الحلقة الرابعة
*********
" انتحــار ! "
بدأ المحقق يراقب مسرح الجريمة عن كثب , فقالت له الآنسة كليرا :
" لقد حطمت المرآة بسبب شجار , أليس كذلك ؟ "
بينما الآنسة كليرا تنتظر الرد بـ " نعم " و لكن المحقق يقترب من المرآة أكثر فأكثر حتى قال :
" لا , لم تتحطم اثر شجار "
فقالت الآنسة كليرا مستغربة : " لماذا ؟ "
التفت إليها و اقترب منها و قال : " أن روبيرت باندريك قد انتحر .. "
- " ماذا تقول ؟ "
- " لست متأكد من هذا , و لكن المرآة محطمة و بدون أثار دماء او خدوش على الضحية , و هناك رصاصة لا نعرف أين هي , و بصمات المجني عليه على الهاتف , و الآلة الكاتبة و المسدس , هذا يكفي بأنه قد انتحر .. "
فقالت الآنسة كليرا مسرعة : " او قاتل محترف "
قال المحقق : " المجني عليه قرر الانتحار لأسباب غير معلومة , فكتب خطاب يفيد بأنه أحـُيل كل ثروته إلى ابنه أخيه براد , فأخرج مسدسه من الدرج ثم وقف أمام المرآة و كأنه يحدث نفسه فأطلق رصاصة نحو المرآة فكسرها - لتجربة المسدس مثلا - ثم امسك المسدس بيده بقوة و صوبه نحو قلبه و أطلق الرصاصة فأردته قتيلا "
صرخت فجأة و قالت : " حسنا , لماذا لم يذكر بأنه سوف ينتحر في الرسالة ؟؟ "
ضحك المحقق دانيال و قال : " يريد ان يضعنا في حيرة "
فجأة قالت : " و حتى إذا كان قــُتل , كان من المفترض ان يجبره ان يكتب بأنها حادثة انتحار "
ضحك المحقق و أشار بإصبعه و قال :
" العكس تمام , اذا كان القاتل اجبره ان يكتب في خطابه بأن هذا حادثة انتحار , سيعرف جيدا بأن الشرطة سوف تدقق و تحقق أكثر , لكن في هذه الطريقة جعلها مبهمة "
ثم أضاف : " أما الرجل الغريب فلم يرتكب الجريمة , أني أبرئه دون أن اعرفه "
جلست الآنسة كليرا في حالة من التعب و قالت :
" و ماذا سوف تفعل الآن , سوف تسُجل بأنها حادثة انتحار و أنت غير مقتنع بهذا "
نظر إليها بيأس دون أن يجيبها . . . .
* * * * * * *
" تحليل آخر "
رن جرس الهاتف فأستيقظ المحقق دانيال و بصوت خافتا قال : " مرحبا "
فسمع صوت الآنسة كليرا تقول له : " هل أنت نائما , هيا بنا , الساعة قاربت على ... "
فقاطعها مسرعا : " حسنا .. حسنا أنا قادم .. "
ارتدي ملابسه و ذهب إلى المحامي فرانسوا و طلب منه الخطاب الذي كتبه المجني عليه ..
و سأله عن حال سارة , قال بأن حالتها أصبحت مزرية و لا يعرف طريقة للتعامل معها ..
فسأله : " هل حصلت على ممتلكتها ام ليس بعد ؟ "
ضحك المحامي و قال : " بالطبع لا , لم يتم دفن المتوفى بعد حتى تنتهي الحكومة من تسليم تلك الكيانات الضخمة لفتاة لم تتجاوز الخمس و العشرون من عمرها , كما أني سوف اقترح على سارة بأن تسلّمها الى رجل ناضج يستطيع إدارتها "
- " هل تقصد أنها سوف تتزوج ؟؟ "
- " بلى ذلك الشاب فريد التي تحبه "
فسرعان ما أصابه قشعريرة تسري في جسده فقال و كأنه يحدث نفسه : " فريد ! "
فتركه و غادر المكتب و هو يقول : " سوف أرد لك الخطاب غدا "
فأشار المحامي إليه و قال : " لك هذا "
* * * * * *
الشخصية الوحيدة التي استبعدها المحقق من دائرة الشك هو فريد , صديق سارة ..
