المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
مطر في آخر الليل ، للكاتب : احمد خلف
هذه اول مشاركة لي في المنتدى.....على فكرة انا من عشاق الروايات والقصص......
خصوصا روايات اجاثا كريستي......لذلك لي طلب....وهو اللي عندة مجموعة من رواياتها.....
رجاء ينزلهم........
مطر في آخر الليل.....للقاص احمد خلف......
أمطرت ليلة أمس مطراً غزيراً، كان المطر وما زال يثير في نفسي قلقاً لا أدري سبباً معقولاً له، فالوجوه تغدو شاحبة، والعيون ثابتة النظرة والشوارع تصبح خالية من الناس، شيء ما يغريني في هذا كله، يدفعني إلى مغادرة البيت. كان أهلي يعرفون ولعي بالأمور التي تخالفهم، وما أن أعلن رغبتي في تنفيذها حتى يقفوا بوجهي كلما تحركت.. وكان أبي يقول: "لابد للمرء أن يلتزم الهدوء والصبر ليفسح الطريق للعاصفة كي تمر بسلام". لكنني لم أكن ألتزم بما يقوله ولا بما تقوله أمي حين تردّ عليه: "في ظروف صعبة لعينة كهذه يفقد المرء توازنه، ربما يضيع منه شيء عزيز عليه ولا يستطيع استرداده، لأن الفوضى تكون قد سادت كل شيء".
وقال أبي بصوت حزين:
ـ إنني شاهدت رجالاً يفقدون أيديهم وأذرعهم وعيونهم ولم يفعلوا شيئاً لأنفسهم، لأن العاصفة كانت أشدّ فتكاً مما توقعوا، وقد كنت في طريقها، كل شيء ممكن إصلاحه... وصمت أبي بعض الوقت يتحسس أعضاء جسده ليتأكد من سلامتها، ودخل المطبخ حيث تعدّ أمي المزيد من الطعام، ولأن أمي كانت تخشاه وتخاف من صوته القوي، فقد كانت تلبي طلباته وتنفذ رغباته لتوفر له مزيداً من الراحة..
كانت تقول: إن له صوتاً قوياً كالأسد حين يكون جائعاً، ولم يكن غريباً علينا صوته القوي كلما أطلقه... في تلك اللحظة بالذات زأر أبي، فجاءت جارتنا العانس ونامت تحت قدميه مثل شاة تسلم رقبتها للذبح... وقلت لأمي:
ـ هذه الشاة لم تعد تتمتع بالعافية... كانت جارتنا تهزل وينحف عودها يوماً إثر آخر، فمنذ تلك الليلة التي جاء فيها ثلاثة غرباء وأخذوا عشيقها ووضعوه في عربة مغلقة ... أخذوه عارياً بعد منتصف الليل ولم يعد حتى الآن...
قالت أمي:
ـ "إنها ليست شاة بل إوزة كبيرة سنأكلها جميعاً عندما تحين الفرصة، وذات مساء أمسكت الفرصة ومرغتها على وسادتي، وجعلت أخرج مياهاً ساخنة من جسدي، وأبلل بها الوسادة، لكن أطرافي ترطبت بفعل المياه وجاءت شقيقتي وغسلت أطرافي، ورشت الغرفة بسائل معقم لتبعد عن البيوت هجوماً متوقعاً للفايروس المعدي، وكانت تقول لنا: "ينبغي ألا نصاب بالمرض لأننا أناس فقراء ومن طبقة فقيرة، ينبغي ألا نمرض لأن ذلك سيكلفنا كثيراً، وبالمناسبة:
ـ أنا لا أعرف ماذا تعني الطبقة لكن شقيقتي كانت تقول لنا:
ـ نحن من طبقة متدنيّة والتدنّي يعني الهبوط نحو الأسفل، وذات يوم عابت عليّ أن لا أصدقاء لي ليتزوجها أحدهم، فقلت لها:
ـ بالعكس، لي تسعة أصدقاء، الأول والثاني والثالث ذهبوا أسرى في الحرب الأخيرة ولم يبق لي من الأصدقاء غير ستة فقط، وهم غير كافين لسدّ الرمق الأخير من جوعنا الشرس.. قالت إن أبي يطّبب جارتنا العانس، هل تصدق؟..
