المنتدى :
الحوار الجاد
الثقافة والتعليم
الثقافة والتعليم
يعتقد الكثيرون أن الشخص المتعلم يكون بالضرورة مثقف .. وأن الشخص الذي لم ينال حظا وافرا من التعليم هو شخص جاهل ... أو بالمعني الدقيق لا يملك نصيبا من الثقافة العامة ... ولكن هل هذا صحيح ؟؟
هل الثقافة مقتصرة علي التعليم .. وهل الثقافة أهم أم التعليم ؟؟
إن التعليم هو المقياس الذي يحدد أهمية أي شخص .. في بلد كــ مصر يعتبر غير المتعلم .. أو الحاصل علي مؤهل ضعيف شخص غير معترف به .. فلا يمكنه أن يحصل علي وظيفة محترمة .. أو دخل جيد أو أن يوفر لأطفاله حياة كريمة ...
من وجهة نظري التعليم ليس الوسيلة الوحيدة لتكون مثقفا ... يمكنك أن تكون ذا تعليم متواضع بينما ثقافتك ورأيك يفوقان ذوي المؤهلات العالية .. يمكنك أن تكون غير متعلم ولكن مهاراتك تفوق الكثير من المتعلمين ... ولكن من الذي سيقتنع بهذا ... !!
ولكن لنأخذ مثالا من مصر ...
عباس محمود العقاد ..
ولد العقاد في أسوان في 29 شوال 1306 هـ - 28 يونيو 1889 وتخرج من المدرسة الإبتدائية سنة 1903. أسس بالتعاون مع إبراهيم المازني وعبد الرحمن شكري "مدرسة الديوان"، وكانت هذه المدرسة من أنصار التجديد في الشعر والخروج به عن القالب التقليدي العتيق. عمل العقاد بمصنع للحرير في مدينة دمياط، وعمل بالسكك الحديدية لأنه لم ينل من التعليم حظا وافرا حيث حصل على الشهادة الإبتدائية فقط، لكنه في الوقت نفسه كان مولعا بالقراءة في مختلف المجالات، وقد أنفق معظم نقوده على شراء الكتب.
التحق بعمل كتابي بمحافظة قنا، ثم نقل إلى محافظة الشرقية مل العقاد العمل الروتيني، فعمل بمصلحة البرق، ولكنه لم يعمر فيها كسابقتها، فاتجه إلى العمل بالصحافة مستعينا بثقافته وسعة إطلاعه، فاشترك مع محمد فريد وجدي في إصدار صحيفة الدستور
لم يتوقف إنتاجه الأدبي أبدا، رغم ما مر به من ظروف قاسية؛ حيث كان يكتب المقالات ويرسلها إلى مجلة فصول، كما كان يترجم لها بعض الموضوعات. منحه الرئيس المصري جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية في الآداب غير أنه رفض تسلمها، كما رفض الدكتوراة الفخرية من جامعة القاهرة. اشتهر بمعاركه الفكرية مع الدكتور زكي مبارك والأديب الفذ مصطفى صادق الرافعي والدكتور العراقي مصطفى جواد والدكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ ..
هذه بإختصار السيرة الذاتية للعقاد .. الذي بالرغم من حصوله علي الشهادة الإبتدائية فقط كان أديبا،واسع،الإطلاع،راجح الرأي، ولم يتهمه أحد يوما بأنه لم يكن مثقفا ... ولكن ستجد من يقول بأن هذا كان منذ قرن علي الأقل .. وبأن المفاهيم تغيرت الآن وأصبحت الثقافة لا تتأتي سوي بالتعليم ... أقول لهم بأنني لن أعلق ولكني سأترك لكم هذا المقال الذي يصف وبدقة علاقة الثقافة بالتعليم في مصر ولتخبروني بعدها هل الثقافة مرتبطة بالتعليم أم لا ؟؟
************
المقال ..
