لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية


ألياذة العرب

بسم الله الرحمن الرحيم أصدقائي الأعزاء أعضاء منتدي ليلاس السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هذا الموضوع بخصوص رواية كنت قد تشرفت في منتداكم الكريم أن عرضت منها فصلها الأول

موضوع مغلق
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-04-14, 05:48 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Apr 2014
العضوية: 266201
المشاركات: 6
الجنس ذكر
معدل التقييم: محمد شلبي عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 13

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
محمد شلبي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
افتراضي ألياذة العرب

 


بسم الله الرحمن الرحيم
أصدقائي الأعزاء أعضاء منتدي ليلاس
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا الموضوع بخصوص رواية كنت قد تشرفت في منتداكم الكريم أن عرضت منها فصلها الأول منذ مدة طويلة غير أن أمور أخرى قد شغلتني عن إتمامها
والأن وقد اتممت قسط كبيراً منها وأشرفت على انهاء جزءها الأول رأيت ان أتشرف بعرضها عليكم راجياً من الله تعالي أن تنال أعجابكم وأن تخبروني بملاحظاتكم الكريمة عليها والتي سوف تفيدني كثيراً
هذا وسوف اعرض فصولها تباعا منتظراً أرائكم
مع بالغ احترامي وتقديري
محمد شلبي

 
 

 

عرض البوم صور محمد شلبي  

قديم 13-04-14, 05:54 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Apr 2014
العضوية: 266201
المشاركات: 6
الجنس ذكر
معدل التقييم: محمد شلبي عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 13

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
محمد شلبي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : محمد شلبي المنتدى : ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
افتراضي الإهداء والمقدمة

 

إلي روح الشيخ أحمد ياسين
ومحمد الدرة
وأيات الأخرس
ووفاء إدريس
إلي هؤلاء وغيرهم من عرائس
الجنة الذين عشقوا الحرية فجعلوا
في موتهم ميلادها وفي فنائهم حياتها
أهدي هذه الأوراق