بالرغم بأن لا تتصل بين روبيرت و فريد أي علاقة , و لكن لماذا أهمله المحقق منذ البداية ؟؟
جلس المحقق على كرسي مكتبه و أخذ يقرأ في خطاب السيد روبيرت مرارا و تكرارا :
" أنا روبيرت باندريك , اكتب هذا و انا بكامل قواي العقلية , أحُيل ممتلكات عائلة باندريك جميعها الى وريثتي الوحيدة سارة براد باندريك بنت أخي براد باندريك المتوفى التي تقيم في فرزنو دون قيد او شرط .... توقيع روبيرت باندريك "
حتى وقع عيناه على التوقيع " روبيرت باندريك "
فقال في نفسه : " قد يكون هذا التوقيع مزور "
فطلب المحقق بيرو المجيء بسرعة كي يتحقق من هذا الأمر , فجاء بالنتيجة بعد ساعة ,
- " سيدي , التوقيع حقيقي للسيد روبيرت باندريك , و مكتوب باليد اليسرى "
تناول الخطاب منه ثم قال له : " حسنا أشكرك , تفضل أنت ! "
وضع الخطاب على المكتب حتى صرخ فجأة و قال : " ماذا قلت للتو ؟؟ "
توقف المحقق بيرو بذعر و التفت إليه و قال بتردد : " التوقيع حقيقي للسيد ... "
نظر المحقق الى الخطاب و قال بابتسامة :
التوقيع بيده اليسرى ؟؟ إذن هو أعسر , لماذا قتل نفسه بيده اليمنى و كيف أصاب القلب مباشرة ؟؟ "
رفع سماعة الهاتف و طلب الآنسة كليرا و اخبرها بأن تأتي إليه فورا , بينما طلب من المحقق بيرو مغادرة المكتب الآن ..
ثم طلب الحديث مع المحامي فرانسوا و دار بينهم حديثا مطولا بخصوص حالة المجني عليه و علاقته بمعارفه و مع مرور بعض الوقت جاءت الآنسة كليرا باهتمام تستفسر عن سبب طلبه لها ..
- " اسمعي جيدا , المجني عليه .... لم ينتحر كما أثبتنا من قبل , بل قــُتل "
نظرت إليه بيأس : " من حسن حظك ان القضية لم تغلق بعد , لكن هل له فائدة ؟ "
- " بالطبع , اذا توصلنا الى الحقيقة سوف نزج بالجاني السجن "
- " و كيف عرفت ؟ "
- "روبيرت باندريك أعسر , لماذا قتل نفسه بيده اليمنى ؟ , و اذا كان ذلك صحيح , كيف يصيب القلب مباشرة , و على فرض بأنه امسك المسدس بيده اليمنى و وجهه نحو قلبه مباشرة , في كلا الحالتين لا يستطيع ان استخدام المسدس ... "
- " لماذا ؟؟ "
- " قبل ان تأتي بدقائق اتصلت بالمحامي فرانسوا و سألته بخصوص يد الضحية , فاخبرني بأنه يعاني بضعف في أعصاب يديه اليمنى منذ الصغر , لذلك يعتمد على يده اليسرى اعتماد كلي "
سكت ثم قال بلهجة انتصار : " كيف قتل نفسه اذن ؟ "
ابتسمت الآنسة كليرا و قالت : " أنت داهية ! "
ثم أضافت : " و لكن انتظر انتظر ... من الذي قتله إذا ؟؟ "
- " الرجل الغريب الذي زاره الساعة الثالثة و النصف قبل وقوع الجريمة بنصف ساعة "
- " و من هو ؟؟ "
ظل يفكر حتى قال ببطء :
" لدي شعور بأن سارة هي المسئولة , لذلك سوف استدعي صديقها فريد للتحقيق "
* * * * * *
لم يكن يتوقع المحقق دانيال هيئة فريد مهما حدث إلا إذا رآه بعينه ...
شاب وسيم ابيض البشرة , شعره ناعم يرتدي نظرات رخيصة , عمره لا يتعدى الثلاثين , على أي حال رحب به المحقق دانيال و تمنى له ان يكون قد استمتع بالرحلة ..
