((بســــــــــــــــم الله الرحمــــــــــــن الرحيـــــــــــــــــــــم
الخطايا السبع
كثرت خطايا الانسان في الاونة الاخيرة بشكل غريب .. ابتداءاً بالقتل ... وانتهاءاً بالغيبة والنميمة ... ازدادت
الخطايا وازداد تكرارها من حولنا .. دون ان نشعر .. واذا شعرنا بها .. لن نفعل شئ .. لاننا فقط في عصر من الممكن ان تكون الكفة المرجحة فيه للشر .. لكن .. هل فكرنا بضحايا هذه
الخطايا ؟ .. هل فكرنا بمصيرهم ؟ .. بعذابهم ؟ .. بآلامهم ؟ .. والاهم .. هل فكرنا بنهايتهم ؟ .. ربما نكون قد فكرنا بالفاعل .. ومصيره .. لكن المفعول به .. يكون في اخر قائمة الاولويات دائما ..
في الحقيقة ان ما حل به قد يؤثر عليه .. ربما لشهر .. لسنة .. او طوال الحياة .. حينها فقط سيتمنى لو ان شخص ما يستطيع ان يقف بجانبه .. ينسيه همه .. ينسيه ما قد تم فعله به .. فشعور الضحية شعور يصعب التكهن به .. ربما حقد مطموغ بوصمة الم .. او وجع مغلف بحزن .. او ضعف مبطن بغضب .. او كل هذه المشاعر المختلفة مجتمعة فيه .. هنا يأتي دوري ودوركم لنقف بصف كل ضحايا هذه
الخطايا .. نشد أزرهم وندفعهم لاستكمال حياتهم بتخطيهم لأي مأساة حدثت .. نقف معهم وقفة اخ لاخيه .. وقفة تجعلهم يدركون ان الخير ما زال يتربع على عرش هذه الارض .. بل ما يزال يتربع على عرش قلوب البشر بمختلف بقاع الارض ..
اعلم انني قد اطلت الحديث .. لكنها روايتي الاولى واريد ان تكون لها مقدمة تليق بها .. اعذروني ..
هذه الرواية نتاج ما كنت احلم به لمدة تزيد عن الاربع سنوات .. ولأصدقكم القول انها ربما كانت
احلام يقظة لفتاة في عمر المراهقة .. لكن اليوم وبعد ان تجاوزت هذه الفترة من عمري استجمعت شجاعتي وعزمي لأشارك الاخرين بأفكاري .. اريهم روايتي .. والتي ربما ستعجبهم وربما لا .. لكنني آمل ان تجد لها مكاناً في قسم " الروايات المفضلة " لأعضاء اي منتدى كُتبت اسطرها فيه ..
روايتي "
الخطايا السبع " تتحدث عن سبع زلات للانسان .. اخترت هذه
الخطايا لانها وكما يقال .. هي
الخطايا السبع المميتة .. كونوا معي ومع ابطالي .. ترقبوا احداث حياتهم .. وشاركوني بأفكاركم وارآئكم .. فعسى ان يوفقني الله لاكملها وأياكم على خير ..
اما بالنسبة لموعد الاجزاء .. فأود القول بأنني لا اريد ان يكون هناك وقت محدد .. فحينما انتهي من كتابة اي جزء .. سيكون بين ايديكم مباشرة ..
الخطيئة الاولى
من الحاضر
" القتـــــــــــــــل "
صوت تكسر زجاجة الخمر تحت اقدامهم .. وضحكاتهم المتعالية التي تردد صداها في الارجاء .. خصوصا في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل .. وفي مثل هذا الحي السكني الفقير الذي تعود سكانه على النوم مبكرا .. يمشي وهو يترنح ويتمتم بألحان غربية .. زجاجة من الخمر في يده اليسرى .. يشرب منها بين دقيقة واخرى .. سمع احد رفقته يقول ..
- هناك .. هناك في كافيه .. تعالوا بنروح ..
شرب مرة اخرى بشراهة .. لدرجة ان المشروب قد بدأ يسيل من زوايا فمه .. ويبلل ملابسه .. التقط انفاسه ورد على رفيقه وهو ييتكلم بلسان ثقيل ..
- ايـــه .. بنــروح .. هههه ..
اجاب آخر
- والسيارة ؟
لم يجب عليه واخذ بالسير نحو الاضواء المشتعلة للمقهى المطلوب .. وهو يشرب من الزجاجة كلما سنحت له الفرصة .. لم يتبقى سوى خطوات معدودة على وصولهم للمكان المنشود ..
حتى استنكر احدهم الفعلة وهو يقول
- راشـــــد خلص .. يكفي شرب ..
تكلم راشد بثقل وهو يرمي الزجاجة على الارض ويجلس بجانبها وكلامه ما زال على نفس الوتيرة ..
- ياخي فكنا .. الحين .. انا جايبك عشان نستانــــــس .. وانت بـــــــــــس .. تنغص .. علينا .. – رفعها مرة اخرى وشرب ما تبقى فيها دفعة واحدة – هههه .. هههه .. يا حـــــلوها ..
