الفصل الأول
يا إلهي لقد عاد
لقد سمعت بأنه لن يعود , ولكنه عاد
وهاهي الحياة تعود إليكِ يا نفسي الحزين , وقلبي المسكين , هيا فلأذهب إليه وأخبره بما يعتمل في صدري وما يحمله قلبي له من .....
ولكن مهلاً لماذا يبدو هكذا , وجهه شاحب , ونظراته ليست هي تلك النظرات التي كنت مغرمة بها
يا إلهي ماذا أرى .... إنه مقعد
لا يمكن أن يكون هذا عماد الذي أعرفه , لقد كان رياضي الجسم , ووسيم الوجه , وعريض المنكبين , وشعره ناعم أسود , ونظراته تحمل الكثير
يا قلبي المسكين , لقد انتظرته كل هذه السنين ليعود وهو مقعد , شاحب الوجه , كسير النظرات , كئيب المنظر
ليس هذا عماد الذي اعرفه
ليته لم يعد ولم أره بهذه الصورة
ليته لم يعد
ليته لم يعد
الفصل الثاني
ارتجفت عند رؤيته بهذه الصورة , دق قلبي دقات سريعة , حاولت التغلب على القلق الذي بدا واضحاً علي , طردت الأفكار السلبية عن مخيلتي وصحت بصوت عال :
- عماد
فالتفت إلى وهنا ارتجف جسدي وهو ينظر إلي بتلك النظرات الحادة التي كان معروف بها .
تحركت شفتاه , ففهمت بأنه يطلب من سائق كرسيه أن ينقله إلى تلك الفتاة التي نادته , اقترب مني وقال لي :
- ماذا تريدين ؟
فوجئت بأسلوبه الجاف , ازدرت لعابي وقلت له :
- أهلاً بك يا كابتن عماد .
- قلت لك ماذا تريدين مني ؟
- ألا تعرف من أنا ؟
قال باستهزاء :
- أنت ِ .
صمت قليلاً ثم استطرد :
- أنتِ التي تعاليتي علي وتكبرتي واستهزئتي بي وكنتِ دوماً تقولين لي أنت أفشل لاعب في تاريخ كرة القدم , ألا تتذكرين ذلك ؟
قلت بصوت حزين :
- نعم لقد كنت كذلك ولكن كنت مخطئة وها أنا أطلب منك الاعتذار .
قهقه قليلاً وقال :
- تتأسفين , ومتى , بعد أن أصبت وأصبحت مقعداً .
طأطأت برأسي وقلت :
- يا عماد , لقد ظلمتك كثيراً ولكن أنا الآن نادمة .
- حسناً ماذا تريدين ؟
- أرجو أن تسامحني .
صمت دقيقة كاملة ثم قال :
- قبلت اعتذارك . والآن ماذا تريدين ؟
فرحت عندما قبل اعتذاري وقلت بفرح :
- أريد أن أتكلم معك كلاماً كثيراً .
- كلام , في أي موضوع ؟
قلت باسغراب :
- موضوع !!أنسيت بأنك تح.....
وقفت على حرف الحاء وأشحت بوجهي عنه حياءً , فهم ماذا كنت أريد قوله , طلب من سائقه أن يمضي به , توقف قلبي عندما غادر , ولكنه أخرج بطاقة من جيبه ورماها لي وهو يقول :
- هذا رقمي .
أعاد قوله الحياة إلي
وما أجملها من حياة
برجعته ........
الفصل الثالث
حدثتكم في الفصلين الأول والثاني عن عودة عماد , فرحت جدا بعودته حتى إنني ...... ولكن مهلاً لماذا أفرح , ومن أنا حتى أفرح , قد يقول البعض بأنني حبيبة عماد ولكن أنا لم أكن كذلك , صحيح أنه كان يحبني , ولكن حب من طرف واحد , لم أفكر فيه طيلة العامين الذين كنا مع بعض في الثانوية .
