كاتب الموضوع :
الاميرة الاسيرة
المنتدى :
المنتدى الاسلامي
رد: بلقيس ملكة سبأ الجزء الرابع من سلسلة نساء فى القرآن والسنة
دعوة ملكة سبأ للإسلام:
بعد أن بين الهدهد علة غيابه ذكر له دهشته وعجبه فقال قوله تعالي:
" ِإني وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)- النمل
قال ابن كثير في قصص الأنبياء:
فعند ذلك بعث سليمان عليه السلام كتابه يتضمن دعوته لهم إلى طاعة الله وطاعة رسوله والإنابة والإذعان إلى الدخول في الخضوع لملكه وسلطانه ولهذا قال لهم :
" أن لا تعلوا علي " أي لا تستكبروا عن طاعتين وامتثال أوامري " وأتوني مسلمين " أي واقدموا علي سامعين مطيعين بلا معاودة ولا مراودة ، فلما جاءها الكتاب مع الطير ، ومن ثم اتخذ الناس البطائق ، ولكن أين الثريا من الثرى ، تكل البطاقة كانت مع سائر سامع مطيع فاهم عالم بما يقول ويقال له ، فذكر غير واحد من الفسرين وغيرهم أن الهدهد حمل الكتاب وجاء إلى قصرها فألقاه إليها وهي في خلوة لها ثم وقف ناحية ينتظر ما يكون من جوابها عن كتابها ، فجمعت أمراءها ووزراءها وأكابر دولتها إلى مشورتها " قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم " ثم قرأت عليهم عنوانه أولاً " إنه من سليمان " ثم قرأته " وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * أن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين " ثم شاورتهم في أمرها وما قد حل بها وتأدبت معهم وخاطبتهم وهم يسمعون :
" قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون " تعني ما كنت لأبت أمراً إلا وأنتم حاضرون " قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد " يعنون لنا قوة وقدرة على الجلاد والقتال ومقاومة الأبطال ، فإن أردت منا ذلك فإنا عليه من القادرين " و " مع هذا " الأمر إليك فانظري ماذا تأمرين " فبذلوا لها السمع والطاعة ، وأخبروها بما عندهم من الاستطاعة ، وفوضعوا إليها في ذلك الأمر لترى فيه ما هو الأرشد ها ولهم فكان رأيها أتم وأشد من رأيهم ، وعلمت أن صاحب هذا الكتاب لا يغالب ولا يمانع ولا يخالف ولا يخادع " قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون " تقول برأيها السديد : إن هذا الملك لو قد غلب على هذه المملكة لم يخلص الأمر من بينكم إلا إلي ولم تكن الحدة والشدة والسطوة البليغة إلا علي " وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون " أرادت أن تصانع عن نفسها وأهل مملكتها بهدية ترسلها وتحف تبعثها ولم تعلم أن سليمان عليه السلام لا يقبل منهم والحالة هذه صرفاً ولا عدلاً ، لأنهم كافرون ، وهم وجنوده عليهم قادرون .
غضب نبي الله سليمان وإسلام بلقيس:
لم يكن نبي الله سليمان ليقبل هدية من زينة الحياة الدنيا وهو الذي أعطاه الله من الملك والنبوة والقوة ما شاء, وبالطبع أثار غضبه عدم طاعتهم له ودخولهم في الإسلام موحدين لله تاركين ماهم عليه من شرك وضلال والآيات البينات توضح ذلك بجلاء تام..
قال تعالي:
(فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) -النمل
قال ابن كثير:
" لما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون " هذا وقد كانت تلك الهدايا مشتملة على أمور عظيمة ، ذكره المفسرون
ثم قال لرسولها إليه ووافدها الذي قدم عليه والناس حاضرون يسمعون :" ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون " يقول ارجع بهديتك التي قدمت بها إلى من قد من بها فإن عندي مما قد أنعم الله علي وأسداه إلي من الأموال والتحف والرجال ما هو أضعاف هذا وخير من هذا الذي أنتم تفرحون به وتفخرون على أبناء جنسكم بسببه " فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها " أي فلأبعثن إليهم بجنود لا يستطيعون دفاعهم ولا نزالهم ولا مما نعتهم ولا قتالهم ، ولأخرجنهم من بلادهم وحوزتهم ومعاملتهم ودوتلهم أذلة " وهم صاغرون " عليهم الصغار والعار والدمار ، فلما بلغهم ذلك عن نبي الله لم يكن لهم بد من السمع والطاعة ، فبادروا إلى إجابته في تلك الساعة وأقبلوا صحبة الملكة أجمعين سامعين مطيعين خاضعين فلما سمع بقدومهم عليه ووفودهم إليه قال لمن بين يديه ممن هو مسخر له من الجان ما قصه الله عنه في القرآن ...
