بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام علي نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
هذا العمل الروائي مجرد هذرة تعتلج في صدري ، قصة نسجها قلمي
ليحكي عن شاب يدعى حسن ، اعرج ، التغ ، في نهاية عقده العشريني ، شاب خير يحب البشرية ويحسن لكل فقير ومعتل ، يعيش في محافظة الجيزة في حي بلغت منه الفاقة حد سأم الحياة ، البحث في القمائم وبتلاع الثرى وشرب الماء الآسن بات من نهج حياتهم الشقية ، حسن ورث عن ابيه الفطنة و قوة الملاحظة فقرر أن يستغل هبة الله في حذاقته بزيارة صاحب مطعم الكشري ( ابو تامر ) كل يوم حتى يتعلم اساليب فن الطهي المتقن والشهي ، عن طريق مراقبته المستمرة دون اللجؤ لأحد معلمين الطهي ، كان وراء شغفه بالطهي رغبة ملحة تؤرق مضجعه وهي عبارة عن حلم لجمع المعوزين والمتشردين والمنكوبين في دكان قديم اعاد ترميمه ليكون مطعماً يسد حاجتهم وييسر لهم اللقمة المباحة التي ستكفيهم عن ذل السؤال
هل سينجح حسن في تعلم الطهي بمجرد مراقبة ابو تامر دون اللجؤ لمعلم خبير في هذا الشأن ؟
هل سينجح في افتتاح مطعم طاقمه من المجرمين المعوزين والمتشردين القذرين والنكوبين الذي لايجيدون صنعة ؟
هل سيلجم ابو تامر لسانه عن منافسه حسن ؟
كل هذه الأسئلة ستتم الإجابة عنها في رواية ( الطباخ السفاح )
الفصل الأول
( صرخة أم بائسة )
كعادتي المسائية في البحث عن المشردون البائسون في جنبات الطريق الذين لفظتهم دور الراعية و نفر منهم أهل البلدة لجرم ارتكبوه او غلظة قلب فطروا عليها أو اكتسبوها من مرارة الحياة وقسوتها ، سمعت صوت امرأة تنتحب بصوت خفيض وهي تتنشق وتتأوه بحرقة اسرعت متقافزاً فوق اساطيح البيوت لأسلك اقرب طريق ينبعث منه صوتها الحزين ، ومن فناء منزل إلى جدار دكان إلى ساحة فسيحة وجدت المرأة المنتحبة كانت سيدة شابة اشتد بكائها حتى كاد أن يهلك جسدها الضئيل ، انتفخت اوداجها وتبللت تلابيبها وتشعث شعرها ، تحمل بين ذراعيها رضيع في قماطة متسخة بالية ، مزرق الوجه سئم البكاء لجوعه الشديد ولكن سلطان التعب اخرس لسانه فأراح قلب امه و وخز ضميرها ، لكنه ما أن صمت حتى تلظت بين جنباتها أوجاع الفقر المذقع وقرصات الأمعاء الخاوية ، تقرحت مقلتيها لكثرة انسياب الماء الملحي على مجرى جفنيها ، هبطت من اعلى المنزل الذي كنت ابصرها منه ، ما أن سمعت وطأ اقدامي حتى ارتبكت وقامت بتغطية رأسها بخمار أبيض متهلهل لملمت ماتبعثر من شعرها وشدت ملابسها الممزقة للأمام لتتيح للهواء مهمة إخفاء مابرز من فتنتها ، غضضت الطرف عن ما ظهر من جسدها لفقرها الذي استباح تعرية اجزاء جسدها العفيف، ضمة رضيعها لصدرها فالتقم ثديها الذي لم يشبعه بقطرة واحدة فصراخه الذي يشبه العويل انبأني بفروغ عروق ثديها الذي جف جوعاً اشاحت ببصرها بعيداً عني ولكني اقتربت منها و اضعاً عدة قطع معدنية لدى يدها اليسرى لتكون تلك القطع المعدنية اليسيرة كفيلة بإشباعها من جوعها المستعر وسد حاجتها لعدة أيام ستنصرم ، اخرجت من جيبي