التفت الاول بضيق للجهة المعاكسة لهم .. بينما انحنى واحد من الاثنين الواقفين بقرب راشد ليساعده على الوقوف .. وهو ما زال معتز بزجاجة الخمر .. ليكملوا مسيرتهم ويدخلون المقهى الذي يغلب عليه الطابع القروي البسيط .. استقبلهم شاب في منتصف العشرينات وهو يقول بسرعة
- اسمحولي شباب .. بس حنا بنقفل .. – ثم نظر للساعة والمكان الخالي من اي شخص وهو يكمل – ساعة 11:30 .. انا باسكر الـ ..
قاطعه راشد بعنف
- لاااا .. انا .. باســـهر .. هــــنا .. الـــــــــيووم ..
قال الشاب محاولاً تهدئته
- ما يصير يالاخو .. صاحب المكان ما بيرضــ ..
دفعة من راشد ارجعته للخلف .. دون ان يكمل كلامه ..
- بنســـهر يعـــــني بنسهر ..
قال الشاب الذي قد بدأ صبره بالنفاذ مهدداً ...
- باتصل فالشرطة .. وهم بيتصرفون معاكم ..
قال صديق راشد الذي يبدو انه ما زال يعي ويفهم ما يدور حوله ولم يتناول الخمر
- راشد يالله بنروح .. ما نبغي مشاكل ..
لكن راشد لم يأبه بكلام رفيقه وقال متحدياً ...
- شوفني كيف بتتصل بالشـ .. ـرطة ..
اتجه الشاب - لتخويفهم فقط – نحو الهاتف رافعا السماعة .. لكن وقبل ان يضغط على اي زر من ازرار الهاتف .. سقطت السماعة من يده وتهاوى على الارض بعنف .. والدم اخذ يرسم لوحته على الارض .. فزجاجة الخمر التي كان يشربها راشد .. رماها على هذا الشاب الذي لم يرى من حياته الشئ الكثير ..
هنا .. اخذ الزمن يكتب اسطر الخطيئة الاولى .. شرب بشراهة .. فقتل بعنف .. مخلفا وراءه ضحايا لعمله الشنيع ..
******
الخطيئة الثانية
من الماضي
" الشهـــــــــــوة "
قطرات العرق تنزلق بأريحية على جبهته .. وعينيه تتابع بأهتمام الفلم الاباحي على شاشة التلفزيون امامه .. هنالك ذرات بيضاء متناثرة اسفل فتحتي انفه .. والباقي منها منثور على الطاولة امامه .. تفكيره مشوش .. وشكله يدل على عدم الاتزان ..
تسلل الى مسامعه صوت انين .. خارج غرفته .. تحول هذا الانين الى شهقات بكاء بصوت منخفض .. تقدم بصعوبة خطوتين نحو الباب .. ثم عاد بخطوات متعثرة نحو التلفزيون ليطفئه .. ويعود ادراجه نحو الباب .. خرج من غرفته ليجد تلك الطفلة ذات العشر اعوام جالسة على الارض .. بجانب درجات السلم .. ويديها تدلكان ساقها الايمن .. ووجهها مغرق بالدموع .. تقدم نحوها .. والشيطان يرسم له طريق الخطيئة .. يرسم له متعة الدنيا .. دون تفكير بالاخرة .. دون تفكير بالعذاب ... قال بهمس ...
- تأذيتي ؟ ..
ترد وهي تمسح دموعها بيدها اليمنى ...
- شوي ..
مد يده ليدلك لها ركبتها بهدوء .. ومن ثم قال ...
- تعالي لغرفتي .. عندي مرهم بحطه لك ..
طوقت ذراعه بذراعيها لتستند عليه .. وهي تسير معه نحو الغرفة التي ستصبح مسرح لقتل طفولتها .. مسرح لقتل برائتها .. مسرح للخطيئة الثانية ..
اغلق الباب خلفه .. فسطر الزمن كلمات البداية لرحلة الالم والشقاء .. بداية خطة حرمها الله .. و رسمها الشيطان .. ونفذها شخص فقد دينه ..
******
الخطيئة الثالثة
من الماضي
" الجشــــــع "
صرخ بغضب ...
- ليييييه سوويت فيني كذا ؟ ... ليييييه ... ما شفعلي عندك الدم اللي يربطنا ؟ ... قووول ... حـــ ...
قاطعه الاخر الذي يجلس خلف مكتبه بجبروت ..
- انا ما سويت كذا الا علشان ابني مستقبل لعيالي ...
رد بهمس ودموعه قد تجمعت لتشوش مسار رؤيته ...
- وعيالي انا ... ؟ .. وعيالي ... انا لو متت مين بيوقف معهم ؟ ... وانــ ...
قاطعه للمرة الثانية على التوالي ...
- سلطان قلت لك انا مجبور اسوي كذا ...
تكلم سلطان وهو يشعر بعظمة الحاجة والفقر ...
- تهقى ابوي اللي ترك لنا هالورث بيكون راضي عليك ... ؟ ... – ثم اردف بألم – ياخوي ...
لم يجد ما يرد به على اخيه الاصغر غيــر ثلاث كلمات قطعت كل حبال الاخوة والقرابة والدم ...
- تفضل اطلع برا ...
تكلم سلطان بوجع ... فجرح اخيه الاكبر – الذي كان حريا به ان يسهر على راحة اخيه الاصغر – كان غائراً وعميقاً ...
