المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
ذهاب وإياب ..
ذهاب وإياب
مجموعة قصص قصيرة
ناطحة سحاب
(برج من الابراج)
إنه الآن فى مكتبه العصرى الفاخر، باعلى مبنى تجارى وادارى أي انه أعلى وافخم برج فى المدينة،
بل فى المنطقة كلها. وأنه يعتبر من اعلى تلك الابراج التجارية ومكاتب الاعمال فى العالم، والتى يقال عنها بانها ناطحات السحاب. إنه يعمل فى هذا الانجاز الحضارى الحديث. أنه حيث ينظر من شرفة مكتبه، ويرى كل شئ صغير جدا من عمار ومنشأت إلا ما يقاربها فى العلو والضخامة، وكل شئ تضاءل فى الصغر من سوارع وكبارى وسيارات وأنه الهدوء الشديد، فلا يصل إلى هذا العلو أية ازعاج من ضجيج الشارع التجارى الحيوى الذى يقع فيه هذا البرج الفريد من نوعه فى المدينة.
إنه يشعر الآن بأنه فعلا فى هذا العصر الحديث بعيدا عن الزيف والوهم والخيال، وأنه يتعامل ويتفاعل ويندمج فى هذه الحضارة الحديثة بكل انجازاتها الحضارية، وآخر ما وصل إليه الانسان من قدرات وامكانيات، وأنه فعلا فى القرن الحادى والعشرين، والالفية الثالثة، من تاريخ البشرية.
إنه فى مكتب مجهز ايضا بأحدث المواصفات العالمية، من فخامة وجودة وراحة، وأجواء للعمل المنتج المثمر، وما يريح النفس والاعصاب، وعلى استعداد لأستقبال الضيوف وعقد الاجتماعات. إن الاخشاب من اجود الانواع (السنوبر والسنديان والزان والسرو..)، شئ له رونقه الجميل والبديع البراق. والارضية الباركية وقد وضع عليها السجاد الشامواه الفاخر، وعلى النوافذالستائر الاتوماتيكية وغرفة المكتب مجهزة بالاضاءة الهندسية التى تضئ كل اركان المكتب بما يتلائم مع الموقع، وطاولة الاجتماعات المتوسطة الحجم والتى تسع لأثنى عشر شخص، يمكن ان يجتمعوا سويا، بخلاف المقاعد الاخرى المتواجدة فى المكتب. وشاشة العرض التى يمكن استخدامها عند اللزوم للشرح والتوضيح لأيا من تلك المواضيع التى تستعدى ذلك، حين يتم استعراض العمل او ايا من تلك المشروعات والقضايا، او حين يتم طرحها للمناقشه والاسئلة والتوضيح. وإنها الاجتماعات التى تعقد بين الحين والآخر، مع العديد من الجهات او موظفى الشركة التى يمتلكها، بشكل متعاد مجدول وريتنيى او طارئ.
إنه تعب كثيرا، وبذل الكثير من تلك الجهود والاموال من اجل الوصول إلى هذا المتسوى الرفيع والمروق، والذى يعتبر نادرا، رغم كثرة المصاعب والمغريات والتى واجهاته فى حياته واستطاع التغلب عليها، وان يواجه الحياة بكل ما أوتى من قوة وشجاعة وجرأة وتحمل وصبر، وحتى حرمان نفسه من ا لكثير من تلك الاحتياجات والرغبات التى قد يكون بعضها ضروريا والاخر كماليا. إنه وضع الهدف امام عينيه، وسار فى طريقه بكل قوة وجلد نحو هذا الهدف وهو النجاح فى مجال الاعمال، واجتهد وثابر ووصل.
إن هذه المكتب فى هذا البرج او ناطحة السحاب، يعتبر ايضا من اهم تلك الانجازات التى تحققت، حيث الموقع الحيوى التجارى والادارى فى مثل هذا الانجاز له دوره فى تحقيق المزيد من النجاح، وما يعود علي شركته وعمله بافضل ما يمكن بان يكون من نتائج ايجابية، وتحسين المستوى والدعاية التلقائية التى تتوافر من خلال هذا الذى هو اشهر من نجم على علم. إنه يعلم بانها مرحلة اخرى يخوض غمارها، وان كل ما قد مر به من تلك المراحل السابقة هى تجاربه وخبرته التى حصل عليها، وما وصل إليه، يجب بان يكلل بالنجاح، والاستمرارية فى كل ما يمكن بان يعود عليه وعلى اعماله بافضل ما يمكن بان يكون من نتائج باهرة وارباح وفيرة.
إنه يؤمن بانها حظوظ وفرص يجب بان يأخذ بها، بجانب العمل المناسب والمواكب لها، والتى تصل بالانسان إلى النجاح، والتوفيق فيما يريد بان يصل إليه من اهداف، وبكل تلك المستويات المرموقة والمواصفات الراقية التى يريدها.
كل ما يخطر على بال
إنه يسير فى طريقه الملئ بالمطبات والارشادات والتعلميات ولكنه لا يدرى إلى أين سيصل، أنه يسير كما يسير الاخرين، وما أكثر تلك المسارات المتعددة. إنه يحافظ على توازنه ويقظته ويلاحظ ما يحدث من حوله من تطورات وهو يعلم بأن هناك الكثير من تلك ا لمتغيرات التى تحدث من حوله، وهناك الكثير مما يجب بان يتم أكثر من توقعاته، ولطن أيضا هعناك تلك الامكانيات الهائلة التى يمكن بان تحدث ذلك التحويل الجذرى بين ليله وضحاها، إنما كل شئ يتم فى فترات منها ما هو قصير ومتوسط وطويل المدى، وفقا للتخطيط الذى يتم والاحداث التى ترافها من ما هو قد يكون انجازات بشكل منظم، أو آخر بشكل عشوائى. ومن خلال العلم والمعرفة والخبرة والادراك، والوعى، وكذلك من خلال التجارب والمحاولات المستمرة والمتواصلة والمضنية، من أجل الوصول إلى تحقيق الاهداف الموضوعة والمرجوة والمنشودة.
