كاتب الموضوع :
لست أدرى
المنتدى :
الادباء والكتاب العرب
رد: أدب الرحلات يمهد للتثاقف مع الشعوب
وأرى أن الانبهار عنصر هام فى كتابة أدب الرحلات، وربما كان هذا هو العامل الأساسي الذي جعلني اتجه لكتابة كتابي "مذكرات مغتربة في سنغافورة"، عندها شعرت بأن كل شىء حولي عجيب وغريب، ووجدت بداخلي أحاديث طويلة ومشاعر مكبوتة، لا تتناسب مع قالب القصة القصيرة ولا الرواية، حتى سألني أحد الشعراء وهو صديق (الشاعر المصري أحمد الخميسي)، كيف تمضين عامين في سنغافورة ولا تكتبين أدب رحلات عنها؟
وكان هذا السؤال بمثابة نفخة هواء في جذوة فحم متقدة على حد تعبيره. لأني انطلقت في هذا المجال، ولم أكن قد كتبت فيه من قبل غير أني قد قرأت فيه، فسرت على النهج وحاولت إضفاء بعض التغيرات في الأسلوب، لمحاولة جعل القارىء يتعايش مع الأحداث والأماكن التي كنت أزورها، فكنت آخذ القارىء معى، وكأني اصطحبه بحق وأتخيل وجوده في المكان وأبدأ في محادثته، فدعوني أقرأ لكم بعضا مما جاء فيه:
دعوة على الشاي الأخضر
أخذنا الحديث عن سنغافورة ونسيت أن أدعوك لفنجان شاي في بيتي، فمعذرة وتفضل معي الآن، أنت الآن سائح عربي مقيم في سنغافورة لبعض الوقت، فاسمح لي أن أكون مرشدتك السياحية- وظيفة قديمة كنت أود أن أعمل بها، ثم عملت بنصيحة أمي وابتعدت عنها لأنها مرهقة – ولكني أؤديها الآن على الورق، فلا بأس مطلقا منها.
نحن الآن في عربة أجرة تجوب سنغافورة، تلك الجزيرة الصغيرة الساكنة في بحر الصين الجنوبي المتصل بالمحيط الهادي في جنوب شرق القارة الآسيوية، حيث 136.8 كيلومترا شمال خط الإستواء، أنت بالفعل في جزيرة إستوائية، لكن لا تخش شيئا، فدرجة الحرارة لن تعدو 33 مئوية،غير أن الرطوبة 80%.
الشوراع متوسطة الاتساع، تكفي لثلاث سيارات للمرور في ثلاث "حارات"، عندما قالوا لي عن سنغافورة إنها صغيرة جدا، تصورت أني سأهبط من المطار لأجد البيت على يمينه مباشرة، ولكنك إذا بقيت معنا أكثر سوف لا تشعر بصغرها، وستنسى أنها دولة ذات مدينة واحدة، وسيخيل لك أنها كالبحرين أو ثلاث أرباع مدينة القاهرة، مع فارق أن عدد سكانها لا يعدو أربعة ملاييين نسمة.
الأشجار الخضراء الكثيفة العفية تحفنا من الجانبين بغزارة وعمق بعيد يمتد من ورائها، تتخللها المنازل ذات الأسقف القرميدية المنزلقة والمجمعات السكنية ذات الأسوار المشجرة المزهرة، والمتاجر الكبرى والمبانى الإدارية العالية الفريدة التصميم.
يجري في وسطها تقريبا نهر سنغافورة وبعض البحيرات المائية الطبيعية الصغيرة، ولذا أطلقوا عليها مدينة الماء - وكذلك مدينة الأسد الذي هو أصل تسميتها سأقصها تفصيلا لاحقا - رغم أنك من الممكن أن تقضي أياما كثيرة تجوب فيها شوارع لا ترى فيها نهرا ولا بحيرة، ربما لكثرة الشوارع في سنغافورة وتشعبها، بل أنهم يسمون الطريق الواحد بأكثر من اسم، معذورون فإن لم يفعلوا ذلك لوجدت البلد عبارة عن بضعة شوارع لاأكثر.