والغريب بالأمر أني أصدّق كل ما يقال وما أفكر فيه...
أصدق ما لا يصدقه أحد غيري ـ استمرّ المطر ينزل بغزارة لا مثيل لها منذ ليلة أمس... كانت الشوارع خالية من المارة وليس ثمة من يجرؤ على السير فيها، ولكن النوافذ تضاء بين حين وآخر... كانت جارتنا في البيت المقابل تخلع ثيابها كاملة وترتدي معطفاً وتغطي جسدها الفاتن، وحدي أرى جسدها وربما كانت تعرف أني أقف في النافذة المقابلة وانظر إليها وهي تخلع ثيابها لتنام عارية، عندها يصبح من الصعب علي السيطرة على المياه الساخنة وهي تندفع من جسدي وفوق وسادتي وفراشي وقد بللت أطرافي كلها، كانت جارتي تنظر إلى النافذة وتضحك ملء فمها، لأن مشهداً كهذا لم يكن ليصدّقه أحد. وحدي أصدّق ما يجري أمامي، وما يقال لي وما أسمعه من أخبار.. كان النقاش في البيت محتدماً حول جارتنا العانس عندما صرخ شقيقي فجأة، مقلداً صوت أبي في زئيره:
ـ لنسمع الأخبار يا غجر...
هدأت الحركة وكفت الأصوات مع أننا لم نكن غجراً أبداً، إلا أن الصمت خيّم علينا وهيمن على نفوسنا، قال المذيع بصوت محايد: سادتي المستمعين، إليكم موجز الأنباء. فنهضت في الحال وتوجهت إلى المبولة، لكي أقف أمام الجدار وأتبول، لم أعد أسمع ما قاله المذيع بل سمعت أمي تقول: "أغلقت الأبواب كلها ولن أسمح لأحد بمغادرة البيت، المطر تزداد شدته في الخارج ولا أحد يعرف ماذا يجري هناك في مثل هذه الساعة، عليكم أن تعلموا ألاّ فائدة يجنيها المرء من الخروج إلى الشوارع عندما يزداد المطر... كانت أمي أكثرنا حذراً وخوفاً وتردداً. ففي ذلك النهار نمت نوماً قلقاً بسبب نصيحتها لنا، لكني غادرت فراشي بعد قليل وذهبت إلى الحمام وغسلت وجهي وسرحت شعري ورتبت ثيابي، ارتديت قميصي وبحثت عن سروالي الأسود الطويل لأرتديه وأذهب إلى النادي، ولما تعبت من البحث وجدته أخيراً معلقاً في سقف الغرفة، مددت يدي لأسحبه لكني فوجئت به يطير ويحلق فوق رأسي في الفضاء ويرحل بعيداً نحو الشارع ليحط بين يدي جارتنا في البيت المقابل، أخذته وشمّته وجعلته يستقر بين ذراعيها... رأيتها فرحة به وهي تضمه إلى صدرها بحنو لتعود ثانية وتشمه، مرغت وجهها في ثناياه، طيّرته في الهواء، كانت تضحك بوقاحة وفم شهي... في تلك اللحظة جاءت فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها وطرقت الباب وقالت:
"إنها تدرس الهندسة المعمارية في الجامعة وأن بيتنا يصلح نموذجاً للدراسة، كان ثمة شاب يقف خلفها قالت إنه زميلها في الكليّة، وأنه يرافقها حيثما ذهبت وأكدت أن بيتنا بغرفه التسع يلائم نموذجاً لمدرسة عصريّة، فقلت لها: "البيت لا يحتوي على أكثر من ثلاث غرف كبيرة فقط. ضحكت ملوّحة بذراعيها في الهواء، قالت إن ثلاثاً كباراً يمكن تقسيمها على تسع صغار. ولما لم أفهم شيئاً مما قالته أخبرتها بعدم فهمي لكلامها، فقال الشاب: هذا يعود إلى جهلك التام بقوانين الفيزياء والرياضيات المعاصرة ولما كان من الصعب عليَّ أن أفهم ما قاله الشاب طالب الهندسة صمتّ بل وجدت أن الصمت أفضل حالاً من الكلام ولأن بنطلوني مازال عند جارتي، فقد تركت الفتاة وزميلها وذهبت في الحال إلى بيت جارتنا، لأنني لا أملك بنطلوناً آخر... ضغطت على جرس الباب وانتظرت بعض الوقت، خرج لي رجل في الخمسين من عمره، وسحبني إلى الداخل ونادى على ثلاثة شبان أقوياء وأشار لهم عليَّ...