وجه فريد أولا سؤاله بحدة : " المعذرة بالرغم من اشتياقي لزيارة ساكرامنتو إلا إنني أود معرفة سبب مجيئي الى هنا "
ابتسم المحقق دانيال و نظر إلى مساعدته ثم التفت الى فريد و قال له :
" الم تعرف ان عم سارة قد قــُتل "
ضحك فريد ثم قال :
" بلى اعرف و لكن على ما أظن انه انتحر , ثم ما علاقتي أنا بهذا الموضوع برمته "
ثم أضاف : " حسنا , ماذا تريد مني ؟ "
- " أتمنى ان تفتح صدرك لي و ان تجيب على جميع أسئلتي "
أجاب بتلقائية مع ابتسامة مصطنعة : " تفضل "
- " ما هو عملك ؟ "
وضع حقيبته أرضا و قال : " اعمل مشرف في مكتبة بارنز اند نوبل في شارع بلاكستون لبيع الكتب و القصص و خلافه .... "
- " متى آخر مرة زرت بها ساكرامنتو ؟ "
- " منذ أربعة اشهر او اقل قليلا , كنت مع سارة "
- " لماذا ؟ "
- " السيد روبيرت دعانا الى الإقامة معه أسبوعا كاملا في ساكرامنتو "
- " أنت تقصد ان روبيرت كان يعرفك حق المعرفة "
- " بلى , و ما هو هناك كي أخفيه "
- " هل معك جواز مرور ؟؟ "
- " بالطبع "
فأخرج من جيب السترة الجلدية جواز مرور و قدمه إلي محقق , فتناوله منه و بدأ يتأمل محتوياته و قال له : " حسنا تفضل " و رد جواز مروره إليه مرة أخرى ...
- " لماذا لم تتزوج سارة الى الآن ؟ "
ابتسم ابتسامة مصطنعة ثم قال : " اعتقد يا سيادة المحقق ... هذه أمور شخصية "
ضحك المحقق دانيال بشدة ثم هدأ و قال : " هذه جريمة قتل يا مستر فريد , و الأمور الشخصية إلي تتحدث عنها , تفيد التحقيقات مهما كانت تافهة "
- " بلى و لكن اعتقد ان الرجل قـَتل نفسه , أليس هذا ما قيل ؟ "
- " مستر فريد , انا فقط الذي يطرح الأسئلة هنا , حسنا ؟؟ "
و عندما هدأ الطرفين : " لماذا لم تتزوج سارة إلى الآن ؟ "
فقال بسرعة : " لأني لا املك مالا كافِ لهذا , هل ارتحت ؟ "
شعر المحقق بأنه أحرج فريد بسؤاله , و كي ينقل الحوار سأله سؤال آخر :
" منذ متى و أنت على علاقة بسارة ؟ "
- " تقريبا سنتين "
- " ورثت سارة الآن مبلغ طائلا و كيانات ضخمة , ما رأيكم بالزواج الآن ؟ "
نظر فريد الى المحقق بحدة و قال : " الى ماذا ترمي ؟ "
فنظر إليه بتهكم و قال : " ما رأيك أنت ؟ "
وقف المحقق و قال له : " لديك غرفة محجوزة لك في فورسيزون اوتيل , تستطيع البقاء هناك حيث انتهاء التحقيق , و لا تقلق لن يطول الأمر كثير "
التفت المحقق دانيال من الآنسة كليرا و طلب منها مقابلة مدام سوزان فأجابت قائلة :
" لقد طلبت بنقل مكان إقامتها الى بيت أهلها , سوف استدعيها اليوم إذا أردت "
- " حسنا لا بأس "
* * * * * *
كان عليه الآن و ها قد شارفت الحقيقة على الظهور زيارة مدام سوزان ...
كان المحقق يريد التأكد لماذا لم يطلب هذا الرجل الغريب موعد مسبق كباقي العملاء ؟ ..
- " المعذرة سيدي , لقد علمت بأن القضية سجلت انتحار , أليس كذلك "
قالت تلك العبارة مدام سوزان , و لكن كانت لهجتها تدل على استياء من الموقف .