كنت في المدرسة قاسية القلب مع عماد , لم أحترمه أبداً , كنت أحسبه شاب طائش لا يستحق أن أهتم به أو أنظر إليه , حتى أن صديقاتي كن يحسدنني على اهتمام الكابتن عماد بي , ويتضايقن مني بسبب عدم احترامي له , وسؤالهن دوماً كان يتكرر على مسامعي : كيف ترفضين عماد ؟
عماد شاب رياضي , وسيم , طويل ولكن ليس بالطول الفاحش , على وجهه ابتسامة جميلة , ونظراته حادة , وهو كابتن فريق المدرسة لكرة القدم , برغم هذه الصفات إلا أنه لم يدخل قلبي , لم أفكر أبداً أن أحبه , اهتم بي كثيرا , وكان يناديني بالجميلة إلا أنني كنت أبتعد عنه وأحياناً أوجه إليه كلمات حادة وموجعة .
حدث ذات يوم , أن المعلمة طلبت منا بحثاً حول موضوع ما وأعطتنا مهلة أسبوعين , ولكن مر الأسبوعان ولم أقدم لها البحث كسلاً وقلة اكتراث مني , فقالت لي :
- اسمعي يا وفاء إن لم تكتبي لي بحثاً اليوم ستأخذين صفراً في النشاط .
قلت لها باستغراب :
- اليوم !! . أرجوك أعطني مهلة يومين وسأقدم لك البحث .
- لا . اليوم فقط مسموح لك وإلا تأخذين الصفر يا مهملة .
كدت أن أقول لها بأن هذا مستحيل واستسلمت لأخذ الصفر , لولا دخول عماد المفاجئ .
دخل عماد الصف وقدم لي بحثاً جاهزاً ومكتوب عليه اسمي أيضاً , وقال :
- ها هو البحث يا جميلة , فلقد جهزته لكِ منذ يومين .
ولكن قلبي كان ميتاً لم أفكر في شكره وتقبل البحث منه بل راحت الأفكار السيئة تدور في رأسي , لقد قال بأنه جهزه لي منذ يومين , إذاً هو يعلم بأني مهملة ولن أقدم البحث في موعده , فقلت له بصوت جاف وقاس :
- لا أريد منك شيئاً , خذ بحثك وأخرج من هنا .
صعق عماد لهذه الجملة وأحس بأن كرامته امتهنت أمام طالبات الصف والمعلمة , نزلت دمعة من عينه وهو يغادر الصف ,لقد طعنته بسكين في قلبه , لم أحس به أبداً وكنت اضحك باستهزاء وانا اقول للمعلمة :
- لا أريد بحثه , بل أفضل الصفر .
كم كنت قاسية عليه , يا لي من غبية , كيف ارفض شابا مثل عماد ومن انا حتى ارفضه , إنه اشهر واجمل طالب في المدرسة , يمشي والكل يتبعه بنظراته ,
كان له معجبات كثيرات إلا أنه لم يدخل قلبه منهن أحد , لقد اختارني أنا .
وغاب عماد عن المدرسة مدة شهرين كاملين سمعت بأنه تعرض لإصابة خطيرة نقل على إثرها لدولة أجنبية للعلاج , وهنا استيقظت , ارتجفت عندما سمعت ذلك , ولأول مرة أحسست بالندم على معاملتي السيئة له , تمنيت أن يعود لكي اعتذر منه , وجدت في قلبي مكاناً له , لقد أحببته , انظر في صورته قبل أن أنام وبعد أن أستيقظ تكون أول نظرة لي في صورته .
وانتظرته أياماً كثيرة , أسأل عنه , أتتبع أخباره , ولقد سمعت ذات يوم بأنه لن يعود , فوجئت لهذا الخبر , أحسست بأن الحياة دونه لا شيء ,
ولكنه عاد
عاد ولكن بشكل آخر .....
.......... يتبع..............