كاتب الموضوع :
Rehana
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
وتصورت أن في استطاعتها أن تستدير ببساطة وتبتعد عنه . ولكنها شكت في أن يكون الامر بمثل هذه السهولة . واجتذبها مرة أخرى حملقة الرجل الجالس على المائدة المجاورة . وتنفست في عمق وببطء قبل أن تسأله :
" هل تتحدث الانكليزية ؟"
فرفع أحد حاجبيه السوداويين وأجابها بلغة انكليزية ممتازة ولكن بنبرة ضاغطة على الكلمات لتأكيدها :
"نعم ... هل تريدين مني أن أترجم لك ؟"
فهزت رأسها وهي تتمنى أن تكون في أي مكان آخر غير هذا المكان , وقالت له :
" سأكون شاكرة لك إذا اوضحت له أنني لست في متناول يده بالصورة التي يظنها , فهناك خطأ في الامر ."
فسألها وقد ازداد حاجبه ارتفاعاً :
"إنك تعملين في هذا الملهى ... أليس كذلك ؟"
فقالت وهي في شدة الحرج والارتباك :
"نعم , ولكن ليس في هذا المجال ... أرجوك ياسنيور ..."
وتركت بقية العبارة تخفت وتتلاشى واضعة في اعتبارها أن غالبية الجالسين على الموائد المجاورة تلتفت اليهما . وغاص قلبها في صدرها وهي ترى صاحب الملهى يتجه نحوهما وسط الصالة المزدحمة التي يملأها الدخان , وقد اجتذبته بلاشك تلك الجلبة الخافتة . انه الرجل اللاتيني البدين الاصلع , الذي تشعر نحوه بالامتنان الشديد لأنه منحها عملاً , فلماذا تراه الآن في تلك الصورة المختلفة ؟
منتديات ليلاس
عرفت طبعا الاجابة على هذا السؤال . وان كانت هي نفسها لم تدرك هذا السبب من قبل .
كان يرى من المسلم به مع كل الاحتمالات أنه لا اعتراض لديها على أن توسع من نطاق عملها كمضيفة ليشمل كل نواحي الترفيه عن الزبائن .... سذاجتها المضحكة هي التي وضعتها في هذا الموقف .
وهز الرجل الجالس على المائدة المجاورة كتفيه استهاجانا وكأنه استجاب لرجائها بدون ان يصدقها , وتحدث الى جليسها بالأسبانية وبسرعة وطلاقة حتى انها لم تستطع ان تلتقط سوى كلمة هنا وهناك . وأنهى كلامه في اللحظة عندما وصل صاحب الملهى , وترك جليسها ينظر في عدم ارتياح , مدركاً أن بعضاً من سوء الفهم قد حدث , واتجه الى صاحب الملهى يتحدث اليه في ألفة وتودد , وتحول في ثوان الى رجل وديع يتذلل ويقول :
" المعذرة يا سنيور مندوزا ."
وتجاهل صاحب الملهى الرجل الجالس على الطرف المقابل من المائدة وجذب ليان من ذراعها ليرغمها بالقوة على الجلوس الى مائدة الرجل الآخر , وهو ينطق بالمزيد من عبارات الاسف والاعتذار , وتركها حيث هي ثم اتجه الى جليسها السابق وطرده .
والتقت عينا ليان اللتان أصابهما شيء من الانبهار بالعينين السودوين اللتين أخذتا تنظران اليها بازدراء غير مستتر . ولم يكن وجهه مما يعيد الطمأنينة الى نفسها وله قسمات مشدودة ومتوترة ولونه زيتوني غريب , يعلوه رأس متحجر أملس , وله شعر أسود فاحم , يرتدي سترة بيضاء على كتفين عريضتين . ومن المؤكد ان القميص تحتها من الحرير الطبيعي . كان رجلاً طويلاً نحيلاً يتمتع بالقوة او النفوذ . لقد أدخل الخوف الى نفسها لبعض الوقت . وخرجت عن صمتها قائلة :
"أنني لا أعرف بالضبط ماذا قلت له , ومع ذلك فأنني أشكرك لأنقاذي ."
وبأنحناءة بسيطة من رأسه تنم عن سخرية قال لها :
"اذا كان مظهر الرجل لم يعجبك فلم قبلت صحبته من البداية ؟"
فقطب جبينها في ضيق وقالت :
"كان يبدو لطيفاً , وهذا هو عملي أو هكذا ظننت ."
وفي لهجة تتسم بالشك , لم تستطع ليان ان تلومه عليها , قال لها :
"هل أفهم انك تحاولين القول بأنك لم تكوني على علم بمتطلبات عملك هنا ؟ ربما تكونين جئت حديثاً الى الارجنتين ؟"
|