كاتب الموضوع :
athenadelta
المنتدى :
الارشيف
الفصل 1 - حصاد الندم ...
الفصل 1 – حصاد الندم
كان أشعة الشمس ترسل خيوطا رفيعة دافئة على الرغم من أن فصل الشتاء في تلك المنطقة معروف بقساوته و ثلوجه الكثيفة التي تسبب مشكلة في تنقل الناس إلى أعمالهم ...
لم تتعد الساعة الثامنة صباحا حين وصلت إلى مقر عملها الذي يحتل الطابق التاسع بأكمله في بناية فخمة.. اقتربت من المدخل وهي تكتم رعشة خفيفة من البرد .. ابتسم لها الحارس عند المدخل كالعادة وتوجهت مسرعة إلى المصعد .. دخلت إلى الوكالة حيث استقبلتها سناء مضيفة الاستقبال البشوشة وبطنها التي تندر أن وقت الولادة قريب .. توجهت إلى مكتبها بعد أن طلبت من سكرتيرتها تحضير إبريق كبير من القهوة لأنها لم تتمكن من الإفطار في المنزل جيدا كالعادة...
كانت جالسة في مكتبها تراجع الملف الموضوع أمامها بتركيز كبير فالزبون هده المرة رجل مهم ووكالتها الصغيرة لحاجة إلى دعم مالي كبير ولطالما قال لها سامر شريكها أن الزبائن يؤخذون اخدا لان عهد الجلوس خلف المكتب وانتظار الزبون أن يطرق بابك ولى بلا رجعة ... الحل الأمثل برأيه هو القيام بدعاية كبيرة وسط المجتمع المخملي الذهاب إلى حفلات الاستقبال التي يقيمها الأثرياء ومحاولة جدب اهتمام بعض الأشخاص الموجودين هناك ... تنهدت وهي تفكر بان سامر يريدها أن تستغل نفوذها كامرأة على رجال الأعمال حتى تتمكن من استقطابهم... إنها طريقة رخيصة للحصول على زبائن ولكن وضعها المالي معقد نوعا ما ... هي ليست مفلسة ولكنها تمر بضائقة مالية من الممكن إن تؤثر عليها ..
أخرجها من تفكيرها طرق على الباب فقالت بصوتها الناعم – تفضل ..
أطلت من الباب سهام ..سكرتيرتها... اقتربت منها بهدوء وأعطتها بطاقة دعوة …
- - صباح الخير آنسة أحلام ... لقد أرسل لك السيد سامر بطاقة دعوة لحفل تدشين فندق جديد ويقول انه مصر عليك للذهاب...
نظرت أحلام إلى البطاقة وهي تشعر بالامتعاض من تصرفات سامر ... متى سيكف عن محاولة استعمالها كطعم لاستقطاب زبائن ... أينسى أنها امرأة مخطوبة... تصرفاته هده تزيد إحباطها يوما بعد يوم .. هي لا تنكر انه رجل دكي و يحسن تسيير الوكالة من الناحية الإدارية لكنه فاشل تماما في العلاقات الإنسانية.. انه يظن أن المال والجنس بإمكانهما شراء الدنيا بأكملها و ما زاد من قلقها انغماسه التام في الملذات وهو يعلم طبيعة زوجته الغيورة .. إنها امرأة تعدت الأربعين بينما لا يزال زوجها في التاسعة والعشرين من عمره و قبل خطوبة أحلام كانت سميحة تأتي للوكالة يوميا حتى تتأكد من أن أحلام لا تنصب شباكها حول سامر.. صحيح انه زير نساء و مخادع لكن الخطأ لا يقع عليه وحده لان زوجته كانت تعلم هدا قبل دخول هدا الزواج و مازاد الأمر سوءا هو سنها المتقدم الذي لم يعد يرضي سامر على الرغم من خبراء التجميل الدين تصرف عليهم ثروة .. تنهدت وهي تقرا البطاقة الأنيقة... الموعد هو يوم الأربعاء ... أي بعد ستة أيام ... حسنا ستحاول إيجاد عذر مناسب حتى يتركها وشانها ... تذكرت أن غدا هو موعد عشائها مع عائلة خطيبها كريم ... لا إراديا نظرت إلى يدها حيث تزين أصبعها بخاتم ماسي فخم يبرز ثراء صاحبه ...