بعد هذا الصيف الدامى، بدأت مظاهر العودة للمدرسة كأن شيئا لم يكن. برهن التعليم فى مصر على أنه أقوى من الرصاص والدبابات والمولوتوف والخرطوش وجيوش البلطجية. لكنه كذلك برهن على أنه لن يتغير أبدا
حتى والشوارع مشتعلة والمظاهرات ملتهبة، والرصاص يتطاير كالذباب فى الهواء، كنت ترى الفتيات المراهقات يتواثبن فى الطرقات من هذا الدرس الخصوصى إلى ذاك. لقد بدأ المدرسون الخصوصيون قبل بداية العام كالعادة ليزداد عدد الحصص التى تتساقط من جيب الأب المثقوب
يا للنشاط السكانى القائم على التعليم!.. سيارات الأجرة والميكروباصات تهرع هنا وهناك بركابها الصغار. الأسر تبتاع ثياب المدارس والحقائب والكراريس والأقلام. الأفران منهمكة فى خبز (الفينو) المستعمل فى الشطائر. حتى بائعى الدوم والحرنكش دفعوا عرباتهم الثقيلة ليقفوا أمام هذه المدرسة أو تلك. كل هذا الصخب.. ككل عام نفس الصخب.. وككل عام بلا جدوى منه
الدروس الخصوصية تحقق نتائج باهرة فعلا.. مجموع الثانوية العامة يؤكد هذا، وفى الكليات نجد أن تقدير (امتياز) هو التقدير الشعبى تقريبا، لكنك تكتشف بعد هذا أن الطلبة لا يعرفون شيئا على الأرجح ولا يفكرون بطريقة علمية على الإطلاق. مهمة التعليم فى مصر هى اجتياز الامتحان بلا أخطاء، لكن ليس من هدفه التثقيف أو التعلم. على مستوى اللغة قرأت هذه التعليقات لعدة معلقين فى صفحة واحدة من النت: «الطراب (التراب)- الفوضا – اذا بوليتم فاستترو – لاكن – موقارانات – انتا – هشام انديل - يالا العار (ياللعار) - الرااءيس - ميثال التضحية - تشبس بالقيم – خوزاعبالات - دول ليهم يد فى مزبحة رفاح وربنا يستورها لان كده واضحت الروئيه». اللغة العربية كائن مهدد بالانقراض أو انقرض، ويجب أن تحميه منظمة اليونسكو وتضعه فى محمية. أما على مستوى التفكير العلمى فرواج علاج التهاب الكبد سى بالحمام خير دليل. برغم هذا لابد أن هؤلاء حاصلون على 98% أو أكثر فى الثانوية العامة
منذ أعوام كنت أقدم محاضرة فى الكلية عن الديدان الاسطوانية النسيجية، فأعددت الموضوع بعناية فائقة، وهذا من منطلق أن الطبيب لابد أن يكون لدى تخرجه قد سمع عن ديدان (أونكوسيركا) و(لوا لوا) ومرض الفيل.. مجرد سماع على الأقل. فى بداية المحاضرة سألنى الطلبة: «هل هذا موضوع مهم فى الامتحانات؟». قلت صادقا: «لا.. لكنه مهم لك كطبيب». بدأ التسرب خلسة من قاعة المحاضرات حتى فوجئت بأننى أخاطب عشرين طالبا يبدو على معظمهم أنهم جالسون لأن هنا أرخص من الكافتيريا. كيف أجرؤ على تضييع وقتهم فى موضوع علمى تثقيفى لن يرد فى الامتحان غالبا؟
الملخصات.. مذاكرة النقاط (1 – 2 – 3).. المجموعات.. المذكرات..الوقوف لساعات جوار آلة تصوير المستندات عند ميدو حيث البنت عزة (اللونة). هذا هو واقع التعليم فى مصر، وأتحدى أن يكون أى طالب فى أى كلية قد أمسك بكتاب منذ عشر سنوات على الأقل
إذن لماذا نفتح المدارس والكليات ونبدد كل هذه الأموال الطائلة، ولماذا يحدث هذا النزف المزمن فى الاقتصاد؟.. التخبط واضح فى القرارات المتتالية.. الثانوية العامة عامان.. الثانوية العامة عام واحد.. لكن لا تفرحوا لأننا سنعود إلى نظام عامين العام القادم !.. الابتدائية شهادة.. لا.. أول شهادة ستكون الإعدادية.. وهكذا. ما هى المعجزة التى تستطيع إصلاح التعليم فى مصر؟ من يقدر على ذلك؟. لو قامت الدولة بواجبها فماذا عن البيت المصرى الذى لا يستطيع الحياة دون دروس خصوصية؟. ماذا عن أولياء الأمور الشرسين المنتشين بالعصبية القبلية، والذين لا يسمحون بأى امتحان حقيقى لأولادهم، ففى المدينة يتم الغش بالبلاك بيرى، وفى الريف يتم الغش بالميكروفون الواقف تحت اللجنة ..
************
هؤلاء هم الطلبة المتعلمين .. المفترض أنهم مثقفون .. فهل التعليم أهم أم الثقافة ... ولا أجد أى تعليق بالطبع أحضروا خبراء أجانب يقيمون الموقف ويبدءون من جديد.. فمن الواضح أننا فشلنا فى التعليم كأى شىء آخر .. وإذا فشلنا في التعليم فهل يعني هذا أننا غير مثقفين ؟؟!!
هل ثقافتنا تقتصر علي ما نتلقاه في المدارس .. هل يمكننا أن نكون مثقفين دون تعليم ؟؟!!
وهل الثقافة أهم أم أن نكون متعلمين وحاصلين علي مؤهلات عليا دون أن يكون بالضرورة ثقافة عامة ؟؟
شاركوني برأيكم ...
خوآآطر إنسآآنة
|