- انا بروح يا سلمان ... لكن ما بقول غير حسبي الله ونعم الوكيل ...
نعم فـ " حسبي الله ونعم الوكيل " هي الكلمات الاجدر في مثل هذه المواقف ... فليس هنالك احد غير الله سبحانه وتعالى هو من يستطيع ان يقف بوجه ظالم مثل " سلمان " الذي استطاع ان يزور بعض الاوراق ليسيطر على املاكه واملاك اخيه ... دون اكتراث لما سيحل بهم في الحاضر والمستقبل ... فهذا هو الطمع او كما يقال " الجشع " والذي حصل على المرتبة الثالثة في قائمة
الخطايا السبع المميتة ...
******
الخطيئة الرابعة
من الماضي
" الحقد "
يديه تحتضن جسد تلك الحبيبة الملفوف بالقماش الابيض .. يحتضنها لاخر مرة .. ويراها لاخر مرة .. ويقبل جبينها لاخر مرة .. فهو سيضعها تحت التراب .. وسيرسلها لمثواها الاخير بيديه .. تساقطت دموعه التي حاول جاهداً لحبسها .. رفع بصره نحو والده وهو يهز رأسه بضعف بعلامة النفي .. لا يستطيع استكمال هذا الامر .. لا يستـــــطيع .. كيف سيدفنها ؟ .. وهو من شهد ولادتها .. وطفولتها .. وشبابها .. كيــــــــــــف سيواريها تحت التراب وهو من اشرف على زفافها ؟ .. كيــــــــــــف سيفعل ذلك وهو من شهد فرحتها بولادة طفلها الاول ؟ .. كيف سيغطيها بالتراب ويعود للمنزل بدونهـــــــا .. ؟ كيــــــــــــــف ..؟
خرج من الحفرة التي ستصبح فراشاً لتلك الطاهرة .. ونزل والده - الذي اصبح حاله اسوأ بكثير من حال ولده - بدلاً عنه .. استند بركبتيه على الارض منكساً رأسه .. واجهش ببكاء عميـــــق .. بكاء لا يليق بأي رجــل .. ضرب بقبضة يده الارض .. توفـــت .. ولم يحقق لها مطلبها الوحيد .. توفــت .. والشوق يملئ حنايا روحها .. توفــــــت ولم تسمع صوت طفلها .. طفلها الذي حُرمت منه .. توفــــــت وهو عاجز حتى عن رد اعتبارها .. لمـــــــــــاذا ؟؟ .. بسبب ضعفها ؟؟ .. بسبب برائتها ؟؟ بسبب طيبة قلبها ؟؟ لمـــــــــــــــاذا ؟ .. تسلل الى مسامعه صوت احتكاك المكيال الذي يحمل التراب بالارض .. ومن ثم تناثر بضع ذرات التراب في الهواء .. سجد على الارض وعبراته قد شكلت طوقاً من حديد اخذ يعتصر رقبته ويمنع دخول الهواء الى رئته .. لم يعد يحتمل الم قلبه .. لا يحتمــــــل ذلك الالم ..
- " يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخــلي جنتي " ..
يعــلم ان بكاءه سيعذبها .. لكنه لا يقوى على فراقها .. لا يقــــــــــــــوى .. همس بضعف ..
- رحمتــــــــــــــــــــــــــــك يـــــــــــا رب ..
شعر بيد والده تلمس كتفه لحثه على النهوض .. رفع رأسه ومن ثم جسده بالكامل .. نهض وعينيه الحمراوين قد اصبحت واضحة للعيان .. سيعذبـــه .. كما شهد عذابها .. سيبكيـــــــه دماً بدل الدموع التي تساقطت من عينيها .. سيذيقه المرارة .. التي سرت في عروق جسدها .. سيجعله يتوسل فقط ليرتاح من العذاب الذي سيلفه كما لُفت هي بالابيض .. سيـــــــريه الشقــــاء .. والعناء .. كما عانــــت وتوفت وهي في ريعان شبابها .. سيــــــــــرى .. سيـــــــرى ..
قد يظن البعض ان الحقد الذي رُسم في قلب هذا الرجل من حقـــه .. ولكـــن الحقد بحد ذاته خطيئة .. حيث ان الله ورسوله – عليه الصلاة والسلام – حثنا على التسامح .. فعقاب من تسبب بأذيتنا سنشهده في يوم لا ريب فيه .. يوم الحساب .. هناك فقط سنرى عذاب من عذبنا وعذب احبتنا .. فلا داعي للحقد والانتقام في الدنيا .. لانها وببساطة زائـــلة .. فهنا خطت حكاية الحقد والانتقام .. هنا كتبت حكاية الخطيئة الرابعة ..
******
الخطيئة الخامسة
من الماضي
" الكذب "
- انــ ... انا فاعلة خير ... اتـ .. صلت .. فيك علشان تعرف ... تعرف اللي يصير من ورا ظهرك ...
عقد حاجبيه باستغراب ... حاول ان يتعرف على صاحبة الصوت ... لكن ذاكرته لم تسعفه هذه المرة ... قال بهدوء ...
- اختي ... واضح انك غلطانة بالرقم ... تــ ...