أقعدوني ودفعوني بقوة إلى غرفة شبه معتمة، ضربوني بقوة وشتموني ولعنوا أمي وأبي وهددوني بالتي لا تليق بالرجال وربطوني إلى حامل ثياب وقالوا لي:
ـ عليك أن تتعلم كيف تغلق فمك في الوقت المناسب، وقالوا سنكسر لك أنفك ونحطم فمك، نجعلك تفقد أعضاء جسدك واحداً بعد الآخر، ألم يعلمك أبوك كيف تحسن التصرف مع الآخرين؟.. ألا تدري أن المواء للقطط والنباح للكلاب، سنجعلك تنبح كالكلب.. عند ذاك تركوني وحيداً، وانتبهت إلى شاة تنام بالقرب من حامل الثياب، أخذتها بين ذراعي وشعرت بالدفء يسري في مفاصل جسدي يطوّقني من كل الجهات. نمت بعض الوقت محيطاً الشاة بذراعيّ. ولما أفقت وجدت الكهل يضع زجاجة خمر أمامه ويعبّ منها، ولما دعاني لكي أتناول معه قدحاً، قلت له:
ـ إني أخشى سخرية الآخرين..
فقال لي ضاحكاً: هيا تعال لا سخرية ولا هم يحزنون.
عندها تناول رشفة سريعة من قدحه وجعل لسانه يتلمض بها، وبعد أن أخذ الجرعة الثانية، قال لي:
ـ اطمئن لن ينال منك أحد بعد الآن فقد نفذت ما طلب منك بالتمام، يالك من شاب ذكي تحسن التصرّف مع الآخرين، جربت حظّي مع المنكر للمرّة الأولى فتناولت قدحين بالتتالي ثم أتبعتها بقدح ثالث وكان الكهل يبتسم مندهشاً لرؤيتي وأنا أتناول الخمرة على خلاف عادة الناس في تعاطيهم لها.. صاح بي من بين أسنانه النخرة:
ـ ارحم نفسك وحالك ما تشربه ليس عصيراً طازجاً كما تظن فأخذت القدح الخامس وسقطت على وجهي وسال دم كثير من أنفي وفمي، وجاءت الفتاة تحمل سروالي الأسود الطويل، وهمست بأذني:
ـ إن الرجل هو جدّها وقد عانى طويلاً لأن ابنه ما زال عقيماً ولم يأتِ له حتى الآن ببنت أو ولد كما يتمنى وراحت الفتاة تلعق بلسانها فخذي وبطني وتوقفت
عند سرتي ثم لعقتها مرات عديدة، وبكت من شدّة
فرحها وقالت:
ـ هذه أول مرّة تشاهد فيها سرة رجل وأن سرتي سوداء وعميقة مثل عين قط، أحنيت رأسي لأرى لون سرتي فلم أجدها سوداء بل ورديّة تماماً. أسندت ظهري إلى الجدار لكي أستطيع ارتداء بنطلوني فلم أتمكن، بل سقطت على الأرض عندها أفلت السروال مني... التقطته الفتاة وذهبت إلى غرفتها، خلال ذلك اكتشفت أن الجدار الذي استندت إليه قد تحرك من مكانه. اندهشت لكن الجدار ظل يمشي ببطء حتى بلغ عتبة دارنا والتصق بالباب الخارجي وسده تماماً. تسلّقت الجدار وأصبحت أشرف على حدائق البيوت. صاحت امرأة مترهلة الجلد:
ـ لماذا لا يعود هذا الحمل الوديع إلى بيته؟ وخيّل إليّ أنّها تتحدّث معي، لكنها كانت توجه كلامها لجارتنا العانس، وقالت الأخيرة:
ـ تصوري يا عزيزتي، أمثاله لا يعجبهم العجب فهو لا يرغب بالنساء السمينات، كما أنه لا يحب النحيفات. ومن الواضح أن المرأة أدركت سرّ الشتيمة والسخرية فصاحت بصوت غاضب:
ـ "خذيه ليعبث بأشيائك الخاصة، ولأن صراخ المرأة كان شديد الوقع على روحي فقد خشيت السقوط من أعلى الجدار، وكان ثمة رجل يطارد كلباً ويحاول الإمساك به، لكنه كف عن محاولته عندما شاهدني أنظر إليه مندهشاً ممّا يفعل ولما التقت نظراته بنظراتي الشاخصة إليه، صاح بي غاضباً:
ـ لولاك لما ذهبت محاولاتي هباء، اللعنة، على أمثالك من المتطفلين، تأرجحت لبعض الوقت هناك وبكلتا يديّ تشبثت بحافتي الجدار من الأعلى.. كانت الفتاة الجامعية تلوح بيدها وتشير إلى ورقة مليئة بالكتابة وصاحت:
ـ خذ هذه الورقة معك إلى مدير القسم فقد وضعنا فيها النسب الملائمة للعمل في المباني الشعبيّة وتحويلها إلى بنايات حكوميّة خدمة لفقراء البلد.. خذها إليه. ومع أنه لن يفهم ما نعنيه إلا أننا نعتقد بأن الأمر أصبح واضحاً، ولما لم أجب على صراخها. عاودت الصراخ ثانية:
ـ إننا مجهولون، خذ الورقة وسترى كم سيبدي اهتماماً خاصاً، بأمور من هذا النوع..
بذلت قصارى جهدي لالتقاط الورقة لكن محاولتي اليائسة باءت بالفشل الذريع. صاحت أمي جزعة:
ـ إنكم تتعبون ولدي، اللعنة عليكم وعلى مدرائكم جميعهم، فجأة نهض الكهل وصرخ:
ـ إلى أين تذهب؟..
ـ إلى النادي كما ترى.
ـ سآتي معك، أيمكن أن ألعب كرة المنضدة هناك؟
ـ يمكن عمل كل شيء..
ـ إذن سأجلب ثيابي الرياضيّة...
استويت واقفاً فوق الجدار، لكن الفتاة الجامعية عادت تلوح بالورقة من جديد وقالت:
ـ إن هذه الورقة تعني السيد المدير... هل تفهم؟...
ـ سأفهم بالتأكيد...
قالت: ـ ها أنت ترى، لا أستطيع الذهاب إليه الآن. لأن أباك ما زال يتناول طعامه المفضل...
ـ أفهم، أفهم ماتقصدينه!
ـ منظر كهذا يثير تقزّزي كما تعلم.
وتوقفت برهة أخرى أدير عينيّ في ما حولي، لكي ينتهي كل شيء إلى سلام أكيد، لكنه لم ينته حتى الآن، انتبهت فتاة الهندسة إلى أبي يواصل التهام طعامه، كان منهمكاً في ما يفعل... بكت أمي عليه. صاحت:
ـ يا إلهي لشدّة جوعه سيقضي على نفسه. فقالت الفتاة ضاحكة:
ـ سينفجر مثل بالون أو يحلق في الفضاء من التخمة... تسعة أيام تبحث فيها أمي عن لقمة تطعمها له. وفي كل مرة تعود تجر أذيال الخيبة... وكان رجل يجلس في مقهى مجاور يقول:
ـ لا أحد يدري إلى أين تمضي هذه المرأة المسكينة ومتى تعود، لكنها في كل مرة ترجع فيها باكية، بل تميت نفسها من البكاء.
