لو قدّر للطبيعة الكلام لنطقت بما لا نحتمل سماعه من عبارات التقريع واللوم على ما تقترفه أيدينا من جرائم بحقّ مواردها كافّة.
قد يبرّر البعض السبب بغياب الثقافة البيئية لسنوات خلت، ولكن ذلك لم يعد مقبولاً الآن
والعالم في ذروة نجاحه العلمي والتكنولوجي بما يسمح بتبادل الخبرات والتجارب والاطلاع على البحوث
والدراسات في هذا المجال لتعدّد وسائل الاتصال والفضاءات المفتوحة.
لذا، بات من الضروري تعريف الجيل الجديد من الأطفال على مفهوم البيئة وطرق حمايتها والمسؤولية المترتّبة على البشر في سبيل الحفاظ على حياة سليمة وصحية على هذا الكوكب.
لاشكّ في أنّ الخطوة الأولى للانطلاق في مسيرة تربية "
طفل بيئي " تكمن في الأسلوب،
فالغاية النبيلة والهدف الراقي لا يجيزان استخدام وسائل أو أساليب سلطوية استبدادية، لبلوغهما.
من هنا، تقع على الأهل مسؤولية تحفيز الصغير على اتّباع نمط حياتي صحّي بيئي سليم، بطريقة عفوية وسلسة
بعيداً من الوعظ المملّ والحزم المبالغ به والباعث على النفور والضجر والتذمّر من الالتزام بتعليمات تبدأ ولا تنتهي،
وسرد لائحة طويلة من القواعد الصارمة التي قد تبدو متناقضة مع رغبات الطفل الذي يتطّلع إلى التشبّه بأقرانه وطريقة
عيشهم "
المتحرّرة ". ويرتكز
النظام الصحي البيئي، على:
1- الغذاء الصحي:
يعدّ حجر الأساس في هذا المجال، لا سيما إذا ما لاحظنا الارتباط الوثيق بين البيئة والصحة،
فكلّما كان نظامنا الغذائي صحياً كلما كان مراعياً للشروط البيئية، بعيداً عن استخدام المبيدات الكيميائية الضارة والملوّثة.
لذا، يجدر بالأهل تشجيع الطفل على تناول الأطعمة المعدّة في المنزل بطريقة نظيفة وسليمة
والابتعاد عن استهلاك الوجبات السريعة رغم نكهاتها اللذيذة، كما يمكن اصطحابه للتسوّق وتعليمه كيفية اختيار الغذاء
الصحي ذي الجودة العالية، من خضر وفاكهة وألبان وأجبان وما إلى ذلك ممّا يجمع الفائدة الصحية والنكهة اللذيذة،
ودفعه إلى تفضيلها على غيرها من المنتجات المعلّبة لما تحويه من مواد حافظة وملوّنة ومحسّنات الطعم.
2- الألعاب:
لقد باتت المجمّعات التجارية (المولات) والمساحات المغلقة أماكن اللعب المفضّلة لدى عدد من الأطفال، بدلاً من الاستمتاع
بالطبيعة بعناصرها كافة من هواء منعش وشمس دافئة وحدائق خضراء والتعرّف على الأشجار ولمسها والتظلّل بفيئها،
وملاحقة العصافير والفراشات واللعب بالتراب والركض وملامسة الحصى! دعيطفلك يتعرّف إلى الطبيعة المحيطة به،
وامدحي منظرها الجميل ومحاسنها وتجدّدها وألوانها الزاهية بدلاً من التقوقع داخل غرفته مسمّراً أمام جهاز الكمبيوتر أو
الألعاب الإلكترونية وقتاً طويلاً. وبالطبع، ليس المطلوب وضع هذه الوسائل الترفيهية والتعليمية خارج دائرة اهتمامه، بل
العمل على إنتاج توازن يمكّنه من الاستفادة القصوى ممّا توفّره له التكنولوجيا والطبيعة، بدون طغيان أيّ منهما على
الآخر.
3- إرسال الطفل إلى المدرسة بالحافلة المخصّصة للتلامذة:
طريقة فعّالة في التخفيف من التلوّث والازدحام، كما تساعد الطفل على نسج علاقات اجتماعية مع زملائه من خلال
مشاركتهم الرحلة اليومية إلى المدرسة ذهاباً وإياباً.
4- الامتناع عن التدخين في المحيط الذي يتواجد فيه الطفل:
يتردّد في الآونة الأخيرة حديث عن المدخّن السلبي الثالث، بعد أن بات المدخن السلبي الثاني من البديهيات والأمور المسلّم
بها. أمّا المقصود بالمدخّن الثالث السلبي فهو الأثاث وكل ما تلامسه جزيئات التبغ المحترق، من أقمشة وستائر وكراس...
والتي يمكن أن تصلنا من خلالها أضرار التدخين.
5- الحفاظ على الموارد من ماء وكهرباء:
من منّا لم يسمع بالتصحّر والجفاف والحروب التي ستشنّ بهدف الحصول على الماء؟ نحن، على تماس دائم مع الماء
والكهرباء حيث أنهما ملازمان لنشاطاتنا اليومية كافة من استحمام وغسل وتنظيف وما إلى هنالك... لذا، لابدّ للصغير أن
يتعلم كيفية التعامل مع هذه الموارد الحيوية الهامة. أطلعيطفلك على أهمية الماء للحياة على هذا الكوكب، وبالتالي ادعيه
إلى الحفاظ عليها وترشيد استهلاكها وعدم التفريط بها هباءً وبدون طائل، واطلبي منه عدم ترك صنبور المياه مفتوحاً طيلة
فترة استحمامه أو تنظيف أسنانه أو غسل يديه، أو ريّ النباتات المنزلية بإفراط. وكذلك الأمر بالنسبة للكهرباء، حيث يجب
إطفاء الأنوار والأجهزة الكهربائية والكومبيوتر والشاحن التي لا حاجة لنا باستعمالها، وفصلها تماماً عن مصدر الطاقة.