إستهلال
سمها ما شئت..سمها خارو كما أطلق الفراعيين على جزءها الجنوبي أو رتينو كما أطلقوا على جزءها الشمالي..سمها كيناهي أو كيناهنا وهي أصل كلمة كنعان كما جاء ذكرها في حفريات تل العمارنة قبل 15 قرن من الميلاد...أو إن شئت سمها كما نسميها جميعا.
الأن..فلسطين..وهي كلمة معربة أشتقت من البلشتيم وهم سكان أرضها الأصليون وقد جاء ذكرها كـ (فالستيا) في التوراة في سفر يوئيل الإصحاح 3:4 "وماذا أنتن لي : يا صور , ويا صيدون , ويا جميع دائرة فالستيا؟"
لا يهم أي من الأسماء سوف تختاره لها..ولا بأي لقب ستدعوها فمهما أختلفت الأسماء وتنوعت الألقاب سيبقى جوهر الأرض وحقيقتها هو الأصل كالرواسي الشامخات..ستبقي فلسطين أرض الزيتون وواحة السلام ..ستبقى مهد الأديان..مهجر الخليل عليه السلام وموطن أبناءه من بعده إسحاق ويعقوب..ستبقى مسقط رأس روح الله عيسي عليه السلام وقبلة خاتم الأنبياء الأولى.. ستبقي فلسطين عربية حتي النخاع بشهادة التاريخ وإن أبى الحاقدون ومزيفي الحقائق من اليهود الصهاينة. ستبقى المركز الروحي والديني الذي تطوف حوله القلوب كما تطوف الأرض حول شمسها , وربما كان ذلك خلف إتخاذ اليهود من الدين زريعة لإحتلالها وإغتصابها من أهلها العرب المسلمين..فما الدين إلا قناع أرتدوه في حربهم الباطلة لفرض سطوتهم الغاشمة وأرتكاب جرائمهم التي يندي لها جبين البشرية كلها وستروا خلف هذا القناع الزائف مقصدهم الحقيقي , ذلك الذي بدا جليا في تلك المحاضرة التي ألقاها في مونتريال بكندا عام 1947دكتور ناحوم جولدمان رئيس المؤتمر اليهودي العالمي حين قال: " لم يختر اليهود فلسطين لمعناها التوراتي والديني بالنسبة إليهم , ولا لأن مياه البحر الميت تعطي بفعل التبخر ما قيمته ثلاثة آلاف مليار دولار من المعادن وأشباه المعادن , وليس أيضا لأن مخزون أرض فلسطين من البترول يعادل عشرين مرة مخزون الأمريكتين مجتمعتين , بل لأن فلسطين ملتقى طرق أوروبا وآسيا وأفريقيا , ولأن فلسطين تشكل بالواقع نقطة الأرتكاز الحقيقية لكل قوى العالم ولأنها المركز الاستراتيجي العسكري للسيطرة على العالم."
إنهم اليهود في كل زمان ومكان..مثيرو الفتن والساعون لهدم الحضارات ..اللاهثون خلف حلم زائف ساذج بفرض سيطرتهم على العالم..هم اليهود الذين عاشوا حينا من الدهر ليس بالقصير حياة كريمة نعموا فيها بالسلام والأمان حين كانت فلسطين تحت الحكم العربي الإسلامي فلم يحفظوا الجميل ولم يأبهوا بالتاريخ الذي سوف يلعنهم ما دامت السماوات والأرض.
بل ربما هي الحقيقة المجردة إذا ما قلنا أن اليهود لم يتمتعوا بالحرية والكرامة إلا في تلك البلاد التي خضعت للحكم الإسلامي.. ولا أدل على قولنا هذا مما حدث بعد تراجع الحكم العربي الإسلامي عن شبه جزيرة أيبريا إذ إنقلب بهم الحال فتعرضوا لأطياف القهر والاضطهاد على تباينها كما حدث في أسبانيا عام 1480 ميلادية وما تلاه في البرتغال عام 1492 ميلادية.
ولقد حدا بهم ما ذاقوه من ألوان التمييز وما تجرعوه من كؤوس العذاب إلي أعتناق المسيحية ظاهرا ليتمكنوا من مواصلة الحياة هنالك وليبقوا في مأمن من بطش الحكومات المسيحية بهم فكانت تلك هي نواة أحدي طوائف اليهود السرية والمختلفة والتي ظلت طوال عقود تمارس شعائرها سراً.. وقد أطلق على هؤلاء اليهود الذين تحولوا إلي المسيحية قسرا العديد من الألقاب كـ (كونفرسوس) أي المهتدين إلي دين جديد و ( كرستاوس فوس) أي المسيحين الجدد.. غير أن أشهر تلك الألقاب والذي ظل لصيقا بهم هو ( المارانو) وهو لقب أختلف الكثير حول رده إلي أصله اللغوي وإن كان الراجح هو اقتباسه من كلمة مارانو الأسبانية والتي تعني الخنزير.
ناهيك عن محاكم التفتيش التي غزت أوروبا في القرون الوسطي بحثا عن هؤلاء اليهود المتخفون في عباءة المسيحية وتلك القوانين المجحفة التي جعلت المعيار العرقي هو أساس التمييز بين البشر كقرار نقاء الدم الذي صدر في أسبانيا عام 1566 لتطهيرها من اليهود.
فهل سمعنا بمثل هذه الأفعال وتلك القوانين الجائرة في أي من البلدان التي عاشت في ظل العرش الإسلامي؟
إنه وفي ذات الوقت الذي كسى فيه الدخان سماء أوروبا حتى كاد يحجب عنها الشمس بفعل حرق الحكومات الغربية في أوروبا المسيحية لكتاب اليهود المقدس و المسمى بالتلمود كان موسى بن ميمون الذي جعل منه صلاح الدين الأيوبي رئيساً للطائفة اليهودية في مصر وهو أعظم فيلسوف ومفكر تاريخي لليهود على مر العصور وصاحب كتاب مرشد الحياري الذي يعد أجل عمل في الفلسفة الدينية اليهودية وأوسعها قراءة وإنتشارا.. أقول كان بن ميمون يدون بكل حرية وبدون أي قيد أو رقابة مخطوطاته عن التلمود والفلسفة اليهودية بالرغم مما في فلسفته من تعنت وعنصرية ضد كل من هو غير يهودي خاصة المسيحيين.. فنراه مثلا يتحدث عن من هم من غير اليهود واصفا إياهم بأنهم ليسوا بشرا بل هم أقرب للبهائم كما أنه وفي تعليماته يحث اليهود على لعن يسوع عليه السلام إذا ما جاء ذكره ولعن كل من في قبور غير اليهود إذا ما مروا بها. ثم هاهو يبيح لليهود خطف الأطفال من الأمميين وبيعهم في سوق الرقيق.
وعلى أية حال ولإبراز وجهة نظرنا وما نرمي إليه أجده لزاما الإشارة إلي نقيض كل ما قد أسلفناه عن المارانو في أوروبا والغرب وأن نمر سريعا على يهود الدونمة في الدولة العثمانية.. وهي طائفة أخرى سرية نشأت في تركيا غير أن الفارق الكبير بين يهود المارانو ويهود الدونمة هو أن الطائفة الأخيرة قد أعتنق أعضائها الدين الأسلامي طواعية ودون إكراه أو إجبار من أي نوع كان وهو ما سوف نشير لملابساته في موضع متقدم من هذه الأوراق غير أنه يكفينا هنا لإيضاح هدفنا أن ننقل نص ما قاله الأستاذ عبد الوهاب المسيري في دراسته الرائعة والمعنونة ( اليد الخفية..الجماعات اليهودية الهدامة والسرية) إذ يقول
" وهم – أي يهود الدونمة- يختلفون عن يهود المارانو في أنهم أعتنقوا الإسلام طواعية دون قسر, فلم تكن الدولة العثمانية تُكره أحداً على إعتناق الإسلام".
ليس لعاقل بعد هذا أن ينكر مدى ما كان يتمتع به اليهود من حرية عقائدية وإجتماعية تحت لواء الإسلام الذي شدد على عدل معاملتهم وحماية دور عبادتهم وأتاحتهم المساحة الواسعة من الحرية في ممارسة شعائرهم الدينية بل وحرص كل الحرص على كفالة حقوقهم المدنية والإجتماعية والسياسية فكان للذمي – يهوديا كان أم نصرانيا – ما للمسلم وله ما عليه وليس أدل على ذلك من قول الزهري بأن دية اليهودي والنصراني كدية المسلم
أولم يأتى في آي الذكر الحكيم قوله تعالي
بسم الله الرحمن الرحيم " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" صدق الله العظيم (سورة الممتحنة أية 8 )
أولم يقل رسول الله صلي الله عليه وسلم " من ظلم معاهدا أو كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه" ؟
أو لم يأمرنا ألا نضيق عليهم في شؤون دينهم بقوله" أتركوهم وما يدينون"؟
ثم..
ثم إن هناك ثمة شهادة لا يمكن إغفالها ونحن نتحدث عن تسامح الإسلام مع اليهود وهي كلمة حق نطق بها المفكر اليهودي إبراهام ليون في مؤلفه المعنون " المفهوم المادي للمسألة اليهودية" حيث ورد في الصفحة 156 من الكتاب المذكور
" عامل الإسلام اليهودية بتسامح فاق ما لاقاه هذا الدين كتيار أيديولوجي أعترف بحقه في البقاء بالرغم من الهزيمة التي لحقت به."
ويبقي قبل أن ننهى هذا الأستهلال أن نتعرض في عجالة لنظرة اليهود لبعضهم البعض وهو مجال بحث طويل لا تتسع له حتى أضخم المجلدات غير أن عبارة الزعيم الصهيوني فوردو هي شهادة شاهد من أهلها .. تلك العبارة التي يقول فيها
" اليهود كالبكتريا القذرة التي تؤدي إلي عفن المكان الذي تصل إليه.
ثم هذا فرديناند لاسال أحد أشهر المفكرين اليهود يرى فيهم سلالة منحلة لتاريخ عظيم قد أندثر لذا فهو يتنصل بالكلية من كل ما يربطه باليهودية ويتبرأ منها.
إن كانت هذه نظرتهم لأنفسهم فكيف تكون نظرة الأغيار لهم؟
هم اليهود إذاً ولن يخلعوا عنهم ما هم فيه من جبن وخسة ونذالة مهما حاولوا أو حاول معهم الآخرون.
هم اليهود الذين سمحوا لأنفسهم في غفلة منا أن يغتصبوا بزعم كاذب أعز وأثمن ما لنا من أرض.
وعلى كلٍ إن كان يهوه قد وعدهم –كذبا وزورا وإدعاءا من عند أنفسهم – بأرض هي أبدا لم تكن يوما لهم فقد وعدنا ربنا سبحانه وتعالي – صدقا وعدلا ومنة منه – بالنصر المبين..فالصراع ليس بأبدي والمعركة لا محالة آتية..غير أن هذا النصر مشروط بإعدادنا لهم ما استطعنا من قوة وأسلحة لابد لنا من أن نشحذها ، هجومية كانت تلك الأسلحة أم دفاعية.
أما الهجومية منها فهي تلك الأسلحة التقليدية المتعارف عليها في الحروب كالطائرات والدبابات وغيرها.. وأما الدفاعية فلن تعدو كونها عودتنا إلي ربنا سبحانه وتعالي وإلي التمسك بتعاليم رسولنا الكريم والإعتصام بأصول ديننا القويم.
لقد وعدهم ربهم أرضاً ووعدنا ربنا يوما تدور فيه الدوائر بأيدينا عليهم والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وإلي أحداث الرواية
محمد شلبي
ميت عفيف – 29 يوليو 2011

