حلما لم يراودني مرة
(جابر) رجلا عرفت عنه أخلاقه العاليه يعمل مدرسا متزوج لديه طفل كان الجميع يحترمه
لطيبته وصدقه وأمانته , ذات ليله كان يجوب الشوارع بسيارته دخل أحد الأحياء المهجورة فجأة
رأى رجلا ملقى على الأرض ملطخا بدمائه , توقف وذهب لنجدته لكنه توفي , في تلك اللحظة
جاءت الشرطة أحاطت بالمكان وألقت القبض على (جابر), كان هو المتهم الوحيد في القضية سجن
بعدها وحكم عليه بالإعدام رميا بالرصاص لكفاية الأدلة التي تدينه ,كان (جابر) يعيش حلما يعيش
وهما , موعد أعدامه أقترب وهو لايحرك ساكنا , والده أشقاءه زوجته أصدقاءه طلابه فعلوا كل
مابوسعهم لتبرئته لكن دون جدوى , كانت الأيام تمر كالثواني حالته النفسية تزداد سوء , لايأكل
لايشرب لايتكلم , يجلس منزويا في زنزانته التي أصبحت كعالمه لايريد أن يغادره , جاء يوم تنفيذ
الحكم تجمع الحشد أحضرت الشرطة (جابر) , الجميع كان يدعو يصلي حتى الساعة الأخيرة عل
معجزة من السماء تنزل وتنقذه , جاء الوقت المحدد لتنفيذ الأعدام حضر الشرطي الذي سيطلق
النار عليه رفع سلاحه لكن قبل أن يطلق الرصاص بلحظة واحدة ؟
جاء رجلا من الخلف يجري مهرولا وقال : أوقفوا تنفيذ الحكم , أنا القاتل الذي تبحثون عنه ؟
حدث ضجيجا بين الحشد سمعه حتى الأصم , تهليلا وتكبير يالها من لحظة , يالها من نصرة لمظلوم
حكم عليه بالإعدام , ياللرحمة السماء , ألقت الشرطة القبض على الرجل برء بعدها (جابر) من
التهمة حينما تحققت الشرطة من أقوال القاتل , مرت الأيام ظل (جابر) يتابع تلك القضية التي كانت
تدق المسامير في نعشه , كأنه حلما لم يستفيق منه بعد , يتابع أدق التفاصيل , يقرء كل
ورقة لدى الشرطة يسأل كل شخص له علاقة بالجريمة , شعر بأن هناك حلقة مفقودة شيئا لم
يكتمل , غموضا يلفها في مكان ما , سرا دفين وراءها , شخصا واحد يعرف كل تلك الأجوبة , القاتل
نفسه ألا أن (جابر) لم يذهب إليه ولم يتبقى على موعد أعدامه سوى أياما قلائل , خشي (جابر)
أن يرحل الرجل وترحل معه الكثير من الأسرار والأسئلة التي لم يعرف أجاباتها ذهب إلى السجن
وزار القاتل , دخل عليه الزنزانة وجلس قليلا دون أن يتكلم ظل متلعثما مترددا لحظات ثم قال : في
الحقيقة لا أعرف ماذا أقول لك , فالكثير من الأسئلة تشغلني , لكن لما أعترفت بجريمتك ؟
ظل القاتل هادئا لم يتكلم , انتظر (جابر) إجابة أعتقد بأنه يعرفها مسبقا , قال الرجل بعد صمت
إجابته الغريبة : أنا لست القاتل
كان وقع الكلام على (جابر) كالصاعقة , هز أركانه , مصدقا مكذبا بعد حيرة قال : كيف لست أنت
القاتل , لما أعترفت بالجريمة إذا , لما ذهبت إلى الموت بقدميك ؟
الرجل : لمعروفا فعلته لي
توقف (جابر) في مكانه , تزلزل في صدمته , أخذ يمعن النظر في الرجل جيدا يمينا شمالا يسأل نفسه
المشتتة : اللعنة , من هذا الرجل , لاأتذكر بأنني رأيته من قبل , ظل يحدث نفسه برهة
ثم قال : من أنت ياهذا ؟ ومالمعروف الذي فعلته لك ؟ ماقصتك معي ؟
قال الرجل : أتعرف , أحيانا تفصيلا صغير يغير مجرى حياتك إلى الأبد , قبل سنتين طرق بابك رجلا
مشرد يطلب طعاما أدخلته منزلك وتناولت العشاء معه أنت وأسرتك جعلته ينام تلك الليلة
في منزلك , أتذكر ؟ قال (جابر) الذي لم يفق من صدمته بعد : نعم , نعم , ذلك المشرد , أتذكره .