إنها اليقظة والغفلة التى فيها قد نقع، ونجد أنفسنا فى حالة من القلق والتوتر مما يحدث، ومما قد وصلنا إليه. إنها الافكار التى تراوده وتمر فى ذهنه مر الكرام، ولكن لحظه.. هناك ما يقلق ويحدث نوعا من الاضطراب، وإنها تلك اللحظات القاسية فى التعامل مع كل تلك النقاط التى تطرأ على ذهنه وعلى الساحة، ويهتم بها، أو انها حتى تقتحم هدوئه بدون استئذان. إنها العلاقات بين العائلة الواحدة من مختلف الافراد، والين تكاثروا وازدادوا عددا، وحنى أن كان هناك من رحل واختفى من عالمنا، ومن على الساحة، للعديد من تلك الاسباب التى قد تكون فيها توترا شديدا، للعلاقات التى كانت فى السابق جيدة، ولكنها ق اختلفت من حيث الكبريائ والاستعلاء والتزمت والتفسخ، والازدهار والتدهور والفتور وكل هذه الجوانب والصفات التى قد تتواجد فى الفرد وفى الجماعة. وهى عادة ما تمر بنا فى علاقاتنا مع بعضنا البعض، ونجد بان هناك من تلك المتغيرات التى تصاحبها، سواءا رضينا ام أبينا، فإن عامل الزمن ايضا جد خطير فى تغير الاشياء، والعلاقات والمعاملات والمجتعات. ولكن أنتظر، إننا لسنا كما نظن، بأن هناك من تلك الضوابط التى سوف يلتزم بها الكل، وإنما أصبحنا نبحر فى فضاء فسيح من التصورات والقلق والخوف والفرح والحزن، وما يصاحبهم من قرارات تتخذ بشكل مدروس أو مخطط له. إننا وصلنا كلنا أو بعضنا إلى حالة من التفسح الاجتماعى، وهو ما قد يؤدى إلى العزلة والوحدة، والذى يحاول بان يقهر تلك العلاقات الاجتماعية الهرمية التلقايئة الالزامية بين الافراد، من اباء وامهات واخوة واعمام وباقى الاقراباء وكل تلك الصلات التى كانت سهلة ولا يفكر فيها الانسان، ويرها شئ عادى، فأصبح كل شئ غريب عجيب هناك اسباب لذلك، أو مصالح أو ضروريات ولابد منها، أو يجب تجنبها أو الابتعاد عنها ليس اختيارا وإنما بشكل ايضا تلقائى فإن الحياة لا تترك أحد فى حاله، يفعل ما يريد وكما يريد وأينما يريد ووفقا لما يريد، وإنما هناك دوامات تجرف الفرد وحتى الجماعة معها فى مسارها الاجبارى الجارف الشديد وحتى قد يكون الخطر فى بعض الاحيان. ماذا حدث، قد ريفهم البعض السبب ولكن هناك بلا شك التدهور والبرود فى العاطفة والبعد الذى اصبح كما يقولوا غنيمة، والاقتراب الذى اصبح وليمة للأقوى وليس هناك مكان للضعيف، بأن يجد ملاذ او مكان. فلتحافظ على العلاقات كما هى فى افتراق دائمأ، وافكار متشائمة وليس فى التفاؤل الذى تتوسمه للمستقبل المنشود مكان. إنما هى العداوة فى كل مكان وزمان، والصراع على اشده من اجل مصالح تطغى على اخرى. العداء الظاهر والخفى، والحيرة التى قد يقع فيها البعض، ولايدرى احد كيف يمكن بان يتم معالجة الوضع الذى آلت إليه الامور، وما هو التصرف السليم حيال المواقف المختلفة التى قد تتأثر بها. إنها الماديات التى زادت كثيرا، والخير الوفير الذى عم، والاموال الطائلة والاولاد (أي المال والبنون) اصبح شئ ميسور، والقوة الغاشمة التى تهدم الآخرين، وتحطم ما لا أهمية له فى نظر البعض، وليس هناك علاج سليم ووضع صحيح، وإنما هو الاستغلال لما قد يكون من توريط فى حالات متردية، ومن قد ينجو منها ا, من لا ينجو منها من لا يعرف السباحة فى المياة ضحلة او عميقة. إنه السم فى العسل والذى أصبح شئ معروف، وممل وتكرار مكروه، وإلى ما لا نهاية. إنها الانجازات الحضارية التى اصبحنا ننساها، والاعمال الفكرية والادبية والحضارية، والتى اصبحت شئ من التاريخ، والعيش مثل الآخرين، كالحيوانات المفترسة والجوارح الكاسرة، او الاليفة. وأنها الحظيرة او الزريبة التى اصبحت مليئة، والاستهلاك على اشده، والامراض فى الانتظار، على ابواب الاطباء، والوضع المتفجر تراه فى الاعلام، والفضائيات المتعددة والمتنوعة الهائلة العدد، والجرائد والمجلات، التى فيها الكثير من الاحداث والكوارث والنكبات، والمأساة التى أصبح الكل يعيش فيها. وكل ما قد يكون هناك ايضا من فساد، وغش وخداع، بشكل مباشر او غير مباشر. ومازال هناك الكثير من كل تلك المصائب والجرائم والبلاوى، وهى عنا قريب بعد ان كانت بعيدة، والاوبية منتشرة فى كل مكان، والاحتياطات فردية ودولية، والتطعيمات والتعليمات لابد بان تتم، بشكل مدروس وتشرف عليه الجهات المسئولة، وعند اللزوم واشتداد الخطب والحدث، والامراض اصبحت منتشرة والمصحات والمستوصفات ممتلئة بالمرضى، وكل من به معاناة، والادوية لا تكفى للعلاج، والاسواق التقليدية والحديثة من سوبر وهايبر ومول ومركز أصبحت صغيرة ضيئلة، مثل النجوم فى سماء مظلمة دامسة.
الانتاج من السلع والخدمات مازال وفير، رغم الازمات الحقيقية او المفتعلة، والاختلاف فى المنهج والاسلوب، والتنوع والتغيير، التى تصاحب كل تجارة وتسويق، والبركة اختفت من السوق، والاحمال زادت عن الحد والاثقال فى كل شئ تغيرت عن المعتاد، والمسافات اصبحت متواجدة، ليس هناك ما كان فى سابق العهد والاوان، وعربات الاسعاف والمرضى تنافس السيارات والزحام، فى كل مكان، والوضع اصبح فى التوهان. والناس فى امان وسلام، والخطر يوشك بان يضر ويلحق بكل فرد وجماعة فى المدن والارياف، ورنين الونان فى ازديات، وعربات الطوارئ يراد لها بان يفسح لها المطريق، فإنها فى سرعة تزيد، وتريد اللحاق بهذا الحدث الخطير، والظرف المؤسف الكئيب. فالوضع من نار ودخان، وووقودها الناس والحجارة، والازدحام فى الطرقات من الناس ملئ كل الارجاء، ومعايشة المأساة الجديدة التى اصبحت أليمة ولمنها معتادة فى كل مكان، وتكرار العذاب وشقاء فى دنيا تغيرت معالمها، واضاع لم تكن على البال، ويسدل الستار، لكن لم تتنهى بعد الاحداث، وتظل مستمرة دوام ودوام….
سيادة النائب (سعادة الوزير)
وقد بدأت اساريره تنفرج، بعدان كان شديد الصرامه، ووجه جامد التعابير، بل الذى قد يكون فيه من ملامح القسوة والشدة والخشونة، أيضا تختفى وتزول وتتغير، والتى كان يقابل بها نفسه ويحاسبها ويتعامل معها، قبل ان يعامل بها الآخرين، من غرباء او حتى أقرباء.