 
 

 

عرض البوم صور محمد شلبي  
قديم 13-04-14, 05:57 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Apr 2014
العضوية: 266201
المشاركات: 6
الجنس ذكر
معدل التقييم: محمد شلبي عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 13

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
محمد شلبي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : محمد شلبي المنتدى : ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
Jded الفصل الأول

 


الفصل الأول
مدينة القدس.. عام 1901 ميلادية.
في باحة المسجد الأقصى وعلى بساطه الأخضر جلس الشيخ أيوب المقدسي وقد تحلق حوله رهط من الرجال مع من تحلقوا من طلاب علمه الكثيرين ينصتون للشيخ الوقور بإرهاف من على رؤوسهم الطير.
كانت صلاة العصر قد فرغت لتوها, وكعادة الشيخ أيوب جلس يحادث تلامذته ويلقنهم من علوم الدين على مختلف فروعها من حديث وفقه وشريعة وغيرها, كما كان يفعل عصر كل يوم وحتى مغيب الشمس, بصوته الهاديء وقسماته الوديعة ولحيته التي خالطها الشيب وتلك الابتسامة التي لا تفارق شفتيه. بيد أنه بدا في هذا المساء على غير ما عهدوه, فقد كان متهدج الصوت مضطرب النظرات تحمل أنفاسه بين الفينة والأخرى زفرات ملئها التوتر المشوب باللهفة والشوق وكأنه على موعد مع حبيب طال الشوق إليه وانتظاره.
مع مطلع عام 1860 ميلادية وفي بيت المقدس كان مولد الشيخ أيوب وبين أشجار الزيتون الوارفة, التي ملئت أرجاء المدينة فأضفت عليها من الجمال ما زادها رونقاً, كانت نشأته حتى بلغ من الشباب مطلعه. ولأن والده كان رجلا ورعا تقيا حالت ظروف الحياة القاسية بينه وبين حلمه في أن يصبح رجل دين يدعو إلي سبيل ربه فقد نذر ولده الوحيد للعلم وجعله وقفا على الدعوة لدين الإسلام, فما أن بلغ أيوب السادسة من عمره حتى دفع به والده إلي أحد مشايخ المدينة البارزين ليحفظ على يديه كتاب ربه ويتعلم كيف يتلوه حق تلاوته.
ولقد كان الفتى الصغير ذكيا ذا عقل متقد وشغف للعلم جعله يقبل عليه بنهم من لا يشبع, ولم يكن في تلك الأيام أسعد من والده على وجه البسيطة وهو يرى طفله الصغير يضرب في طرقات العلم بخطوات سريعة ثابتة وواثقة إلي الحد الذي جعل شيخه ومعلمه يتنبأ له بمستقبل باهر يضعه في مصاف الأئمة العظام.
عشر سنوات قضاها الفتي في كنف شيخه وأستاذه عبد السلام الأحمد فارتبط به إرتباطا وثيقا وكأنه جنين تشبث بحبله السُري..كان أشد ما جذبه لهذا الشيخ الوقور وأكثر ما أثار أعجابه في شخصيته الفريدة الرائعة هو علمه الواسع مع تواضعه الجم.
ذات يوم أمتدحه وأثنى على أتساع مداركه وتشعب معارفه فأطرق الشيخ برأسه وكست وجهه حمرة لم يستطع الفتى أن يفسرها وقتها, أهي حمرة الخجل؟ أم أنه الغضب قد أخذ بمجامع الرجل الوقور الطويل الصمت والتأمل؟.. ذلك أن الشيخ عبد السلام كان من ذلك النوع من الرجال الذي يرى في المديح باب للتملق ومسلكا من مسالك الغرور إلي النفس, وما أكثر من ملك عليهم الكبر ذواتهم لكثرة ما صب من مدح في مسامعهم.
أوجس الفتي في نفسه خيفة أن يعتريه غضب معلمه وأباه الروحي فسأله بصوت متعثر ينضح بالتوتر
"ماذا بك يا شيخي؟!"
رفع إليه شيخه رأسه ورمقه بنظرة ثاقبة أحس معها أيوب وكأنه عصفور قد بلله القطر فانتفض..ثم ما لبث أن جاءه صوت الشيخ كعادته جهورا عميقا وإن كان يحمل هذه المرة من الحدة ما لم يخفى على مسامعه
" أعلم يا ولدي أن العالم مهما بلغ من العلم إنما يحمل من بحور المعارف قدر ما يحمل الطائر في منقاره من ماء البحر, فالله عز وجل يقول في محكم آياته وما أوتيتم من العلم إلا قليلا,ومن سلك مسالك العلم أفنى فيها عمره وما قطع منها سوى خطوات قليلة, وأن العالم الحق من ظن في نفسه الجهل ذلك أن ظنه هذا دافعه لأن يسعى حثيثا خلف تحصيل المعرفة,وأن من أعتقد في نفسه أنه قد بلغ سنام العلم قعد عن طلبه وأصابه من الكِبر ما يرميه في مصاف الجُهل, وإني إنما أريدك أن تسعى وتلهث خلف المعارف, فلا تفرحن يوما بمدح جاهل ولا تحزنن لنقد عاقل ولا تجعل شيئا يحول بينك وبين مطلبك إلا الموت."
كانت كلمات الشيخ تقطر من فمه كالدر النفيس فبقيت عالقة بذهن أيوب لا تبارحه.. بقيت هناك في ركن قصي من عقله فما أمتدت إليها يد النسيان وما أستطاع أن يمحوها تعاقب الليل والنهار.
هو لا يزال يتذكر تلك الليلة البعيدة وكأنها الأمس القريب.. في تلك الليلة كان الشيخ عبد السلام يتأهب لسفر طويل أعتاد عليه في مثل هذا الوقت من كل عام وبقى على تلك العادة لم يقطعها حتى وافته المنية.. ذلك أنه ولشهر كامل كانت رحلته السنوية إلي قلب الدولة العثمانية الأستانة حيث كان يقضي أياما هناك مع صديق له يدعى كاظم باشا .
هكذا أخبره شيخه كما أخبره أيضاً بأن صديقه هذا يعمل في بلاط الخليفة العثماني وأنه قد تعرف عليه منذ سنوات حين أرسله السلطان الراحل عبد المجيد الثاني في مهمة هنا ببيت المقدس.