قاطعته بإصرار ... وكما يبدو ان ارتباكها الذي كان واضحا في البداية تبخر في لحظات الى ثقة عمياء بصحة الذي تقوله ...
- لا ... انا متأكدة ... زوجتك ... تخونك وانت يا غافلين لكم الله ... روح البيت وتأكد ...
ما زال لم يستوعب ما قالته ... ويبدو بأنه لن يستوعب ... كل ما ادركه في هذه اللحظات هو الصوت المتقطع الذي يدل على اغلاق الهاتف من الجهة الاخرى ... لم تمر سوى ثواني حتى بادر بالنهوض ... متوجها لمنزله ... انه يثق بزوجته ... لكن ثقة الاخرى بكلامها زرع الشك في قلبه ... سيذهب ليتأكد ... يتأكد من اخلاص زوجته ووفائها ...
رسمت كذبة ... وقذفت امرأة ... ولم تبالي بالعواقب ... لم تهتم لمصير كذبتها ... او لمصير من تم الكذب عليهم ...
******
الخطيئة السادسة
من المستقبل
" الغدر "
يستمع بأنصات لوصايا الرجل الجالس امامه ... حسناً ... هو انصات ضاهري ... ففي باطن عقله يفكر بطريقة ليكسر بها هذه الشروط ... كيف سيتمكن من اخذها والعودة بها الى السعودية ؟ ...
- سمعتني طال عمرك ... انا ادري ان طلبي صعب ... بس يابوك انا ابي بنتي تكون قدام عيني ...
ارتفعت زاوية فمه اليسرى بابتسامة ... فهمها الاخر على انها ابتسامة مطمئنة ... بعكس مغزاها الحقيقي ...
- تطمن ... بتكون قريبة منك ... وحتى البيت بيكون باسمها ...
ابتسم الرجل صاحب الشعر الملئ بالشيب وهو يقول بسعادة ...
- تسلم طال عمرك ... ان شاء الله يكون زواجك من بنتي خيرة ...
لو كان بأمكانه الان ان يتخلى عن قناعه ... لانتزعه بعنف ورماه بوجه هذا العجوز الاحمق ... لكنه سيواصل للنهاية ... اعطى وعدا لذلك الوغد ولا بد ان ينفذه ليحصل على مبتغاه ... قال ببرود ...
- آمين ...
اكمل وهو يرسم خطته ويحكمها من كل النواحي ...
- يعني بكرة بملك عليها ان شاء الله ؟ ...
قال والد العروس المرتقبة ...
- اكيد ... بعد المغرب باذن الله ...
نهض وهو ينهي هذه المقابلة المنهكة بالنسبة له ... فليس المكان من مستواه ... ولا الاشخاص ... ولا حتى الكلام الذي قيل ... و قال باشمئزاز غير ضاهر ...
- مع السلامة ... عمي ...
خرج من الباب بعد ان وضع اساس غدره برجل وثق فيه ... رجل اعطاه شيئا ثمينا ... وبحسن نية ... ليكون وسيلة تعذيب لعدوه اللدود ...
******
الخطيئة السابعة
من الماضي
" الغضب "
وضعت يدها اليمنى على خدها المحمر ... والدموع قد اخذت تتطافر من محجري عينيها ... منكسة رأسها امام قوته وجبروته وتسلطه ... انتفضت للمرة الثانية بسبب صراخه الغاضب ... وهي تغمض عينيها بشدة ...
- قـــــــــــــولي ... الرجال اللي كان في بيتي ميييييييييين ...؟ - ارتفعت يده لتصفع خدها الايسر - ... مييييييييين ؟ ...
قالت وجسدها يرتعش من شدة الخوف ...
- قــسـ ... قسم بالــ ... بالله ... – شهقت بجزع – انا مدري عن ايش تتكلــ ...
صفعها للمرة الثالثة ... لم تعد تتحمل ... تشعر ان ساقيها لن يقويا على حملها ... فتهاوت على الارض ... وصوت بكائها اخذ يعلو ... شيئاً فشيئاً ... حتى تحول الى نحيب وهي تردد ...
- والله انا مدري ... عن اي شي ... مدررررري ...
قال بغضب وكفه يطبق على خصلات شعرها الطويل بقوة ... وهو يرفعها لتواجهه ...
- لابســــة هذا ... وهو طالع من البيت وفي هالوقـــــــــــــــت ... وتقولين انك ما تدريـــــــــن ... ماااا تدريييين ؟؟؟
هنا ... وبعد هذه الاتهامات ... بعد هذا التلفيق ... جاء دورها لتصرخ ... تصرخ دفاعاً عن شرفها وسمعتها ...
- لبستـــــــــــــــه لك ... لبسته لك وربي اللي خلقني ... حراااام عليك تتهمني فشي انا ما سويته ...
دفعها بقوة نحو الخلف لتسقط على احد الكراسي المصفوفة خلفها ...
- بـــــــــس يا ×××× ... ولا كلمة ما ابي اسمعلك حس ... بنت ال ×××× ... ما ينفع الطيب معاك ...
- لا تســـــب اهلي ... هم اشرف منك ومــ ...