بدأت تلك المراحلالتى تختلف عن سابق عهدها معه، من حيث الرخاء وسعة الرزق، الذى تحقق فى مجتمعه كما هو فى بيته واسراته، وحتى أنه بدأت تلك الالقاب والتعابير الترحيبة من الاخرين تحدث فى نفسه اثرها الفعال من الرضى، وما يلقاه من تقدير نظير جهده وتعبه طوال تلك السنين الطوال، حتى وصل إلى هذا الذى وصل إليه. إنه الان رئيس مجلس ادراة لإحدى الشركات المرموقة. ومنذ فترة فترة تعينه فى الشركة، من قرابة خمسة عشر عاما وهو يجد ويعمل باخلاص وتفانى وجد، وهذه الشركة التى قدرت جهوده، التى يبذلها ويضحى من اجل عمله الكثير من وقته وصحته، وما قد وصل إليه من تلك النتائج الجيدة التى ارتقى فيها بمستوى الشركة، وحافظ على سمعتها وجودة انتاجها، وتخطت الكثير من المصاعب الانتاجية والمالية والمعنوية، والحفاظ على مكاسبها التى وصلت إليها فى خلال فترة عمله لديها. إنه يبتعد كثيرا عن اللهو والهزل فى كل شئون حياته، وإنها التصرفات الجادة الصارمة والحكيمة والرزينة. إنه ايضا الصبر على الشدائد، إنها حياته التى اصبحت قاسية مرة كالعلقم وفقا لمشيئته كى يصل إلى ما يريد، وإنه ينظر للحياة بحذر شديد وخوف وترقب من كل ما بها من مآسى ونكبات ومصائب، فعرف كيف يتعامل معها، وإنه ليس هناك إلا الصبر والعمل وتقبل الاحداث بما تأتى، ومواجهتها والتعامل معها. ولكنه لكى يصل إلى ما يريد تحقيقه من مستويات رفيعة الشأن فى المجتمع الذى يعيش فيه، ويحقق النجاح فى المجال الذى يخوض غمارهن لابد له من هذا لوضع الذى اختاره وارتضاه لنفسه. وإنه بدأ ينتقل من مرحلة إلى أخرى فيها الترف والبذخ والكثير الكثير فى تلك البيئات والمستويات الراقية من المجتمع الذى ينشدها الجميع، من حيث هذا الوضع الراقى والمريح الذى ينعم فيه من يصل إليه، بكل ما يريده من اشباع للرغبات والاجتياجات المادية والمعنوية، والتى تدل على ارقى المستويات فى المجتمع.
إنه نشأ فى تلك البيئة المتوسطة الحال، ولكن كان هناك القلة من الاثرياء، وفئات اخرى من المجتمع تكاد تكون معدومة ماديا. وإن الاغلبية من الطبقة المتوسطة، ولكنها تحاول دائما ان تبدو فى مظهرها وهيئتها بأنها من اهل القمة، او مستويات الطبقة الراقية، فدائما يرتدوا افضل ما لديهم من ثياب، وان يبدو دائما فى احسن حله، ولا يبخلوا بكل ما لديهم من اجل هذا المظهر، وكذلك الاهتمام الشديد بالنظافة فى كل شئ فى المنزل من كل بقعة فيه، من داخل الشقق، وخارجها، من جداران داخلية وخارجية، وسلالم وأثاث وعفش وكل شئ قدر الامكان، بحيث يكون الظاهر ايضا مثل الباطن، وليس كما يقولوا فى الامثال من بره هلا هلا ومن جوه يعلم الله. وإنها ايضا تلك العرقات الاجتماعية التى تحافظوا عليها بان تكون على ارقى مستوى، قدر الامكان فى اختيار الاصدقاء والزملاء والجيران الطيبين الخيرين، والذين ايضا نشأوا فى الحى وساءا أكان ذلك بين الكبار فى السن، من حيث الزيارات العادية والرسيمة فيما بينهم، لمن قد يكونوا متداخلين وعلاقاتهم طيبة مع بعضهم البعض، ويتم تهيئة المكان المناسب من المنزل لإستضافتهم، فى الوقت الذى يقضونه لديهم، على ان ترد الزيارة، ويكون هناك الود والمحبة المتبادلة. إن الزيارات تكون فى غرف الصالون او الجلوس، لمن هم غرباء بعض الشئ، وتكون فى غرفة المعيشة او اية غرفة من المنزل لمن هو قريبين من العائلة او احد افرادها، وإنه الترديد المعتاد نحن مش غرب فى اية مكان والسلام، او لا تكلفوا على انفسكم اية مكان واحنا مش ضيوف، وهكذا كل تلك الاقوال المتعادة فى مثل تلك المناسبات، والتى تتردد دائما بين الناس فى المناسبات المختلفة إذا وجدت لها طريقا تسلكه فى تلك المواقف. إنه على كلا قد قرر من صباه وفى مراحل حياته المبكرة أن يصل إلى اعلى وارقى المستويات فى المجتمع، وخاصة فى مجال الادارة وهو المجال الذى اختاره، وان يعمل بجد وهمه ونشاط من اجل الوصول إلى ما يريده من مناصب ادارية فى اية شركة او مؤسسة او جهة العمل الذى سينتمى إليها. إنه وضع هذا الهدف نصب عينيه، وعليه لابد من ان يأخذ بالاسباب، وليس بأن ينتظر ويترقب بل يجد ويجتهد فى دراسته وعمله حتى يصل إلى ما يريده. وبالفعل فإنه بدأ فى سهر الليالى من اجل ان يحصل العلم، حتى ينال اعلى الدرجات العلمية الممكنة، وبعد ذلك يلتحق بالعمل الذى سوف يختاره، إن امكن ذلك أو حتى يختاره له او بمعنى آخر، يجبر عليه، حيث قد تكون هى الفرصة الوحيدة المتاحة له نظرا لصعوبة العمل فى هذا المجتمع، الذى يعيش فيه. وحتى أننا فى عصر فيه ظاهرة البطالة الحقيقية التى يعانى منها الناس فى هذا المجتمع على مختلف المستويات وفى الكثير من المجالات وميادين العمل.
إذا فإنه عاهد نفسه على السير فى هذا الطريق الذى بدأه من حيث اختيار الجد والقسوة والشدة مع نفسه إلى الابد، ويترك اللهو والهزل، وقد بدأ يقلل الكثير مما كان يؤديه من تلك النزهات او الفسح التى اعتاد عليها، ومعه زملائه واصدقائه، من الذهاب إلى المنتزهات ودور السينما والمسارح والاسواق والحدائق وخلافه. إنها قد تكون ترفيه مشروع ومسموح به ليجدد نشاطه، والراحة بعد الجهد الذى يبذله، فى أي شئ يقوم به من مهام صعبة، ولكنه ابى ذلك وانصرف عنه، لما يريده فإنه يحتاج إلى تضحية ما، وهذا هو الثمن والتضحيه التى يقوم بها. ومنذ تلك اللحظة وهذه المرحلة بدأت الصرامة تأخذ مجراها فى حياته، والجد يمحو المرح واللهو والهزل، والتعابير الطفولية البريئة
التى قد تظهر فى محياه، فى الكثير من الاوقات. إنه بدأ يحكم عقله ومصلحته ومستقبله فوق كل اعتبار، وشيئا فشيئا أصبح انسانا أخر، ولكنه اعتاد على ان يراعى المناسبات الاجتماعية على مختلف الاصعدة، وخاصة الحزينة، وأنه لا يتأخر عنها قدر الامكان، وعن تقديم الواجب اللازم من عزاء . إنه يضحى بكل ما هو كمالى واقل ضرورة، من أجل الاشياء والجوانب التى هى فى غاية الاهمية والضرورة، واصبح لديه المقياس الذى يقيس به كل شئ فى حايته، وله على ذلك التصرف وفقا لهذه المعايير التى وضعها فى سلوكياته وتصرفاته وكل شئون حياته. وكان هذا من ضمن الاشياء التى بدأت تؤتى ثمارها من حيث الارتقاء السريع نحو القمة، او ما قد يصل إلى افضل ما يمكن من مستويات راقية فى حياة هذا هو طريقها، الذى يعتبر بوابة النجاح وتحقيق الانجاز.