في تلك الليلة كان على أيوب أن يودع شيخه وأستاذه بقلب يكاد ينفطر كمداً فلكم كانت تلك الأيام التي يغيب فيها شيخه عنه ثقيلة على عقله ووجدانه ولكم كان يشعر بالوحدة والفراغ يكادا يذهبا بروحه.. كان دائما ما يساوره الإحساس بأن المدينة بل والعالم بأسره قد خلا من حوله فكان يعكف على حساب الأيام والليالي منتظراً عودة شيخه من رحلته.
غير أن الشيخ عبد السلام وفي رحلته الأخيرة تلك لم يعد.. أو ..
أو أنه عاد جسداً بلا روح.
وما كان الفتى يعلم أن وداعه لشيخه في تلك الليلة هو الوداع الأخير.
...................................
في أواخر عام 1876 م كانت أخر رحلات الشيخ عبد السلام إلي الأستانة.. ولم يكن هناك ثمة ما يذكره بأول مرة تقع عيناه فيها على هذه الدرة النفيسة سوى ذلك الأنبهار الذي طالما أستحوذ عليه وكان القاسم المشترك بين جميع سفراته إلي هناك.
بميناء على ضفاف البسفور رست به السفينة.
كان رصيف الميناء على صغره يضج بالحياة وبأكتاف متزاحمة ووجوه أختلط فيها السرور بالحزن .. فذاك الباسم قد جاء في أنتظار صديق أو قريب طالت غيبته وثار القلب شوقا لرؤيته.. وتلك المتجهمة الباكية لابد أنها زوجة أو أم في وداع زوجها أو ولدها الذي سوف تحمله الأمواج عما قريب نحو المجهول.. أقدام غادية وأخرى آتية.. أبتسامات لقاء وعبرات وداع.. أصوات مختلطة بألسنة متباينة.. فذاك يصيح بالتركية في خادمه أن يسرع بحمل حقائبه.. وهذان الصديقان قد أرتمي كل منهما بأحضان الأخر وقد لُفظت حرارة اللقاء على لسانهما بالعربية.. وتلك المرأة تقلب عينيها بحثا عن شخص تعرفه وهي تتأفف بلغة أوروبية..وذلك الشاب الحاد الملامح لابد أنه إيراني فقد كان ينادي علي أحد الحمالين بالفارسية و....
والشيخ عبد السلام هناك عند حافة السفينة قد ولى وجهه شطر تلك الأمواج المتلاطمة من البشر يرقب رصيف الميناء بشرود وإنبهار كادا ينسياه أن السفينة قد دخلت بوغاز الميناء وأن الرفاق على متنها شرعوا في مغادرتها.
رباه!!!!...
كم هي رائعة الحسن تلك المدينة!!..كأنها قطعة من الفردوس..كأنها عروس ليلة زفافها.. وكأن البسفور جبينها الوضاء كاللجين المذاب.
كل شيء فيها يسحر الناظر ويأسر الألباب!!.. مساجدها المهيبة.. قصورها الراقية..حدائقها الغناء..أسواقها.. محلاتها.. طرقاتها.
طرقاتها؟!!
إن كل خطوة في تلك الطرقات هي أقتفاء للتاريخ والحضارة .
منذ أن كانت لبنة خضراء في جدار الحضارة سرت النبؤة بأنها ستلعب دورا فارقا في تاريخ العالم.. كانت وكأنها ذلك النوع من العباقرة الذي يلفت الأنظار لموهبته وهو بعد ناعم الظفر.. قال عنها نابليون بونابرت الأول فيما قيل عنها من زعماء العالم ومشاهيره
" لو كان العالم كله دولة واحدة لكانت أستنبول عاصمتها."
فمتي كانت البداية ؟!.. ومتي كللت ببهاءها مفرق الأرض؟
"أختلف المؤرخون حول تحديد التاريخ الفعلي الذي أشرقت فيه شمس الأستانة على العالم وإن كان الراجح في الرأي بينهم أن مدينة بيزنطة – أول ما أطلق عليها من الأسماء – قد ظهرت للوجود عام 660 ق.م. على يد (بيزاس) ملك الميغاريون وذلك على الجانب الأوروبي من البسفور وما لبثت أن تطورت حتى صارت من أحصن المدن آنذاك.. وما زالت على حالها هذا حتى عام 196 م. إذ لحق بها الدمار والخراب في ذلك العام بعد أن أعلن عليها الحرب الإمبراطور الروماني (سبتيموس سفيروس) ووقعت تحت حصاره.. غير أن العناية الألهية شاءت أن تنتشلها مما لحق بها من دمار وخراب فكان ذلك علي يد البطريرك (ساويرس الأنطاكي) فأعاد إليها ما كان لها من مجد وإزدهار."
راح الشيخ عبد السلام يستمع بشغف شديد لقبطان السفينة التى كانت تحمله إلي أستنبول وقد جمعهما على ظهر السفينة السمر في ليلة هادئة ناعمة النسيم وقد حبس أنفاسه لا لإنبهاره فحسب بل ربما مخافة من أن تقطع تلك الأنفاس اللاهثة على القبطان حبل الحديث الذي راح يسترسل من فمه بحماسة الضارب لآباط الأمور.
" في عام 324 م. وبعد أن ألحق الإمبراطور الروماني (قسطنطين الأول) الهزيمة الساحقة بعدوه اللدود الإمبراطور ( فاليريوس ليسينيوس) بمعركة أسكودار جذب موقع المدينة الساحر نظره وشغفه فاستحالت بعد ست سنوات من المعركة أي في عام 330 م. إلي العاصمة الجديدة للإمبراطورية الرومانية وتحول اسمها إلي القسطنطينية – أي مدينة قسطنطين – وظلت علي حالها من القوة والإزدهار حتي عام 395 م. حين فارق الحياة الإمبرطور الروماني (ثيودوسيوس الأول) وتقسمت إمبراطوريته من بعده فباتت القسطنطينية عاصمة للإمبراطورية البيزنطية التي جعلت من المدينة مركزا عالميا للتجارة بل ومركزا روحيا ودينيا للمسيحيين الروميين الأرثوذوكس الذين ملئوا أرجائها بأفخم الكنائس وأعظمها على الأطلاق آنذاك ككتدرائية آيا صوفيا التي تحولت فيما بعد مع الفتح الإسلامي إلي مسجد."
" يا الله!!..لكأنني أشاهد التاريخ يمثل حيا أمامي."