الخلفي ثلاثة ارغفة طرية وقطعة جبن وقنينة ماء صغيرة وضعتها امامها بود ولطف وأنا مخبئ وجهي خلف قلنسوة ، اعتليت جدار احد المنازل بسرعة فائقة حتى لا تتمكن من سبر هويتي ، غادرت الزقاق الذي كانت تقبعه فيه تلك المرأة المكلومه لاكتشاف مشرد جائع يبيت على طوى مثلها ولكن صورتها الحزينة علقت في ذاكرتي وأبت أن تختفي فما كان مني إلا أن قررت أن ادخلها لقائمة البؤساء الذين اعتزم توظيفهم في مطعمي المتواضع ، اخذت اتنقل بين اساطيح المنازل حتى جن الليل وبات الغسق على مشارف البزوغ قررت أن اوى إلى بيتي لأستفيق غداً باكراً لمراقبة أبو تامر لختزال فنونه المطبخية ، اثناء سيري للعودة وجدت رجل مطرق الرأس وهو يهذي ويطلق انين اقتربت منه فوجدته قد فتح ازارير قميصه وجلس نصف جلسة ونصف اضطجاع علمت بأنه قد مسه الضر ولكني عاجز عن معرفة ما لحق به اسرعت نحوه وجسست جبينه فوجدته يغلي ، وجف قلبي وارتعدت اوصالي و فز فؤادي من مكمنه اصبحت اجيء واذهب كالمجنون لا اعلم ماذا افعل له ، يستلقي الرجل الكهل بقرب إحدى وحول القذارة اقتربت منه وحاولت محاورته فأجابني والدمع يترقرق في عينيه : ياولدي دعني فقد ابتلعت سم الفئران الذي كان يجب علي أن استخدمه في إبادة احد جحور الفئران القابعة في منازل حي المهندسين المكتفية من لقمة العيش السخية ولكني ابتلعتها لملئ بطني ويدنوا أجلي .
اسندته على ذراعي وقلت له و ملامح وجهي ترجف رعباً و فزعاً من أن تفيض روحه قبل أن انجده من كربه : قل لي بأن ماقلته لي طرفة سامجة أو انك مخمور وتهذي .
بكى الرجل المتألم من بطنة تألمه فتعكرت سحنته وهو يقول مزدرداً ريقه بصعوبة بالغة : دع الله يسلب روحي من جسدي فهو ارحم من خلقه الذين يرتدون اقنعة الجفاء والقسوة الله غفور رحيم يابني .
ما أن قال كلمته الأخيرة حتى دسست اصبعي في حلقه حتى بلغت لهاته حركت اصبعي السبابة يمنة ويسرة حتى استحث معدته على أن تخرج مابي جوفها من السموم القاتلة وكان الله رحيماً بحاله فنجح ماسعيت إليه بأناملي أخرج جميع مابي جوفه واسرعت أنا بدوري لحمله إلى الطبيب فوزي ليعالج علته بعد أن سرت به عدة طرق عوجاء مليئة بالعراقيل والعقبات ، وصلت لمنزل الطبيب بعدها انزلت الرجل المتعب عن ذراعي و وضعته ارضاً وانا اقرأ عليه الأوراد داعياً الله في مهجتي أن ينجيه ، طرقت الباب بعنف واخذت اصرخ حتى قام الجيران اجمعهم لشدة قوة طرقاتي ، منهم من علا صوته باللغط ومنه زمجر واخذ يرغي ويزبد ويهدد بقتلي لأفساد نومته الهانئة
فتح الطبيب الباب وهو يرتدي منامة الخلود للراحة وعيناه تكاد لاتستطيع أن تنفرج لشدة نعاسه ، اعتذرت منه واخبرته بقصتي فأمرني بأن امره صباحاً لنقده وأن ماحدث مع الرجل الذي ظننته سيهلك بهذه الليلة السوداء لايدعي للقلق عدة ساعات من الحمى وبعض التقيؤات وسيعود كالحصان يصهل ، عدت لداري بعد أذان الفجر اديت فرضي ودعوت الله بأن يطعم كل جائع ويكسوا كل عاري ويساعدني على عون عباده المفتقرين لرحمة خلقه ، خلدت للنوم بعد أن ارهقني يومي الذي مايفتأ أن يتكرر كل ليلة بنفس الإحداث ولكن على اوجه بشرية مختلفة