الاصول والتجديد
اساسيات
إنها تلك القيم والمبادئ التى تتواجد فى المجتمعات وفقا للكثير من تلك الاعتبارات التى تتأصل، ويكون هناك الاتباع لذلك وهو الشئ المحمود والمطلوب والممدوح، وخلاف ذلك يعتبر خروجا عن المألوف، ويندرج تحت ما هو تجديد ويمكن قبوله والسير وفقا لهذا التعديل، أو ما يلاقى الرفض والاستنكار والتنديد، على ان لا يتكرر مرة أخرى بعد ذلك، فى أيا من تلك المناسبات الاجتماعية المتعادة الطارئة، والتى قد تحدث للموام المناسبة لذلك، أو التى قد تكون طارئة، والتى تحدث بدون حسبان او تخطيط لذلك. إنها الحياة التى يجب بان يحياها الانسان فى هذه الدنيا، وهذا العالم الصغير والكبير. إنه التصرف السليم فى مختلف الاحوال، والتعرف على الصح والخطأ، والتعلم المستمر من كل تلك العلوم فى مختلف الميادين، والاختيار للطريق الذى يريد بان يسلكه كل فرد، او جماعة، وفقا للأهتمامات المشتركة. إنها تلك الروابط المشتركة، والاهداف المحددة فيها ما هو ذو قيمة ما، وما قد يعود بالنفع العميم او الفائدة المرجوة. إنها النقاط السهلة والصعبة التى قد يراها البعض او الكل، وما قد يكون هناك من توضيح للآراء وكل تلك المشاعر والاحاسيس، وما قد يحدث من تطورات ومتغيرات، وما قد نلاقيه من الكثير من تلك الاعتبارات التى منها الوصول إلى ما يريده الانسان، من هداف واضح المعالم.
إنه التاريخ الحديث والقديم للمجتمعات وما هو مستجد وما هو قديم، وما يقد يتم تغييره وتطوره، وما هو كما هو، منذ القدم، وليس هناك من تغيير لذلك او تطور. إنه تلك العلاقات التى قد تتوطد، او قد تفتر، او تظل كما هى فى نفس حالتها التى هى عليها. إنها تلك الاعتبارات التى توضع فى الحسبان، من حيث كل ما نراه من هؤلاء الاشخاص الذين يكون لهم القرارات الصائيبة، ويلاقوا الدعم الكبير من الجهات المسئولة والعلاقات الجيدة، بل والممتازة، وما قد يحدث من كل تلك الانجازات المأمولة والمتوقعة، وكل ما هو منتظر من حيث التنفيذ الفعال فى هذا الصدد الذى نحن حياله. إنها إذا تلك المواصفات الخاصة التى قد تتواجد فى بعض المجتمعات دون غيرها، من حيث الحفاظ على تلك المقومات وفقا لقيم لابد من الحفاظ عليها، وما هو متوارث،وما يمكن بان يكون من انطلاق نحو المتسقبل بأفضل ما يكون، بدون افتقاد لأيا من تلك النقاط الجوهرية التى يمكن بان تظل وتستمر، ولا تندثر أو تختفى من على الساحة العالمية او الاقليمية او المحلية. إنها اشياء قد يصعب الحفاظ عليها، وانتماءات قد تحتاج إلى فكر واعى وسيطرة رشيدة حكيمة تؤدى دورها بالشكل المتوقع فى هذا الشأن الخطر الداهم والمتواصل والمستمر.
إنه الفكر الواعى المدرك الصابر الذى يستطيع الحفاظ على عادات وتقاليد المجتمع بافضل ما يمكن من اساليب ما هو كائن بشكل جماعى، ودعم جهات مسئولة تؤدى دورها على أكمل ما يكون فى الاطار المحدد، وفقا للخطة المحددة الموضوعة، والمتفق عليها بالشكل المباشر والشكل الغير مباشر فى هذا الصدد. إنها المواقف الشديدة الوقع التى قد يتعرض لها المجتمع بشكل فردى أو جماعى، وما هى الاجراءات التى تتخذ من الجل التصدى لها، ومقاومة تلك الصعوبات التى قد تحدث، ويكون هناك تلك المواجهة التى لابد من الصمود امامها، والخروج مما قد اصبح هناك من ذلك الصراع الصعب الذى سوف يؤدى إلى تلك النتائج المتوقعة من الفوز أو الهزيمة، ومدى امكانية المواصلة بنفس القدر من الحماس والمسئولية والعطاء وبذل كل تلك الجهود المضنية فى هذا لاصدد الذى نحن حياله، وأنها باستمرار المحاولات المستمرة المتواصلة من اجل الحفاظ على نفس تلك المسارات وكل ما قد يتم القيام به من مهام، من خلال التعرف على ما يحدث وكيفية التصرف وفقا لكل تلك المعطيات والمستجدات التى نراها من حولنا. وكيف يمكن بان نخوض فيها على تلك الاسس التى تمت واتباع كل تلك الخطوات الايجابية بالاسلوب الامثل فى هذا الصدد.
زمن مضى
ذكرى ومجهول
إنه يسير فى تلك الحديقة العامة القريبة من منزله، ومعه صديقاه عبدالحى ورؤوف، وقد وصلوا إلى تلك الكافتيرا التى امام البحيرة الصناعية، والتى يصفوا مائها وتنعكس عليها الاضواء، واصبح منظرها رائع خلاب يخطف الابصار. وبعد ان أخذوا امكانهم على تلك المقاعد التى تكون دائرة حول الطاولة المستديرة وعليها الاكواب الفاغة للمياة المعدينة، حيث القارورة المتواجدة بينهم.
وبعد ان اخذوا امكانهم على المقاعد وحول الطاولة، دار الحديث بينهم، فى العديد من المواضيع المتنوعة. فهم يتحدثوا عن اخبارهم وما يحدث فى عوائهم واسرهم، ومن تصرفات بعض الافراد، وكيف يعيشوا حياتهم، وما هى الاحداث التى تمر بهم، وان هذا شئ مألوف ومعتاد فى مثل تلك المجتمعات وبين الافراد والجماعات من اهل وجيران واصدقاء. فإنها بساطة تلك الايام والحياة الهادئة المستقرة التى يعيشونها، بعيدا عن تقيدات الحياة التى تواجه كل انسان بعد ذلك، حيث مر الايام وجرى السنين، وتكاثر الاعباء والمسئوليات وتراكم الالتزامات، والضعف والوهن الذى يصب الانسان من عوامل الزمن وكبر السن. إنها أيام الصيف الحار، ولكنهم فى الليل السامر والهواء البارد والجميل الذى يأتيهم من كل جانب، ولم يستعد ايا منهم بملابس ثقيله، إنهم بالبنطلونات وال تى شيرت، حيث هذه ملابس الصيف ومثل هذه الاجواء، وعلى كلا فهو جو مازال مقبول، ويمكن تحمل هذه النسمات اللطيفة الجميلة من الهواء البارد، وأن كان يشتد برودة كلما تأخر الوقت ليلا.