هكذا هتف الشيخ عبد السلام باللغة التركية العثمانية التي كان يجيدها تماما ًبعد أن توقف القبطان برهة يشعل فيها غليونه الذي لم يكن يفارق شفتاه قط.
" أكمل .. أكمل يا صديقي."
نفث القبطان دخان غليونه في الهواء قبل أن يستكمل حديثه وهو يطالع البحر الجاثي أمامهما هادئا ومهيبا والأفق المظلم الممتد أمامهما كأنه كهف عميق فاغر فاه ومتأهبا لأن يبتلع السفينة إلي المجهول.
كان حديث القبطان مشوقاً قد جذب مسامع الشيخ عبد السلام فأرهف السمع وأمعن الأنصات وهو يستمع إلي قصة فتح الإسلام للقسطنطينية عام 1453 على يد القائد العثماني محمد الثاني الفاتح الذي أعاد إليها شروقها ورونقها بعد أن سمح لسكانها من المسيحيين الفاريين بالعودة إليها وأطلاقه لسراح من كان قد تم سجنهم من الجنود والسياسيين ليعيشوا بكل حرية في أحضان إسلامبول – هكذا أطلق عليها السلطان محمد الفاتح وهي كلمة تركية تعني مدينة الإسلام أو تخت الإسلام – بل وجعل منها مدينة متعددة الثقافات بما شملتهم من مسلمين ومسيحيين ويهود.
ولأن السلطان محمد الثاني أراد لمدينته أن تكون أجمل عواصم العالم فقد شيد فيها من القصور والحمامات والحدائق العامة والأسواق والمعاهد والخانات وغيرها من الأبنية ما جعل من بهاءها مضرباً للأمثال فكان من أشهر ما خلفه السلطان في المدينة قصر الباب العالي ومسجد أبي أيوب الأنصاري الذان كانا وما زالا شاهدان على عظمة الفن المعماري الإسلامي.
ومنذ ذلك الحين الذي ظلل فيه الحكم الإسلامي سماءها حملت من الأسماء ما لم يحمله غيرها من المدائن من حيث الكثرة والعدد فهي الأستانة – عتبة السلطان – وهي الباب العالي.. ودار السعادة..ومقام العرش والدار العالية.. ثم هي أستنبول وهو أسم مشتق من الكلمة اليونانية أستنبولين أي " إلي المدينة".
كانت تلك الليلة التي دار فيها ذلك الحديث حول تاريخ الأستانة هي السابقة على بلوغ الرحلة نهايتها ودخول السفينة إلي الميناء ولقد أخبر الشيخ صاحبه الذي أسره بمعرفته الواسعة وتمني لو طال بهما الحوار إلي غير نهاية.. أخبره أن ثمة حالة من الذهول دائما ما تأخذه بعيدا عما حوله ومن حوله في كل مرة تقع فيها عيناه علي هذه المدينة الساحرة وكأنها مرته الأولي التي يخطو فيها على أرضها.
والحق أن كلام الشيخ لم يجد تصديقا من صاحبه ذلك أن الإنسان إذا ما أختلف علي مكان ما أو مدينة من المدائن وأعتاد إرتيادها فإنه ومن الطبيعي أن يألفها.. حقا أن الإنسان قد يرتبط عاطفيا ووجدانيا بهذه المدينة أو تلك على نحو قد يصل إلي حد العشق وربما الهوس ولكن أن يصاب بتلك الحالة التي يتحدث عنها الشيخ من الذهول والإنبهار كلما وطأها بقدمه وكأنها المرة الأولي التي يتعرف فيها عليها؟!!!.. هذا ما كان مستغربا من أمر الشيخ وما دفع القبطان إلي الإعتقاد بأن كلام صاحبه إنما هو ضرب من المبالغة أو ربما هو نوع من المجاملة الحميدة له كتركي ولد ونشأ بها.
ولإن كان القبطان لم يمل إلي تصديق الشيخ عبد السلام فيما قاله عن عشقه لإستنبول وهوسه بها بيد أنه سرعان ما داخله شعور بأن هذا الشيخ الوقور الجالس أمامه يحادثه ربما كان صادقا فيما ذهب إليه بشكل أو بأخر.. ولعل ما دفعه إلي تغير موقفه على هذا النحو هو ذلك الحزن والوجوم الذي بدا جليا على وجه الشيخ عبد السلام حين قال له مستكملا حديثه حول تاريخ الأستانه.
" غير أنه وفي يوم 14 سبتمبر لعام 1509 م. حدثت الفاجعة التي أشتهرت فيما بعد بفاجعة يوم القيامة الصغير.. إذ أنه وفي ذلك اليوم ضرب المدينة زلازل شديد قضى على أرواح الكثير من أهلها وخلف وراءه الكثير من الجرحى والعشرات من المباني والمعالم التي هدمت وبقيت على حالها من الخراب حتي أمر السلطان (بايزيد الثاني ) في عام 1510 بإعادة إعمار وبناء ما تهدم من الأبنية والمعالم مستخدما لذلك ما يزيد عن الثمانين ألف من العمال والبنائين."
فرغ القبطان من حديثه محولا ناظريه نحو الشيخ فوجده واجما قد طأطأ رأسه يحملق في أرض السفينة الخشبية بنظرات تحمل من الأسى أكثر مما تحمل من غيره فابتسم بإشفاق وندت منه زفره وهو يتأهب للنهوض فانتزعت حركته المفاجأة الشيخ من شروده.
نظر الشيخ إلي صاحبه الذي كان الأن يقف أمامه متأهبا للإنصراف وسأله بصوت هامس
" إلي إين يا صديقي؟"
ضحك القبطان وهو يمد يده مصافحا الشيخ
" إلي العمل أيها الشيخ الكريم.. أنسيت أنني المسئول عن هذه السفينة؟."
" ولكن لا زال لدينا متسع من الوقت فلم لا تزيدني من حديثك حول الأستانة؟"
" إننا سوف نصل إلي الميناء غدا مع المساء إن شاء الله ولابد لي من إنهاء بعد الأعمال قبل أن يحل الغد."
" الأمر ما ترى إذن."
كان ذلك أخر ما دار من حوار بين الصديقان في تلك الليلة قبل أن يفترقا وقد خلف كل منهما في وجدان صاحبه من مشاعر الإعجاب والود ما أنبت في قلبيهما ألام الوداع في مساء اليوم التالي حين رست السفينة معلنة بلوغ الرحلة نهايتها.
