كاتب الموضوع :
عهد Amsdsei
المنتدى :
روايات أونلاين و مقالات الكتاب
د. أحمد خالد توفيق يكتب: الأرشيف (2)
أمي جالسة أمام الجمجمة وقد اضاءت بعض الشموع حولها
عزيزتي راندا:
فكرة غريبة أن تبحثي عن الإعلانات المرتبطة برقم هاتف معين.. بالتأكيد لم يجرب هذا أي واحد منا من قبل، وعلى كل حال لست ميالا إلى وجود أي ارتباط.. وحتى لو كان هناك ارتباط، فمن حقّ أي واحد أن يبتاع صناديق وأن يبحث عن شقة.. أنا بحثت عن هذا الرقم على الإنترنت، ووجدت عن طريق جوجل إعلانين، لا شك أن صاحب هذا الهاتف يعشق الشراء والبيع لا أكثر.
أقترح أن تكفي عن طريقة البارانويا هذه وتعيشي حياتك.. أتابع ردودك على القراء في المجلة وتعجبني جدا.. تحلين المشاكل بسلاسة وسرعة فائقة، وإنني لأتساءل لماذا لا تحلين مشكلتك العاطفية الخاصة؟ دمتِ لي.
هاني
***********
عزيزي هاني:
ربما أنت محق.. هناك لحظات أعتقد فيها أنني ذكية أكثر من اللازم، أو أن أنفي شديد الحساسية.. لا بد أن هذا يندرج تحت قائمة الغرور الأنثوي الزائد. الأنثى تعتقد أنها أذكى من الرجل ومن أي واحد آخر.. هذا شيء معتاد ومعروف.. أنت تعرف أن من يصيح أولا إنه يشم رائحة شياط هو غالبا أنثى.. والرجال يعتبرون هذه هستيريا، لكني دعني أؤكد لك أنني بعد زلزال 1992 شعرت بالأرض تترجرج ذات مرة، وقال كل الناس إنني مخبولة، وبعد هذا قرأت في الصحف عن موجة ارتجاج ضعيفة جدا من التوابع.
مشكلتي العاطفية الخاصة؟ أنت؟ أنا احبك كثيرا، لكني ما زلت لا أجد الشجاعة كي أمنحك حياتي وكل شيء.. الزواج خطوة مرعبة جدا وجبارة تشبه الوثب فوق الهاوية، وأنا أخشى هذه الوثبة جدا.. برغم أنني لو وثبت فلن أختار سوى هاويتك أنت.. أرجو أن تتحملني أكثر يا هاني.
راندا
************
عزيزتي راندا:
هل تذكرين مشكلتي مع الجمجمة؟ أنا هالة من قليوب التي رددت عليها منذ عددين.. كانت عندنا خادمة مسنة اسمها أم أيمن، أعطيتها بعض المال، وطلبت منها أن تتخلص من تلك الجمجمة اللعينة. هناك مقابر قريبة ويمكن أن يتم كل شيء بسهولة. تسللت المرأة وقد لفت الجمجمة في قميص قديم.. وكان عليها أن تعطيها للحاد وتجعله يقسم بالله أنه سيدفنها.
ما حدث هو أنها تأخرت ساعة كاملة.. ثم عادت ومعها ذات القميص بما فيه.. لم تكن تتكلم وفي عينيها نظرة رعب لا يمكن وصفها.. كانت تنظر لي بفزع ومقت لا شك فيهما.. ثم دخلت فراشها على الأرض ونامت.. نامت حتى هذه اللحظة؛ لأنها أصيبت بغيبوبة عميقة لم يجد لها الأطباء تفسيرا.
ماذا حدث هناك؟ لا أعرف.. ربما كانت تخشى المقابر وأصابها فزع شديد هناك.. سمعت عن رجل أصابه الخرس؛ لأن هناك من ربت على ظهره وهو يمشي في المقابر ليلا.
على كل حال قرّرت أن أنهي أنا الأمر بنفسي.. هذه المرة اتجهت إلى المقابر في نور النهار، وبحثت عن شجرة تين عجوز حفرت تحتها.. صنعت حفرة لا بأس بها وتأهبت لأضع الجمجمة فيها..
هنا سمعت صوتا واضحا قويا يقول:
ـ "لا تفعلي!"
من قال هذا؟ نظرت حولي لأرى فلم أجد أحدا.. حاولت من جديد.. ومن جديد تكرر الصوت. أصابني هلع شديد وتركت الجمجمة؛ حيث هي وجريت مبتعدة..
