المنتدى :
من كل بحر قطره
لا أطيق تنفس ذاك الهواء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا أطيق تنفس ذاك الهواء
أراهم يجتمعون على تلك الطاولة التي أكرهها..يجتمعون في المدارس.. في الوظائف .. في التجمعات العائلية..في السوق ..في كل مكان! وبسكين ألسنتهم يقطعون سيرة هذا وذاك..أشعر أن الهواء يخنقني حينذاك وأريد أن أصم أذنايّ عن ثرثرتهم ولكني لا أستطيع الابتعاد عنهم فالحياة للأسف تحتم علينا أحيانا أن نبقى حيث لا نريد و تحتم علينا أن نسمع ما لا نطيق وتحتم علينا أن نرى ما لا نستطيع تغييره ...يتكلمون ويملأني الحزن الموشوم بالانزعاج وأنا أراهم يمزقون سيرة فلان وفلانة وكأنهم يتغنون بأنشودة أو يلقون مزحة!..لا يأتي في خيالي لحظتئذ إلا تلك الدعاية التلفزيونية عن الغيبة والمال الحرام وأتذكر كيف تنهش جمرة نار وجه الممثلين في الإعلان..تتجمهر الحروف الزاجرة لتنطلق من جوفي وأنا أرى سخريتهم من عدم مشاركتي في ثرثرتهم وكأن امتناعي عن الغيبة هو "سذاجة"!
ولكنني ألجم كلماتي وأقول لنفسي..كلمات في غير محلها لن تكون ذات فائدة...فأحاول صياغة كلماتي بروية بطريقة تردعهم دون أن أنتقدهم بعنف..فأنا أريد أن يتوقفوا عن ثرثرتهم التي ستقودهم الى هوة لا قرار لها.. لا أريد أن يكون مصيرهم مثل مصير الممثلين في الإعلان التوجيهي..فأختار كلماتي بدقة وأصوغها لكي تقنعهم وتردعهم و كل ما ألقاه هو نظرات حائرة مستنكرة وأفواه تسألني "وما الذي قلناه"؟!
اشعر بالنفور من تلك الجلسات التي تتزين بزينة الغيبة المحرمة..ولا أستطيع تنفس الهواء الذي يحيط بأحاديثهم تلك فأصمت فألقى الاستنكار والتساؤلات عن سبب سكوتي !
تستمر ألسنتهم بانتقاد القادم والراحل.. من ملبسهم الى أدق التفاصيل فهذه ملابسها ضيقة وتحسب نفسها جميلة وتلك ماكياجها فاق الحد ولا تعرف الحياء ..وتلك "دقة قديمة " وهذا قصير وذاك مشيته مضحكة وذاك إنسان "معقد"..او او ..
يؤلمني انتشار الغيبة والنميمة حتى استحالت ثرثرة لا يمكن الاستغناء عنها في مجتمعاتنا..اسمعهم يثرثرون وصوت في عقلي يتساءل بإلحاح ..إن كانوا فعلا أفضل منهم لما يفعلون مثلهم!لماذا يتناولون سيرهم كما يتناولون الطعام والشراب!لماذا هذا التعالي الفارغ؟!تسمعهم يقولون..فلانة لا تخاف الله لها وجهان وتتكلم عنا وراء ظهورنا.. أتساءل وماذا تفعلون انتم؟!
الغيبة والنميمة متفشية في مجتمعاتنا شئنا أم أبينا..وتبقى الأسئلة تطرق تفكيري..
أباتت الغيبة عملة محبوبة يتداولها النساء والرجال ؟ حلية يفاخرون بالتزين بها !
ما الفائدة؟! .. هل من يغتاب يشعر بالتحسن و يخيل إليه أنه ارتقى ليكون أفضل ..ليصعد على أكتافهم ويجعل "عقد النقص" التي تسكنه تضمحل وتتلاشى كلما ابرز سلبيات الآخرين ؟! أم أن ثرثرتهم عن الآخرين أمست مجرد "إدمان"!
النميمة كائن يعشق التكاثر ويعشق أخذ النفاق وإفشاء الأسرار تحت جناحه .. الغيبة كائن شديد الالتصاق بنا إذا لم نحذر من شره ومن صداقته ولم نذكر أنفسنا بالآية الكريمة من سورة الحجرات :" ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه "..
أقول لأولئك لماذا لا تضعون أنفسكم في محلهم وتتخيلوا شعوركم عندما تغتابو وتُفشى أسراركم!! من نحن لنحكم على خلق الله ونعلق على أشكالهم وألوانهم ومشيتهم!؟
من نحن لنجسم أخطاء الآخرين وننتقدها وكأننا بشر موصوفون بالكمال !
الغيبة والنميمة مرض قد يفترس أرواحنا و تصيبنا عدواه إن لم نحذر ممن أصيب به.. فلنذكر أنفسنا بأخذ المصل والبلسم من المصحف الشريف ومن أحاديث خير الأنام ولننظر كل حين الى خطواتنا حتى لا تزل أقدامنا ونسقط في هوة الغيبة والنميمة.
اللهم طهّر ألسنتنا من الكذب والغيبة والنميمة ، وقلوبنا من النفاق والغل والغش والحسد والكبر والعجب.
بقلم
أوان / وردة دجلة
|