كان الشيخ عبد السلام لا يزال على وقفته عند حافة السفينة يراقب من حوله وما حوله وقد داخله شيء من التوتر والقلق ذلك أنه راح يطوف بناظريه أرجاء الميناء بحثا عن وجه صديقه ومضيفه كاظم باشا دون جدوى.
على بعد خطوات منه وخلفه مباشرة كان القبطان واقفا يرمقه بنظرات باسمة وإن خالطها شيء من الأسى لوشك مفارقته ذلك الشيخ الجليل الذي سحره بهدوءه ووداعته وتواضعه الجم مع ما هو عليه من واسع العلم.. على أنه لم يطل تأمله لصاحبه المنشغل بمراقبة الميناء إذ شق طريقه بين جموع الراكبين المتدافعين في سبيلهم لمغادرة السفينة حتى بلغ موضع الشيخ فربت على كتفه بود ظاهر
" حمدا لله على السلامة يا شيخ عبد السلام."
أنتبه الشيخ على صوت صاحبه فالتفت إليه وأجاب باسما
"سلمك الله من كل شر يا صديقي."
" أتنوي مغادرة السفينة أم أنك قررت قضاء رحلتك علي متنها؟"
ضحك الشيخ مجيبا
" هذا يعتمد على قرارك أنت بالبقاء على متنها من عدمه."
ابتسم القبطان لمجاملة الشيخ
" لا تنسي يا عزيزي أن لي زوجة وولدا لم أرهما منذ شهرين كاملين.. غير أني أرجو أن تتيح لنا الأقدار لقاءا آخر عما قريب."
"إذن فهو الوداع على أمل اللقاء..ولكن حقائبي........"
قاطعه القبطان
" لقد أمرت أحد البحارة بمعاونتك على حمل حقائبك حتي تغادر الميناء."
" بورك فيك يا صديقي العزيز."
هبط الشيخ من السفينة وقد تبعه بحار شاب حاملا حقيبته حتي إذا ما باتا خارج الميناء شكر له الشيخ صنيعه وأذن له بالإنصراف.
كانت الحيرة قد ملكت عليه أمره إذ أنه وفي جميع زياراته السابقة على تلك الزيارة قد تعود من كاظم باشا أن يجده أول المستقبلين له غير أنه لا يراه هذه المرة فأوجس في نفسة خيفة أن يكون قد أصاب صاحبه ضرا أو نزلت به نازلة فعربد القلق في فؤاده وأعمل الفكر فيما عليه أن يصنع فلم يجد بدا من أن يستأجر عربة تحمله إلي حيث دار ضيافة كاظم باشا.
وبينا الشيخ في شروده يبحث عن مخرج لما هو فيه من مأزق إذ مرت به عربة مغطاة يجرها زوج من الخيول ما لبثت أن توقفت على بعد خطوات منه على نحو مفاجيء.. وما كادت تستقر مكانها حتى أطل من نافذتها الضيقة رأسا عرف الشيخ فيه وجه كمال جلبي رئيس الخدم بدار الضيافة.
زفر الشيخ بقوة ليتخلص من ذلك التوتر والقلق الذي كان يتملكه وأحس براحة عارمة تداخله وهو يتطلع إلي وجه كمال الباسم الذي أسرع بالهبوط وقد تبعه شاب طويل القامة قوي البنيان حليق الرأس واللحية.
دون أن ينبث الشاب القوي ببنت شفة وبخطوات من يعلم دقائق واجبه حمل حقيبة الشيخ وأودعها العربة وظل واقفا عند بابها يراقب في صمت ما يدور بين رئيسه وذلك الشيخ الوقور الذي كان يراه للمرة الأولي.
كان كمال في تلك اللحظة يحتضن الشيخ بحميمية وهو يقول بشبه صياح فرِح
" حمدا لله على سلامتك يا شيخ عبد السلام."
سأله الشيخ متلهفا دون أن يلتفت لعبارته السالفة
" أين كاظم باشا؟.. أرجو ألا يكون مكروها قد أصابه."
ضحك كمال وأجاب مطمئنا الشيخ
" بل أصابه الخير كله."
كان كاظم باشا علوي من ذلك النوع الذي لا يخشى في الحق لومة لائم.. هكذا عهده الشيخ عبد السلام منذ أن عرفه.. ولقد كانت تلك المزية السر خلف دنوه من السلطان الراحل عبد المجيد حتى بات مستشاره الأثير.
ولذلك قصة عجيبة أنتشرت بين رفاقه المقربين.. أما تلك القصة فمفادها أنه ومنذ سنوات تولى كاظم باشا منصبه كقاضٍ شرعي بإحدي محاكم الأستانه, ولقد حدث ذات يوم أن نُظرت أمامه قضية ذاع خبرها في أرجاء الأستانة آنذاك فلقد عُثر في دار رجل سوداني الأصل كان يعمل حمالا على جثة رجل مقتول ولم يكن هناك من قرينة لتبرئة ذلك المتهم الذي لم يتفوه سوى بجملة واحدة كانت هي إجابته على كل سؤال يسأله له القاضي
" إني لا أعلم صاحب هذه الجثة والله يشهد على أني من دمه بريء."
لم يكن أمام كاظم القاضي في ذلك الوقت إلا أن يحكم بضرب عنق الحمال على ما أقترف من جرم حتى إذا ما جاء يوم القصاص إذا برجل تركي يقتحم على القاضي مجلسه وهو يصيح
" سيدي القاضي.. سيدي القاضي.. إن ذلك الحمال المسكين بريء من دم المقتول هذا."
تعجب كاظم لإقتحام الرجل مجلسه على هذا النحو ولقوله الذي كان يحمل نبرة ثقة ويقين فسأله عن برهان ما يقول.
طأطأ الرجل رأسه خجلا وهو يقول
" لأني أنا من قتله يا سيدي.. لقد كان بيني وبينه شيء من خلاف تطور إلي إشتباك وعراك إنتهي بقتلي له وكان بيت ذلك الحمال الأقرب إلي فهداني شيطاني إلي ان أتسلل إليه وألقي فيه بالجثة درءا للشبهة عني.. وها أنا ذا قد جئت تائبا أريد أن أريح ضميري وأن لا أكرر جرمي بقتل ذلك الحمال المسكين."
كان تلك هي القضية التي ذاعت بين الناس في المدينة وتناقلتها الألسن لا لغرابتها بل لغرابة ما نطق به كاظم من حكم إذا حكم بتبرئة الحمال والعفو عن القاتل التائب.
فلما أن علم السلطان عبد المجيد بما حدث وما كان في تلك القضية أرسل من فوره إلي شيخ الإسلام يطلب مثوله أمامه في القصر الشاهاني وبصحبته ذلك القاضى صاحب أغرب ما سمع من حكم.