صحيح أن كريم إنسان لطيف ومتفهم في غالب الأحيان لكن ارتباطهما لم يكن عاطفيا بل كان عن قناعة... تذكرت أول مرة رأته... لقد استعمل وكالتها للبحث عن شقة فخمة مناسبة وسط المدينة و العمل على تجهيزها وكانت أحلام مسؤولة عنها وكانا يلتقيان يوميا في الشقة للاتفاق على التجهيزات حتى توطدت علاقتهما وتقدم لخطبتها بعد أربعة أشهر من اللقاء ...
على الرغم من أن عائلته باركت هدا الارتباط إلا أنها لاحظت نظرات والدته وشقيقته الصغرى إليها كلما زارتهم ... لقد كانت نظرات ازدراء خفية وكأنهم يرون أنها ليست جيدة بما فيه الكفاية لابنهم...
صراحة لم يكن يزعجها هدا الأمر لأنها لا تطمح لإنشاء علاقة معهم وبمجرد زواجهما سيسكنان في الفيلا التي اشتراها مؤخرا بعيدا عن القصر الفخم التي تقطنه عائلته ...
رن هاتفها فرات رقم هاتف كريم ..ابتسمت بسخرية وبدا لها أن تفكيرها به استدعاه....
جاءها صوته متزن – صباح الخير أحلام... كيف حالك ...
- - بخير ... شكرا ..
- - أردت تذكيرك بالعشاء غدا .. إن والدتي بانتظارك ...
- - حسنا سأكون في الموعد ..
- - حسنا .. إلى اللقاء ..
- بقيت تنظر إلى هاتفها بعد انتهاء الاتصال ... كانت هده عينة من أحاديثهم على الهاتف ... جمل مهذبة وقصيرة لا أكثر ... تمنت في لحظة جنون لو كانت مثل سكرتيرتها سهام حين تتحدث مع خطيبها... كلمات رومانسية تلهب وجنتيها وتجعل قلبها يخفق شوقا...عيناها حلمتان وهي تتحدث عنه ... حركت رأسها فتمايلت خصلاتها الكستنائية نازعة هده الأفكار عن رأسها ... إن كريم عريس لقطة كما يقال.. من أسرة عريقة ورجل أعمال شاب لم يتجاوز الثلاثين لكنه أصبح نجما وسط زملائه في الشركة السياحية التي أسسها المرحوم والده و الجميع يحسدها على الرجل الذي ستتزوجه والمكانة التي ستحظى بها كما أن ماضيها علمها أن لا تنشد الحب بقدر ما تنشد الأمان والحماية...
فكرت ببؤس .. الأمان والحماية غادراها مند مدة طويلة... عشر سنوات بالضبط... من يراها الآن تتملكه الصدمة وهو يتذكر الفتاة ذات الثامنة عشر ربيعا بشعرها الطويل وثيابها المغرية وتبذيرها للأموال وتشبعها التام بالثقافة الغربية وأصدقائها الفاسدين.. تملكها الاشمئزاز وهي تتذكر نفسها ... على الرغم من أنها تحاول بداية حياتها مع كريم إلا أنها لا تستطيع نسيان الماضي .. تساءلت بمرارة هل سيأتي يوم تلقي فيه الماضي خلفها وتواصل حياتها... لكنها تعلم بإصرار أنها لن تستطيع دلك مهما حاولت... لكن الاسوء هو الأسرار التي تخفيها عن خطيبها وعائلته والسبب والدتها ...
السيدة جيهان رفضت رفضا قاطعا أن تتحدث ابنتها عن ما حدث لخطيبها لأنها تخاف الفضيحة وبالنسبة إليها كريم هو الرجل المناسب لابنتها .. تذكرت أحلام حين تعرفت على كريم وأخبرت والدتها .. سارعت الأخيرة لإعطاء نصائح لابنتها عن كيفية إيقاعه في شباكها حتى أنها حاولت إقناعها بان تغريه بجسدها.. طبعا أحلام كانت من الصدمة أن لم تقل شيئا واكتفت بالاستماع بذهول بينما اخدت والدتها تحثها على ملاحقته ...
