المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
حفرة معتمة
وقف بهامته الفارعة وجسده الضخم أرتفع إلى الأمام محدق إلى مبنى الدخول إليه بات دورياً
رفع عصا طويلة أمسكت بها أصابعه إلى الأعلى وأستقرت يدهُ الأخرى في جيب بنطال أزرق عسكري
أحتلت ثغره ابتسامة ظهرت خلفها أسنان ملوثة قد غطتها أغبرة السجائر
تحرك نحو المبنى إلى أن دخل بداخله
الأصابع تعبث بالدراهم والأثغر تلوح بالبسمة
فذلك تطوف به أرواح صغاره بملابس ممزقةٍ تكسوها الأتربة والطين بتعانق أذرعهم حوله منتظرين ما اريق عرقه من أجله
والأخر تجسد له أحلامهُ قصراً من الرخام
وأخر يخيل إليه أنه سيصبح يوما ما ثرياً
فضاعت الأحلام وتبعثرت الأماني وأضمحلت الأبتسامة لرؤية ذلك الوجه المرعب الذي بات يغزو مضاجعهم منذُ فترة ليست بقصيرة
بخطواتٍ عسكريةٍ حركت جسده وقف أمام أجساد قد غطتها الجروح وأرهاق السنين العجاف
مقل وجله, أوجهه تغطت بالسواد والرعب
نظراته أزهقت الأنفس وأوقفت القلوب عن ضخ الدماء إلى الأوردة
أرتعدت الأجساد .. وارتعشت الأرواح... وغشت المقل طبقة من الدموع
لم تنازعه روحه , لم يرق ذلك القلب الأسود وهو يقف أمام شيب أثقل كاهل رجل انحى ظهره
لاح وميض بريق الدموع في عينيه فبكى قلبه قبل مقليه
وهو يخرج محفظته الممزقة بكف مرتعشة غمرة بتجاعيد أكلها الدهر
انتزعت يده المحفظة من بين تلك الأصابع الواهنة
لتعبث بمحتوايتها وأنامله تّلمس الأوراق النقدية الشحيحة
قاذفة اياها على الأرض بإبتسامة غلفت بالخبث
ليرمي المحفظة على وجهٍ غرق بالدموع
ليتلوهُ شاب تكاد عظامه تمزق طبقة جلد جسده
بوجه تغطى بالندب وقد اصطبغت عينيه بالفزع
لم يبالي بإرتعاش جسد الشاب الهالك
إنما قام بإنتزاع محفظته لاطماً وجهه بعصاه الصلبة
خر الشاب صريعاً على الأرض بنوبات من الهلع طوقت أنفاسه الهاربة
وقد أستحال جسده يتزلزلُ بعنف بدموع تهطل بغزارة من مقليه المتسعة
أنتقل من واحداً إلى أخر رامياً الأموال على الأرض بشتائم تقذف كرصاصة
ثم قام بجمع الأموال في كيساً أمتلئ بها
حاملاً إياها إلى مصيرها المحتوم الذي باتت تنقاد إليه في كل شهر
لم ينبسوا ببنت شفه, فمن هم لكي يحتجوا!!
فهم غرباء على أرض وطن أتوها جوعى هلكى ينشدون الأغاثة
بعيداً عن أشباح البرد والجوع والحمى
ليست لهم حقوق يطالبون بها !!
فهم مجرد أجساد تعمر, أرواح تجهد , أنفاس تزهق بين أحشاء الليل و صدر النهار
من أجل لقمة العيش
للعيش بعيداً عن بؤس الفقر
وهو تجند برداء الوطن , هو حامي الوطن , مغيث الملهوفين بعد رب العالمين
فما ذلك الا قناع تلثم به
بقلب أوحل بالعتمة
وعقل تشرب الخطيئة وتشبع بالنجاسة وتكبر وطغى وعثى في الأرض فساداً وكأنهُ خلق عبثاً
تلطخت يديه بأعراض الناس
أراق دموع المظلومين
لتخر أجسادهم في أواخر الليل رافعة أكف الضراعة نحو السماء مناجية ربها بدعوات تناوبت عليه
أضطجعوا بمقل إشرئبت الحزن وأحتضنت الدموع
فلقد ضاعت الأموال التي أستقطرت زخات عرق رسوم أيام لم تكن لتنتهي
تبعثرت أبصارهم محدقين ببعضهم
ليهتف احدهم بوجه حمل القنوط : " أيبقى الحال هكذا ! "
أشتدت قبضة أحدهم بتقاسيم وجه تمثلت بالقوة : " يجب أن نقف بوجهه "
تقوست شفتي أحدهم إلى الاعلى بوجه رسم الأستهزاء بالرفقه : " ومن يقدر!!! "
جاءت نغمة صوت تعطرت بالأمل
من ورائهم لرجل عانقة قدميه سجادة أضطجع عليها, بسبابة ارتفعت إلى السماء : " الرحمن الذي فوق سبع سموات قادر "
يتبختر بكيس تغوص به الأموال
وسيجارة تعانق أصابعه النجسة.. تصاعدت منها غيوم من الدخان..