لا أعرف السبب لكن خيل لي أنني أسمع ضجيجا، كأن رجالا غاضبين يركضون.. وسمعت من يقول بصوت عالٍ:
ـ "لصة المقابر!.. إنها هي!".
لم أفهم ما يحدث لكني أطلقت لساقي العنان، وأخيرا وصلت إلى بيتي لاهثة منهكة..
رقدت في فراشي لفترة لا بأس بها، ثم سمعت صوت شخص يتكلم.. نهضت لأرى من، فوجدت أمي في الصالة جالسة أمام الجمجمة وقد أضاءت بعض الشموع حولها وكانت تقول كلاما غير مفهوم..
كيف عادت الجمجمة؟ أقسم بالله إنني تخلصت منها.. هل هي جمجمة أخرى؟
دخلت على أمي فأجفلت.. سألتها:
ـ "هل هذه.. هل هذه صفاء؟".
قالت في دهشة:
ـ "ومن غيرها؟".
وكانت صادقة.. الجمجمة لها شخصية واضحة ويمكن تمييزها عن الجماجم الأخرى.
الآن ما رأيك يا راندا؟ أنا خائفة من البيت وخائفة من أمي.. لكن الأهم أنني خائفة من نفسي.
هالة س. قليوب
***********
عزيزتي هالة س. قليوب:
بصراحة أمك تثير الفزع فعلا، وما زلت أعتقد أنه لا بد من الاستعانة بقريب لك كي يعيدها لجادة الصواب. أما بالنسبة لموضوع الجمجمة فأنت تعرفين رأيي طبعا.. هذا نوع من الخبال.. أنت على شفا الجنون أو الانهيار العصبي، ولا بد أنك أعدت الجمجمة للبيت وأنت لا تشعرين.. من طاردوك في المقابر هم قوم حسبوا أنك ممن ينبشون القبور، وهو ما يجعلني أعتقد أنك لست من قليوب نفسها بل من قرية مجاورة لها اسمها "ميت السواري". أخبار هذه القرية تعددت مرارا في الصحف؛ لأن أهلها يشكون من عصابات تنبش القبور.
يمكن بسهولة افتراض أنهم حسبوك أنت من يرتكب هذه الجريمة، ولعلهم كادوا يفتكون بأم أيمن هذه من قبل لنفس السبب.
اقرئي القرآن وحاولي أن تنسي هذا الكلام الفارغ. بالمناسبة.. هل والدتك ترى أعداد هذه المجلة؟ كوني حذرة.. لو قرأتها لعرفت من كاتب الرسالة على الفور!
راندا
************
تم العثور على الجثة بوساطة حانوتي كان يقوم بفتح تربة مغلقة
تم العثور على الجثة بوساطة حانوتي كان يقوم بفتح تربة مغلقة
صيدلية الشفاء - قليوب:
مبيعات:
دورميكام (أقراص منومة) - خمس علب
************
صفحة الحوادث:
يواصل رجال البحث الجنائي التحقيق في مصرع هالة س. من قرية "ميت السواري" بقليوب. طالبة حقوق في العشرين من عمرها، تم العثور على الجثة بوساطة حانوتي كان يقوم بفتح تربة مغلقة من ترب المقبرة، عندما وجد الفتاة متوفاة وبثيابها الكاملة وحالة الجثة تدل على أنها توفيت منذ يوم لا أكثر، ويبدو أنها كانت حية وكانت تحاول الخروج من المقبرة.
هذا أثار الرعب في القرية، بينما تؤكد أم الفتاة أن ابنتها لم تغادر البيت منذ يومين، إلا أنها اختفت قبل الوفاة بيوم ولم تعرف سبب خروجها ولا مكانها. يعتقد رجال الشرطة أن هناك من استدرج الفتاة للمقابر ثم قام بسجنها في مقبرة أغلقها بالأسمنت، ولولا نقص الهواء لظلت حية حتى يحفر الحانوتي القبر بطريق الصدفة.
************
عزيزي هاني:
أشعر بقلق.. لا أنام جيدا أبدا.. كلما نمت رأيت جمجمة غريبة المنظر تلاحقني.. تضحك بلا توقف.. هل تعتقد أنني مريضة نفسيا أو أني بحاجة لرأي طبيب؟
راندا
يتبع،،،،
|