صفعة اخرى انهت جملتها ... بكت ... بكت بقوة ... لم يعد بيدها حيلة ... تشعر بعجزها ... نعم فهي الان عاجزة امام اتهاماته الباطلة ... عاجـــــــزة ... لا تقوى على الدفاع عن نفسها ... اغمضت عينيها بصدمة حين سمعت جملته الاخيرة ... جملته اللتي هدمت كل ما بنوه خلال فترة زواجهما ... انهـــــت كل احلامها ... وبنت لها طريق اخر نحو التعاسة الابــدية ...
- انــــــــــتي طـــــــــالـــــــــــــق ...
في حالة الغضب هذه ... حالة الغضب التي منعته عن التفكير بمنطقية ... واغلقت اذنيه عن سماع قسمها وتبريرها له ... واقفلت عينيه عن ما سيخلفه هذا الطلاق ... عليه ... وعليها ... وعلى اخريـــــن لم يعرفوا مآسي الدنيا بعد ... كان لا بد ان تسطر كلمات الخطيئة الاخيرة في صفحات روايتي ...
******
*
*
*
*
*
******
روايـــتي ستكون اهداء الى من ..
" فقد عزيزاً .. اعتمد عليه طوال الحياة "
" فقد شيئاً بغير ذنب .. لتصبح اصابع الاتهام موجهة ضده "
" خسر مصدر عيشه .. لصالح اناس كان من المفترض ان يكونوا هم الزاد له "
" رأى عزيزاً عليه يتلوى من شدة الالم امامه .. ولم يستطع ان يحرك ساكن من اجله "
" انطلت عليه خدعة .. جعلته يبُعد احبابه عنه قسراً "
" انغرس في ظهره سكين حاد .. أودى بحياة مستقبله ومستقبل من يحب "
" أفلت زمام الامور .. واخذ غضبه يحركه يميناً ويساراً بلا مقاومة منه "
.. الكاتبة ..
.. صمت اللهيب .. ))
الرياض
7:30 مساءاً
بيت " أبو محمد "
تطوف على الجالسين .. وتقدم القهوة المرة كحياتها .. امرأة تلو الاخرى .. وهي تشعر بأعياء يفتك بكل عضلة .. بل بكل خلية في جسدها .. فجميع اهالي الحي .. جاءوا اليوم ليقدموا تعازيهم بوفاة شقيقها .. تحدث نفسها بين دقيقة واخرى .. وهي تتمنى أن تستيقظ غداً وتجد ان ما حدث طوال الاسبوعين الماضيين ما كان إلا كابوس .. تنساه مع الايام .. لكن هل الكابوس طويل الامد هكذا ؟ .. كيف لكابوس ان يستمر لمدة اسبوعين ؟ .. انه مستمر .. والوجع المتلبد في قلبها مستمر أيضاً .. مشت بهدوء نحو المطبخ .. وبدأت بصنع قهوة جديدة ..
محمـــــد ..
يا نبضات القلب ..
هل سيخبو بريق اسمك شيئاً فشيئاً ؟ ..
هل سننساك مع مضي الايام ؟ ..
هل ستكون صفحة وانطوت في كتاب ذاكرتنا ؟ ..
ليت الذي حدث لك .. لم يحدث ..
ليت البكاء قادر على استرجاعك ..
آه .. لو تعلم عدد الجروح التي اصابت القلب بعد رحيلك ! ..
جروحنا اصبحت غائرة ..
فبعدك سوط .. يجلدنا به الزمن ..
محمـــد ..
عسى ان يرحمك الله ..
ويدخلك جنة .. تستريح فيها بعد تعب دنياك ..
مسحت دموعها .. وهي تنظر للقهوة امامها .. اخذتها .. وذهبت في جولة أخرى حول النساء المتبقيات في منزلهم .. ثم دخلت الى غرفة نومهم .. ونظرت لشقيقتيها المنكبتين على دفاترهما .. لاستذكار الدروس .. اغلقت الباب .. وخرجت الى الباحة الامامية لمنزلهم .. غداً .. ستذهبان للمدرسة .. وستجلس هي ووالدتها في المنزل .. حتى يحين موعد الغداء .. تعودان من المدرسة .. يتناولون طعامهم .. ثم يأخذون قيلولة بسيطة حتى العصر .. ثم ينهضون .. تستذكر دروس شقيقتيها كما اعتادت .. وتجلس والدتها لتقرأ القرآن .. يعدون العشاء .. ويتناولونه .. ثم ينامون ..
أين محمـــــد من كل هـــــذا ؟ ..
اصبح ذكرى .. طواها الزمان .. رحل وكإنه لم يُخلق .. رحل ولن ينتظرونه مرة أخرى لتناول الغداء .. رحل ولن تيقضه عصراً لذهابه للمقهى .. رحل ولن تغضب حينما يترك ملابسه مبعثرة .. رحل وكأن والدتها انجبت ثلاث فتيات فقط ..
ستمضي الايام .. وينسونه .. ليس برغبة منهم .. وإنما بأمر من الحياة .. وما يزعجها في الامر .. انها ورغم اعتيادها على المفاجآت التي خطها الزمن .. لكنها تتألم وكأن فقدانها يحدث لأول مرة .. وكأنها تفقد قطعة من قلبها لأول مرة .. نست فقدانها لوالدها فيما سبق .. وستنسى فقدانها لشقيقها ايضاً .. لكنها لا تريـــــد نسيانهم .. لا تريــــــــد ..