***
في الصباح اليوم التالي توجهت للدكان الذي ابغي إعادة ترميمه لجعله مطعماً فاخراً يدرر على القوم المعتازين مايسد حاجتهم و يسعد قلوبهم المتوجعة لطول الكرب والعناء ، امرت العمال بأن يطلوا الجدران بدهان لؤلؤي اللون ويقوموا بنقل الأثاث الذي ابتعته من اجل هذا المطعم في اسرع وقت ، نقدتهم اجرتهم وزدت عليها بضعة قروش لعلمي بحالهم السيئة وكساد العمل لديهم لإنعدام الزبائن فموسم البناء في اشهر معينة يزداد فيها الطالبين لإيديهم العاملة وبقية السنة راكدة جيوبهم كسماء الجيزة التي تسمو على ساكنيها بقطرة ماء تحي بها ارضها وتنبت زرعها وكأن سكنها امتثلوا بأخلاق سمائهم الشحيحة متناسين كرم نيلهم صاحب العطايا الجزلة ، توجهت لمطعم الطباخ ابو تامر ، دخلت من البوابة الرئيسة وأنا القي التحية الإسلام رد جميع العاملين التحية فزجرهم ابو تامر واتهمهم بأن وراء ردهم لسلام غاية اللعب واللهو والإنشغال عن اعمالهم وهددهم بأن رجعوا لتلك العادة بأن يطردهم اجمعين ابو تامر يشتهر في اواسط الحي بقساوة طبائعه وقذارة لسانه واحترافية للشر ، قدم ابو تامر صوبي وسألني عن ما احب أن اتناول اليوم فأجبته كشري ، كانت تلك الوجبة الوحيدة التي لم أرى ابو تامر يطهوها واليوم هو آخر يوم لتلقي درس التركيز والبحلقة في يدي ابو تامر فالمطعم الذي سأديره سيفتتح ابوابه بعد اسبوع واحد فقط ، انشأ ابو تامر بتقطيع البصل علي شكل انصاف دوائر واللحم بمكعبات صغيرة وامر البقية بتجهيز الماء المغلي انهي اعداد الوجبة فأنهيت انا منهجه المطبخي بحفظه داخل ذاكرتي الفولاذية التي تحفظ كل ماتراه ما أن تقع عليه عيني ، كنت على يقين بأن ابا تامر لو كان يعلم بما ابطنه في نيتي من ترددي الدائم لمطعمه لألقي بي خارجاً بعد أن يبصق في وجهي ويشتم والدي ويقذف والدتي بأقذع النعوت
***
حان ساعة الصفر وجاء اليوم الموعود بعد أن شيعت الخبر لدى سكان اهل الحي ونشرت عدة إعلانات في أزقة الحي الذي يقبع به مطعمي ، استبشر الناس فرحين واقبلوا علي مباركين ومهنئين قررت أن يكون أول يوم احتفالي بوجبات رمزية الثمن حتى اتيح لأهل الحي أن يخرسوا خرير بطونهم و أما ابو تامر فقد حمل بقلبه نحوي ضغينة شككت بإنها قد ترديني قتيلاً ولكني لم التفت له لعلمي بأن الله سييسر على امري فأنا ابتغي وجهه الله الكريم بهذا المطعم فقد جعلت المرأة المنتحبة صاحبة الرضيع الجائع هي المسؤولة عن تنظيف الأوساخ و غسل اطباق الطعام مسح الأرضية فشكرتني شكراً جزيلاً حتى أنها غالت في تعظيم فعلي فرأت بأنه يجب عليها تقبيل يدي فأزحت رأسها بلطف وقلت لها بعد أن رفعت سبابتي للسماء يجب عليك شكر الرحمن ، وأما عن مساعدي فهو الرجل الذي ابتلع سم الفئران لينهي حياة الشقاء هكذا اعتزمت بأن افتتح المطعم بعاملين محتاجين فقيرين ، وأن رزقني الله فسوف اجعل رقعة العمال تتسع واجلب مزيداً من المحتاجين للعمل لدي ليطعموا صغارهم ونسائهم وذويهم .