ثم قال- رحمه الله:
لما طلب سليمان من الجان أن يحضروا له عرش بلقيس ، وهو سرير مملكتها التي تجلس عليه وقت حكمها ، قبل قدومها عليه " قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك " يعني قبل أن ينقضي مجلس حكمك ، وكان فيما يقال من أول النهار إلى قريب الزوال يتصدى لمهمات بني إسرائيل وما لهم من الأشغال " وإني عليه لقوي أمين " أي وإني لذو قدرة على إحضاره إليه وأمانة على ما فيه من الجواهر النفيسة لديك " قال الذي عنده علم من الكتاب " المشهور أنه آصف بن برخيا وهو ابن خالة سليمان ، وقيل هو رجل من مؤمني الجان ، كان فيما يقال يحفظ الاسم الأعظم وقيل رجل من بني إسرائيل من علمائهم وقيل : إنه سليمان ، وهذا غريب جداً وضعفه السهيلي بأنه لا يصح في سياق الكلام قال :
وقد قيل فيه قول رابع وهو : جبريل :" أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك " قيل معناه قبل أن تبعث رسولاً إلى أقصى ما ينتهي إليه طرفك من الأرض ثم يعود إليك وقيل قبل أن يصل إليك أبعد ما تراه من الناس وقيل قبل أن يكل طرفك إذا أدمت النظر به قبل أن تطبق جفنك وقيل قبل أن يرجع إليك طرفك إذا نظرت به إلى ابعد غابة منك ثم أغمضته وهذا أقرب ما قيل" فلما رآه مستقرا عنده " أي فلما رأى عرش بلقيقرا عنده في هذه المدة القريبة من بلاد اليمن إلى بيت المقدس في طرفة عين " قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر " أي هذا من فضل الله علي وفضله على عبيده ليخبرهم على الشكر أو خلافه " ومن شكر فإنما يشكر لنفسه " أي إنما يعود نفع ذلك عليه " ومن كفر فإن ربي غني كريم " أي غني عن شكر الشاكرين ولا يتضرر بكفر الكافرين ثم أمر سليمان عليه السلام أن يغير حلي هذا العرش وينكر لها لتختبر فهمها وعقلها ولهذا قال :" ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون * فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو " وهذا من فطنتها وغزارة فهمها ، لأنها استبعدت أن يكون عرشها لأنها خلفته وراءها بأرض اليمن ، ولم تكن تعلم أن أحداً يقدر على هذا الصنع العجيب الغريب ، قال الله تعالى إخباراً عن سليمان وقومه :
" وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين * وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين " أي ومنعها عبادة الشمس التي كانت تسجد لها هي وقومها من دون الله اتباعاً لدين آبائهم وأسلافهم لا لدليل قادهم إلى ذلك ولا حادهم على ذلك وكان سليمان قد أمر ببناء صرح من زجاج وعمل ماء فى ممره، وجعل عليه سقفاً من زجاج ، وجعل فيه السمك وغيرها من دواب الماء ، وأمرت بدخول الصرح وسليمان جالس على سريره فيه " فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين "
نهاية القصة :
نهاية قصة ملكة سبأ فيما لم يذكر القرآن والسنة الصحيحة أمر غير يقيني جاز روايته من كتب أهل الكتاب ما لم يخالف القرآن والسنة وما نذكره هنا مما جاء في التفاسير من هذا النوع والله أعلم وأحكم.
قال ابن كثير:
ذكر الثعلبي وغيره أن سليمان لما تزوجها أقرها على مملكة اليمن وردها إليه ، كان يزورها في كل شهر مرة فيقيم عندها ثلاثة أيام ثم يعود على البساط ، وأمر الجان فبنوا له ثلاثة قصور باليمن : غمدان وسالحين وبيتون فالله أعلم
وقد روى ابن إسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب بن منبه أن سليمان لم يتزوجها بل زوجها بملك همدان وأقرها على ملك اليمن وسخر زوبعة ملك اليمن فبني لها القصور الثلاثة التي ذكرناها باليمن ، والأول أشهر وأظهر والله أعلم.
وإلى لقاء آخر فى حلقة جديدة إن شاء الله
انتظروناااااا
دمتم فى رعاية الرحمن
|