المهم، ها نحن الآن أمام واجهة "الكوندومنيم" المجمع السكني، وهو نظام سكني شائع كثيرا هنا، ربما يعجبك وتسكن به وتصبح جارا لنا، من يعرف؟
يدخل الآن سائق التاكسي إلى الداخل، عليّ أن أخفض رأسي من داخل العربة كي يراني حارس الأمن فيسمح للعربة بلدخول هكذا الحال مع السكان والمستأجرين، أما الضيوف فلابد من إيقاف سياراتهم وأخذ أرقامها وسؤالهم عن اسم الشخص الداعي لهم، ولابد أن يضعوا سياراتهم في المكان المخصص لسيارات الضيوف الزائرين، وليس في مكان سيارات السكان المستأجرين، ولا مكان سيارات ذوي الاحتياجات الخاصة، إذا نظرت إلى هذه العلامات الحمراء والبيضاء على أرض الجراج ستعرف ما أقصد.
- تفضل
لقد انصرفت عربة الأجرة، دعنا نتوجه إلى المصعد، هل ترى تلك السنغافورية هناك، إنها مديرة المجمع السكني، لا تكاد تجلس في مكتبها، رائحة غادية طوال النهار تتفقد أحوال حراس الأمن وعمال النظافة وتحل أي مشكلة للسكان.
– آه، هذا هو المصعد/ Good morning
لا عليك، إنها جارتي "جين" في الشقة المواجهة ألقى عليها التحية، شخصية عجيبة، سأحدثك عنها لاحقا.
اليوم السبت، ربما تجدها ذاهبة بأولادها لدروس السباحة أو أية دروس والسلام، سنصعد الآن للدور الخامس.
- Hi.
هذا هو جارنا السنغافورى "ليم"، يمارس زوجي معه رياضة التنس أسبوعيا، دعوناه وأسرته مرة عندنا، لكنا لم ندخل بيته ولا مرة.
هذا بيتي، تفضل، بيتنا بسيط، فيه رائحة البيوت المصرية البسيطة، تزين جدرانه بعض الصور النحاسية العربية وآيات قرآنية وسجادة صغيرة من خان الخليلي لمشهد ريف مصري، هذا ابني "كريم" 11 سنة مرابض أمام جهاز الكمبيوتر لتحميل ألعاب مجانية على الإنترنت.
وهذا "آمن" صغيري 6 سنوات مرابض أمام قناة ديزني الأميركية لأفلام الكارتون، تفضل على المقعد الجلدي- كعادة البيوت السنغافورية المفروشة هنا - سأنادى زوجي ليرحب بك ويحدثك عن عشقه لسنغافورة أكثر مني، فأنا أراها جميلة، ساكنة اكثر من المطلوب، جنة بلا ناس.
أما وقد جاء "أحمد" زوجي للترحيب بك، سأذهب أنا لإعداد الشاى وتجهيز الكيك، ربما ندعوك على الغذاء لاحقا، لكن الأكل المصري هنا لن يكون بنفس النكهة المصرية الأصلية.
- ماذا؟
ـ آه، تقصد هذه الرائحة؟ للآسف إنها رائحة طهي الأكلات السنغافورية لدى الجيران، لا سبيل لمنعها. ضقنا بها ذرعا، لكنا اعتدنا عليها فيما بعد، بل وصرنا نميزها من رائحتها، عموما سأحاول إغلاق نافذة المطبخ.
خاتمة
وفي النهاية لابد أن أشير إلى أن هناك جهودا عربية تبذل في هذا المجال وللإمارات تجربة ثقافية رائدة في أدب الرحلات من خلال دار نشر خاصة هى دار السويدى للنشر والتوزيع بأبوظبى، مؤسسها الشاعر محمد السويدي، ويشرف على النشر فيها الشاعر السوري نوري الجراح، وهي تتبنى مشروع ارتياد الآفاق، فتقوم بنشر سلاسل عديدة في أدب الرحلات مثل حكايات الرحالة (إعادة تحقيق ونشر رحلات الرحالة القدامى)، سلسلة السندباد الجديد (للرحلة المعاصرة) ومجلة شهرية (الرحلة) ومسابقة سنوية (مسابقة ابن بطوطة في الأدب الجغرافي).
وتعقد ندوة سنوية، عقدت أربع مرات حتى هذا العام، في المغرب والجزائر والسودان وأبوظبي، بهدف تعريف العالم بهذا الفن الأدبي الجميل، ولتوفير فرصة الاحتكاك بالثقافات الأخرى، ويدعى إلى هذه الندوة عدد كبير من المهتمين بأدب الرحلة من مختلف الجنسيات، وهي تجربة رائدة نتمنى أن نحذو حذوها في جميع بلادنا العربية.
سلوى الحمامصي ـ أبوظبي
عضو اتحاد كتاب مصر ونادي القصة ورابطة أديبات الإمارات
تمت
|