قال الرجل : أنا ذلك المشرد ؟ ثم سكت قليلا وقال : 30 سنة عشت مشردا بلا منزل بلا عائلة أذهب
من مكانا إلى آخر , قرية تلو قرية , أطلب المال من الناس , أنام على الأرصفة , يمر الجميع بجانبي
ويرمون علي القمامة , كنت نكرة , لاشيئ , لم ينظر إلي أحد , لكنني لم أنتحب يوما أو أتذمر
لم يهمني ذلك , لأنني ولدت في هذا الواقع فتقبلته , كنت ميتا بلا مشاعر فلا عين تدمع ولاقلب
يخشع , لكن عندما دخلت منزلك تلك اللية وجلست أتناول الطعام معكم , كانت أسعد لحظات
حياتي , حلما لم يراودني مرة , لدي عائلة منزل أناسا ينظرون إلي ويهتمون لأمري , بعدها ذهبت
للنوم وأستلقيت على السرير كنت أسمع صوت طفلك يضحك أحسست بالطمأنينة والسكينة ,
غططت بعدها في سبات عميق , جلست صباحا كأنني ولدت من جديد , شعرت بالحياة بعد أن
كنت ميتا , شعرت بالأمان بعد أن كنت ضائعا , شعرت بالحنان بعد أن كنت قاسيا , خرجت من
منزلك أردت أن أرى العالم بعد أن عدت للحياة ذهبت من مكان إلى آخر أبحث عن عمل ومنزل
حتى كان لي ماأردت , رغم سعادتي بذلك لكن قلبي ظل منشغلا , لأنني أردت أن أشكرك على
مافعلته لي ولم أعرف بأي طريقة أفعل ذلك , أعطيتني حياة جديدة وأسرة ومنزل , فأنا مدينا لك
بحياتي , كنت خائفا لأني لم أقدر أن أقدم لك شيئا بقيمة ماأعطيتني أياه . جئت ذات يوم لزيارتكم
في المنزل فأخبروني بأنكم أنتقلتم منه , بحثت عنكم في كل مكان دون جدوى , وقتها لم
يهنأ لي بال ولم يرتح ضمير ولم أنم جيدا لأن الرجل الذي أنقذ حياتي أختفى .
سكت الرجل قليلا بينما (جابر) ظل بلا حول ولاقوة يستمع , قال الرجل بعدها : لم أكن أعلم
بقضيتك لكن في يوم تنفيذ حكم الأعدام الذي صدر بحقك , كنت في أجازة فأنا
وظيفتي هي (مشرف عمال بناء) , ذهبت إلى المطار للسفر فجأة أتصل بي أحد الزملاء في العمل
وقال : وقعت مشكلة كبيرة بين العمال في أحد المواقع ويريدون مني الذهاب , ترددت في البداية ثم
ذهبت , حللت المشكلة بعدها وقفت أتكلم مع أحد العمال على عجالة لأنني أردت العودة إلى
المطار لألحق بالطائرة , بالصدفة مر أمامي طفل يضع يده على وجهه ويبكي لوحده , شعرت بالأسى
عليه تذكرت طفولتي وحياة التشرد القاسية , فحاولت أن أشتت ذهني عن تلك الذكرى الأليمة ,
لحظات ثم ركبت السيارة مشيت قليلا فكان الشارع مزدحما فدخلت أحد الأحياء لأختصر
الطريق , ماأثار أستغرابي بأنني رأيت ذات الطفل مرة أخرى على حالته يضع يده على وجهه
ويبكي , أقتربت منه بالسيارة فقطع علي الطريق أبعد يده عن وجهه نظر إلي ورحل ؟ عندما
نظرت إليه قلت في نفسي : كأنني رأيت هذا الطفل من قبل ؟ أثار فضولي كل ماحدث ظللت
ألحقه حتى وصل إلى منزلا به جمعا من الناس بدا عليهم الحزن والعزاء ودخل , توقفت في الحي
سألت : مالخبر ؟ قالوا لي : بأن رجلا من هذه العائلة حكم عليه بالأعدام ظلما , وبعد قليل موعد
تنفيذ الحكم ؟ سألت عن أسمه : فأخبروني , عرفت بأنه أنت وذاك الطفل هو أبنك , قلت في
نفسي حينها : أنه وقت سداد الدين , فحضرت بسرعه إلى مكان تنفيذ الأعدام , وحصل مارأيت ,
ثم سكت الرجل قليلا وقال بعدها مختنقا في عبرته : الآن سددت لك دينك , وسأموت مرتاح البال
بقلمــــــي
...............................
نلتقـي بعد رمضان