***
اشتهر المطعم وبات صيته ذائعاً فتسبب شهرة مطعمي بأفول نجم مطعم أبي تامر ولكن ضميري لم يسمح لي بذلك فبعد أن أعلن ابو تامر افلاسه اصبحت القي عليه من كوة منزله عدة قروش تسد رمقه دون أن يعلم من هو المحسن الذين يلقي عليه تلك القروش ولكنه بادل إحساني بالإساءة فأخذ يتقول على مطعمي بالأكاذيب ، تارة يقول بأنني اقدم لهم لحم الحمير وتارة يقول بأني اعد الكعك بشحم الخنزير ، محاولاته المستمية من لسانه الكذوب لإفشال مطعمي لم تتوقف ولكن الله القي في قلوب عباده محبة مطعمي لحسن سلوكي وبشاشة وجة المرأة الجائعة صاحبة الرضيع الذي يجهل من هو اباه ( ام مصطفى ) واما عن الرجل المنتحر ( علي ) تورد خداه وحمل جسده عدة ارطال واصبحت البسمة لا تغادر وجهه وغدى اكثر تهذيباً ورقياً في معاملته مع الآخرين ولكن ابو تامر لم يكتفي بفعلته ، في يوم اشتدت اواره وذبلت اوراقه الندية وجن ليله دخل ابو تامر من باب مطعمي وهو يضحك مبرزاً نابه الثعلبي لم ترتاح سريرتي لبتسامته فالرجل الخبيث يُعرف من ضحكاته الماكرة اقتعد في صدر المطعم و مد ساقيه وهو يمضع عرق السوس ويبصقه على الأرضية .
توجهت نحوه وخاطبته بأدب جم : أيها الفضيل راع مشاعر تلك المرأة ـ واشرت بسبابتي إلى أم مصطفى ـ انها تكدح وتبذل مجهوداً جباراً في تنظيف هذا المطعم كل مايحدثه الزبائن من اوساخ تتكفل به وحدها بتنظيفه ولكنه زاد من وقاحته وبصق بصقة اكبر من التي خلفها منذ عدة ثوان ابتلعت ريقي وابتسمت بود زائف وأنا اجمع ماخلفه فمه بمنديل ورقي .
نظر لي واطلق قهقهة مدوية فأتى علي ثائراً ليسدد لكمة قاضية له ولكنني امسكته و امرته بأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويتراجع للخلف.
ضحك ابو تامر وقال بتهكم : اخبرت سيد القصر عن حذاقتك في الطهي فأمرني بأن ابلغك بأن تأتي في صباح اليوم التالي بتمام الساعة العاشرة صباحاً .
ما أن قال ماقاله حتى هجمت عليه أم مصطفي وهي تشتمه وتدعوا الله بأن يشله راكلة إياه بساقها النحيلة واشبعه علي بدوره صفعاً وجهه حتى احمر خداه وبات يولول تجمع اهل الحي ليفضوا النزاع القائم وحينما استفسر المنجدون قلت لهم ماقالي لي ، فضرب احد السامعين اخماسه بأسداسه وهو يحتسب المنان .
وقال آخر : لاحول ولاقوة إلا بالله .
خاطبت علي وأم مصطفى قائلاً : لاداعي لغضبكم سأعتذر عن قبول الوظيفة .
قهقه ابو تامر فستشاط على غضبا فهم علي بإكمال ما ابتدأ به فهرب ابو تامر دون التفاتة لسرعة خطوات علي الفائقة ولكن الثعلب يصبح فهداً عند الشدائد .
امسكتني أم مصطفى من خلف وهي تجهش بالبكاء قائله : واحسرتاه عليك يا حسن .
امسكت وجهها بيدي الحانيتين قائلاً: مابالكم وكأنكم سمعتم خبر تأبيني .
نظر لي الجميع بعيون مترأفة ولسان حالهم يقول : لحدك قد فتح مصراعيه اليوم .
قال احد المتواجدين : سيد القصر رجل جائر ولم يخلق الله بعد من يستطيع ردعه وكل مطالبه منفذة إياك والرفض وإلا حولك لرماد تذروه الرياح .