"كيف تعفو عن قاتل أعترف بذنبه وبما أقترفت يداه؟!"
هكذا سأله السلطان عبد المجيد وقد تفردت بهما وبصحبتهما شيخ الإسلام قاعة العرش في قصر دولمة بهجت السلطاني.
أجاب كاظم بثبات من يعرف الحق ولا يحيد عنه
" عذراً شاهانتكم.. إن الله سبحانه وتعالي يقول أن من قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً.. ولقد قتل هذا الرجل نفسا وأحيا غيرها فهذه بتلك وحسابه إلي الله."
تعجب السلطان عبد المجيد لقول كاظم والتفت إلي شيخ الإسلام يسأله رأيه عما سمع
" ماذا يقول شيخ الإسلام فيما سمع الأن؟"
أجاب الشيخ باسماً
" إني يا مولاي لا أري غضاضة فيما حكم به القاضي كاظم.. بل لعلي أري في حكمه سهم الحكمة الذي أصاب به كبد العدل."
كانت تلك القصة الغريبة وذلك الحكم الأغرب هو مثار إعجاب السلطان عبد المجيد بكاظم الذي أحتل مكانة خاصة في قلبه فقربه منه وجعله مستشارا له وخلع عليه لقب باشا.
ولقد ظل كاظم باشا سنوات يعمل مستشارا لدي السلطان العثماني حتى لحق به ما يلحق بالناس وأخترمه الموت فتولى من بعده أمور العرش شقيقه السلطان عبد العزيز والذي كان علي خلاف شبه دائم مع كاظم باشا.
ولطالما عارض كاظم باشا سياسة السلطان عبد العزيز التى كادت تودي بالإمبراطورية كلها وتجعل منها أثرا بعد عين.. لطالما وقف حجر عثرة ضد تلاعبه بمقدرات الإمبراطورية وثرواتها التي راح ينفقها ببزخ ألصق به لقب عبد العزيز المبذر حتي لقد بلغت ديون الإمبراطورية الخارجية في عهده 250 مليون ليرة.. فلما ضاق عليه صدر السلطان ونفذ صبره أمر بطرده من القصر السلطاني وإمعانا في التنكيل به ومخافة من أن يلتف حوله رجال القصر فيثيرون البلبلة والزعزعة في أركانه أمر بإلقاء القبض عليه وأودعه السجن.
مكث كاظم باشا في السجن مدة لا يلتفت إليه أحد حتى تآمر رجال القصر على سلطانهم عبد العزيز فأنتزعوه من فوق العرش ليجلسوا مكانه السلطان مراد الخامس الأخ الأكبر للسلطان عبد الحميد والذي لم يدم على العرش سوى قرابة الثلاثة أشهر كانت كافية لأن يعمل رفاق كاظم باشا على إخرجه من محبسه قبل أن يصاب السلطان الجديد بالجنون ويطرد خارج قصر دولمة بهجت ليدخله أخوه عبد الحميد الثاني سلطانا للدولة العثمانية.
" ولما سمع مولانا السلطان عبد الحميد الثاني حفظه الله ما كان من أمر سيدي كاظم باشا وما وقع عليه من ظلم مبين من عمه عبد العزيز أرسل إلي قصر سيدي صباح اليوم رسوله يدعوه للتوجه لقصر دولمة بهجت ومقابلة شاهانته."
كان كمال يحادث الشيخ مفسراً له لغز إختفاء سيده وعدم أستقباله للضيف في الميناء هذا المساء وقد تهللت قسماته بالبشرى.. بينما راحت الجياد تلتهم الأرض إلتهاما وكأنها تسابق الريح إلي دار الضيافة وهي تجر خلفها العربة المغطاة حيث أستقر الشيخ وإلي جواره رئيس الخدم بينما قبالته جلس الخادم الشاب وقد أحتفظ بصمته دون أن يحرك ساكنا وكأنه تمثال قُد من صخر وأكتفي بالتشاغل عنهما بمراقبة الطريق من نافذة العربة الضيقة.
تسائل الشيخ متعجباً
"ومن أوقف السلطان علي نبأ كاظم باشا."
" لقد حدث منذ يومين أن جلس إلي السلطان عبد الحميد شاكر باشا الدفتردار وهو صديق مقرب لسيدي كاظم باشا."
" أجل .. إني أعرفه جيداً فلقد قابلته غير مرة بدار الضيافة.. أليس هو ذلك الأشقر طويل القامة ذو الشارب الكث."
ابتسم كمال جلبي مجيباٍ
" أحسنت.. إنه هو.. وهو أيضا من فاتح السلطان أدام الله حكمه في أمر سيدي كاظم باشا فتأثر شاهانته أيما تأثر بما سمع وأرسل في أستدعاء سيدي هذا الصباح فانطلق إليه ملبيا غير مبطيء بعد أن عهد إلي شرف إستقبالكم وحملني رسالة إعتذار إذ ربما يضطر لقضاء ليلته بالقصر السلطاني."
تنهد كمال كأنما قد أزاح عن صدره حملا ثقيلا قبل أن يستطرد
" هذا ما كان من أمر سيدي وما حبسه عن استقبال شخصكم الكريم اليوم."
ضحك الشيخ حتى بدت نواجزه وقال متهللا
" هذه والله خير بشرى."
ما أن فرغ الشيخ من عبارته حتى وقعت عيناه من النافذة على مسجد آيا صوفيا وكان على بعد أمتار قليلة منهم فاستأذن كمال في أن يعرجوا إلي المسجد فقد دنا موعد صلاة العشاء وقد حدثته نفسه أن يصلى لله شكرا على ما سمع من طيب الأخبار عن صاحبه قبل أن يرتفع الأذان بالصلاة.
أومأ كمال برأسه ملبياً وطلب من الخادم الشاب أن يأمر السائق بالتوقف قائلاً
" مر السائق فاليتوقف عند المسجد يا جعفر."
أنتبه الشيخ لوجود الشاب وكان قد جرفه الحديث بعيداً فنسيه تماما وللمرة الأولي منذ أن وقعت عليه عيناه أتاه صوت جعفر الخشن وهو يصيح بالسائق الذي كان يقود الجياد بالخارج أن يتوقف عند مسجد آيا صوفيا.
هذا كل ما كان من أمر الشيخ عبد السلام الأحمد منذ أن وطأ بقدمه أرض أستنبول وحتى هذه الساعة التي دلف فيها المسجد وبجواره رئيس الخدم كمال يتبعهما الخادم الغامض جعفر.. وحتي لا نثقل على الشيخ أرى من اللياقة أن نتركه الأن لصلاته ولنبحر بعيدا إلي غير هذا الموضع لنري ما سيكون من أحداث أخرى.