- البقاء لله يا بنتي ..
نظرت للمرأة العجوز امامها بوجع .. للحظات .. ثم استدركت محيطها .. وهي تقول : تفضلوا .. تفضلوا داخل ..
مشت المرأة التي كانت بجوار العجوز باتجاه الباب الداخلي .. وهي تقول : يالله خالتي .. دخلي ..
تبعت خطواتهم .. حتى دخلوا .. وبدأوا بتعزية والدتها .. مضت نحو المطبخ وهي تعد المزيد من القهوة .. ثم عادت وقدمتها لهم .. واتجهت نحو الغرفة التي تحتضن شقيقتيها مرة اخرى ..
جلست على المقعد القابع في الزاوية .. بعد إن رفعت الكيس المتواجد عليه .. فتحته .. ونظرت لما موجود في داخله .. مدت يدها .. واستخرجت .. " محفظة نقود " و " قلم ازرق اللون اعتاد محمد على حمله " .. هل هذا فقط ما تبقى من اخيها ؟ .. هل هذه الاغراض بقيت للتنفس الهواء .. وهو دُفن تحت التراب ؟ .. وضعت القلم بجوارها .. وفتحت حافظة النقود ..
عدة اوراق نقدية ..
هويته الشخصية ..
ورقة تثبت بأنه موظف لدى إحدى الشركات ..
ما فائدة هذه الاغراض بدونه ؟ .. ما الفائــــدة منها ؟ ..
******
الرياض
8:10 مساءاً
شركة العالي
- يبــــــــاا .. قولي ايش صاير معاك .. لا تبقى كذا ..
يجلس بهدوء .. ويستمع لولده ظاهرياً .. بينما في اعماقه .. هو معها .. غير آبه بأحد ..
قال بنفاذ صبر .. : الشركة بخير الحمدلله .. والبيت ما فيه اي مشكلة .. وجدتي بخير .. ايش اللي مضايقك ؟ ..
الطرف الاخر مستمر بالسكوت .. لا يُسمع منه شئ سوى انتظام انفاسه الملتهبة ..
يعلم ان والده لم يستمع لأي كلمة قالها .. فرفع صوته قليلاً .. : يبــــااا ..
نظر لإبنه بحدة .. : سيــــف .. انا مو رايـــــــق .. قلتلك مية مررة .. ما فيني شي ..
سيف .. بضجر .. : اربع وعشرين ساعة في الشركة .. ولو رجعت البيت تنام بدون لا تتكلم .. اكل ما تاكل .. وعصبيتك فول .. وفوق كل هذا صحتك متدهورة .. يباا واللي يسلمك .. وين اللي ما فيه شي ؟؟ ..
صرخ بغضب .. : ولـــــــــد .. لا تتدخل فشي ما يخصك .. اطلـــــع برا ..
تنهد بصوت مسموع .. وهو متجه نحو الباب : يباا تراني ولدك .. تقدر تقاسمني همومك ..
زفر الاخر بغضب .. دليل على فقدانه لصبره .. ثم عادت الذكريات لتفرض سطوتها على اركان عقله ..
*
*
*
& مــــــــــــــــــاضي &
~ ذكريــــــــــات عبدالعــزيـــز ~
يجلس على الفراش .. يده اليمنى تحيط بكتفها .. والاخرى تتلمس بطنها المنتفخ .. وهو يقول بحب .. : يا حياتي .. انا ابي ولد عشان يرفع اسمي ..
قالت هي بامتعاض .. : ايش يعني البنت ما بتحافظ على اسم ابوهاا ؟؟..
ابتسم وهو يسايرها .. : يا بنت الحلال .. الولد لا كبر وتزوج اطفاله كلهم بيرفعون اسم عائلتنا .. بس البنت بتتزوج واطفالها بيكونون تابعين لعائلة زوجها ..
حركت رأسها بإيجاب .. وهي تحرك خصلات شعرها بغنج .. : صــــــادق .. – ثم قالت بلهفة – ايش بنسميه ؟؟ ..
قبَلَ قمة رأسها .. واستنشق
عبير شعرها بهيام .. : امممممممم .. ايش رايك في ناصر .؟؟ ..
رفعت جسدها .. وابتعدت عنه بصعوبة .. لتجلس مواجهة له .. : لاااا .. ناصر اسم ولد عبد الرحمن .. اسم ابني لازم يكون فريد ..
ضحك بقوة .. : فــــريد ؟؟؟؟
قالت بزعل واضح .. : لااااا مو كذا .. قصدي اسم ما في منه في العائلة .. مثلاً امممممممم .. فيصـــــل ..
ما زالت الابتسامة متربعة على عرش ثغره .. قال ممازحاً .. : وشلونك يابو فيصل ؟؟ .. – حرك رأسه بعلامة الرفض – ابو فيصل ؟ .. لالالا ما عجبني ..
سحبت ذراعه نحوها .. برجاء .. : لا عزيز .. تراه اسم حلو مررة ..
جذبها نحوه بحركة لطيفة .. لتستند مرة أُخرى على صدره .. : لا ما عجبني .. ايش رايك فأسم سيف ..
