المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
العاشرة مساءاً , أرجوك لاترحل .!
بصمتي الأولى
(العاشرَة مساءا , أرجوكَ لاترحل !)
العناق الاخير ،!
فبراير 2010 , وأحد الأرصفةِ تنصت :
_ مروان !
_ هلا عبدالله
_ تتوقع بنتفرق ياخي ..
_ الله لايقوله ياخوك !
_ طيب والموت ؟
_ الموت هو النهايه الحتميه لكل الناس ! هاجس البشرية المخيف منذ الأزل ..
_ تتوقع بياخذنا عن بعض ؟
_ مادري ، لكنه نهاية الطريق لكل الأشياء .. بس تصدق هاجس يتكرر علي بشكل متكرر هالفتره يقولي إني بموت بسن صغير !
_ ياخي لاتقول كذا يرحم امك .. تفاؤل خير .
_ هههه ، خايف علي ياواد !
_ اقول لايكثر بس ، أنت وأفكارك الشينه ذي .
انتهى الحديث ..
' السبت' اول ايام الدراسه ذاك اليوم السوداوي المكسو بِ الكآبة ، يوم ممل ورتيب منذ بدايته ، السابعة صباحا وعلى احد المقاعد الدراسيه المغطاةِ بالغبار :
_ كيف حالك !
_ هلا فيك بخير ..
_ أنا مروان
_ هلابك ، أنا عبدالله !
وابتدأت صداقة العمر منذ تلك اللحظه ، للوهلة الاولى حين تراهما يتبادر إلى ذهنك انهم اشقاء ، ذات الطول يجمعهم ، ملامحهم القريبة من بعضها وحميمتهم الشديده ، واحاديثهم التي لاتنقطع ، وضحكاتهم العالية جدا .. تمضي الايام وصداقتهما تزداد إلتحاما وصلابة . تشاركا الاحزان قبل الفرح ! وشاركتهما الحياة أيامها ولحظاتها بكل مافيها ...
مروان وعبدالله ، أبناء منطقة جبليه , منعزلة نوعاً ما عن ضوضاء العواصم وصخب المدن الساحليه . لاتكاد ترى اخبارها الا قليلاً في الصحف . مدينة الخضرة والتل ' مدينة الهدوء والصباحات الساكنه ، مدينة السفوح الشامخه , مدينة الحياة القاسيه .! والجافة بشدّه . انجبتهم التلاال صبيةً اخضرّ عودهما باكراً وتلك سيم المناطق الجبيله فلاتكاد ترى طفلا يكمل الثامنة من عمره حتى يتسلم زمام الرعيه ويستاق قطعان الماشيه نحو الجبال , ليتعلم الخشونة والصلابه ! منذ نعومة أظافره وتلك كانت بيئة هذان الصديقان أشقّاء الأيام !!
اخبار صداقتهما انتشرت بشكل كبير بين اوساط المدرسه ، ولاغنى بِ التأكيد عن تلك الشائعات التي تُطلق عنهما فتارة يتهامسون بأنهم ليسوا اسوياء ، وتارة يقولون ان صداقتهما ليست بريئة ومن تلك السخافات المهترئة من افواه المراهقين ومن هم على شاكلتهم ذلك الحين ! ولكنهما لم يلقيا لها بالاً مستمرين معاً ! نحو علاقة ابديه لاتصدأ على مر السنين ..
مروان وجدَ في عبدالله شخصه . هدوءَه الشديد ابصره في ملامح صديقه ، شغفه اللحوح بالقراءه تشاركه معه ، واهتماماتهما المتقاربةُ من بعضها جعلت صداقتهما تلتحم بشكل سريع وقوي ! توافقهما العجيب اجمل شيء كسى صداقتهما ..
26 يونيو 2011 ..
التاسعة مساءا يوم ممل ورتيب للغايه بعيشه (عبدالله) . يداعب أزرار هاتفهِ المحمول بغية الحصول على شيء مسلِّ ، اخر اتصال اخرجهُ هاتفه كان موجهاً نحو (مروان) متفقان على لقاء هذا المساء .. من جوفِ ذاك الهدوء الكئيب اتصال يحطم كل هذا السكون ، شاشة الهاتف تخبر (عبدالله) ان مروان هو المتصل ، اجاب :
_ هلا !
_السلام عليكم ..
(نبرة صوتِِ ليست لمروان تتحدث)
_ وعليكم السلام من انت !
_ اخوي صاحب الجوال هذا مسوي حادث ولقينا اخر اتصال كان لهالرقم !
_ وشهو حادث ؟ انت من جدك ؟ مروان فيه شيء ؟ رد علي !
_ شالوه بالاسعاف ولاندري والله وش صار له ولقينا هالجوال طايح !
_ اي مستشفى طيب !
_ نقلوه مستشفى الحرس ..
انتهت المكالمه ..
خفقان قلب متسارع ، وخطى متعرجه ومتهالكه يخطيها (عبدالله) نحو المستشفى . الخوف يكسيه من كل اتجاه ، وصدمة الفقد ترعبه حين تأتيه حينها ، ازقة المستشفى الشاحبه ، ورائحتها الكريهه تزيده وجوماً . يسأل احد العاملين ويجيبه بتواجد صديقة في احد غرف الطواريء ..
يرمق صديقه حين اتاه ، ممدد على احد الاسره ، وثوبه ملطخ بالدماء ، وعدد مخيف من الاطباء يحيطونه بأصواات ولهجات عديدة مرتفعه دموعه تسبقه اليه ويأتيه !
_ مروان ، مروان .. دكتور وش فيه الله يوفقك وش فيه !
يجيبه احدهم : انتظر برا شويه لو سمحت !
الوقت يسير ببطيء على نقيض ضربات قلبه المتزايده ، ويداهُ اللتي ترتجف بشده ، وغزارة دموعه الوجلة الشاحبةُ جدا !
يخرج االاطباء واحداً تلو الاخر ، وسيماهم لاتبشر بخير ابدا ..
يبادر احدهم ويهز كتفيه بشده : بشر وش صار !
مروان بخير ؟ رد علي ؟
_ أنا اسف ، الله يصبركم !
(ويتحدث إلى ممرضته ممسكة قلماُ )
_ وقت الوفاه الساعة العاشرة تماما !
تشخص عيناه وتأبي ان تصدق ماسمعته اذناه
يثور نحو تلك الغرفة ويبصر صديقه ، شقيق قلبه ، ورفيق وريده ولحاف ابيض يكسوه من رأسه حتى اخمص قدميه !
يحتضنه بشده ويصرخ به ..
مروان ، لاتموت تكفى .. مروان الله يوفقك رد علي !! مروان لاتموت !! لاتموت !!
يكاد قلبه ان يهرب من بين اضلعه ، حينها يود لو ان يموت برفقة صديقه عوضا عن اكمال حياته بدونه .. الناس من حوله تجتمع مواسية له ! وصديقه يتوارى الان امام عينيه خلف غياب ابدي لاعودة منه !!
ظهيرة اليوم التالي ، مسجد يضج بالمصلين وامام ينادي (الصلاة على الميت يرحمكم الله) وتشييع حزين ، و(عبدالله) يشاهد صديقه وهو يتوارى تحت التراب ومع كل إلمامة رمل ، يتأكد له الرحيل ! وتأبينه الأخير ..
الواحدة ظهرا :
ويرحل مروان ..!
^ همستي الأولى هنا , وأعتذر عن أي رثاثة في أحرفي .!
|