المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
عشرون دقيقة
عشرون دقيقة
قبلته والدته وحضنته وأوصته أن يحافظ على نفسه وأن يأكل الساندويتش الذي وضعته في حقيبته المدرسية. اصطحبه والده الى المدرسة ممسكا بيده طوال الطريق وعند البوابة الزرقاء للمدرسة انحنى والده وقبله ووعده إن احسن التصرف وأحب المدرسة فإنه سيشتري له دراجة هوائية في عطلة الصيف. جاء الصيف دون ان يحس وحصل على الدراجة. انتهى الصيف وتعاقبت الفصول وعاد يوما من المدرسة ليجد أباه يبكي وبعض الاقارب حوله. توجه الى والدته واستفسر عما يجري. أخبرته أن عمه إنتقل الى رحمة الله تعالى وشرحت له الموت على عجالة. كره الموت لأنه أبكى أباه.
تخرج من المدرسة. وليلة سفره الى مصر للدراسة اجتمعت العائلة لتودعه. وكلما مرت والدته من جانبه قبلته وداعبت شعره ودعت له بالوصول سالما. وعظه والده وحذره من أصدقاء السوء ورجاه ان ينتبه لدراسته ليرفع رأسه امام الاقارب والمعارف. في طريقه الى المطار مرت السيارة من أمام منزل ظللته شجرة كينيا ضخمة. التفت الى الشباك حيث وقفت حبيبة قلبه ولوحت له بيدها مودعة.
إجتمع الاصدقاء في شقته الصغيرة في المدينة الجامعية في القاهرة لوداعه بعد ان أنهى دراسته واستعد للعودة الى الوطن. في جلسة الوداع تلك تملكته احاسيس متناقضة. نشوة قرب لقاء الاهل واكتئآب فرقة أحلى أيام الشباب والسمر في شوارع مصر القديمة.
انتظر طويلا قبل ان يجد وظيفة في مجال تخصصه. اليوم الاول في الشركة كان مميزا. وجد نفسة يجلس الى مكتب وخلفه نافذة تطل على شارع يزدحم بالمارة. من وقت لاخر أطل من الشباك وتأمل المحال وحركة السير والمشاة. في نهاية الشهر قبض راتبه الاول فعاد الى المنزل على عجل ووضع ما اشتراه من اطعمة وحلويات بين يدي والدته. ثم توجه الى والده وناوله ما تبقى من راتبه. فرح عندما شاهد الابتسامة العريضة تملؤ وجهه. أعاد والده النقود وطلب منه البدء بالادخار للزواج.
جلس على المنصة يراقب الحضور وهم يرقصون ويزغردون. وقف والده وإخوته على المدخل يستقبلون الضيوف و كانت والدته تملؤ القاعة بحضورها وهي تقفز من طاولة لاخرى ترحب بالجميع. امتدت يده لتمسك يد عروسه وهمس في أذنها انه سعيد ان يرى والديه وهم في قمة السعادة. لم يكن يعرف انها ليست القمة بعد.
إستيقظ في الليل على صوت تنهدات زوجته. وعرف ان الساعة قد حانت. إتصل بوالديه ليبلغهم. أسرع الى المستشفى ليجدهم بانتظاره. مع إطلالة الصباح أصبح أبا. جلس إلى جوار زوجته وراقب والده وهو يتأمل المولود الجديد ويقرأ في اذنه والدموع تبدو واضحة في عينيه. وشاهد والدته وهي تقبل حفيدها وتضمه الى صدرها و تصر على أنه يشبه والده. فأدرك أنهما الان في قمة السعادة. وتكرر المشهد عندما رزق بمولودته الثانية.
كان الجميع يطلب منه أن يوحد الله وأن يترحم عليه. لم يصغي لهم وبقي ممسكا بيد والده يقبل رأسه ويعاتبه على تركه له دون سابق إنذار. نعمة النسيان لم تنجح في محو منظر المعزين وهم يوارون والده الثرى. تذكر حادثة وفاة عمه وندم لكرهه الموت في طفولته. إنتهت مراسم العزاء وطلب من والدته أن تنتقل للعيش معه. لم ينسى ردها بانها لن تغادر البيت إلا إلى القبر. وكان لها ذلك بعد أقل من عام. فالحزن على زوجها حرمها متعة الحياة وأبت إلا أن تلحق به. وهو في خضم حزنه على فقدان والدته فاجأه إبنه بسؤاله عن سبب إختيار الموت لجده وجدته. وأجاب انها سنة الحياة وترك لزوجته ان توضح اكثر لابنها.
إصطفت السيارات أمام المنزل تتقدمهم سيارة العرس. دخلت النساء يصفقن ويزغردن. البس ابنته العباءة وأخرجها الى السيارة وأجلسها بجانب عريسها. كان ظاهره سعيدا وداخله حزينا على فراقها. رباها أربعة وعشرين عاما ليهبها بلمح البصر. كلما زارها في بيتها إستوصى زوجها بها خيرا. ولم يمنعه مرضه الشديد من مرافقتها الى المطار عندما لحقت بزوجها الذي سافر للعمل في السعودية. رقص فرحا عندما سمع صهره على الهاتف وهو يبلغه أنه رزق بمولودة. لقد أصبح جدا.
إجتمعت الاسرة مجددا يحضّرون لزفاف الابن. في حين إنشغل هو بتخطيط الاسماء على الدعوات انهمكت زوجته مع إبنتها بوضع برنامج الحفل وإختيار الاغاني. ومر الوقت سريعا وانتهى حفل الزواج وعاد مع زوجته الى البيت الذى بدا خاليا. جلس على الكنب وزوجته بجانبه وهي تنظر الى صورة إبنها على الحائط. إمتدت يده لتلامس يد رفيقة دربه وهمس في اذنها: لقد كبرنا.
كان في العمل عندما إتصلت به زوجته لتعلمه ان إبنهما رزق بمولود. هرع الى المستشفى وسأل عن زوجة إبنه وفرح عندما علم أنها بخير. فقد كان حملها صعبا. في المساء أمسك بالمولود وأخذ يقرأ عليه بعض الايات ويحصنه. إغرورقت عيناه بالدمع عندما علم أن حفيده سمي على إسمه. توجه الى إبنه وإحتضنه.
فتح درج المكتب وأخرج محتوياته ووضعها في صندوق. توجه الى غرفة الاجتماعات حيث حفل وداعه. استلم جائزة من زملائة تكريما له على تفانيه في العمل. ودع الجميع وتوقف بباب المكتب قليلا وألقى عليه نظرة شابها الحزن. وغادر. استقبلته زوجته فاتحة ذراعيها. وضع رأسه على صدرها وبكى.
إعتلت الابتسامة وجهه وسمع صوت إبنه يقول يبدو أنه يحلم. فتح عينيه بصعوبة ونظر حوله. كانت الاجهزة موصولة بجسده ولا يستطيع التنفس. أدرك انه خلال العشرين دقيقة التي مضت كان يسترجع شريط حياته .نظر حوله وكانت ثمة وجوه تحدق به تعرّف منها على وجه ابنته وحفيده. أحس بدفئ مفاجئ في يده. حرك عينيه الى الاسفل فشاهد شريكة حياته ورفيقة دربه وقد جلست على ركبتيها وأخذت تقبل يديه. لم يستطع البكاء. لم يستطع الابتسام. ثقلت عيناه. توقف قلبه. وتوقف كل شيء.
ملحوظة : ليست بقلمي !!
|