ابتسمت أحلام بمرارة وهي تتذكر كيف استقبلت والدتها خبر خطوبتها من كريم بعد أربعة أشهر من تعارفهما.. كانت تقفز من الفرح وكأنها هي من سيتزوج... حاولت أحلام مرات عديدة إخبار كريم لكن والدتها كانت تقف عائقا في طريقها وهي تصرخ و تتوعد ابنتها أن هي حاولت التحدث بشيء متحججة بان دلك سيكون فضيحة لكن أحلام كانت تعلم أن والدتها تخاف أن يبتعد عنها كريم ويفسخ خطوبته سخرت أحلام من نفسها وهي تنهض متوجهة إلى النافدة .. فكرت في كلمات والدتها المشهورة .. (لا تفعلي هدا .. فكري في الفضيحة التي ستطالنا )...
الفضيحة.. يا له من تعبير باهت لما حدث.. كانت حفلة عيد ميلادها الثامن عشر نقطة تحول عميقة في حياتها وما زاد الأمر سوء هو إفلاس عائلتها بسبب تهور خالها و سوء تسييره لأموال شقيقته ولم تقفل عامها العشرين إلا وهم غارقون في الديون فما كان منهم إلا أن باعوا الفيلا الفخمة التي عاشوا فيها عقب عودتهم من سويسرا ...
كانت أحلام مقتنعة بواقعها و تعيش بما يوفره لها عملها على الرغم من أن الأمور لا تسير كما تريد في الكثير من الأحيان لكن ما أزعجها فعلا أن تعتقد والدتها أن عائلتها لازالت على نفس القدر من النفوذ كالسابق فهي لا تمانع في شراء الثياب الغالية والمجوهرات دون أن تحسب حساب الوضعية الجديدة.. لكنها ليست جديدة.. إنهم على هده الحال مند سبع سنوات ولكن والدتها لم تتخطى الأمر بعد أو أنها تستمتع بالعيشة الفخمة التي يوفرها لها كد ابنتها حتى أنها وظفت خادمة في المنزل الذي تقطنه معها تاركة لأحلام مهمة دفع الأجر...
لفت نظرها عاشقان يتمشيان بهدوء على الرصيف ويداهما متشابكان.. قادها تفكيرها إلى كريم ... لم تستطع تخيله يمسك يدها في طريق عام بهدا الشكل لان طبعه لن يسمح له بشيء كهدا أما هي فلا تظن أنها قادرة على الارتماء عليه .. هزت كتفيها وهي ترى أن حالهما هكذا أفضل ...
على الرغم من رفض والدتها القاطع إلا أنها اعترفت بجزء من الحقيقة مند أربعة اشهرعندما كانا في الفيلا فكان أن تصلب جسده كرد فعل أول ثم وقف وغادر تاركا أحلام وحدها هناك لكنه عاد واتصل بها قائلا بأنه سيتغاضى عن هدا الأمر على شرط أن لا يعرف أهله بالموضوع ... رغما عنها أحست بالخيبة لرد فعله البارد .. لقد ظنت انه سيقلب الدنيا لأمر كهدا ...
طرق خفيف على مكتبها أعادها للواقع... اطل رأس سامر فعرفت أحلام غريزيا ما يريد .. عادت إلى مكتبها وواجهته بتصميم
- - حسنا .. ما شرف هده الزيارة...
تقدم سامر بخطواته الرشيقة و جلس على الكنبة باسترخاء – أنت تعلمين سبب قدومي... ستاتين معي يوم الأربعاء القادم ..
نظرت أحلام إلى وجهه بامتعاض شديد ... متى يكف عن محاولة جعلها نسخة عنه ...
- - اسمعني جيدا يا سامر ... لقد مللت من ألاعيبك .. إنني امرأة مخطوبة الآن وكل ما تفعله سيسيء لسمعتي و أنا لست بحاجة إلى دلك ...
- - أنا لا أسيء إلى سمعتك يا أحلام .. كل مااطلبه منك هو التأثير على هؤلاء الأثرياء كي يصبحوا زبائننا و لا أخفيك علما إن قلت أننا نمر بمرحلة حرجة ..