لا أحد يعلم بهذا كله، يومها أوشك أبي على الموت من الجوع حتى اضطرت أمي أن تقدم له جارتنا العانس على طبق من فضة، التهمها دفعة واحدة، أكلها دون تردد، تناولها وحده، تذوق طعمها ومضغ لحمها الحامض وأفخاذها الممتلئة وجسدها البض يتلوّى بين يديه كنا ننظر مندهشين مما يفعل دون اهتمام بجوعنا كان يشم عظامها، ويقبل جبينها، ويناجي نفسه فرحاً: "يا للطعام الشهي، ياللوليمة الفاخرة".. كانت ضحكة أبي تثير استغراب فتاة الهندسة. ضحكة ممتزجة بحزن واضح، يضحك، يضحك ملء شدقيه وجارتنا العانس تجاريه في الضحك والمداعبة...، صرخت أمي:
ـ يا إلهي سينفجران من الضحك أخاف عليه أن يؤذي نفسه. صمتت. كان صمتها ثقيلاً يثير ريبتي وخوفي لأنها كانت تقطب حاجبيها، ليس هذا وحده بل يتضح الألم على صفحة الوجه... ولأن المطر زاد من شدة نزولـه في المدينة وعلى الشوارع والطرقات والأسطح والمنازل والمقاهي والبارات والحوانيت. أغلقت المتاجر أبوابها خشية من اللصوص وكذلك أنهت دور السينما عروضها وأجلّت مراكز الشرطة دعاوي الناس إلى وقت آخر وهرب العشاق من الحدائق تاركين عشيقاتهم نهباً للضواري من الحفاة والعراة والهائمين على وجوههم دون مأوى، ولكلاب العيد وهي تجوب الزوايا والأركان ومحطات البنزين وأسواق الفواكه ودور عرض الأزياء الراقية، "مع أني لم أدخلها لمرة واحدة في حياتي".. كنت أراها من وراء الزجاج السميك غير القابل للكسر أو على شاشة التلفاز، في تلك اللحظة التي تعاظم فيها المطر وتمادى إلى أقصاه، أركن رجل في الأربعين من عمره عربته عند باب الخان واختفى تاركاً بضاعته نهباً لمن هبّ ودبّ.. وجرى صبي في الرابعة عشرة من العمر إلى أقرب دورة مياه ليحتمي تحت سقفها، مع أنها كانت تغص بالسكان وشذاذ الآفاق"، وهو يصيح:
ـ إلى أين يمضي من لا بيت له ولا مأوى؟.. عند ذاك كانت سيدة حافية القدمين تركض على استحياء خشية أن يراها أحد فيأخذه الظن بها مأخذاً غير حسن... هناك بالقرب من الحديقة العامة تعطلت دراجة الحارس الليلي فأعلن عصيانه على العمل وترك الطرقات وليمة ميسورة للّصوص والجناة وقطاع الطرق من عيارين ومحرومين، وربما فعل مثله بقية حراس الليل، وصاح بي الكهل من بين شفتين متورمتين وأجفان نصف مغمضة كيف نستطيع السير أيها البهلوان، لقد سخرت منّي أيها الوغد، لن أخدع بعد الآن، لن أخدع بالمرة، حتماً ستلوذ بالفرار وتتركني وحيداً لتتدبر أمرك مع هذه الفوضى، أتريد سرقتي، فأنت لص بثياب قديس وربما العكس، ولكن كيف لي معرفة حقيقتك؟... هل أنت قاطع طريق أم شحاذ؟ أتبغي الإيقاع بي؟.. هل أنت عاشق لابنتنا أم أنك تريد النّوم معها فقط؟.. أتنوي السخرية منّي أم تبصق بوجهي وتذهب إلى حال سبيلك؟.. قل لي، من الفتاة التي دخلت بيتكم أهي من الحكومة أم عشيقتك السريّة؟ كان البرد شديداً... وقفت وسط الفوضى العاتية حائراً لا أعرف ماذا أريد وماذا أفعل. قلت لنفسي: "لا بأس فالمرء لا يسعه القيام بتنفيذ الأشياء كلّها"، ووليت وجهي صوب البيت خائباً، كانت أبوابه مشرعة ونوافذه مفتوحة اندهشت إذ لم أجد أحداً في الداخل. لم تكن أمي هناك ولا أبي لم أجد شقيقتي ولا شقيقي. عندئذٍ أدركت أني وحيد في هذا البيت المترامي الأطراف، كنت متعباً وبي رغبة إلى النوم... ذهبت إلى فراشي ودسست جسدي تحت الغطاء لأنام...
كنت أبكي........
|