أن الحب و الإخلاص ليس لهما ثمن ... فإن من يحب سيخلص و من يخلص سيظل الرابح الأول مهما غدر الزمان به أو أنساه لون شروق الشمس الجميل "
|