المنتدى :
روايات أونلاين و مقالات الكتاب
تخيل بأسلوب د.أحمد خالد توفيق
تخيل !!!!!
تخيل معي يا صديقي أن التكنولوجيا التي تستعملها الآن قد اختفت فجأة و لم يعد لها أي وجود...
كثر هم من يقولون أن التكنولوجيا هي سبب ما يحدث لنا من كوارث..يطل عليك من التلفاز رجل صارخ يقذف اللعاب من فمه طوال الوقت قائلا "إن هذا الشباب الرقيع هو سبب كل البلاوي هم من كانوا سببا في تقهقر الإسلام و ضعف المجتمع العربي و اقتصاده عبر شرائه لمنتجات الغرب...من أين أتى الكمبيوتر هذا اللعين الذي جعل من ابني المتدين مجرد شاب عابث آخر..من أين هذا الموبايل المقيت ليحيل حياة ابنتي جحيما من مغازلات و اتصال مع الأولاد.." ثم يقرر أن يخرس قليلا ليمسح فمه الذي تحول بشكل ما إلى خرطوم مياه المطافئ..ثم يواصل و قد بدا أن سب جيل اليوم يعجبه "هذا الجيل المنحل..جيل الفايسبوك و التويتر و المواقع الخليعة من أين لهم بانتصارات أحمس و معارك حنبعل و غزوات المسلمين إنما هم شباب التراخي و إن عزم المجتمع العربي على الإعتماد على هؤلاء فليتلو الصلوات الأخيرة على ما بقي من كرامته المفتتة أمام بقية المجتمعات.." ثم ينتهي الضيف المشحون بالحقد تجاه الشباب و يقرر مقدم البرنامج أن يخرس هذا الرجل للأبد فينهي برنامجه التعس..
تخيل يا صديقي أن أحد المسؤولين في وزارة الإعلام و التكنولوجيا قد رأى هذا المقطع ثم قرر إخطار الوزير بالأمر...ينظر هذا الأخير للأمر بحنكة ثم يقرر فصل شبكة النت و حجز جميع أنواع الموبايل و مقاطعة الأجهزة الحديثة نهائيا..
لن يتبدل الأمر كثيرا يا صديقي فسرعان ما يتعلم الناس الإعتماد على الجرائد و الكتب الضخمة في تسليتهم أيام العطلة...سيعود الشباب إلى قراءة الكتب المنسية على المكتبة..و يمارسون الرياضة..أما الفتيات فسيعلمن أن مهامهن من الآن فصاعدا دورهن كربات منازل تحت التمرين...و لا بأس من تزجية وقت الفراغ إن كان هناك شيء منه في قراءة روايات العقاد و أشعار بيرم التونسي بالطبع لا مزيد من قصص مارك توين و لا أوسكار وايلد أو حتى روايات عبير فهؤلاء هم الثلاثة التي تعلم الأولياء عدم إدخالهم إلى بيوتهم فهم مجرد كتب رقيعة أخرى..!!!!
يتعلم الرجال ركوب الجمال و الحمير (لا تقحم الأحصنة في الموضوع من فضلك لأن ثمنها مرتفع و يفضل الأغلبية المشي على أقدامهم و لا أن يدفعوا ثمنه)...و تتعلم النساء تربية الدجاج و البط...و لاننسي الديوك الرومية و الخراف نظيفة الصوف فهي تمثل الطبقة الأرستقراطية و هي للصفوة وحدهم دون غيرهم..يعود الحمام الزاجل ليسترد أمجاده القديمة كموظف بريد أمين..و تزداد الحياة تعقيدا في مواجهة الدول المتقدمة (أعني بهذا بقية الدول النامية طبعا) فالدول المتقدمة المعروفة كانت تمثل الكيان الأسطوري على ظهر هذه الأرض..فكانت الجدات مثلا تروي لأحفادها مثلا (أسطورة ألمانيا) أو (أسطورة اليابان)
ستزداد الأمور تعقيدا ووسط فوضى الشعب يخرج الوزير في خطاب متأسفا و يعد بعودة الأمور لطبيعتها و يلقي الوم على مستشاره الذي يلقي اللوم على الرجل الذي ظهر في التلفاز..لكن هذا الأخير برر موقفه بقوله "أنا لم أدع إلى مقاطعة التكنولوجيا و لكن إلى التعقل في استعمالها.." لكن الشعب لم يكن مستعدا لسماع شيء و خصوصا من هذا الرجل..ثم قيل فيما بعد أنه شوهد على الحدود الشرقية و معه حقيبة كبيرة تكفي لنقل بيت كامل..الخلاصة أن الشعب و الحكومة فطنا إلى أهمية التكنولوجيا الحديثة في حياتنا رغم مساوئها العديدة...
لذلك يا صديقي فهذه نظرة تخيلية لما قد يحصل بعد قرار كهذا و أرجو أن لا تصدق بعد هذا رجلا من التلفاز يستعمل فمه كقاذف لعاب نفاث يدعو لمقاطعة التكنولوجيا الحديثة مع نظرة خبث في عينيه و أرجو إن شاهدته أن تبلغ السلطات بحراسة حدودها الشرقية..فلا أحد سيضمن ما قد يحدث بعد ذلك....
سامي بن عمار
تونس في 24 مارس 2014
|