قالت في محاولة لمحاكاة اسلوبه .. : امممممممم و شلونك يا ام سيف ؟؟ .. ام سيف ؟؟ .. لالالا ما عجبني ..
ضحك بسعادة .. وهو يقول .. : اسم سيف حلو ..
تلعب بأصابع يديه .. : وإسم فيصل حلو ..
قبَلَ وجنتها .. : اول طفل سيف ..
قالت بأسف .. : امممممممم ماشي يا عزوز .. بتنازل المرة هذي .. لكن الثاني اسميه فيصل ..
طوقها بذراعيه .. : حاااضر ..
******
عودة الى الحاضـــر
******
قطع سيل ذكرياته صوت رنين الهاتف المحمول .. رفعه و نظر لإسم * البيت * الذي يتوسط الشاشة .. ضغط على الزر الاخضر .. وبقي ساكتاً ..
- احــم .. السلام عليكم ..
أجاب ببرود .. : وعليكم السلام .. خيـــر ؟ ..
سكوت على الطرف الثاني .. دام لثواني معدودة .. ثم أتاه الصوت مرة أُخرى .. : انـــا بارجع البيت مع فـــ .. فارووق ..
صرخ بغضب .. : لا .. ما ابغاه يدخل بيتي .. فاااهمة ؟؟ ..
قالت بصوت كسير .. : طيب ما فيه احد بيرجعني البيت غيره ..
زفر بغضب .. وهو يشعر بناراً تلف احشاءه .. وأغلق الهاتف دون أن يرد عليها .. وضع هاتفه المحمول في جيبه .. ثم أخذ مفاتيح السيارة .. وخرج بهدوء .. رغم الفوضى الموجودة في داخله .. يكره سيرة ذلك الوغد .. والان بات يشعر باحتمالية وجود بذرة كره نحو زوجته الثانية .. إنهم السبب في كل ما يحدث له الان ..
******
الرياض
9:50 مساءاً
فيلآ " ام عبدالرحمن "
جففت دموعها بحجابها .. وهي تقول : ما هانت علي .. يا شين الفقد والله ..
يجلس كلاً من * عبدالله وسيف * امامها بحزن .. وهما متأثرين بشدة لحالة تلك العائلة .. قال سيف بمواساة لجدته .. : يماا .. كلنا على هذا الطريق ..
بينما تقدم عبدالله وطبع قبلة على يدها .. : راح عند اللي احسن منهم ..
بكت مرة أُخرى وهي تردد .. : ما عندهم احد .. بس البنات الثلاثة وامهم .. كيف بيعيشون ؟ ..
رد عبدالله بقوة .. : وانا وين رحت يماا ؟ .. اهل صاحبي بحسبة اهلي ..
لم تجيبه .. بل استمرت بالبكاء ..
سيف .. بحزن .. : طيب ما عندهم خال .. عم ؟؟ ..
أجابه الاخر .. وصورة ذلك الرجل الانيق .. ذو الملامح القاسية تعود لذاكرته .. : عندهم عم واحد .. لكن علاقته معاهم سطحية ..
قالت ام عبدالرحمن باستنكار .. وغضب .. : تراهم لحمه ودمه .. كيف يتركهم كذا ؟؟..
عبدالله .. : محمد الله يرحمه كان يقولي .. انه عمه ما يزورهم ابد .. رغم انه انسان غني .. ولا فكر يعرض عليهم المساعدة بعد وفاة ابوه ..
سيف .. : على كلام جدتي .. حالهم يبكي الصخر .. معقولة ما تأثر ؟؟ ..
حرك عبدالله رأسه بإيجاب .. واستمر بالصمت .. لقد كان صاحبه يعمل بدوامين .. ففي الصباح يعمل في شركتهم الخاصة .. كأحد الموظفين العاديين .. وفي المساء يعمل في ذلك المكان المشؤوم .. المكان الذي لقي حتفه فيه ..
قال سيف .. : طيب وما عرفتوا مين اللي قتله ؟؟
اجابه عبدالله .. وعينيه تنظر لوالدته الباكية .. : لا .. المفروض اروح المخفر بكرا او بعده .. عشان افهم وين وصلوا فالتحقيق ..
ام عبدالرحمن .. : عسى ربي يوفقهم ويمسكوه ..
سيف .. بصدق .. : آمين ..
نظرت لولدها الصامت .. تعلم بأنه حزين لفقدان صاحبه .. لكنها ستقول له الان بشأن تلك الفتاة .. : عبدالله ..
اجابها بهدوء .. : لبيـــه ..
قالت برجاء .. : اخته لازم تلقى وظيفة .. عشان يقدرون يعيشون ..
عقد حاجبيه بعدم فهم .. : اخت مين ؟؟ ..
ردت عليه .. بصوت متهدج .. : اخت محمد ..
وكأنه لم يستوعب الامر .. : طيـــــب ؟
شرحت له الوضع .. : الحين ما عندهم دخل ثابت يعتمدون عليه .. وعشان كذا ام محمد طلبت مني اني اقول لكم تشغلون بنتها عندك .. مكان محمد ..