6- الطاقة البديلة أو الطاقة المتجدّدة:
إنّ استثمار عناصر الطبيعة من مياه ورياح وأشعة الشمس في توليد الطاقة أمر في غاية الأهمية وأقل ضرراً للبيئة حيث
أنّ هذه الموارد لا تخلّف وراءها غازات سامّة، ما يجعل منها مصادر صديقة للبيئة وصحية، أطلعيطفلك على ميزة
تسخين المياه بواسطة الطاقة الشمسية بدلاً من الكهرباء أو الغاز أو الحطب أو غيرها، والتي يسبّب احتراقها ضرراً بالغاً
وتلوّثاً بات بالإمكان تفاديه.
7- فرز النفايات:
للوهلة الأولى، قد يبدو الأمر غير جذّاب! ولكن، يمكنك جعله مسلّياً. أحضري مستوعبات واطلبي من أفراد عائلتك رمي
كلّ نوع من النفايات (زجاج، بلاستيك، ورق، بقايا خضر وفاكهة...) في المكان المخصّص لها، في المقابل، اعقدي اتفاقاً
مع شركة لإعادة تدوير النفايات تأتي دورياً إلى منزلك لتأخذ ما جمعته العائلة مقابل بدل مادي قد يذهب للطفل الأكثر تعاوناً
واستجابةً تشجيعاً له ومكافأةً لجهده. كما يمكنك تنظيم رحلة إلى أحد معامل تدوير النفايات لإطلاع الطفل على كيفية معاملة
هذه البقايا وتحويلها مجدّداً إلى مواد صالحة للاستعمال. وكذلك ثمّة من يستخدم هذه النفايات، لاسيما الزجاجية والبلاستيكية
منها، في أعمال فنية وأشغال يدوية لافتة.
كما يجدر تنبيه الطفل، في هذا الإطار، إلى خطر أكياس النايلون على البيئة والثروة السمكية حيث أنها تحتاج إلى فترة
زمنية طويلة كي تتحلّل بعكس المنتجات الطبيعية كالخضر والفاكهة وأوراق الشجر التي تتحوّل مع مرور الوقت إلى
أسمدة مفيدة للتربة.
8- زراعة النباتات:
دعي طفلك يلعب دور المزارع النشيط، وليساعدك في العناية بالحديقة الصغيرة من ريّ وتشذيب ليكون شريكاً أساسياً في
صناعة الجمال والحفاظ على بيئة نظيفة من صنع يديه، الأمر الذي يصبح مدعاة فخر له أمام الآخرين، كلّما سمع إطراءً
على رائحة زكيّة تفوح من أزهاره أو ثناءً لرؤية منظر أخضر جميل يلوح أمام الناظرين. وقد يكون مع الممتع أيضاً
بالنسبة له إذا أطلقت أسماء على النباتات والأشجار التي يقوم بزراعتها والعناية بها.
9- تجنب أدوات التنظيف والتعقيم المنزلية والرذاذ:
يجدر بالأُم تجنّب استعمال هكذا أنواع من المنتجات نظراً لما تحتويه من مواد كيميائية ضارّة، والاستعاضة عنها بمواد
طبيعية تتمتّع بالفعالية ذاتها، كالصابون المستخرج من زيت الزيتون الطبيعي والخل... كما يمكنها استخدام زيوت عطرية
طبيعية لنشر روائح زكيّة في أرجاء المنزل كزيت الخزامى والبرتقال...
10- تربية حيوان أليف:
ثمّة علاقة تربط الأطفال بالحيوانات الأليفة. يمكنك استغلال رغبةطفلك في تربية حيوان (هرة، طائر صغير...) لتدريبه
على الاهتمام بالبيئة من خلال رعايته لهذا الكائن الصغير، حيث يبحث له عن طعام وماء ومكان نظيف، الأمر الذي يحثّه
على الالتفات إلى موضوع البيئة وضرورة مراعاتها، ويجعله يحسّ بالمسؤولية الملقاة على عاتقنا تجاه الكائنات التي تعيش
على هذا الكوكب.
11- عدم الإفراط في استخدام الأوراق والمحارم:
يستهلك العديد من الأطفال كمية كبيرة من الورق للرسم والكتابة والمحارم... ولابدّ من تعريف الصغار إلى مصدر هذه
الأوراق وطريقة تصنيعها وعدد الأشجار التي تقع من أجل ذلك، مع ما يستتبع ذلك من ضرر بيئي ونقص في الأوكسجين
ونقاء الهواء وثبات التربة.
12- كوني قدوةً حسنةً:
لابدّ أن تكون الأُم سبّاقة في تطبيق الإرشادات البيئية قبل إلقائها على مسامع صغيرها، على أن يكون أسلوب حياتها سلساً
وتلقائياً لا يرتكز على مجرد شعارات لا طائل منها أو واجبات تفرضها على أفراد عائلتها بطريقة صارمة وجافة قد تأتي
بنتائج غير مرجوّة.