فتحدث رؤوف وقال متسائلا هل من الممكن أهله من أجل الحصول على أيا من تلك الرغبات والاحيتاجات المشروعة والتى تكاد تكون مستحيلة فى مجتمعنا هذا، وهو رغم ذلك يعيش فى حنانهم ودفئهم، وهذه الاشياء التى لان تنفع فى بناء مسقبل، او يغير من أجل اوضاع افضل، وفى تحقيق ما يسعى الانسان من أجله. فعندك محمود سامى صديقنا، والذى سافر منذ شهور إلى فرنسا، ويقال أنه قرر الهجرة إليها بحيث يظل هناك سنوات عديدة حتى يحصل على الجنسية، ويريد بان يعيش هناك حياته بعد ان يأس من ايجاد الحياة الكريمة ويحقق طموحاته والتى تدعم هناك ومستحيلة هنا. إنها الضغوط الحياة الصعبة واعبائها، التى جعلته يهاجر ويترك بلده الواسعة الشاسعة الاطراف بمدنها الجميلة وناسها الطيبين ودفئها وجوها الجميل. إنه ليس وحده، و لكن كل الشباب يسافر ويطلب الهجرة إلى تلك الدول الاجنبية التى توفر لهم ما يريدوا من حياة احسن وافضل، مما هو فى بلادهم من حيث الرخاء الاقتصادى والاجتماعى، والمستويات المعيشية الافضل. فرد عليه عبدالحى ولما لا؟ فإن ضاقت عليكم الارض بما فرحبت فأسعوا فى مناكبها، والهجرة والسفر من الاشياء المشروعة والمحمودة، وليس فيها ما يعيب، وانما هؤلاء يريدوا بان يبدأوا حياتهم من جديد، وان يكافحوا لصلوا إلى تحقيق ما يسعوا من أجله كل انسان منا، فى حياة هادئة أمنة مستقرة، ويكون له شأنه وكيانه فيها واهميته، فى المجتمع الذى يعيش فيه.
وقد كنت اتابع الحوار بينهما، ولم اتدخل كعادتى فى الحوار إلى حين يشتد النقاش بينهما، واعلق ع لى ما تجود به قريحتى من آراء، واضرب الامثلة إذا كان هناك شئ منها فى هذا القبيل، أو احلل الامر والحدث، ونحاول بان نصل إلى افضل تلك النتائج الممكنة، او حتى تغيير الموضوع فى نهاية المطاف، إذا طالت المناقشة ولم نصل إلى نتيجة ترضى جميع الاطراف، وكلا يظل محتفظا برأيه كما هو، ووجهة نظره حيال هذه النقاط والجوانب فى الحياة التى تم التطرق إليها. إن رؤوف يتحدث وينظر إلى الامور نظرة موضوعية، وهنا يعلق ويسألنى ما رأيك، فى هذا الموضوع، ولكن لم يكن لدى تعليق، واخبرتهم بان موضوع السفر والهجرة وخاصة بين السباب ، هو شئ حيوي وتتحدث عنه وسائل الاعلام المختلفة هذه الايام، والجدل كبير فى هذا الموضوع، فهناك من يؤيد ويدعم ويوافق على السفر واهجرة للشباب، حيث يمكن بان يكونوا سفراء لبلادهم، وصورة مشرفة للمجتمعاتهم فى الخارج، حيث البطالة فى مجتمعاتنا، والكثير من الفرص الضائعة، وايضا يمكن بان يكون هناك المزيد من تدفق العملة الصعبة، يمكن بان تتم عن طريقهم على المدى المتوسط او البعيد. والرأى الآخر يعارض وبشدة حيث انه اهدار لطاقات السباب، حيث المجتمع الذى انجبهم وصرف عليها الكثير من أجل تعليمهم، خلال مراحل دراستهم وعلاجهم وتوفير الكثير من الخدمات لهم، ولابد من ان يعود نفعها على مجتمعاتهم بدعمهم لها وعلى بلادهم بكل خير يرجى وينتظر، وأنهم الثروة الحقيقة التى تستثمر فيهم. وبذلك يكون الوضع افضل لهم ولنا، وايضا قد يحدث الكثير من تلك الانحرافات وخاصة بين الشباب، والذى قد يصطدم بين واقعه المر والاليم، والواقع المتحضر والاكثر رخاءا وتقدما فى الحضارة الحديثة. ومازالوا يتحدثوا وفد احضر الجرسون الطلبات، فمن طلب المشروبات الدافئة مثل الينسون، ومنهم من طلب المشروبات الباردة من عصيرات طبيعية كالبرتقال. إنه مرحلة من اجمل المراحل وفيها اجل اللحظات التى يمروا بها، والتى قد لا تعود وتتكرر مرة اخرى، فيما بينهم بنفس هذا الصفاء والود والحالة النفسية والوجدانية، والجو الجميل الرائع والهدوء الذى يسودهم، حيث المسئوليات مازالت خفيفة، والالتزامات ايضا كذلك، ولذلك فإنهم ايضا يتحدثوا فيما بينهم.
مراحل مشتركة
مرت سريعا
تقابلا مصادفة فى أحد اسواق المدينة التى يعيشون فيها، وبعد ان كانوا دائما سويا فى مقابلات مستمرة متواصلة فى مرحلة مبكرة من عمرهما، فإنهما الان أصبحا نادرا ما يتقابلا، ويجتمعان سويا، ويستعيدان تلك الذكريات الجميلة التى مرت، يتطرقان إلى تلك القضايا العامة والعادية والمألوفة والشخصية، وما يمكن بان يكون قد أحدث أختلافا ما.
إن مظهرهما لم يخلفا كثيرا عما سبق، بخلاف ان الشعر الابيض بدأ يغوز ويزحف على الرأس والسواد الاعظم فى كل انحاء الجسم أيضا، هذا هو الدليل على ان الزمن يقوم بواجبه المعهود فى البشر من تأثير العمر وكبر الانسان. ومزال كلا منهما يحافظ على صداقته للآخر، ويقدره ويكن له عظيم الامتنان من حيث العشرة الحسنة التى قضوها سويا فى فترة ما مرت فى الكثير من الاحداث والتى اصبحت ذكريات، وكان هناك الكثير ايضا من تلك الاشياء التى اختفت الان، على الاقل لهما وإن كانت هناك تشابه لجيل جديد من الشباب، بدون مسئوليات أو ألتزامات، ونفس الظروف تقريبا، والتى يتمتعوا فيها بتلك الفترة الجميلة من حياة الانسان فى حياته.
ياسين : أزى الحال .. عاش من شافك…
عماد: فعلا ايام بتشغل الواحد … ولكن اخبارك أيه؟ .. واخبار باقى الزملاء والرفاق أيه…
فإنهم فى الماضى لم يكونوا يجتمعوا بمفردهم كما هو الحال الآن.. وبعد ان جلسوا فى تلك الكفتريا التى كانوا طالما يجلسوا عليها ويتناولوا العصيرات الطازجة بها، والمشروبات الساخنة، أو حتى فى بعض الاحيان يتناولوا تلك السندوتشات السريعة المتواجدة فى هذه الكافتريا، والتى عليها اقبال شديد فى الماضى، لمن يصبح كذلك فى هذه الايام، حيث أختلفت الكثير من تلك ا لاوضاع الآن من حيث انتشار الكثير من المطاعم سريعة الوجبات التى يسمونها تيك اوى، فى كل مكان.. واحدث منافسة شديدة، ولم يعد هناك الاحتكار كما كان فى السابق، وأنما أصبحنا نجد المطاعم والكفتيريات فى كل مكان بكثرة هذه الايام، ولكنها كانت ذكريات جميلة مروا بها.
ياسين : والله لى فترة ما بشوف حد من زملائنا واصدقائنا، كلا فى دنياه، والمشاغل أصبحت كثيرة فى هذه الايام، ولم يعودوا كما كانوا عليه، أنما كلا اصبح الان لديه الكثير من المسئوليات والاسرة والاولاد. فبعد ان كان حرا طليقا، أصبحت هناك الاعباء والسئوليات والالتزامات التى لابد منها.
عماد : نعم عندك حق، كانت ايام ليس فيها مسئوليات وألتزامت … ولا تسأل عن احد او تفكر فى شئ اخر من هموم الدنيا، بخلاف دراستك ومذاكرتك واستعابك لدروسك، وكان هناك من هو مسئول عنك. أو على الاقل مسئوليات خفيفه جدا واعباء قليلة. أنها أصبحت اليوم كبيرة وثقيلة، على كلا، من تراه من رفاقنا سلم لى عليهم. كانت صحبة حلوة ممتعة وجميلة، وشباب ما يتعوض، شخصيات يصعب بان يجدها الانسان اليوم. الدنيا اتغيرت والناس ايضا اتغيروا، وكل شئ اتغير. يا سلام على رؤوف أدهم وتوفيق ومازن وعلى وتميم وكريم وعبدالله ورفعت وأمين. شوف كل واحد منهم أصبح أيه الان، فاكر الكلام والمناقشات والتى كانت تدار والقضايا التى تثار، وافكارهم وارئهم واحلامهم. أهو دخلوا الدوامة التى لا ينجو منها احد، دوامة الحياة الطاحنة بمشاكلها ومشاغلها ومتطلباتها واحتياجتاها الضرورية والكمالية.
وكان على المائدة امامهم موضوع العصير البرتقال الطازج، ويرتشفون منه بتمهل بالمصات على مهل. وكلا منهما يتكلم ويسرح بافكاره إلى تلك الفترة والمرحلة الزمنية التى مضت وانفضت بغير رجعه إلى طى النسيان، إلا فى ذاكرتهم، وهكذا باسترجاعهم لهذه الذكريات، فإنهم يعيدوا إليها الحياة مرة أخرى، بالمشاركة والوجدانية فى هذه المشاعر والاحاسيس التى كانت متواجدة، وانه شئ جميل بأن يشارك انسان آخر، تلك الذكريات، إنها بالفعل شئ كان حقيقه وليس من الخيال، وهو العكس الحقيقة التى تتحول إلى خيال. إنها المسئوليات التى زادت، وما قد اصبح هناك من اندماج فى عجلة الحياة الطاحنة. فهناك من تزوج، وهناك من سافر، وهناك من هو سعيد ومرتاح نوعا ما، أيى بمعنى آخر اصبح فى المسار الصحيح للحياة، من حيث توافر المستقبل الذى كان ينشده كل انسان فى بداية حياته. إنه العمل المناسب والبيت والزوجة والاولاد، والعمل الذى يداوم به من حيث الوظيفة المرموقة او حتى التى يؤدى فيها دوره فى المجتمع، بشكل ايجابى. وهكذا نجد من اصبح وضعه حسن وجيد، ومن وضعه فى معاناة نوعا ما، ومازال فى كفاحه مع هذه الحياة القاسية التى يحاول بان يحقق فيها أحلامه وطموحاته، التى تأبى إلا ان تظل عالم الغيب. على كلا كيف هم الآن وهل مازالوا يذهبوا سويا إو حتى فرادى إلى ذلك النادى الرياضى الذى اعتادنا الذهاب إليه للالعاب الرياضة كرة القدم والسلة الطائرة والتنس (الطاولة والارضى)؟ كانت كل هذه الاسئلة وغيرها تدور فى الذهن بصورة تلقائية وهناك الكثير مما يتفوه به عماد، وصور كثيرة فى ذهنه عن تلك المرحلة الزمنية التى فيها امتع الاوقات واجملها مضوها وقضوها سويا، وكلا له طابعه الخاص ونمطه الشخصى واسلوبه فى التفكير والتعامل مع الاحداث والتعليق عليها، ومن هو حاد الذكاء لبق، ومن هو أجتماعى ومن هو رياضى ماهر، وكلا له ما يميزه عن الآخر، وكذلك عادة فى كلا الجماعات، التى تجد فيها تلك الاشياء النادرة التى قد ينفرد بها كل شخص وفرد فى المجموعة. إنها فترة زمنية فيها الكثير من المناسبات المتنوعة الاجتماعية والرياضة والثقافية والترفيهية، والتى قلت بل وندرت هذه الايام، فما أكثر تلك الزيارات للمعارض التى كانت تقام، والمؤتمرات التى كانت تعقد، والتى يتم فيها تبادل للآراء والمناقشات المثمرة، والتى قد تنقد كل شئ، وتحلل الاواضاع والاحداث والاعمال. وما أكثر الافكار التى كانت تطرح من اجل المعالجة للمشكلات والقضايا المطروحة على مختلف المستويات، من اجل التطوير واضافة المزيد من التأييد او المعارضة. الحوارات والمناقشات والاعلانات والموضات والنشرات الاعلانية والدعائية، وكان كل هذا يومض فى ذهنه بشكل سريع جدا، وهو يتحدث عن الحاضر، وعن وضعه بعد ان اقترقوا، كل هذه المدة،واما هى تلك المستجدات فى حياته خلال تلك الفترة التى مرت بشكل سريع وغريب وملئ أيضا بالاحداث ولكنها مختلفة ايضا جدا، فكل شئ فى حياته جديد. ما أندر تلك الصور التى ألتقت لهم سويا بشكل جماعى وبشكل فردى، فى مختلف المناسبات تسجل مرحلة زمنية اختفت، وقد يكون هناك اثار باقية او اندثرت فى حقب من الزمن. إنها المناسبات التى تسجل تلك الفترات التى كانوا معا فى النادى يمارسوا الرياضة بكافة صورها، من كرة قدم إلى السلة إلى السباحة، وحتى وهم فى المطاعم يتناولوا طعامهم، او الاسواق والمنتزهات. إنه النشاط والحيوية وما كان ألذ الطعام الذى فقد الانسان شهيته له، حيث أيضا الخير الوفير والاعداد الطيب والطاقة التى يحتاجها الانسان فى يومه لنشاطه وحيويته. إنها بالفعل ذكريات ما أجملها، وافترقنا بدون سابق انذار، بشكل تلقائى وبدون وداع، حيث لم نتوقع انتهاء هذا الزمن الذى مضى، واصبح عدم التواصل كما كان فى الماضى. إنها مشاغل الحياة التى لم تجعل هناك فراغ يمكن بان يدخر من اجل اللقاءات السابقة، فهناك الاهم من حيث المسئوليات والالتزامات التى تحتاج إلى التفرغ. وبالطبع لم تطل تلك المقابلة، وانما كلا لديه ألتزامته التى لابد من ان يؤديها، وهناك ما هو أهم من قضاء الوقت فى هذه اللقاءات العابرة، وان كانت عزيزة على الواحد، إلا أن العين بصيرة واليد قصيرة. لقد حدث بلا شك اختلاف كبير فى الحياة نفسها، والتى لم تعد بسيطة هادئة مستقرة،و إنما هى السرعة والقلق،والتوتر والمصالح ،ولك تلك الاختلافات التى هى لغة العصر، لكل من يصل إلى مثل سنهم وظروفهم.
عصرنا … وعصر مضى
حقائق مثل الخيال
لم يعد فى الامكان … هذا الذى تحلم به… أنك تفكر فى شئ عظيم… هو فوق طاقة الناس… وخاصة حين يكون هناك نقص فى اشياء ضرورية… وهامة واساسية.. والصراع على زينة الحياة الدنيا على أشده … نعم أنه تفكيرك الجميل، وراقى لكن من المستحيل تطبيقه على باقى البشر، وخاصة فى ظروف مختلفة وجذريا عما قد يكون من عناصر توافرت لك. إنك شخصية عظيمة، كافحت من أجل الارتقاء للأفضل والاحسن، وصبرت وعرفت ما لها وما عليها، ورضيت منها بما قسمه الله لك، ودائما ترضى بالمقسوم، وبالخير والشر، ومدرك بان لا مفر من القضاء والقدر، إنه المكتوب على الجبين ولازم تشوفه العين.