صمت لفترة تعدت الدقيقتين .. وهو يعيد حساب الموضوع في رأسه .. " لا تريد شفقة منك " .. من بين مئات الافكار .. قفزت هذه الفكرة في رأسه .. انها لا تريد ان يشفق عليها .. إذاً لماذا طلبت منه ان تعمل تحت إمرته .. نظر لوالدته .. : يماا .. انا بدور لها وظيفة تناسبها .. لكن مو فشركتنا ..
اجابته والدته .. بتأنيب .. : كيف تخليها في مكان غريب .. تراها بحسبة اختك ..
تدخل سيف .. : في شركتنا او في غيرها .. ايش تفرق ؟؟ ..
قال عبدالله في محاولة للشرح .. : عشان ما تحس اننا نتصدق عليهم ..
سيف .. بتصحيح للوضع .. : تراها كذا ولا كذا بتاخذ مرتب لانها بتشتغل .. ما بتجلس رجل على رجل ..
سكت وهو يفكر .. يا لهذه الامانة التي وقعت على عاتقه ! ..
******
" اليوم التالي "
******
الرياض
مستشفى ال ******
9:30 صباحاً
ازدردت ريقها بصعوبة .. وهي واقفة امام مكتب الاستعلامات في المشفى .. ماذا لو كانت كفاءتها ليست بالمستوى المطلوب ؟ .. ماذا سيحدث لو فشلت في الوصول لأحلامها ؟ .. ليس لها مستقبل في حياتها الاجتماعية .. لذلك .. لا بد من بناء مستقبل زاهر في حياتها العملية .. عسى ان يوفقها الله فيما اقدمت عليه ..
- دكتورة .. د. بدر ينتظرك في الطابق الثاني .. في مكتبه ..
حركت رأسها بالايجاب .. ومشت متجهة نحو المصاعد .. انتظرت عدة ثواني حتى فُتحت بابه .. دخلت وبجوارها ثلاث اشخاص .. لم تعرهم اي اهتمام .. ففي دماغها الان هدفاً واحداً تسعى لتحقيقه .. وهو اثبات هويتها .. ورفع اسم والدها عالياً .. علّها ترد بعضاً من كرامته التي أهدرتها بيديها ..
خرجت من المصعد بخطوات متهادية .. ومشت حتى وصلت لغرفة كُتب عليها .. " د. بدر الراسي " .. ذكرت اسم الله .. وطرقت الباب ..
- تفضــــــــل ..
دخلت بهدوء .. : السلام عليكم ..
أجابها بآلية .. : وعليكم السلام .. تفضلي ..
مشت حتى وصلت لأحد المقاعد .. جلست .. : انــ .. انــآ ندى عبدالرحمن ..
ابتسم .. مما زاد وجهه جاذبية .. : أعرف .. سمر فهمتني ..
ابتسمت تحت غطاءها .. وشاب صفاء وجهها بعض الحمرة ..
قال بصوت هادئ .. : بتنضمين .. ان شالله .. للكادر الطبي في الطوارئ ..
حركت رأسها بإيجاب ..
حرك قلمه بحركة سريعة ورتيبة .. اعتادها .. : انتي أكيد عندك علم مسبق بطريقة العمل في الطوارئ ..
ازدردت ريقها .. : ايــه .. لكن ما اشتغلت على كيسات لوحدي ..
" كيسات جمع case واللي معناها حالة مرضية .. كلمة يستخدمها الاطباء فيما بينهم "
قال مطمئناً .. : الاطباء الموجودين ما بيتركوك لوحدك ان شالله ..
قالت بارتياح .. : طيب ..
أكمل كلامه على نفس الوتيرة .. : اتمنى انك تكونين قد الثقة اللي باعطيكياها ..
قالت بصوت مرتجف .. : ما بخذلك ان شالله ..
ضغط على زر بجانبه .. فدخلت ممرضة .. سعودية .. بعد عدة دقائق .. : نعم د. بدر ..
قال وهو يشير لـ * ندى * .. : هذي د. ندى .. ابيك تعطيها نبذة عن اروقة المستشفى .. وتدليها على مكان استراحة الطبيبات ..
قالت باحترام .. : حاضر .. تفضلي معاي د. ندى ..
نهضت وسارت مع تلك الممرضة .. التي كانت ودودة بعض الشئ .. تعرفت على الاماكن المهمة حالياً .. وقضت بقية الوقت في الاطلاع على حالة بعض المرضى ..
مضت ساعتين .. شعرت فيها باستقلالها .. وبقدرها .. وبالذات مع الاحترام المقدم لها من المرضى .. والممرضين .. وحتى الاطباء .. رأت جانباً جديداً من شخصيتها .. لم تعرفه فيما سبق .. وهذا الجانب هو " ندى قوية الشخصية " ..
ما هــــــــذا ؟ ..
نظرت لوالدها المقبل باتجاهها .. هل اتى للإطمئنان عليها ؟ .. هل أتى لانه علم بسماعها لكلماته المؤلمة ؟.. هل اتى ليساندها في اول يوم ؟ .. هل ....... ؟
تجاوزها .. ومشى بخطوات ثابتة نحو احدى الغرف .. دخلها واغلق الباب خلفه ..
من هذا يا ترى ؟
******
انتــــــــــــــهى
الكاتبة ..
صمت اللهيب