كاتب الموضوع :
جمره لم تحترق
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
تمهيــــــــد
تـمهـيــد
أنا لست بحاجة إلى زوج , هل تفهمين هذا ؟ أنا لست بحاجة إلى
زوج . ولا أريد ذلك بكل تأكيد .
وهزت هاريـيت كتفيها بنعومة لدى تلفظها بالكلمات الأخيرة فصعقت
المرأة الأخرى لذلك وقالت ضارعة : ( إهدئي يا هارييت )).
ـ زوج ؟ يا إلهي , لقد أمضيت سبعة وعشرين عاماً من مري من دون
أن أزعج نفسي بمخلوق يسبب لي الضيق و . . .
ـ إسمعيني فقط . . .
ـ وعندما أرى أختي تتوسط لي لأتزوج . . . رباه ! حتى أنت لم تتورعي
عن هذا , يا أولمبيا ؟
ـ أنا لم أتوسط للزواج . ظننت فقط أنك قد تجدين ماركو نافعاً .
صدر عن هارييت صوت أشبه بشخير ساخر : (( ما من رجل نافع )).
ـ لا بأس , لن أجادلك .
أولمبيا وهارييت أختان غير شقيقتين , إحداهما إنكليزية والأخرى
إيطالية . شعرهما الكث المائل إلى الاحمرار هو القاسم المشترك الوحيد الذي
يجمعهما , رغم أن الأخت الصغرى أولمبيا تسرح شعرها الطويل بشكل
بديع , بينما تشده هارييت إلى الخلف حول وجهها الجاد .
ملابسهما تكشف أيضاً عن تناقض مزاياهما ؛ فأزياء أولمبيا قمة في
الأناقة الإيطالية , أما هارييت فتختار من الملابس ما هو مريح وبسيط . كما
أن قوام أولمبيا رشيق مغري أما قوام هارييت فأقرب إلى النحافة .
نظرت أولمبيا حولها في ذك المتجر الأنيق في (( ويست إند )) لندن , كان
مليئاً باللوحات الفنية الرائعة والتحف الأثرية . ولفت نظرها عدد منها .
وعندما وقع بصرها على تمثال برونزي هتفت : (( ما أروعه )) .
فقالت هارييت : (( إنه القيصر الروماني أغسطس من القرن الأول )) .
ـ إنه جميل حقاً !
وأخذت تتأمل التمثال عن كثب : (( أنفه رائع وتقاسيم وجهه
أرستقراطية , وفمه جميل , أراهن على أنه كان معبود النساء )) .
فقالت هارييت بحدة : (( أنت دوماً تفكرين فيهم بما يكفي , هذا شيء معيب )).
فهزت كتفيها : (( في الحياة ما هو أهم )).
ـ هراء , لا شيء أهم من ذلك , يا ليتك تهتمين بالرجال الأحياء كما
تهتمين بالأموات منهم .
فقالت هارييت بلهجة لاذعة : (( كنت لتوك تتغزلين برجل مات منذ
ألفي سنة . وعلى كل حال , الأموات أفضل من الأحياء . فهم لا يكذبون ولا
يمهلون أصدقاءهم . ويمكنك أن تتحدثي إليهم من دون أن يقاطعوك )).
ـ كم أنت متهكمة ! أحذرك , إن ماركو متهكم أيضاً , ولولا ذلك
لتزوج منذ زمن بعيد .
ـ إنه عجوز إذاً !
ـ ماركو كالـﭭـاني في الخامسة والثلاثين من العمر , مثقل بالمسؤوليات ,
ووسيم للغاية .
قالت أولمبيا هذا بحماسة , فسألتها هارييت : (( لماذا لم تتزوجيه إذن ؟
قلت إنه طلب منك الزواج أولاً )).
ـ فعل ذلك لأن أمه صديقة لجدتي وترغب بتوحيد الأسرتين .
ـ وهو يفعل ما تقوله له أمه ؟ إنه عديم الشخصية إذاً .
ـ أنت مخطئة . ماركو لا يقتنع إلا برأيه الخاص , وهو يفعل هذا لأسبابه
الخاصة أيضاً .
ـ لعله غريب الأطوار !
ـ إنه يعمل في مصرف ويكرس حياته للعمل الجاد . وهو يفكر الآن في
الزواج , بعيداً عن الحب والغزل والعبث .
ـ لعله شاذ !
ـ حسب قول أصدقائي , هو ليس كذلك . بل على العكس , معروف
عنه أنه يدمر النساء , فما إن يقيم علاقة مع المرأة حتى يتركها . يبدو أن
عواطفه لا تتدخل في علاقاته , فعلاقاته بالنساء عابرة , ينهيها قبل أن تتعمق
الأمور .
ـ بهذا الوصف , تجعلينه يبدو صعب المقاومة .
ـ من واجبي إطلاعك على ماله وما عليه . ماركو لا يهتم بالورود وضوء
القمر , لذا أريدك أن تفهمي الأمور بوضوح . ستكون علاقتك به اتحاداً أكثر
منها زواجاً , بما أنك أنت أيضاً فتاة جادة . . .
ـ هل ظننت أنني سأكون سعيدة بقبول الزواج بأحد الذين ترفضينهم ؟
شكراً يا أولمبيا .
ـ هل لك أن تتوقفي عن هذه الحساسية ؟ لقد تكبدت كل هذا العناء
لكي أنبهك إلى أنه ربما يأتي إلى هنا الأسبوع القادم . . .
ـ وأنا شاكرة جداً لك . في الواقع , كنت أفكر في السفر ويبدو لي
الأسبوع القادم مناسباً تماماً .
بسطت أولمبيا يديها بسخط وهي تهتف : (( رباه , يستحيل مساعدتك .
ستنهين حياتك عانساً )) .
وابتسمت هارييت بخبث فبدا وجهها حلواً : (( هذا إذا حالفني الحظ )) .
|