زفرت أحلام بضيق – أنت تطلب مني إغواء رجال كبار في السن اغلبهم بعمر والدي..أنا لست مثلك
أجفل سامر لجملتها الأخيرة وعرفت أحلام أنها لمست الوتر الحساس لكنه أجابها بصوت جامد...
- - صحيح أنني أبدو صائد ثروات لأنني تزوجت امرأة ثرية تكبرني بخمس عشر سنة ولكن لا تنسي أن أموال سميحة زوجتي هي التي مكنتنا من الوقوف بالوكالة كل هده السنوات...
صمتت أحلام وهي تعي أنها لا تستطيع مناقشة هدا الأمر بالذات ..
مند نشأة هده الوكالة مند حوالي ست سنوات وأموال السيدة سميحة هي الممول الرئيسي للعمل أما هي وسامر الذي كان زميلها في الجامعة فقررا فتح هده الشركة الصغيرة معا على الرغم من اختلاف اختصاصهما حيث درس سامر الاقتصاد توجهت هي إلى هندسة الديكور ومن ثم جاءتهما الفكرة حين التقيا عقب انتهائهما من الجامعة فقررا إنشاء وكالة لتجهيز الشقق والفيلات لكن المال كان العائق الأكبر لهدا المشروع إلا أن سامر دو الرابعة ولعشرين من العمر أنداك تزوج من السيدة سميحة التي تبلغ التاسعة والثلاثين من العمر مطلقة دون أولاد ...
من دلك الحين انطلق مشروعهم فبدا يكبر واخدت الطلبات تنهال عليهم من كل جانب بفضل علاقات السيدة سميحة لكن مند شهرين اقتحم احد الزبائن الوكالة واخبرهم أن العمل المنجز فيلاته الجديدة لم ينل إعجابه وأقام الدنيا ولم يقعدها حتى انه حاول رفع دعوى على الوكالة لولا أن سامر انقد الموقف بان أعاد العمل في الفيلا مجانا لكن الأمور لم تتغير فقد تقهقرت أعمالهم بسبب الدعاية السيئة ... أعادها صوت سامر إلى ارض الواقع...
- - حسنا .. اخبريني بم تفكرين ...
نظرت إليه بحزم – حسنا لقد قررت أن أرافقك إلى الحفل يوم الأربعاء.. لكني سأعمل على طريقتي يا سامر ولن اسمح لك باستخدامي كدمية للعرض.. هل هدا واضح..
هز سامر ذراعيه باستسلام وابتسم بعجز – أنت تعلمين انك أقوى مني.. ستفعلين ما يحلو لك لكن أريدك أن تعلمي أمرا مهما.. أنا لم ولن اعرض سمعتك للخطر ولن اسمح لأولئك السادة بالانفراد بك بل سألازمك كظلك.. هل يرضيك هدا .. أرجوك عليك مساعدتي.. يكفيني ما ألقاه في البيت من غيرة سميحة التي لا تطاق ..
ابتسمت بسخرية – مادا هناك .. هل اكتشفت أخيرا انك تخونها..
هز يده بملل – هي تعلم دلك مند زمن لكننا ندعي أن كل شيء على ما يرام...
- - حقا سامر أنا اعتقد انك مخطئ في حقها كثيرا فخياناتك لا تتوقف ...
- قسى صوت سامر فجأة – لا تظني أنني اظلمها يا أحلام فهي كانت تعلم هدا قبل زواجنا لكنها أصرت على الارتباط بي لتجدد شبابها الذي ضاع مع زوجها الأول ... وهي تعلم علم اليقين أنني لم أعدها بالحب أو الوفاء.. الآن كفي عن تنغيص يومي واخبريني .. هل ستاتين معي ..
- تنهدت أحلام – سنرى ادن.. سأفكر لكنني لا أعدك بشيء يا سامر..
لمع الانتصار في عينيه الماكرتين – وهدا كل ما اطلبه منك...
سارع خارجا من المكتب بسرعة قبل أن تغير رأيها .. ابتسمت أحلام لتصرفه .. على الرغم من كونه زير نساء طماع إلا انه رجل أعمال فد تستطيع الاعتماد عليه في عملها كما انه لم يؤدها يوما...
|