المنتدى :
المنتدى الاسلامي
هل الحياة كوميديا أم تراجيديا أم كلاهما معا؟
حسب أرسطو فإن الحياة (كوميديا) لمن يفكرون، وهي (تراجيديا) لمن يشعرون.
والتأمل بذلك يحرر الإنسان من المشاعر السلبية، والاستسلام لأفكار حزينة محبطة، تحيل الروح إلى غرفة مظلمة، والحياة إلى مساحة كرب ضيقة.
وفي المصائب تضطرب الناس جداً، بسبب تسلط المشاعر على التفكير، والكوميديا والتراجيديا مصطلحات من الثقافة اليونانية، احتلت ساحة الفكر منذ العصر التنويري في الغرب.
وتعني الكوميديا المهزلة التي تدعو للضحك، أما التراجيديا فهي المحزنة التي تدعو إلى البكاء.
واختصر القرآن هذين الاتجاهين في نصف آية، عندما أراد تحرير عباده المؤمنين من الضغط الساحق لهذين الشعورين فقال (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم)، أو كما أحب تسميتها (المنطق الداخلي للقرآن). أي أن هناك مفاهيم ومصطلحات مكررة دوما، ما يشبه المعادلات أو الكوانتوم الخاص بالتدفق المفاهيمي للقرآن، مما تشكل نظما خاصا به.
ومنها تكرار صفة يتحلى بها عباده المؤمنون في التخلص من (الخوف والحزن) وهي اتجاه التراجيديا.
ولكن لماذا كان كلا الشعورين سائدين عند الناس؟
ولماذا يقع الناس تحت ضغطهما الماحق؟ ولماذا وجب على الإنسان التخلص من قبضة هذين الشعورين غير الصحيين؟
والفلاسفة يرون أن تأمل الحياة بهدوء يوصل الإنسان إلى شعور استغراق، وطمأنينة باطنية عجيبة، وأن مناظر البؤس الخارجية، ليست دائمة، ولا شاملة، والمأساة فيها ليست من داخلها، بل موقفه تجاهها.
وحسب الفيلسوف الروماني (ابكتيتوس) فليس هناك من شر محض في العالم، وهات لي ما تشاء وسوف أحولها لك بعصا هرمز إلى شيء إيجابي، وأهمية هذه الفكرة خلق المرونة في العقل.
وأذكر أخاً فاضلاً كان يشتغل في معمل للدهان، ثم حدث خطأ فظيع في مزج الألوان. هرعوا إلى المشرف، فقابلها بهدوء وليس بالانتحاب على ما حدث، فقد حدث ما حدث، ولا يمكن تعديله، ولكن كيف يمكن الاستفادة مما حدث، بحيث يحول على الأقل إلى كارثة من حجم أصغر.
يقول صاحبي إن ما حدث كان نعمة بحيث خرج لونا زاهيا غير متوقع، وأمكن بيعه في السوق المحلية. ونفس الشيء حصل مع عقار (الفياجرا) الذي كان بالأصل لمرضى القلب، ثم تبين أنه ينهي مشكلة جنسية عانى منها الناس منذ أيام حمورابي.
ويذكر عن عالم أمريكي أنه كان يعالج لدائن لإنتاج مادة صناعية تفيد المطابخ، وفي إحدى المرات حصل خطأ حزن عليه صاحبه، ولكن ظهر أن المادة الجديدة هي التفلون، وتنفع في طليها في قاع الطناجر، بحيث لا يلتصق بها الطعام، ومنها خرجت صحون التيفال المنوعة.
وهذه الخاصة بتزحلق المواد على سطحها حركت في ذهنه الاستفادة منها في صناعة الشرايين الصناعية.
واليوم يستخدم جراحو الأوعية الدموية مواد الجورتكس والتفلون من وراء هذه الغلطة المباركة.
والقصة نفسها حصلت مع اكتشاف (البنسلين) المضاد الحيوي الرائع من عفن نما على نحو عرضي، وتبين أنه ليس عفنا بل عقارا رائعاً، يقضي على الجراثيم.
ومما أتذكر من يومياتي الجراحية أنني كنت أساعد زميلا لي في معالجة تورم دموي خطير (انورزم) في شريان البطن، وأثناء التداخل عليه حصل معه خطأ طبي فادح، قاد إلى تمزيق الوريد الرئيسي للبطن المعروف بالأجوف السفلي، وأصيب الجراح بالهلع، حتى كاد أن ينخلع عنده الفك السفلي. قلت له نحن في ورطة، وأنت بوضعك الحالي في ورطة أشد، فهدىء روعك وتماسك، حتى نستطيع السيطرة على الموقف.
كانت الكلمات بردا وسلاما، وأمكن إنقاذ حياة المريض التي كانت تسبح بين الموت والحياة.
خالص جلبي
|