بإبتسامة طبعت الأثام وعامت بفرحة الأنتصار والطمع بالمزيد
يتمنى الغرق والغرق في الرذائل إلى قاع أوحالها وسحق الضعفاء والتشبع منهم حتى النهم
خلع ردائه الأزرق رامياً إياهُ في الجهة الخلفية من السيارة
فما هو الا غطاء ألتحف به لتحقيق مأربه الهوجاء وأطماعه العمياء
أمتط سيارته الفارهه مسرعاً بأقصى سرعته
بصخب ألحان تعالت في أرجائها بتمايل جسده المطروب عليها
يقهقه تارة وأخرى يحدق بكيس الأموال وكأنه يجزع من ضياعه أو ابتلاع الأرض له
واصابعه تنتقل من بين أسم لآخر مهاتفاً من تلطخوا بالأوساخ مثله , الحاد منها والغليظ منه ..
فيما كان هو يسبح بفجوره وضجيج ألحان الشيطان يزمر في اذنيه
وفي حين غرة منه أرتطمت سيارته بجسداً كان على حافة الطريق
فحلق الجسد في السماء ليسقط على الأرض بأعضاء تقطعت وتبعثرت
إنحرفت سيارته وإنجرفت صادمة بعامود الكهرباء
تشبثت زخات العرق على جبينه وسالت من على جسده
أستحال وجهه أبيضاً وجسده ملتصق بأكياس الهواء
ابتلع أنفاسه بسيلان قطرات الدم من أعلى رأسه منحدرة على وجهه
حاول أبعاد جسده خائر القوى ووجهه المبهوت عن الأكياس بأعين سكنها الفزع
أمسك بمقبض باب سيارته وهو يركل بابها بشدة إلى أن فتحهُ
خرج منها يترنحُ بعقلا سكر من الصدمة
والدماء تتساقط بغزارة من على وجهه شاقة طريقها بقطرات تنهمر مبللة لملابسه البيضاء
وقف بعينين جاحظتين... بتعطر أنفاسه بالدخان الممزوج بالغبار
أسند جسده على غطاء السيارة لاطماً نفسه به
وكأنهُ سقط في حفرة معتمة محقبة
وهو يحدق إلى أشلاء الجسد المبعثره من حوله برعب , بهلع
لا يمكن أن يحدث هذا !
أنهُ كابوس !!
ما العمل ؟؟ ما الذي سوف يحدث له بعد هذه المصيبة!!
فهو قد قتل نفساً ولطخ يديه بالدماء.. لأول مرة في حياته !
نهش الرعب جسدهُ نهشاً ... وهو يهوي أرضاً ..وقد قيدت روحه سلاسل الفزع
تلاطمت أفكاره في عقله وتشابكت مانعةُ إياهُ من الاستيعاب
وهو يحاول أستعادة أتزانه والنهوض
نهض مرتجفاً بجسداً تسكنهُ أهتزازت عنيفة
ينظر حوله ببصراً زائغ وقد لمعت فكرة في دهاليز عقله
الهرووب !!
نعم !! الهروب قبل اكتشاف الحقيقة !
بخطى تعتريها العثرات هرول إلى سيارته صاعداً إليها بجسداً يرتعش ويكاد يغشى عليه
ضاغطاً على الفرامل منطلقاً بأقصى سرعته ...
مخلفاً وراءهُ معالم جريمة طويت بلا عقاب
انتهى ~
|