ضغط لوجان يديه المعقودتين على ركبتيه بأنفعال , وبقي هكذا حتى نهاية الحديث , وبفضله تمكنت رينا من السيطرة على أحزانها , ثم ألا يجب أن تفكر بأبنها داني ؟ أنه في الثانية والنصف من عمره وما يزال بحاجة الى حب كبير ورعاية كبيرة , عملت رينا على أن ترعاه على أحسن وجه لتعوضه فقدان والده , وأقسمت ألا تتخلى عنه , وألا تكون أنانية بأن تستسلم لأحزانها , لا بل أن تبذل ما بوسعها لتكرس نفسها تماما لأسعاد داني , ولا يجب في أي حال من الأحوال أن يتأذى من وفاة والده.
كان لوجان أهلا لعرفان الجميل , ففي الأيام الحالكة التي أعقبتالدفن ورغم حزنه الشخصي والعميق لم يوفر وقته وطاقته لنجدة رينا , وسخّر نفسه بالتمام والكمال الى أقصى الحدود وظل قويا ثابتا كالصخرة , وفي كل مرة تحاول رينا أن تشكره يجيب ببساطة :
" لقد وعدت تيري أن أسهر عليك وعلى دان يا رينا , وهذا طبيعي جدا".
ومع ذلك فبعد مرور الصدمة الأولية , أرادت رينا أن تحقق أستقلاليتها , أنها لم تعتمد من قبل طيلة حياتها على شخص بهذا الشكل , وعن قريب ستولد لديها الرغبة في التحرر من هذا الأهتمام اللطيف ولكن القسري من قبل لوجان , من المؤكد أنه خفف عنها كثيرا , وكانت ترحب بحضوره ومساعدته ولكن آن الأوان بالنسبة اليها كما بالنسبة الى أبنها أن يتوصلا الى تحقيق الأستقلال الذاتي والشخصي.
وعندما قررت أن تعتمد على نفسها في تدبير الأمور , لاحظ لوجان ذلك وقال بأبتسامة باهتة بعض الشيء:
" أنني موافق , أنا أفهمك تماما , ولكن سأتابع السهر عليكما أنتما الأثنين , هذه أرادة تيري , فأذا ما شعرت بالحاجة الي , أرجو ألا تترددي في الأتصال بي في أي وقت وفي أية ساعة".
" شكرا , ولكن في الحقيقة تيري لم يكن يريد أن يحمّلك وزرنا مدى الحياة".
منتديات ليلاس
ضحك لوجان ولأول مرة بعد الأحتفال الجنائزي في المقبرة , بأستثناء تلك الضحكات التي كان يتبادلها مع دان أثناء ملاعبته له , ثم وجه أليها نظرة حادة وتمتم بهدوء شديد:
" أي وزر وأي عيب".
أستدارت رينا بسرعة وبأنزعاج , كان من الصعب عليها أن تتحمل نظراته المركزة عليها , أنها تذكرها بطبيعتها الأنثوية , الخطوط الدقيقة لوجهها , والحواجب المرسومة بعناية على شكل أقواس فوق قزحيتين خضراوين لامعتين , والفم الجميل الممتلىء , والشعر الكستنائي الطويل المنساب على كتفيها,والجسم النحيل ذي الأنحناء الرقيق الغالي جدا على تيري , لا , لا يمكن لأي رجل وخاصة لوجان , أن يكون له الحق في أن يتأملها بهذه الطريقة.
ولقد كان عراب الزواج , وقابلته رينا للمرة الأولى ليلة الأحتفال , أصر الخطيبان أن يحتفلا بالقران ببذخ , فأسرفا في توفير كميات الورد والموسيقى والزينات ..... وسيرويان فيما بعد على أولادهما ذكرياتهما التي ما تزال حية عن ذلك اليوم الحافل.....
وفوجئت رينا بلوجان بشكل كبير عندما قدمه لها تيري , وبقيت مسمرة في مكانها مذهولة , لقد رأته نمرا , ضخما , قويا وخطرا......وبدون أن تعرف السبب وبالغريزة أخذت حذرها من هذا الرجل الذي يتمتع بقوة غريبة , فكرت رينا بأرتياح , لحسن الحظ أن لوجان كان يعيش في أستراليا في تلك الفترة , ولذلك لم يكن هناك وقت لكي يسأله تيري عن رأيه بها , لأنها أذا لم تنل أعجابه لما تردد في فسخ خطوبتهما , لم تتأكد رينا من مشاعرها الأولية ولكنها بالفطرة راودتها بعض الشكوك , وعندما مدت يدها , تأملها لوجان من رأسها الى أخمص قدميها , وكأن هذه النظرة تكفيه ليكوّن فكرة عنها , مد يده بخفة وحيوية ثم أبتسم هازا رأسه :
" لقد سبق وقدمت التهاني لتيري والتمنيات السعيدة".
قالها بلهجة ممطوطة , لقد بدا صادقا ولكن رينا لم تسترح لعيني لوجان المتسائلتين بصمت , أي طبيعة يخفي جمال كهذا؟ ولم يحاول أن يخفي فضوله , ولم يكترث حتى للأنزعاج الواضح على وجهها.
لو كان لوجان أكثر حرارة لأسرعت رينا بأشهار تعاطفها ولأكدت له سعادة صديقه , أنهما متحابان كثيرا , وسينجح زواجهما نجاحا عظيما.
ولكن بدلا من ذلك تضايقت من ملامسة يدها ليده , كدفاع عن الذات , ومن الغريب أنها شعرت فجأة بأنها أسيرة لهذا الرجل وأحكامه , وهو يتفحصها بصفاقة , وأخيرا عندما نظرت اليه بأزدراء وتعال( أنت لا تعجبني) قالت في نفسها ( وبما أنك صديق لتيري لن أظهر أي شيء مما أشعر).
وبطبيعته البريئ , لم يشعر تيري أطلاقا بهذا الخصام , أنه يتفاهم مع الجميع , ولا يمكن أن يفكر بحدوث مثل هذا التنافر بين رينا ولوجان , أب الناس الى قلبه , وبعد عقد الزواج كان للوجان أمتياز تهنئة العروس التي تعلقت بذراع زوجها وتحملت بصمت نظراته المتفحصة , أمسك ذقنها وأنحنى نحوها بتؤدة وجرأة تحمل الكثير من الأصرار.