إننا قد نكون ايضا فى عصر آخر غير عصرك .. والكثير من تلك المتغيرات التى قد حدثت واصبحنا لا ندرى كيف يمكن بان نتعايش سويا مع كل ما يحدث من تلك الاحداث التى اصبحنا لا نفهم منها شئ. ولكن كلا يعيش وفقا لطبيعته، ويجد بان هناكط ذلك الترحيب او النفور، وعليه فإن كلا يتعرف على احتياجاته ومتطلباته، واليحتك وينظر إلى المتجتمع الذى يعيش فيه ماذا يريد، وكيف يمكن بان يواجهه ويتعامل معه، بالطريقة المثلى وان يكون على حذر مما قد يتواجد من سلبيات ومساوئ، ويعرف كيف يستفيد من كل تلك ا لمميزات والحسنات، بان يطورها وينميها، أو على الاقل يحافظ عليها قدر الامكان. إنك حصلت على فرصتك والتى اوصلت إلى النجاح المشنود، والمعيشة الرغدة، والمستوى الراقى، بعد الصبر والكفاح والتعب فى الحياة، وهذه الحياة التى تعتبر سهلة وبسيطة فى عصرنا هذا الذى نعيش فيه.
إننى أوضح لك الامور .. وأننا قد اصبحنا فى هذا الوضع الذى كان كافيا لك.. وان الكثير من تلك الاحلام قد استمرت فى دينا الاحلام، بل وسقطت من على ارض الواقع، وتحطمت. ولم يعد هناك فى الامكان تحقيق ما نتمنى.. أنه الجدار الفاصل الذى اقاموه، ليكون حاجز وعائق بين ما نريده ونحققه، وما هو موجود… إنه المستحيل وان لم يكن كذلك… أننا نحلم ونخطط للشئ الجميل، والذى قد لا يكون جديد … وانما هى مساهمات ومشاركات تضاف إلى جانب مشاركات ومساهمات الآخرين.. فإن المجتمع يريد ذلك، من حيث المنافسة وإما الفوز والنجاح وإما الفشل والخسارة. وان هناك الكثير من تلك الاعتبارات التى تجعلنا ننضم إلى الجمع، وندلى بدولنا، ولكن العقبات الكداء كثيرة، والتى تحول بيننا وبين ما نريد بان نحققه ونطمح إليه. أيا من كان هذا الذى يقف عقبة فى طريقنا، ونريد ان نجتاز ونكمل الطريق. اننا نريد بان نصل إلى ما يمكن بان يرتقى إليه، وان نواصل ونستمر فى طريقنا نحو الافضل والاحسن. ولكن هناك من يرفض ذلك وإلا فإنه التعب والشقاء، وإلا ان يكون وفقا لقراراته هو وافكاره هو واحلامه هو… أنه يفرض ما يريده على الآخرين، ولا يريد للآخرين بان يحققوا ذاتهم واحلامهم، وفقا لآرائهم وافكارهم، وهذا هو دأبهم الذى هو ايضا مذهب الحياة، والتى تأبى بان تعطى كل شئ. قد يكون هناك نوعا من التسلط الذى ينبع من عدم ادراك ووعى، ومعرفة بفلسفة الحياة، ونفسية البشر واجتماعيات الوضع المألوف والمعتاد، والظروف المتغيرة. إنها قد تكون مقبولة لدى جهات اخرى وفى ثياب أخرى. ولكن قد يكون هناكما يمكنع من التقييم، والذى قد يقود إلى تلك الحالات المأساوية. وتظل ماثلة ببلادة أمامهم.. وانه الارتياح بالنتائج المؤسفة التى قد تحققت، ولكنهم فى اوضاع أفضل نسبيا، وإنها طبيعة المجتمع الى اختلف وسيطرت عليه غرائز البشر، والذى يعتبر بشكل كبير وتطالعنا بقبحها وفجورها وإن كان مستترا، وفى بعض الاحيان بالشكل المكشوف.
إننا نأسف لما حدث وان لم يكن لدينا حيلة فى منع او رفض ما يحدث من حولنا، او حتى البعيد عنا … أنها مسارات اجبارية الكل يسير فيها … ولا أحد يدرى أين هو .. وأو حتى أ لى أين سيصل .. أنه فقط يحاول بان يحقق ما يستيطع من اهداف الحياة والمجتمع المقبولة، والتى يمكن بان تكون سند له يعتمد عليه فى شئون حياته، والتى يمكن بان يكون لها قيمة واهمية، ويجب بان يحافظ على ما قد وصل إليه من كل تلك الاوضاع التى هو عليها، وما أقتناه من ماديات ومعنويات. أنه الضعف الذى انتابنا والخوف والهلع الذى اصبح معروف لدينا، والذى اصبح يعصف بالكل، ومن يحاول باإلقاء المسئولية على الآخر. أنه الهورب من كل شئ، ولكن إلى اين الهروب ايضا، إنه السؤال. إنها محاولات من أجل النجاة، ومما قد احاط واحاق بنا من مخاطر … ومما جنته يدانا … من حصادنا المؤسف له، والميؤس منه، إنها دنيانا التى صنعناها .. وأصبحنا لا نريدها .. أو أننا لم نعد قادرين على تحملها، والسير فيها ونحن بعديدن عن الركب، ولا نجد الدعم المناسب وكل ما يمكن بان يحقق شيئا، مما هو أفضل وايجابيا فى المجتمع وفى الحياة.
إنها أيضا تراكمات الحياة بكل ما فيها من مناسبات وانجازات وعلاقات ومعاملات، وسواءا رضينا ام أبينا .. أنها اثقال لم تعد تحتمل .. ليس بسبب زيادتها وكثرتها، وإنما بسبب ضعفنا الذى اصابنا، والوهن الذى لحق بنا، وحل ولا يريد بان يغادرنا، ويتركنا فى حال سبيلنا. إننا نكبر ويمر بنا الزمن ونضعف، وفقا لقانون الحياة، ولاندرى كيف يمكن بأن نواجهه هذه الاعباء والمسئوليات والالتزامات والمعاناة التى قد تكون هى نفسها، وإن كنا فى شبابنا وقوتنا وحيويتنا شديدة ا لمراس. إنها قوتنا وصحتنا التى ضعفت وتهرأت بفعل الزمن والعديد من تلك الاعتبارات الاخرى. إنك واجهت كل ذلك، كما واجهنا نحن ايضا ذلك. ولكن قد يكون هناك فرق دائما فى الظروف التى استجدت، وما صحبها من اعتبارات ايضا مختلفة.
هناك الكثير الذى اريد بان اروية واتحدث فيه، بين اليوم والامس… وما هو كائن اليوم وما قد كان ولم يعد، او مازال مستمرا.. ومن انتم ومن نحن … وانه التفكير المختلف ايضا فى التعامل مع الحياة … والرأى العقيم الذى اصبح متواجدا ,,, ولا ندرى كيف يمكن بان نرتوى من آراء ومناقشات وعلاقات اختفت من على الساحة… وقد يكون هناك اسباب لذلك، ولكن قد نحتاج إلى دراسة متعمقة وبحث والخروج بكل تلك التفاصيل… والنتائج التى وصلنا إليها… وما يمكن بان يتم فى اوضاع حالية… وما نريده بان يكون وما يمكن بان نحافظ عليه، وما يراد له بان يتم … وما هى فيمة الاشياء التى لدينا ,… وما هى … وكيف يمكن بان يتم التقييم ومعرفة الفارق الضئيل والشاسع بين مختلف تلك الجوانب من الحياة.
إن هناك الكثير من تلك الاعتبارات التى قد يكون لها دور فى تحديد قيمة الشئ… من خلال عوامل عديدة، يتم الاخذ بها…من حيث الثقة والاعتماد على كل ما قد يتواجد … والهروب او الابتعاد عن كل ما قد يزعزع ذلك، والعمل على ايجاد المخرج بالاسلوب الامثل، من ايا من تلك المآزق التى قد تتواجد تحت اية ظرف من الظروف، ان الكل يحاول بان يتجنب المخاطرة والمغامرة والتجارب المختلفة التى مرت، وهى الجدار الذى يستند عليه وإليه المرء، والارض التى يقف عليها ولا يستطيع بان يغامر او يخاطر مرة اخرى، بما قد لايقوى عليه، او يقود إلى النفع والفائدة المرجوة.
إننا جميعا قد تأثرنا بالماضى، وما به من افراح واتراح … وما هى نظرتنا اليوم التى تغيرت للأمور، ولك شئ من حولنا، إلا من خلال تلك النظارة التاريخية التى اصبح كلا يرتديها، والتى هو مصنوعة من عدسات السنين والحقب الماضية التى مررنا بها، وبها تتبلور امام اعيننا الاحداث، وا يمكن بان نسير فيه، او نتجنبه ونحترس منه، او نثق فيه ونعتمد عليه، وفقا للمؤشرات التى نراها امامنا، والنتائج التى نتسنتجها من خلال هذه الخبرة. إننا أنتقلن إلى ركب أخر، كنا نظنه سهلا بسيطا هينا، وقد كان كذلك بالفعل، ولكن حدث ذلك الانقلاب الشديد والانفلات الخطير، والذى قلب كل شئ رأسا على عقب، ولم يعد هناك تلك البساطة فى الحياة، والسهولة التى كانت فى مسارنا واتجاهنا، التى كانت، واصبحنا نسير فى ذلك الركب الهائل الضخم الذى يقودنا بسرعة رهيبة وبشكل خطير نحو تلك الغاية التى لا ندرى ما هى بعد، وان كانت لا تختلف عن سابقتها، إلا اننا نحن الذين اختلفنا.
وأخيرا جاء الفرج
استراحة لا تنتهى
إنه فى حيرة لا يدرى كيف يخرج من هذا المطب الذى هو فيه، إنه فقط أراد بان يستريح قليلا ويعود مرة أخرى إلى العمل والنشاط والهمة والحيوية التى يريد لها بان تتجدد، بعد ان أخذ الراحة من هذا التعب والعناء، والكثير من تلك الضغوط التى أثقلت كاهله، ولكن مذا هذا الذى يحدث، إنه مثل من يكون سمع جرس الاستراحة فى اية منشأة حيوية فى المجتمع، مثل جرس المدرسة او الجامعة او أيا من تلك المعاهد وحتى بعض فى بعض الشركات، مما يدل على ان هذا موعد للراحة او الغذاء او بان يترك الانسان العمل فى هذا الوقت ليستريح ثم يعود مجدد إلى ما كان عليه، حتى موعد الانصراف. ولكنه لا يجد طريق العودة، او حتى أنه لم يسمع الجرس الثانى للعودة إلى العمل بعد هذه الراحة التى قضاها، وبعد ان كان فى حاجة إليها، فإنها لم تعد كذلك، مثل من كان ظمأن وأرتوى، أو من شبع بعد جوع، او نام بعد تعب وكد، وهكذا، فإن من المستحيل بان يستمر الامر او الحال على ما هو عليه، بهذا الوضع. إنه يرى الاخرين يعودوا إلى اعمالهم، بعد الراحة، ويتركوها للراحة، ولكنه هو، لا أحد حتى يشعر به، إنما قد يكون هناك من يعطى تلك الملاحظات السريعة، ولكنه ايضا يتركه ليعود إلى وضعه، وما كان عليه، ولا أحد يفكر فيه، أو يهتم به، وإن كان هو لا يريد هذا او ذاك، ولكنه يريد بان يعود إلى العمل الذى هو سبب وجوده فى هذه الحياة، وما جاء إليها إلى ليعمل ويقوم بمارسة النشاط المطلوب منه، ايا كان، وفقا للنظام السائر فى المجتمع الذى ينتمى إ ليه، واندمج فيه بكل ما حلوه ومره. إنه موجود ولكن لا أحد يشعر به او يهتم به، كما كان فى السابق، بل أن الوضع اختلف، واصبح حتى هناك نفور منه، وقد يكون هروب كذلك، بكافة تلك الوسائل والاساليب التى يصعب على المرء بان يدرك بأنه من صنعهم، بل وأنه قد يشعر بأنه السبب والمذبن فى هذا الفراق والابتعاد والعزلة التى أصبح فيها.
إنه يتساءل هل مات، وانه الان فى العالم الاخر، أو انه فى هذه الحالة التى هى قبل الموت، بحيث انها الفترة الانتقالية، او ماذا. أنه كان فى السابق فى بداية حياته، حيث كان لا مستقبل له بعد، نشيط ويسعى بجد واهتمام وبالجرأة، والاندماج والقيام بكل ما يمكن بان يكون له دور او واجب او ما قد يكون معروف النتائج والعواقب او غير معروف ومجهول العاقبة. إنه كان يرى المستقبل الزاهر امامه، والكثير من تلك الاحلام التى كانت تراوده، وما يمكن بان يتصور عليه نفسه فى المستقبل الذى ظن بان بأنه المسار الطبيعى والتلقائى للوصول إلى ما فى ذهنه من رؤية وصورة اكيدة، لابد بان تكون هكذا حياته فى المستقبل، حين يصل إلى السن الذى يؤهله إلى هذا الوضع وهذه الحالة الاجتماعية والاقتصادية والمادية والمعنوية بكل ما فيها من مميزات وعيوب، من خلال كل ما تعرف عليه فى نشأته وحياته وسمعه وشاهده وفكر فيه، واستنجه وخلص إليه فى النهاية، بأن يترك كل شئ يسير فى مساره الطبيعى للوصول إلى ما سوف يتبلور عنه المستقبل من كل ما يأتيه من خير، ويدعوا الله بان يصرف عنه، كل ما يمكن بان يكون هناك من شر.
إنه الان ينتظر، ولكن ينتظر ماذا، أنه اصبح فى هذا المستقبل، ولكن ليس الذى كان ينتظره ويتوقعه، وان كان حقق الكثير من تلك الانجازات التى تدل على المجهود الذى بذل، والخبرة التى لديه من كل تلك الفترة التى قضاها فى عمله، وكل ما جناه من علاقات ومعاملات وتعرف على الكثير مما فى مجال الاعمال والكثير من المناسبات فى المجتمع، بل فى العالم، وما يحدث ويدور، أي انه اصبح افضل كثير عما سبق، وفى المرحلة التى بدأ فيه حياته العملية، حيث العلم والخبرة التى حصل عليها، والجهود المادية والمعنوية والبشرية التى بذلت ومرت فى خلال هذه الفترة الزمنية والتى ليست بالقصيرة، من عمر الانسان، ولكن ماذا بقى، وكيف يمكن بان يستفبد مما لديه، وما يمكن بان يعود عليه وعلى المجتمع بالخير والنفع المأمول والمنشود.
|