صمت مطرقاً الرأس ورحل الجمهور الغفير وهم يدعون بتفريج كربي ، لم اقف يوماً في منزلة العباد الذين نزلت عليم نازلة قلبت حالهم من يسر إلى عسر لأول مرة اذوق العلقم كنت دائماً ما اسقى الناس من جرة العسل ـ الإحسان ـ وها أنا اتذوق مرارة الخطوب كما تذوقوها قبلاً .
أنشأت املي على ام مصطفى ماذا ستفعل في غيابي وكيف ستداري احوال المطعم ، قررت استبدال الأطعمة بالشطائر حتى عودتي لأعود لطهي و امرت علي بعد أن وضعت عدة اوراق نقدية في جيبه بأن يزور أم مصطفى بين الفينة والأخرى للإطمئنان على حالها واشتراء لوازم صغيرها الشهرية ، ودعتهما وهم يبكيان بلا دموع كي لايزيدوا همي ولا يفجعوا قلبي الشاب وجسدي العليل ، يدعيان بقلب خاشع قلت لهم في محاولة فاشلة لمواساتهم : الله معي لا تقلقوا .
عيونهم الكسيرة حكت لي بأن هذا الرجل لايخاف الله وأن فاقة ما ستصيبني في قصره وأن الله شاء أن يقبضني له .
***
وصلت لبوابة القصر المنيف
السور عالي و الإنارة البيضاء الساطعة اكسبته هيبة وقورة ، من خلف البوابة الحديدية الضخمة شاهدت ثلاثة رجال من ـ الصعيد ـ يقومون بتشذيب الإشجار وهم واجمون ولا تبدوا على هيئتهم أماراة الراحة والسعادة بل اوجههم مُعَنْوَنَه بالشقاء والضراء ، توجهت لحارس البوابة واطلعته على امري ففتح الباب عند دخولي توجب على المرور من على جسر حجري يطل على نهر جاري ونوافير راقصة القصر يرتدي حلة البساط الأخضر وأزهار الجوري لفت اطراف القصر بأجمعه لتهبه رائحة شذية اشجار باسقة امدت القصر بظلال وارفة واجواء رطبة لطيفة ، تعديت الجسر الحجري فاستقبلتني عجوز دردبيس بوجه ابلى الزمن جماله ومضغت السنون نضارته سرت خلفها حتى وصلت لبهو القصر و الفخامة تتقاطر من كل شيء الجدران عالية بألوان خلابة الطلاء لؤلؤي بعروق ذهبية والأرضية رخامية تتلألأ و الأنوار الصفراء اكسبت البهو أناقة تطفح من تماثيله النحاسية في كل ركن أما السقف فقد زين بتماثيل جصية على هيئة رجال ونساء من الزمن السالف ، الثريا تتدلى من القبب وهي تومض بقطعها الكرستالية البراقة قاطع ذهولي بجمالية القصر سيده ، كان رجل يضع في فمه غليون يتصاعد منه دخان برائحه غريبة خطا الشيب على جانبي رأسه وتملئ يديه بقع النمش وجنتاه ناتئتان وجسده ممشوق يمشي متهادياً ومختالاً ، وقفت امامه معتدلاً الظهر متمالك النفس محترماً جبروته ، صفق بيديه فتقدم صفاً من الخدم حتى قابلوني وكل منهم اصابته علة احدهم اعرج وثانيهم اعور وثالثهم مبتور الساق ورابعهم ابرص بهم من المصائب مايدفع العبد لشكر خالقه ، قالي لي بنبرة تحمل شيئاً من التهديد والوعيد : هذا هو حال العاصين والمتخاذلين من حاشيتي المتكاسلة .
علمت سبب نوازلهم أنه جبروته وخيالائه ، اثار اشمئزازي كبريائه فاقترب مني ليطيل النظر في ساقي التي عطبت ولكن انفي تهيج من عطره الباهظ الفواح فعطست بقوة كان من أثر العطسة بعض الرذاذ على ثيابه ، حدجني بنضرة الضرغام قبيل إجهازه على فريسة ما رفع يده ونظر لي بغضب : مورسي اجلب لي مقصاً ضخماً .
انتهى الفصل
آمل أن تكون البداية مبشرة لرواية لعل وعسى أن تنال إعجابكم
مع السلامة
في حفظ الله