المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
طقوس الفقد تجهض أحلامي
طُقوسُ الفَقدِ تُجْهِضُ أحلآمي |
* أوّل نبضْ لي يُعآنق ليلاس
تعالت قهقهاتي أثر دغدغته اللطيفة ، كان يشاكسني يريد أختطاف كيس السكاكر مني ، احتضنت الكيس ليس خشية من أن يأخذه ولكن ليزيد من لمساته الرقيقة وأنتشي فرحاً. عانقتُ رقبته بعد أن صافحت شفتاي خدّه ، كان الطريق خالياً تماماً والنسمات المنعشة تتلاعب بشعري وخيوط الشمس الحارقة تتلاعب بدرجة أحمرار خدّيه اللذان أُدمن تقبيلهما. ضحكاتنا تتراكض خلفنا كفراشات ربيع مُزهر ، بسماتنا كلوحة فنان غنيَّة مُتشبِّعة بألوان ربيعيّة ، مداعباته الودودة كقطعة سُكّر تذوب بذوبانيَّة سريعة على أهداب قلبي ، أبجدياته كماء زمزم مُحلّى ، أنامله التي تطوف محيط شعري بحنان مُصفّى كقطعة حرير بيضاء تجوب فضاءٍ أسود. أخذ يرفعني في الهواء ذهاباً وأهبط في حضنه إياباً ونحن نعبر الشارع الخالي بعد عودتنا من شراء كيس السكاكر اللذيذ. سعيدة جداً وكدت أقسم إنّي سألامس الغيم من فرط سعادتي ، سعيدة به ومعه.
لم أدرك شيئاً سوى الإحساس بالغيبوبة والخدر بأطرافي ، غمامة سوداء تشكَّلت وحجبت الرؤية لكن رائحة أحتراق مُزعجة داعبت أنفي لتزيد من خدري. ذاكرتي لم تسعفني لأفقه ما حدث قبلاً ، بهذا الوقت تخونيني يا ذاكرة ؟! أسدلت أهدابي المُثقلة بقطرات دمع دافئ ، بدت لي الصورة رماديّة مشوشة ومحاطه ببرواز قاتم ، منذ لحظة أرتطامي بالأرض وأرتطام جسده بفولاذ السيّارة والأوجاع تنهش ما تبقى بي وبه من نبض ، لست بطلة لأقاوم وجعٍ عظيم كهذا . أنفاسي مثقلة بزفيري ، بدى لي إنّي اصبحت اشهق ثاني أكسيد الكربون وأزفر أوكسجيني ، وبطون قلبي باتت تتشرّب دمي وتمتنع عن قذفه في شراييني . حاصرتني أوجاعي ورغباتي ، صرخة خرساء تجلجل أعماقي ، أريد الذهاب إليه ، لماذا قذفتني بعيدة عنك ؟ كما لو قذفت روحي لسماء ثامنة لفظتني وأسقطتني على بعد أمتار قليلة منك ولكن بعد أن سلبت مني طاقتي الحركيّة . الرياح كانت حليفتي بعد أن ابعدت جزءاً لا يتجزء من أكوام الدُخّان الرمادي واتضح جزء من الصورة ذات البرواز القاتم ، يتوسد الأرض ودماؤه التي كادت أن تكون بيضاء شفافة لطُهر صاحبها تفترش الأرض مكونة غطاء لم يحجب هالة النور ولا صفاء بسمته. رائحة الدماء الكثيفة أصابتني بالغثيان ، رغبتي بالتقيؤ موجعة حتى نخاع النخاع ، لكن يستحيل ! أيُّ أحدٍ يشعر بالغثيان من رائحة الطُهر المجلل بالنقاء ؟ وأيٌّ قادر على موازنة ميزان الوجع المتعاظم بداخلي ؟ اعلم أنه قد رحل ، لست حزينة على رحيله ، بل لأنه قطع لي وعد شرف بأن لا يرحل إلى معي. أهكذا تنقض الوعد أيها الحُر ؟ نحن حمامتان ولكن نشترك في جناح ، لا يستطيع أحدنا الطيران إلا مع الآخر ، وأنت الآن حلَّقت إلى السماء التي لفظتني ومع امتعتك حزمت جناحنا المشترك ، واصبحت وحيدة على غصن يابس بجناح واحد ، لست قادرة على الطيران ولست قادرة على الاستكانة من الوجع . يتصاعد رنين هاتفه الملقى بجواري وهو الآخر يفتقد صاحبه ، أنه والدنا الذي يهاتف يا أبي ! لا أقوى على فجيعته ، لن احتمل عيناه الغائرين بدمعٍ جامد كشمع أبى أن ينصهر من الفجيعة ، لن احتمل قول " رحل أبي يا أبي " .
مضى الكثير على الرحيل يا أبي الراحل الحاضر ، الكثير على أوجاع الفقد التي تغرز أنيابها كل ليلة وتنتزع أهداب قلبي بعدد السكاكر التي كنت تشاكسني لخطفها مني . موجع أنت بغيابك الحاضر وحضورك الغائب ، وموجع أكثر أن بات لي أبٌ واحد وأخٌ واحد بعد أن كان لي أبوان وأخ ، أأصبحت تدرك مدى أوجاعي يا أخي الكبير وأبي الصغير ؟ أأصبحت تدرك أيُّ فقدٍ يثقل كياناً غضّ من بعدك يا جنّة ؟ لقد تعاظم حنيني لك ولكيس سكاكر تشاكسني عليه .
التعديل الأخير تم بواسطة بياض الصبح ; 20-07-11 الساعة 09:39 PM
سبب آخر: تعديل العنوان " الزخرفة مخالفة ^ــ^
|