فأجابها المحقق : " نعم ذلك صحيح , و لكني أود منك ان اعرف بعض التفاصيل "
- " تفضل "
- " اولا , كيف كانت علاقة فريد بالسيد روبيرت "
- " ممتازة جدا , لقد رحب به منذ آخر زيارة له مع سارة , و مكث معنا قرابة اسبوع "
ظل يفكر المحقق قليلا ثم قال : " في سجلات مواعيد السيد روبيرت باندريك يروي بأن براين جونزي سوف يزوره يوم وقوع الجريمة و كذالك شركة المقاولات التي اعطتيها موعد في اليوم التالي "
سكت ثم قال : " حسنا , الرجل الغريب الذي ذكرتيه لنا , لماذا لم يحصل على موعد مسبق ؟ , و أن يكن ... لماذا سمحتي له بالدخول على سيدك ؟؟ "
ارتبكت قليلا ثم قالت : " أنا لم يدور في ذهني شيئا كهذا , ثانيا لقد اقتحم البيت بطريقة همجية , و طالب بمقابلة سيد باندريك بالقوة فلم أستطيع ردعه "
ابتسم المحقق دانيال ثم قال : " عظيم جدا , و لكن ... لماذا لم تذكري هذا في التحقيق من قبل ؟ "
* * * * * *
قالت المساعدة الآنسة كليرا له في غرفة مكتبه : " ما الأمر ماذا حدث ؟ "
نظر إليها و قال : " سوزان كاذبة "
- " كيف عرفت ؟؟ "
وقف ثم قال : " سوزان اختلقت لنا شخصية وهمية في خيالها بأنه رجل غريب الشكل دخل مكتب السيد روبيرت و مضى قرابة ساعة , و فعل فعلته .. و فر هاربا ,.. "
ثم أضاف : " و لكن لابد ان هناك شخص آخر لأنها لا تستطيع ان تقوم بهذا وحدها "
ثم أضاف بعد دقيقة : " أريد سارة ان تتعرف على جثة عمها "
- " حسنا سيدي " قالتها و غادرت المكتب فورا
لم يكن من السهولة ان تقف سارة الفتاة البريئة أمام جثة اقرب الناس إليها , بالرغم من أنها لم تعترض عن التعرف على جثة عمها , إلا أنها كانت خائفة بشدة , ...
وقفت سارة أمام جثة السيد روبيرت و هي مغطاة كاملا بالقماش الأبيض , فذرفت بعض الدموع حزنا على فقدانه , فقالت له : " لماذا تركتني , لماذا سمحت لهذا السفاح ان يقتلك , سوف ادعوا الله ان تكون في عالم أفضل , أتمنى ان أموت معك الآن و ندفن سويا "
أمسكت يديه اليسرى بعنف و هي تقول : " لم يعد لي في هذه الدنيا احد "
بينما المحقق يريد إنهاء تلك اللحظة الحزينة حتى سمعها تقول : " هل القاتل جرح أبي ؟؟ "
التفت إليها و قال : " المعذرة ماذا قلتي ؟؟ "
فاقترب منها أكثر فقالت : " لم يكن لدى كفه الأيسر نذبة كهذه , هل القاتل جرحه ؟ "
فرأى تلك النذبة التي تشكل شكل المثلث , بقيّ المحقق دانيال جامدا , لا يريد ان يأتي بحركة , فهو محرجا من نفسه , كيف له ان يفوت عليه نقطة هامة كهذه ,
فطلب من الطبيب عمل نموذج من الورق المقوى يشكل شكل المثلث بنفس حجم تلك النذبة ..
ثم قال لها : " المعذرة يا آنستي علي ّ الذهاب الآن "
فتركها و مضى سيره بعدما حصل على هذا النموذج
غادر المشرحة بسرعة و أخذ سيارته و انطلق نحو بيت السيد باندريك , وفي أثناء سيره اتصل بالآنسة كليرا و عندما سمع أجابتها قال :
" من فضلك انتظريني في بيت السيد باندريك , انا في طريقي الى هناك "
* * * * * *
يتبع , .....