 
 

 

عرض البوم صور محمد شلبي  
قديم 13-04-14, 09:56 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو راقي


البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 67082
المشاركات: 1,513
الجنس أنثى
معدل التقييم: لست أدرى عضو جوهرة التقييملست أدرى عضو جوهرة التقييملست أدرى عضو جوهرة التقييملست أدرى عضو جوهرة التقييملست أدرى عضو جوهرة التقييملست أدرى عضو جوهرة التقييملست أدرى عضو جوهرة التقييملست أدرى عضو جوهرة التقييملست أدرى عضو جوهرة التقييملست أدرى عضو جوهرة التقييملست أدرى عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 2076

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
لست أدرى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : محمد شلبي المنتدى : ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
افتراضي رد: ألياذة العرب

 
دعوه لزيارة موضوعي

بداية جميلة أخى ... ورواية تبدو مميزة بفكرتها واسلوبها


اهنئك مقدما علىها وعلى لغتك الفصحى المتمكنة ... ماشاء الله


بانتظار بقية الفصول ... ارجو أن لا تطيل علينا


تقبل مرورى أخى

 
 

 

عرض البوم صور لست أدرى  
قديم 13-04-14, 10:58 PM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Apr 2014
العضوية: 266201
المشاركات: 6
الجنس ذكر
معدل التقييم: محمد شلبي عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 13

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
محمد شلبي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : محمد شلبي المنتدى : ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
افتراضي رد: ألياذة العرب

 

عزيزي / عزيزتي لست أدري
تحية طيبة وبعد
اشكر لك مرورك الكريم
وفي أنتظار ملاحظاتك وانتقاداتك البنائة
مع خالص أحترامي
محمد شلبي

 
 

 

عرض البوم صور محمد شلبي  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ألياذة, العرب
facebook




جديد مواضيع قسم ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 02:53 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية