المنتدى :
خواطر بقلم الاعضاء
أطياف من العصر العباسي
أطياف من العصر العباسي
حين أسبح في أعماق التاريخ .. وأجد نفسي أقترب من الحدود الزمنية لدولة آل العباس .. الذي أعلمه رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام بما سيؤول إليه أمر ذريته من ملك وعز .. حين أقترب منها يعتريني ذلك الشعور الغامض المبهم بالحنين إلى ذلك العصر العباسي الذي حوى ماحوى من عزة الإسلام وخيري الدنيا والآخرة !...
يالَ شرف آل عباس ! .. ما أعظم الرجال الذين بنوا عصراً يتيماً قد لا يجود بمثله الدهر ! .. لو عادت عقارب الساعة إلى الوراء بفعل فاعل لحاولت بكل جهدي أن تقف في ذلك العصر ! .. الذي أشع بقوة وثبات من بغداد دار السلام .. وامتد وامتد حتى أقاصي المعمورة في العالم القديم ! ...
في الحديث عن هذا العصر ورجاله العظام لا أدري من أين أبدأ ولا إلى أين سأنتهي !... فقط أرى نفسي في ذلك العالم التصوري أعاون بعض العمال لإنشاء وبناء بغداد عاصمة الدولة العباسية ! .. وبلا مقدمات أرى نفسي كأحد قادة الجيوش في بلاط الخليفة أبي جعفر المنصور تلوح عليه لمحات الهيبة والجدية والحزم والجبروت الغامض الجاذب !! ..
وليت الصورة هنا تثبت ! .. ولكن يقفز بي الخيال كالخيل الجامح وأري نفسي أستمتع بالتجوال والتسكع في طرقات بغداد وأسواقها ومنازلها وقصورها وحدائقها ! .. وياليت هذا الطيف يتوقف هنا ..
ففي أعلى أحد أسوار بغداد الحصينة .. في وقت العصر .. قبل غروب الشمس .. وقفت أنظر إلى المدينة من أعلاها .. إنها مدينة عامرة .. كثيرة الناس والماء والأشجار والحدائق والمنازل .. ذات سحر خاص ورونق أخاذ .. يالَ حسرتي من زمني الحاضر !! .. أتحسر عندما أراها في هذا البعد الزمني الغيبي مدينة خالية من أصوات المحركات وهدير الطائرات وأبواق السيارات .. هدوء رتيب خلاب في حركات الناس .. لايعرف أحد من الناس معنى آلة تتحرك بوقود من بطن الأرض !! ...
أسواق مكتظة حتى وقت الليل .. قوافل تجارية تدخل وتخرج من بوابات الأسوار .. ونهر دجلة يحف المدينة بمائه العذب بشكله الأفعواني الكبير الواسع ... ونسيم خفيف يداعب بهوائه الشافي بشرتي .. وأشم فيه هواءً ناعماً طبيعياً يغار منه هواء زمننا الحاضر !! ..
كم هي محبوبة في قلبي هذه المدينة ! .. وكم هو عزيز في نفسي ذلك العصر ! .. لو خُيــِّرتُ بالسفر عبر آلة زمن لإخترت بسرعة الهبوط بها من سماء بغداد ذلك الزمن .. ليراني الناس حينئذ كمخلوق من عالم آخر !! ..
ولكن هل هذا الطيف الخيالي الجميل يضمحل هنا ويتلاشى ؟؟ .. لا .. إنه يصر على البقاء كأي طيف جمالي يداعب ذكرياتي ويحرك أفكاري !! .. أنظروا هناك ! .. في صفحة نهر دجلة المشرق بضياء غروب الشمس الذهبية .. ألا ترون قارباً فخماً يسير بهدوء مهيب ! .. يقولون إنه قارب ملكيّ يخص الخليفة ! .. ولا أفهم بوضوح هل هو مُلك للخليفة الهادي أو المهدي أو هارون الرشيد ! .. ولكن أرى بجانبي شخص يؤكد أنه للخليفة المأمون ! ..
لا أدري وأنا في حلم اليقظة هذا في أي عصر أنا فيه لهؤلاء الخلفاء بالضبط ؟؟ ... ولكن لايهم .. المهم عندي أن أستغرق أطول فترة ممكنة لأقصى الحدود في هذا الحلم الزمني .. وأسير فيه كما يسير ذلك القارب الملكي فوق صفحة النهر اللامعة بآخر ضوء نهاري !! ..
وفجأة كالعادة يقفز بي شريط الزمن إلى لحظات بناء مدينة ( سامراء - سر من رأى ) .. وهي مدينة عباسية أخرى تحكي صفحة من تاريخ عراق الرافدين في حقب التاريخ !! ..
ولكن هذا الشريط الزمني لايكترث أن يرميني في أيّ ٍ من تلك اللحظات لدولة آل العباس – طيَّبَ الهن أرواحهم ورضي عنهم آمين – من أولها حتى آخرها ... إنه شريط زمني يصر على سحبي بكامل إرادتي إلى مجراه العجيب ليخاطب خيالي .. ويهمس في أذني .. ويغازل تصوري بأطيافه الجميلة الأصيلة عن زمن الدولة العباسية ....
بقلمي / عبدالله خضر عبدالله ..
|